بعد 23 عاما.. الدجيل هل تقتص من انتقام صدام

  في يوم حار قبل اكثر من 23 عاما توجه الرئيس العراقي السابق صدام حسين في سيارة مرسيدس بيضاء مصفحة الى بلدة تقع شمالي العاصمة بغداد مباشرة.

وسيمثل صدام يوم الاربعاء المقبل في قاعة اعدت في مجمع قصره الرئاسي السابق للمحاكمة فيما يتصل باحداث تلك الزيارة.

وكانت في استقبال الموكب الذي ضم ست سيارات حشود صغيرة من السكان الذين هتفوا بحياة صدام لدى وصوله الى الدجيل على بعد 60 كيلومترا من العاصمة في الثامن من يوليو تموز عام 1982. وكانت اجراءات الامن بسيطة وراح الصبية يركضون بجوار سيارة الرئيس اثناء مرورها في شوارع البلدة.

ولم يكن صدام السني العلماني الذي بدأ قبل 18 شهرا من ذلك التاريخ حربا على ايران الشيعية يتمتع بشعبية في البلدة التي يغلب الشيعة على سكانها.

لكن الخوف الذي بثه في نفوس شعبه بعد ثلاثة اعوام من توليه الرئاسة دفع النساء من سكان البلدة في عباءاتهن السوداء الى تقبيل يديه ووجهه فيما كان الرجال يهتفون باسمه.

والقى صدام كلمة من فوق سطح احد المباني وزار بضع اسر لتلتقط له صور مع اطفالها ثم اعلن انه سيتوجه إلى الحي القديم في البلدة حسب تغطية تلفزيونية التقطها مصور يعمل لدى صدام في ذلك اليوم وعرضها تلفزيون "تشانل 4 نيوز" البريطاني الشهر الماضي.

وفي الطريق فتح مسلحون ينتمون لحزب الدعوة الشيعي السري كانوا يختبئون بين اشجار النخيل على حافة البلدة النار على ركب صدام لدى مروره بأحد التقاطعات في محاولة فاشلة لاغتيال الرئيس الذي كان يبلغ من العمر 45 عاما في ذلك الوقت.

وواصل صدام زيارته بعد ذلك لكن اللقطات التلفزيونية تظهر ان الواقعة هزته. واشار إليها صدام في وقت لاحق ذلك اليوم بقوله ان تلك الطلقات القليلة لن تفت في عضده.

وعند مغادرته الدجيل في ذلك اليوم توقف صدام ليستجوب بعض الرجال على جانب الطريق محاولا اكتشاف من حاول قتله. ويقول الادعاء إنه أمر قوات الامن بعد ذلك بالانتقام ممن حاولوا اغتياله واسرهم.

وسيحاكم صدام وسبعة أشخاص اخرين بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية فيما يتعلق بمقتل اكثر من 140 رجلا من سكان الدجيل بعضهم قتل في نفس ذلك اليوم وعشرات اخرون خلال الشهور والاعوام التالية.

كما يزعم الادعاء ان لديه أدلة على ان صدام امر باعتقال زوجات وابناء المشتبه فيهم ونقلهم إلى سجن ابو غريب. ثم احتجزوا بعد ذلك لسنوات في معسكر اعتقال في الصحراء قرب الحدود السعودية.

ثم اتلفت زراعات وبساتين النخيل والفواكه في البلدة الواقعة على ضفاف نهر دجلة وغمرت اراضيها بالماء المالح وباتت أرضا بورا.

وبعد 23 عاما ما زال سكان الدجيل يتذكرون بوضوح احداث ذلك اليوم والسنوات التي تلته ويذكرون اصدقاءهم واقاربهم الذين قتلوا أو "اختفوا" على ايدي قوات صدام ولا يطيقون صبرا على رؤية صدام يمثل للمحاكمة.

وقالت ام احمد التي اعتقل اشقاؤها ويعتقد أنهم اعدموا بعد ذلك لرويترز "اريد القصاص لاخوتي السبعة" في اشارة إلى المحاكمة التي يحتمل ان تدلي خلالها بشهادتها.

ومضت قائلة "اتهموا بأنهم اعضاء في حزب الدعوة لكني لا اعرف ما حدث لهم. لم أر جثثهم حتى الان" مضيفة ان أحد اشقائها كان في الثانية عشرة من عمره وفي المدرسة عندما اعتقل.

كما احتجزت ام احمد وشقيقتها ووالدتها الكفيفة وزوجة شقيقها الحامل واستجوبتهن قوات الامن التابعة لصدام حسين في الشهور التي تلت محاولة الاغتيال.

وقالت "نقلنا إلى ادارة المخابرات في بغداد في البداية ثم الى ابو غريب حيث قضينا 11 شهرا."

واضافت "ارسلونا بعد ذلك إلى الصحراء قرب السماوة بالقرب من الحدود السعودية حيث قضينا أربع سنوات."

ويقال إن اجراءات الانتقام من الدجيل بدأت على الفور عقب محاولة الاغتيال.

فجاءت طائرات هليكوبتر وفتحت النار على احياء البلدة ومزارعها وحضرت وحدات من الجيش لقطع اشجار النخيل وغمر الاراضي بالملح وازالت الجرافات منازل بالبلدة. ولا تزال المنطقة المحيطة بالمكان الذي وقع فيه الهجوم قاحلة مهجورة.

ويزعم أن برزان ابراهيم التكريتي اخا صدام غير الشقيق الذي كان يتولى رئاسة جهاز المخابرات هو الذي نظم عمليات القتل وان طه ياسين رمضان نائب صدام رتب اتلاف الحقول وهدم المنازل.

وقال محمد حسن محمود المجيد الرئيس الحالي لبلدية الدجيل ان البلدة خربت ودمرت اسباب الرزق بها.

واضاف ان 225 من سكان البلدة اعدموا رغم عدم العثور على جميع جثثهم. وذكر ان اكثر من 200 من السكان "اختفوا". وقال ان معظم هؤلاء كانوا من الصبية حيث ان رجال البلدة كانوا قد ارسلوا للمشاركة في الحرب على ايران.

ويأمل المجيد ان يتمكن من حضور جلسة المحاكمة يوم الاربعاء. وقال لرويترز ان ما يريده اهالي البلدة هو العدل لا اكثر.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاربعاء 19/ تشرين الأول/2005 -  15/ رمضان/1426