فرنسا ترفض ازالة تمجيد الاستعمار من مناهجها التربوية

اعلن وزير التربية الفرنسي جيل دو روبيان في مقابلة مع مجلة "جورنال دو ديمانش" في عددها الاحد ان القانون المثير للجدل حول "الدور الايجابي" للاستعمار الفرنسي فيما وراء البحار "لا يتطلب تعديلا في برامج التاريخ الحالية".

ويوصي قانون 23 شباط/فبراير 2005 الذي مجد "الدور الايجابي للاستعمار الفرنسي فيما وراء البحار لا سيما في شمال افريقيا" بان يدرج في الكتب المدرسية "الاعتراف بتضحيات مقاتلي الجيش الفرنسي المتحدرين من هذه الاراضي واعطائهم الاهمية المرموقة التي يستحقونها".

وفي رد على سؤال حول "ما اذا وجب تطبيق القانون المثير للجدل وكيف؟

 قال دو روبيان "ان البند الرابع من قانون 23 شباط/فبراير 2005 لا ينطوي على اي تعديل في برامج التاريخ الحالية التي تتناول موضوع التواجد الفرنسي فيما وراء البحار من جميع جوانبه".

واضاف الوزير "ليس هناك اي تاريخ رسمي بل هناك في المقابل برامج رسمية تقررها الوزارة" مؤكدا "ان برامج التاريخ تصيغها فرق من المتخصصين تتكون من اساتذة جامعيين ومفتشين عامين ومدرسين تتوفر فيهم كافة ضمانات الكفاءة العلمية والتربوية".

واثارت المصادقة على هذا القانون عدة احتجاجات في فرنسا لا سيما لدى المؤرخين والمدرسين الذين انتقدوا "التضليل الرسمي حول الجرائم والمذابح التي ذهبت في بعض الاحيان الى حد عمليات الابادة".

وفي الجزائر المستعمرة الفرنسية من 1830 الى 1962 اعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في نهاية حزيران/يونيو ان هذا القانون "يشكل ضررا عقليا يضاهي انكار الجرائم" في اشارة بالخصوص الى القمع الدامي الذي امرت به السلطات الاستعمارية الفرنسية ضد الجزائريين في سطيف (شرق) في ايار/مايو 1945.

من جهة اخرى وبعد اكثر من اربعين سنة على مقتل عشرات الجزائريين في باريس في السابع عشر من تشرين الاول/اكتوبر 1961 يروي فيلم روائي وقائع عملية القمع الدامية في مؤشر يدل على ان السينما الفرنسية اخذت تتجرأ على التطرق لمواضيع كانت من المحرمات.

وعلاوة على ذلك يجري الاعداد لفيلم آخر يتناول عملية اختفاء المعارض المغربي المهدي بن بركة في تشرين الثاني/نوفمبر 1965 في باريس وثلاثة افلام تتناول حرب الجزائر (1954-1962) في دلالة على عودة الاهتمام بالمواضيع السياسية بعد ان اقصيت من الشاشة خلال السبعينات.

كذلك يجري الاعداد لمشروع فيلم حول عملية الابادة في رواندا 1994 والتي اتهمت فرنسا بالتورط فيها.

ويعرض فيلم "ليل حالك" للمخرج ألآن تسما وكاتب السيناريو المؤرخ والكاتب بتريك روتمن في التاسع عشر من تشرين الاول/اكتوبر في قاعات السينما الفرنسية وقد اشترته البرازيل وكندا حيث عرض في مهرجان تورونتو.

وقال بتريك روتمن لوكالة فرانس برس "لاول مرة تتناول السينما هذه القصة التي تعتبر من المحرمات وفقدت الذاكرة حيالها في حين هناك ارادة في طي صفحة التاريخ وربما تمزيقها".

واضاف كاتب السيناريو الذي اشتهر بقصتي "العدو الحميم" و"حاملو الحقائب" انه "منذ نحو ثلاثين سنة لم تهتم السينما بحرب الجزائر. لم نر في فرنسا مثلما جرى في الولايات المتحدة بشان حرب فيتنام".

ويروي فيلم "ليل حالك" الذي انتجته قناة "كنال+" على طريقة الافلام البوليسية ماساة السابع عشر من تشرين الاول/اكتوبر 1961 عبر عدد من الشخصيات تتقاذفها الاحداث. ودعت حينها جبهة التحرير الوطني (الجزائرية) نحو ثلاثين الف جزائري مسالم بين رجال ونساء واطفال الى مغادرة الاحياء الفقيرة في ضواحي باريس والتوجه لقلب العاصمة الفرنسية للتظاهر احتجاجا على فرض حظر التجول عليهم.

واطلقت الشرطة النار على المتظاهرين واعتقلت اكثر من 11 الفا منهم. وفي اليوم التالي طفت جثث على سطح نهر السين وعلى الارجح لن يتم التوصل ابدا لمعرفة عدد الضحايا الحقيقي. وصدرت الاوامر حينها عن رئيس بلدية باريس موريس بابون الذي ادين في 1998 بالتورط مع النازية في جرائم ضد الانسانية خلال الحرب العالمية الثانية.

وكتبت صحيفة ليبيراسيون (يسار) "انها المرة الاولى التي يطمح فيها فيلم الى اعادة تشخيص دقيقة لهذه الحقبة التي ما زالت من المحرمات في تاريخ فرنسا" بينما وصفت "لوفيغارو" (يمين) الفيلم بانه "صفعة تزعج وتقض المضاجع".

وذكر باتريك روتمن ان "المؤرخين والصحافيين لم يتوقفوا عن سبر هذه الهوة في الذاكرة" لكن السينما لم تفعل ذلك باستثناء المخرج ايف بواسيه في فيلم "لا شىء يذكر" (ار.آ.اس) وريني فوتييه "في العشرين من العمر في الاوراس" في 1972.

وقال باتريك ان الاميركيين "قادرون على النظر بسرعة الى ماضيهم وتوظيف السينما في دور اريكة محلل نفسي جماعية". وتابع ان هذا ما فعله فرانسيس فورد كوبولا واوليفر ستون ومايكل تشيمينو مؤكدا ان "هناك حاجة الى الغفران وطرح كبرى الصدمات الجماعية على الطاولة. ذلك جعل الضمير الاميركي قادرا على التساؤل والقيام بنقد ذاتي".

ويقارن ألان تسما السابع عشر من تشرين الاول/اكتوبر بسر عائلي "مخزي". ويقول "لا يمكن لفرنسا ان تفتخر بما وقع في ذلك اليوم" مذكرا بان هذه الواقعة وصفت بعبارة "جريمة دولة. وقعت مذبحة ارتكبها رجال يرتدون بزات الشرطة وياتمرون باوامر حاكم عينه الجنرال ديغول".

من جهة اخرى اوضح ان من اجل الحصول على تراخيص التصوير في باريس عرضنا سيناريو على رئيس الشرطة "ولم يجدوا ما ينتقدون". وقال "من الكرامة ان تعترف الدولة الفرنسية بان جريمة ارتكبت" مؤكدا "كما جرى بالنسبة لفيل ديف" (عملية اعتقال جماعية طالت اليهود الباريسيين خلال الحرب العالمية الثانية).

وفيما يبدو سابقة سيعرض فيلم "ليل حالك" في قاعات السينما بطلب من اصحاب الصالات وموزعي الافلام وكذلك في الاشرطة المدمجة بعد ان بثته قناة "كنال+" في حزيران/يونيو" وستعيد بثه مجددا ست مرات.

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 18/ تشرين الأول/2005 -  14/ رمضان/1426