الشعب الامريكي يقبل دستورا عراقيا غير ديمقراطي إذا ما حظي بموافقة الشعب العراقي

في دراسة جديدة أعدها برنامج قياس (الرأي العام بخصوص القضايا الدولية Program on International Policy Attitude)  PIPA بجامعة ولاية ميريلاند وبالتعاون مع (مجلس شيكاغو للعلاقات الخارجية Chicago Council on Foreign Relations)، أظهرت غالبية الشعب الأمريكي رفضا لمبدأ استخدام القوة العسكرية من أجل نشر الديمقراطية.

ومثلت الدراسة خلاصة مقابلات وأسئلة وجهت لعينة تتألف من 808 مواطن أمريكي مثلت مختلف الأعمار السنية والخلفيات المهنية والأثنية والعرقية، وتمثل نسبة الخطأ الأنحرافي ما بين ( +- 3.5%+-4.0 %). وأعرب 74% من الأمريكيين (60% من أنصار الجمهوريين - حزب الرئيس جورج بوش) أن هدف إسقاط نظام الحكم المستبد السابق في العراق وتأسيس حكومة ديمقراطية لا يمثل سببا كافيا لشن حرب حسب ما نقل موقع تقرير واشنطن. وأضاف 72% من عينة الدراسة أن التجربة الأمريكية في العراق قد آثرت سلبا على أرائهم بخصوص أمكانية استخدام القوة المسلحة لنشر الديمقراطية في المستقبل.

أولا: نشر الديمقراطية باستخدام الأداة العسكرية

رفضت غالبية المواطنين الأمريكيين فكرة استخدام الأدوات العسكرية من أجل دعم ونشر الديمقراطية، وسواء كان الهدف إسقاط حاكم ديكتاتور أو حتى التهديد بمجرد استخدام الأدوات العسكرية ضد أنظمة حكم لا تلتزم بإصلاحات ديمقراطية. 35% أعربوا عن موافقتهم من حيث المبدأ على استخدام القوة العسكرية من اجل إسقاط الحكام الديكتاتوريين، في حين عارض تلك الفكرة 55% من المشاركين.  في حين رفض 66% إمكانية أن تهدد الولايات المتحدة باستخدام القوة المسلحة إذا لم تطبق الدول إصلاحات ديمقراطية، في حين وافق فقط 21% من المشاركين.

ثانيا: الحرب في العراق

ذكرت الغالبية العظمي ممن استقصت أراؤهم بخصوص الحرب في العراق أن هدف إقامة ديمقراطية في العراق لا يمثل سببا كافيا للحرب هناك. ووافق 19% من المشاركين على منطق نشر الديمقراطية كسبب للتدخل العسكري الأمريكي في العراق، في حين رفض 74% من المشاركين هذه المنطق. وارتفعت نسبة الموافقين بين أنصار الحزب الجمهوري لتصل إلى 35%، في حين انخفضت هذه النسبة بين أنصار الحزب الديمقراطي لتصل إلى 12%.

ومثلت نتائج التورط الأمريكي في العراق حتى الآن خبرة سيئة للمواطنين الأمريكيين فيما يتعلق بفكرة تقديم مساعدة للديمقراطيات الناشئة عن طريق استخدام الأدوات العسكرية.  وعبرت غالبية الموطنين الأمريكيين 72% أن الحالة العراقية حتى الآن تمثل لهم خبرة سيئة، وعلى العكس من ذلك ذكر 19% أن الحالة العراقية تمثل خبرة جيدة بخصوص استعمال الأدوات العسكرية من أجل نشر الديمقراطية. كذلك أعرب 64% من المشاركين عن استعدادهم لقبول دستور عراقي غير ديمقراطي بالمعايير المتعارف عليها دوليا (وارتفعت النسبة إلى 65% بين الجمهوريين) إذا ما تمت الموافقة عليه من قبل الشعب العراقي. في نفس الوقت وافقت الغالبية 75% على ضرورة بدء انسحاب القوات الأمريكية بمجرد اعتماد الدستور العراقي الجديد.

ثالثا: فوائد الديمقراطية

لم يقتنع المواطنون الأمريكيون حتى الآن بمقولة أن نشر الديمقراطية يخدم مصالح أمريكا العليا. ولم تقنع فكرة الأكاديميين الأمريكيين بأن عالم به ديمقراطيات أكثر هو بالضرورة عالم أكثر أمانا. ويرى 26% من المشاركين أن العالم سيكون أكثر أمانا مع وجود ديمقراطيات أكثر، في حين يرى 68% أن الديمقراطية تجعل الدول نفسها تتمتع بحياة أفضل (اقتصاديا واجتماعيا) لكنه ليس بالضرورة يعني عالم أكثر أمانا مع وجود المزيد من الديمقراطيات.

وانقسم الأمريكيون فيما بينهم حول فكرة أن الدول الديمقراطية تصبح أقل احتمالا لتوليد الإرهابيين والجماعات الإرهابية، إذ يرى 45% من المشاركين أن الدول الديمقراطية أقل احتمالا لتفريخ إرهابيين، في حين يرى 46% أن الأفراد يدعمون الإرهابيين بسبب معتقداتهم الدينية، ووجود حكومات ديمقراطية لن يستطيع تغيير هذا التصور. 

أما عن مقولة أن الدول الديمقراطية لا تشن حروبا على بعضها البعض، وأن الدول الديمقراطية هي دول صديقة للولايات المتحدة، فكان الرأي منقسما حولها أيضا.

وفي الوقت الذي يرى فيه غالبية الأمريكيين أن الديمقراطية هي أفضل نظم الحكم، ويثمن مناصرو الحزب الجمهوري من بين المواطنين الأمريكيين الديمقراطية كفكرة ونظام حكم بنسب أكبر من أقرانهم من الديمقراطيين.

وأظهر الاستقصاء ظهور مؤشرات على تدهور نسبة الأمريكيين الذين يعتقدون أن الديمقراطية هي نظام حكم مناسب لكل الدول. 

رابعا: الديمقراطية كأولوية في السياسية الخارجية الأمريكية

بصفة عامة أعربت غالبية الأمريكيين أن نشر الديمقراطية يجب أن يضمن أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، لكنه لا يجب أن يكون على رأس أولويات هذه السياسية. ويري 27% من المشاركين أن نشر الديمقراطية يجب أن يكون هدفا هاما جدا للسياسية الخارجية الأمريكية، في حين يرى 49% أنه هدف هام لهذه السياسات. وأبدى 19% من المشاركين ضرورة ألا يمثل هدف نشر الديمقراطية أي أهمية في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية.    

ويطلب الأمريكيون منهجا عمليا في التعاطي مع هذا الهدف: فيمكن في بعض الحالات أن يتم التأكيد على ضرورة نشر الديمقراطية، ولا يجب أن يتم الضغط من أجل نشر الديمقراطية في حالات أخرى. وفي حين ترى غالبية الأمريكيين ضرورة دعم نشر الديمقراطية في المملكة السعودية عن طريق دعم فكرة الانتخابات المحلية، لا يوافق غالبية الأمريكيين على مبدأ نشر الديمقراطية إذا كانت ستجلب أصوليين إسلاميين للحكم كما هو متوقع في حالة باكستان.

خامسا: نشر الديمقراطية بوسائل دبلوماسية وطرق (سبل) تعاونية

أيدت غالبية المواطنين الأمريكيين فكرة دعم ونشر الديمقراطية بالوسائل السلمية التي تشتمل على توفير مساعدات فنية لإجراء الانتخابات، وإرسال مراقبين لضمان نزاهتها، أو إحضار طلبة وصحفيين وسياسيين لتلقي تدريب في الولايات المتحدة. وعارضت الغالبية استخدام وسائل عنيفة مثل العقوبات الاقتصادية، أو مساعدة المعارضين السياسيين. وترى غالبية الأمريكيين ضرورة استخدام المساعدات الاقتصادية "سواء كانت أمريكية أو دولية" كوسيلة لمكافأة الديمقراطيات الجدية وليس كوسيلة لمعاقبة الدول غير الديمقراطية. 

سبل نشر الديمقراطية المفضلة عند الأمريكيين

74% يحبذون توفير المساعدات الفنية والمالية.

66% يحبذون إرسال مراقبين أمريكيين لضمان انتخابات حرة ونزيهة.

66% يحبذون تشجيع الحكومات على تبني صيغ ديمقراطية مقابل منح مالية، ومساعدات من أجل التنمية.

35% يحبذون استخدام الأدوات العسكرية لإسقاط الحكام الديكتاتوريين.

31% يحبذون مساعدة المعارضة السياسية ضد الأنظمة غير الديمقراطية.

سادسا: التعاون الأمريكي مع الأمم المتحدة

أيدت غالبية الأمريكيين أن تتعاون دولتهم مع منظمة الأمم المتحدة من أجل نشر الديمقراطية. كذلك ترى الغالبية ضرورة أن يكون نشر الديمقراطية هو أحد أهم أهداف الأمم المتحدة.

ورأت غالبية بلغت 68%من المشاركين ضرورة أن تعمل الولايات المتحدة مع منظمة الأمم المتحدة من اجل نشر الديمقراطية، في حين رأى 25% منهم أن الولايات المتحدة أكثر فعالية بدون التعاون مع المنظمة الدولية.

سابعا: الضغط من أجل قضية حقوق الإنسان

أيدت غالبية الأمريكيين ضرورة أن تضغط الولايات المتحدة دبلوماسيا على الحكومات الأخرى من اجل الالتزام بالمبادئ والمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وأن تعمل بجدية ضد انتهاكات حقوق الإنسان. ولا تمانع غالبية الشعب الأمريكي في أن تعمل حكومتهم على حث الدول الأخرى الكبرى لتبني نفس أساليب الضغط من أجل أن يكون العمل أكثر قوة وفعالية لاحترام حقوق الإنسان عالميا. وعبر 66% -70% من المشاركين عن موافقتهم على الضغط بوسائل دبلوماسية من أجل دفع دول مثل بورما والصين ومصر وإيران وباكستان وروسيا والسعودية للالتزام بمبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها في الاتفاقيات الدولية.

ثامنا: تحفظات بخصوص الديمقراطية الأمريكية

كانت هناك تحفظات أمريكية بخصوص مبدأ الضغط على الدول الأخرى من أجل تبني أساليب أكثر ديمقراطية، وتنبع هذه التحفظات من عدم الثقة في أن الولايات المتحدة نفسها "ديمقراطية جيدة". ولا يرضى الأمريكيون عن مستوى تمثيل الحكومة الأمريكية لرغبات الرأي العام الأمريكي، خاصة عندما يتم مقارنة هذا الوضع بالوضع في ديمقراطيات راسخة مثل المملكة المتحدة أو السويد.

شبكة النبأ المعلوماتية -الأثنين 17/ تشرين الأول/2005 -  13/ رمضان/1426