
انهت السلطات العراقية استعداداتها للاستفتاء على دستور مرحلة ما
بعد صدام حسين في عملية تصويت تاريخية بدأت الخميس في المستشفيات
والسجون ومراكز الاعتقال.
وتم ادخال تعديلات اللحظة الاخيرة الى مسودة الدستور التي تطرح
للاستفتاء السبت المقبل لكسب تأييد العرب السنة في حين طلب المرجع
الشيعي اية الله علي السيستاني من العراقيين الموافقة على الدستور.
وتتيح ابرز التعديلات على النص للجمعية الوطنية التي سيتم انتخابها
في الخامس عشر من كانون الاول/ديسمبر تعديل الدستور.
وستسمح التعديلات للعرب السنة في حال انتخاب عدد كاف من نوابهم
بتلبية مطالبهم بخصوص الفدرالية التي تثير مخاوفهم.
وقال مصدر في مكتب السيستاني ان "سماحته يحض (على التصويت) لصالح
مسودة الدستور واي شخص يتصل بالمكتب للاستفسار عن هذا الامر سيجيبونه
ان سماحته يحض على التصويت لصالح المسودة". لكن لم تصدر اي فتوى منذ
ذلك الحين.
ويصدر السيستاني بصورة اجمالية توجيهاته من خلال اعضاء مكتبه متجنبا
في اغلب الاحيان الادلاء بتصريحات علنية. وكانت اللائحة التي دعمها
فازت بالمرتبة الاولى في الانتخابات التشريعية في كانون الثاني/يناير
الماضي.
وكان المرجع دعا في نهاية آب/اغسطس الماضي العراقيين الى تسجيل
اسمائهم على اللوائح الانتخابية تمهيدا للاستفتاء.
وقد صرح وكيله الشرعي في كربلاء احمد الصافي مساء الاربعاء انه "على
المؤمنين العراقيين التوجه الى مراكز الاقتراع للتصويت بنعم على
الدستور بعد التعديلات التي تم ادخالها امس (الاربعاء) والتي تلغي جميع
الذرائع".
واتخذت السلطات اجراءات امنية مشددة استعدادا لعملية الاستفتاء
وسيكون البلد مقطوعا عن العالم ومشلولا لمدة ثلاثة او اربعة ايام
اعتبارا من الخميس.
وستلعب القوة المتعددة الجنسيات وعمودها الفقري 140 الف جندي اميركي
دورا داعما لاجهزة الامن العراقية المكلفة السهر على الاستفتاء.
ولم تخف حدة العنف قبل الاستفتاء خصوصا وان التنظيمات المتطرفة
وبينها فرع شبكة القاعدة تهدد بمزيد من العمليات. واوقعت العمليات
الانتحارية اكثر من تسعين قتيلا في ثلاثة ايام.
الى ذلك اعلنت اللجنة الانتخابية ووزارة حقوق الانسان بدء التصويت
في السجون ومراكز الاعتقال العراقية والاميركية والمستشفيات الخميس
للاستفتاء العام على مسودة الدستور. وقال احد مسؤولي اللجنة عبد الحسين
الهنداوي ان "الموقوفين بدأوا التصويت".
وبدوره قال مسؤول في وزارة حقوق الانسان ان "التصويت بدأ صباح اليوم
(الخميس) وسنقوم بمراقبة العملية بمشاركة اللجنة الانتخابية".
واضاف المسؤول رافضا ذكر اسمه ان "فرقا عدة من وزارة حقوق الانسان
توجهت الى السجون ومراكز اعتقال تحت سيطرة الاميركيين والعراقيين في
بغداد واماكن اخرى".
وتابع ان "نائب رئيس الوزراء عبد المطلق الجبوري موجود في معسكر
بوكا جنوب العراق للاطلاع على سير العملية". ويشرف الاميركيون على
مركزي الاعتقال بوكا وابو غريب.
وفي الكوت (175 كلم جنوب) قال ممثل اللجنة الانتخابية جعفر عبد
الصاحب ان 470 معتقلا في سجني المدينة ادلوا باصواتهم مضيفا ان العملية
جرت بحضور مراقبين من منظمات غير حكومية.
كما بدأت عملية التصويت في المستشفيات ايضا.
وفي بغداد ادلى موظفو مستشفى اليرموك من اطباء وحرس وعاملين وممرضين
عددهم حوالى الف شخص باصواتهم في ثلاثة مراكز وفقا للمسؤول هناك يوسف
ابراهيم.
كما سيدلي عشرات المرضى باصواتهم ايضا.
ويستعد العراق لعزل نفسه عن العالم الخارجي ووقف الحركة بالداخل في
مختلف ارجاء البلاد لتجنب خطر تهديدات المقاتلين العازمين على تقويض
الاستفتاء، وقال باقر صولاغ جبر وزير الداخلية لدى اعلان الاجراءات يوم
الخميس في حين بدأ اقتراع مبكر في المستشفيات والسجون ان الحدود ستغلق
اعتبارا من منتصف الليل (2100 بتوقيت جرينتش) واغلقت الاعمال في عطلة
تستمر اربعة أيام وسيحظر سير السيارات الخاصة اعتبارا من مساء الجمعة.
والحق انفجار اضرارا بمكاتب جماعة سياسية سنية عربية في مدينة
الفلوجة غربي بغداد بعد أن انشق الحزب الاسلامي العراقي يوم الاربعاء
عن الصف ووافق على تأييد الدستور في اطار اتفاق توسطت فيه الولايات
المتحدة لتعزيز الوحدة الوطنية واحتواء الصراعات الطائفية والعرقية.
وأشاد متحدث باسم البيت الابيض بالاتفاق ووصفه بالايجابي وقال انه
سيشجع المزيد من العراقيين على المشاركة في السياسة. وتحرص واشنطن على
رؤية حكومة قوية في بغداد يمكنها الدفاع عن نفسها مما يسمح للقوات
الامريكية بالبدء في الانسحاب.
وقال أحد العاملين عرف نفسه باسم حسين بعد أن أدلى بصوته "كان هناك
اقبال كبير. الناس تشعر بارتياح ازاء هذا التغيير الجديد وعن الاتفاق
الذي توصلت اليه الاحزاب السياسية. التصويت سيجري بشكل جيد ان شاء
الله."
واتيحت الفرصة كذلك لالاف المعتقلين ومنهم من يشتبه في انهم مقاتلين
محتجزون دون توجيه اتهامات اليهم في سجن أبو غريب في بغداد للادلاء
بأصواتهم يوم الخميس. لكن المسؤولين لا يعرفون ما اذا كان ذلك سينطبق
على صدام حسين الذي يواجه المحاكمة الاسبوع المقبل في جرائم ضد
الانسانية.
وأكد متحدث باسم المحكمة أن المحاكمة ستبدأ يوم الاربعاء المقبل
وقال ان ممثلي الادعاء لم يحددوا بعد ما اذا كانوا سيطالبون بالاعدام
كما يريد العديد من العراقيين.
وقبل التصويت بث التلفزيون ساعات من الاعلانات الحكومية تشمل مشاهد
مصورة تصاحبها الموسيقى لعراقيين يتحدون المسلحين والمهاجمين ليتحدوا
وراء الدستور ويعيدوا بناء بلادهم.
لكن بريطانيا الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في العراق حذرتهم من
توقع تحقيق الاستقرار في وقت قريب. وقال وزير الخارجية جاك سترو "اعتقد
انه في خلال خمس سنوات الى عشر سنشهد تحوله الى بلد مستقر."
وضمن الاكراد الذين يمثلون نحو 20 بالمئة من السكان كذلك ان يحمي
الدستور منطقة الحكم الذاتي الكردية في الشمال التي اقاموها بعد هزيمة
صدام في حرب الخليج عام 1991.
لكن العديد من السنة الذين يمثلون نحو 20 بالمئة من السكان يخشون من
أن الدستور قد يحمل في طياته نتيجة لذلك مخاطر تقسيم الدولة ومنح
السيطرة على حقول النفط لطوائف أخرى. وحذر بعض الزعماء من احتمال نشوب
حرب أهلية.
ويعتزم نشطاء متشددون ومقاتلون أجانب يلهمهم تنظيم القاعدة وقوميون
عراقيون بعضهم من أنصار صدام تدمير النظام السياسي الذي أقيم في ظل
الاحتلال الامريكي والذي جاء بالشيعة والاكراد الى الحكم.
وفشلت مفاوضات استمرت شهورا مع زعماء معتدلين من السنة في التوصل
الى اجماع وطني على الدستور ورد العديد من الساسة السنة بغضب على قرار
الحزب الاسلامي في اللحظة الاخيرة تأييد الدستور مقابل عدد من
التعديلات الفورية ووعد بمراجعة شاملة له من جانب البرلمان الجديد
العام المقبل.
وعلى أي حال نظرا لانقسام الزعماء السنة بين المقاطعة والتصويت برفض
الدستور لا يبدو ان هناك فرصة كبيرة لاسقاط الدستور حتى في ظل بند يقضي
بان تصويت ثلثي الناخبين في ثلاث من المحافظات الثمانية عشر يمكنه
تعطيل الدستور.
والخوف الاكبر في واشنطن كان ان تمرير الدستور بالاغلبية متحدين
المعارضة العنيفة له سيعني ان الدستور يزيد بدلا من ان يحد من مخاطر
تصاعد أعمال العنف.
لكن ضم بعض زعماء السنة لتأييد الدستور قد يعالج هذه المشكلة.
ولم يتضح الى أي مدى يتوقع السنة أن تعالج اعتراضاتهم الجوهرية على
الطبيعة الاتحادية للدولة في مفاوضات في البرلمان الجديد المقرر ان
ينتخب يوم 15 ديسمبر كانون الاول المقبل بفرض تمرير الدستور. |