شيعة العراق وليس إيران .. هم هدف الهجمة على الإيرانيين

عباس سرحان

عجيب منطق الصخب الذي يقود الكثير من السياسيين والكتاب وهم يتعاطون مع الشأن العراقي، وخصوصا حين يتعلق الأمر بما سماه البعض( التمدد الإيراني) في العراق.. والأكثر غرابة هو أن تساق الأحكام المطلقة والجاهزة المشفوعة بالشتائم والمهاترات دون أن يحظر العقل والكياسة بين أسطر المقالات التي شنت هجوما على الحكومة العراقية لأن وزير داخليتها رد على الأمير سعود الفيصل، ولأن رئيسها الدكتور الجعفري لم يؤيد ما ذهب إليه البعض من وجود تدخل إيراني في العراق.. الكراهية والمواقف المسبقة تذهب بالتوازن في أكثر الأحيان.. هذا أمر معروف، وإلا بم نفسر هذا التناقض الذي وقع فيه بعض من سب وشتم الدكتور الجعفري لأنه لم يشارك في شتم إيران، وبعض من شتم وسب بيان جبر لأنه( شتم) السعودية..لو كان الاعتراض على سخونة الخطاب الذي تحدث به بيان جبر لتفهمنا إذن هدوء خطاب الجعفري. ولكن من غير المقبول أن ندعو للهدوء حين يتعلق الأمر بالسعودية والدول العربية وندعو للضجيج والثورية حين يتعلق الأمر بإيران.. فماذا لو قال بيان جبر ما قاله ضد شامخاني أو خامنئي أو أحمدي نجاد.. هل سنجد وقتها من يدافع عن هؤلاء كما دافع البعض عن سعود الفيصل.. هل سنقول أن العلاقات بين الدول تتطلب خطابا هادئا.. ماذا لو كانت إيران تشن حملة إعلامية على التغيير في العراق وترسل عبر أراضيها آلاف الانتحاريين الذين يقتلون العراقيين.. ماذا لو كان  الزرقاوي من مواليد أصفهان أو لرستان.. وهاجمتها الحكومة العراقية إعلاميا على غرار ما فعل بيان جبر.. هل سيقول لنا بعض السادة والساسة أن هذا غير لائق وأن إيران لا تتحمل مسؤولية من يمر عبر أراضيها؟!

أدعو أولئك السادة الذين كتبوا مقالات شاتمة أن يستمعوا لإجابات هذه الأسئلة من أنفسهم .. همسا ودون أن يعرف أحد بذلك!

في أي قضية لابد أن يكون هناك منطق، إذا كان أحدنا يحترم عقله وموقعه وشخصيته ولا ينساق وراء الشائعات، وقد قال الإمام علي بن أبي طالب(ع) " بين الحق والباطل أربعة أصابع.. الحق أن تقول رأيت والباطل أن تقول سمعت".. هذه أعلى درجات المنطقية، والرائع أن السيد توني بلير كان غاية في المنطقية حين قال إن بلاده تدرس شكوكا حول احتمال تدخل إيراني في العراق( مازلنا نخضع الأمر للنقاش).. بينما قال آخرون في بريطانيا: من المحتمل أن يكون هناك متشددون في حرس الثورة يتحركون دون علم الحكومة الإيرانية..

هذا هو اعتدال بريطانيا المتضرر الأول من التدخل الإيراني على المدى المنظور، لأن التدخل المزعوم استهدف القوات البريطانية أولا.. فأين نحن من هذا الاعتدال والمنطق البريطاني..

للأسف بعضنا يفكر بطريقة قبائلية أو قل بدائية.. يأتي أحدهم ليسمع آخر كلاما في ساعة غضب يشير فيه إلى عرضه من قريب أو بعيد، فيرجع هذا ليقتل أخته أو ابنته.. وفي أكثر الأحيان يدفنها حين ولادتها كي يوفر على نفسه سماع كلمة في يوم عله لن يسمعها أبدا، ولعل العشرات من البنات اللواتي دفنهن آباؤهن كان بينهن من ينفعن البشرية بعلم أو بنسل.. بعضنا للأسف مثل أولئك الآباء المجانين، يهاجم إيران قبل أن يقال له أنت طائفي، أو أنت عميل، أو أنت تقبض الدولارات من السفارة الإيرانية.. والأمر يصدق على الشيعة أكثر من غيرهم وهو يذكر بصغار الجلادين الشيعة في دوائر الأمن والمخابرات.. كانوا أشد من غيرهم إثباتا للولاء، فكي لا يقال لهم أنتم متعاونون مع المساجين الشيعة كانوا يظهرون أشد ما لديهم من قسوة على شركائهم بالمعتقد الديني..

للدول العربية وللبعثيين خبرة في الإعلام ولديهم ماكنة إعلامية قوية.. هم يهاجمون إيران اليوم تحقيقا لعدة أسباب: أولا إثارة مخاوف الغرب من الغول الإيراني المزعوم، وثانيا إثارة الشعوب العربية المختلفة مذهبيا مع إيران، وثالثا إضعاف زخم الأغلبية الشيعية في العراق التي تشترك مذهبيا مع إيران، وهذا هو الأهم، وبالفعل نجحت في تحقيق شيء من هذه الأهداف، بدليل أن كتابا عراقيين شيعة باتوا لا يجرؤون على قول قناعاتهم في موضوع يمت لإيران بصلة..

المواطنون العراقيون في المدن العراقية الوسطى والجنوبية يعجبون مما يقوله البعض أو يكتبه عن وجود هجوم إيراني على المدن تلك، لأنهم ببساطة لايرون ذلك.. بينما بعض الذين زاروا إيران وتجولوا في بعض المدن الإيرانية يضحكون مما يقال بشأن الأطماع الإيرانية، فهم قد رأوا الأرض الشاسعة لإيران وتعرفوا لبعض الوقت على الشعب الإيراني.. هو ليس كما يقرأه بعض السادة من خلال الكتابات القديمة، وليس كما يراه البعض من نوافذ مذهبية ضيقة.. هو شعب مسالم هاديء لا يكن الكراهية لأحد حتى أمريكا التي يضطره بعض الخطباء في صلاة الجمعة إلى الهتاف ضدها.. الناس مشغولون بحياتهم وعمرانهم وملذات الحياة.. فقط نحن مشغولون بالبحث عن الكراهية والعنف وأسباب التوتر.. كما إن في إيران خيرات كبيرة وهي لا تحتاج من العراق إلا إلى المسابح الكربلائية وتربة الحسين "ع" للصلاة.. والمضحك أن صدام في يوم ما أدرك أن أخطر شيء يمكن أن يسيء به للعلاقة بين الشعبين العراقي والإيراني هو ادعاؤه أن الخميني الراحل يريد نقل العتبات المقدسة إلى مدينة قم.. الشعب العراقي ليس ساذجا ليصدق ما يقال اليوم كما هو لم يكن ساذجا فيصدق أن إيران اغتالت السيد محمد باقر الحكيم والسيد الخوئي.. كما قال رئيس الجمعية الوطنية. ولكن العراقيون يقفون عند مثل هذه التصريحات ويقرأونها جيدا ويفهم كثير منهم أنها جاءت ردا على تصريحات بيان جبر ضد سعود الفيصل، وهو أمر مخيف حقا أن ينصب عراقيون أنفسهم دعاة توتر وليس العكس..

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 11/ تشرين الأول/2005 -  7/ رمضان/1426