عقد منتدى الفرات الاستراتيجي المنبثق عن مركز الفرات للتنمية
والدراسات الإستراتيجية في يوم الاثنين الموافق 26/9/2005 جلسته
السادسة والتي ناقشت الباب الثاني من مسودة الدستور العراقي: باب
الحقوق والحريات بعد أن تمت مناقشة الباب الأول في الجلسة الخامسة التي
عقدها المؤتمر قبل أسبوعين من تاريخ الجلسة السادسة، وقد بدأت الجلسة
السادسة للمنتدى بكلمة رئيس الجلسة الأستاذ عمران الكركوشي رحب فيها
بالحضور وبين أهمية الموضوع الذي يجري الحوار فيه، ثم وجه الكلمة
الدكتور احمد باهض تقي (مدير مركز الفرات) الذي اكد على دقة الظرف الذي
يمر فيه العراق وما يتطلبه من ضرورة انفتاح العراقيين فيما بينهم من
خلال حوار جاد وبناء، وما يهدف إليه منتدى الفرات الاستراتيجي ونشاطات
المركز الأخرى في القيام بدور فاعل في خدمة البلد، لاسيما بث الوعي
الدستوري بين أبناء الشعب، ودعا الله أن يوفق الحضور من خلال ما
يطرحونه من رؤى وأفكار في خدمة المسيرة الديمقراطية في العراق.
وبعد أن أنهى مدير المركز كلمته، عاد الكلام إلى السيد مدير الجلسة
الذي أشار إلى وجود ورقتي عمل مقدمتين من قبل كلٍ من الدكتور عبد علي
سوادي (كلية القانون/ جامعة كربلاء)، والأستاذ خالد خضير دحام (كلية
القانون/ جامعة كربلاء)، وقد ألقى الدكتور سوادي ورقته التي أشار فيها
إلى إن الدساتير غالبا ما تكتب بعد وقوع تغييرات اجتماعية– سياسية
جسيمة في البلاد، ليعكس تطلعات الشعب الجديدة، على سبيل المثال كتب
دستور الولايات المتحدة بعد انتهاء حرب الاستقلال، وقامت اندنوسيا
بكتابة دستورها بعد استقلالها عن هولندا عام 1945، وفي بلدان أوربا
الشرقية في مرحلة ما بعد الشيوعية...ودائما تحاول السلطات الجديدة وضع
المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان وحرياته في متن الدساتير لتثبت أمام
المجتمع الدولي وكذلك أمام شعوبها بأنها تحترم تلك الحقوق وتسعى إلى
تحقيقها وخصوصا إن تلك الدساتير كانت ثمرة لكفاح الشعوب نحو حياة أفضل
في ظل تطور المجتمع الدولي في كافة الميادين..فلكل شخص بغض النظر عن
العرق أو الدين أو الجنس، حقوق أساسية يجب على الدولة أن لا تسلبه
إياها دون مسوغ قانوني، من اجل حمايتها وضمان عدم تجاهلها أو مصادرتها،
وفيما يتعلق بمسودة الدستور العراقي، فقد وردت تلك الحقوق في الباب
الثاني تحت عنوان (الحقوق والحريات) ويشمل الفصل الأول (الحقوق) والفصل
الثاني(الحريات) والتي لم تبتعد كثيرا عما جاء في الوثائق الدولية من
حقوق وحريات للأفراد كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم
المتحدة لعام 1948 والاتفاقيات الدولية المدنية والسياسية والاقتصادية
والاجتماعية لعام 1966، ثم تحدث الدكتور سوادي بإسهاب كما ورد في مسودة
الدستور من حقوق وحريات، وأبدى معارضته لما جاء في (الفقرة الثالثة من
المادة 21) والتي تحدثت عن عدم منح اللجوء السياسي للمتهمين بارتكاب
جرائم دولية أو إرهابية أو كل من ألحق ضررا بالعراق، وقال: إن هذه
الفقرة مطاطية التفسير وبالتالي يمكن أن يساء استخدامها لأسباب سياسية،
ثم استمر في حديثه ليتوقف عند (المادة 44(الملغاة)) وبين إن إلقاء هذه
المادة من مسودة الدستور غير صحيح وذلك:
- إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية الأخرى
التي لها مساس مباشر بالإنسان هي من القواعد الآمرة في القانون الدولي
ولا يجوز مخالفتها بأي صورة كانت.
- هناك إرادة بشرية موحدة من كافة الأديان والمجتمعات البشرية
بإلزامية هذه القواعد القانونية مادمت لا تتعارض مع المصالح الوطنية
وتخدم الإنسانية جمعاء.
وقد ختم الباحث كلامه بالقول: إن ما ورد من حقوق وحريات في مسودة
الدستور العراقي جيد ولكن ما هي ضمانات تحقيق تلك الحقوق وتمتع الإنسان
العراقي بها؟ وكيف يتخلص الشعب من أزماته المتعددة كالماء والكهرباء
والأمن الذي انعدم فانعدم معه حق العراقي بالحياة؟ وكيف نمنع استغلال
قضية حقوق الإنسان من قبل القوى الغربية بالشكل الذي يخدم مصالحها؟، ثم
إننا كنا نظن ببعض مؤسسات المجتمع المدني العراقي الوليد خيرا، إلا
أنها تحولت إلى وسيلة لكسب المال للقائمين عليها، وأصبحت تتاجر بعذابات
الناس ومعاناتهم أكثر مما تتصدى للسلطة المسؤولة عن تلك الانتهاكات.
وبعد أن أكمل الباحث ورقته أعطى رئيس الجلسة الدور للأستاذ خالد
خضير دحام لإلقاء ورقته التي تحدث في بدايتها عن المقصود بالحق والحرية
من الوجهة القانونية وبين إن الحرية هي اوسع نطاقا من الحق، ثم تطرق
إلى ما ورد من حقوق وحريات في مسودة الدستور العراقي وكيف أنها تنقسم
إلى حقوق مدنية وسياسية، وحقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية، فتحدث عن
حق المساواة وحق الحياة والأمن والحرية (م 15) ووضح إن حق الحرية هو من
أهم الحقوق التي ناضلت من اجلها الشعوب المضطهدة المتطلعة إلى حياة حرة
لا يشوبها القهر والاستبداد والتسلط، ويكفي أن نقرأ تاريخ الشعوب التي
عانت من الحكام الطغاة لنتعرف على حجم التضحيات الكبيرة التي قدمتها
تلك الشعوب من اجل نيل حريتها، ثم تحدث عن الحق في تكافؤ الغرض(م/16)،
والحق في الخصوصية الشخصية (م/17 أولا) وكيف إن مسودة الدستور حددت مدى
التمتع بممارسة هذا الحق بضابطين هما: حقوق الآخرين، والآداب العامة،
كما تحدث عن الحق في حرمة المنزل(م/17 ثانيا)، وحق التمتع بالجنسية(م/18)،
واستقلال القضاء (م/19)، وحق التقاضي العادل، بالشكل الذي يضمن علنية
جلسات المحكمة والمعاملة العادلة في الإجراءات القضائية والإدارية،
والعقوبة الشخصية، وعدم رجعية القوانين، وضمانات الحرية الشخصية، بعدها
من الحقوق المهمة التي نصت عليها مسودة الدستور، ثم واصل كلامه حول
الحقوق السياسية الواردة في المسودة (م 20 و م21)، وما ورد من حقوق
اقتصادية واجتماعية وثقافية (المواد 22- 29)، وعد المشرع حسنا فعل
بإشارته إلى الحق في الضمان الاجتماعي والصحي (م 30-32)، وحق العيش في
بيئة سليمة (م/33) والحق في التعليم (م/34).
وبعد انتهاء الباحث من تقديم ورقته، فتح السيد رئيس الجلسة باب
النقاش أما الحضور، فكان أول المتكلمين الدكتور عبد الأمير كاظم وهو
ضيف زائر من جامعة طهران أثنى خلال مداخلته على مركز الفرات وإدارة
الجلسة، ثم قال: إن بعض المواد الواردة في مسودة الدستور ذات صياغات
غير محكمة تفسح المجال أمام الخلاف حول مضمونها الحقيقي، وتحدث عن
سيادة نظرية القوة في البلدان التي تدعي الديمقراطية، كما هو الحال في
الولايات المتحدة الأمريكية وما كشفه إعصار كاترينا من حقائق، وأننا في
العراق يجب أن نحافظ على شخصيتنا الإسلامية- العربية ولا نجري خلف
السراب، ثم أشار إلى خطر العولمة الثقافي خصوصا على هذه الشخصية، حيث
إن بعض حقوق الإنسان التي تنادي بها العولمة الثقافي كحقوق المرأة،
وأزواج المدني لا تنسجم مع قيمنا الإسلامية، وهي أمور لم يحرص واضعوا
مسودة الدستور على تجنبها، لاسيما إن العراق صاحب الإرث الحضاري
الإنساني، الإسلامي العظيم لذا يجب الانتباه إلى هذا، وبناء عراق
ديمقراطي لكل أطيافه وفئاته دون تمييز بين شيعي وسني، كردي وعربي،
إسلامي ومسيحي وصابئي...وإننا ونحن نعمل على بناء هذا العراق يجب أن
نمتلك حريتنا كاملة ولا نكن مسيرين من قبل قوى تحاول ضمان مصالحها،
وعلى القوى المحتلة للعراق ولاسيما الولايات المتحدة أن تلتزم
بالواجبات الملقاة على عاتقها كقوى محتلة.
وفي مداخلة للشيخ مرتضى معاش (المشرف العام على مركز الفرات ومؤسسة
النبأ للثقافة والاعلام)، قال: انه يتفق على ما ورد في ورقة الدكتور
سوادي من إن منظمات المجتمع المدني العراقي الوليد لم تأخذ دورها
الصحيح، فهي لم تشارك ولم تراقب ولم تضغط على الدولة بالشكل الذي يخدم
القضية الدستورية، ثم أشار إلى إن ترك مسألة الأحوال الشخصية تقرر فيها
فئات الشعب وأطيافه المتعددة حسب معتقداتها وتقاليدها في الدستور هو من
الأمور الجيدة، ومما تتفق مع حقوق الإنسان وحرياته العامة، أما فيما
يتعلق بالالتزام بالاتفاقيات الدولية فيجب أن يقتصر على تلك التي صادق
عليها العراق واعترف بها، في حين أشار الأستاذ علي عبد الحسين (المعهد
التقني/كربلاء)، إلى إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تأت إلى العراق
لتطبيق حقوق الإنسان والعدالة... وإنما جاءت لهدم الإسلام من نقاط
وزوايا لا يعرفها المسلمون، فهي تجعلك تمارس شعائرك الدينية بصورة
سطحية ، لكن جوهر الإسلام هو من الأمور التي تهدف إلى هدمه وتدميره،
وإننا لدينا في الإسلام قيم وقواعد للحياة والحكم أغنى مما لدى الغرب
وعلى رأسه الولايات المتحدة، وهنا تدخل الدكتور احمد باهض تقي وقال: إن
الجوانب الظاهرية في الدستور، قد تكون احتوت على أخطاء، لكن هناك أكثر
من أربعين مادة، يتم تنظيمها بقانون، فكيف يم ذلك بالشكل الذي نتحاشى
حصول اللبس والخطأ وعدم التعارض بين القوانين، علما إنني اتفق مع
الدكتور عبد الأمير كاظم من أن الكثير من القواعد الدستورية عائمة وغير
محدد، فبادر الأستاذ خالد عليوي العرداوي (المعاون العلمي لمدير مركز
الفرات)، إلى القول: إن التفسير قضية معقدة، لان كل باحث ينظر لها من
وجهة نظره الخاصة، فحتى القران الكريم كان عرضة للتأويل المختلف الذي
قاد إلى صراعات دموية، وعندما يرد الحديث إلى ضرورة تطبيق الحكم
الإسلامي فاني أسال أي إسلام نطبق، فالمسلمون اليوم يحملون اسلامات
متعددة وليس إسلاما واحدا، والذنب في ذلك طبعا ملقى على المسلمين وليس
على الإسلام، إذ يوجد هناك إسلام شيعي وإسلام سني وإسلام سلفي وإسلام
بن لادن وداخل كل مدرسة إسلامية وتوجد اختلافات كبيرة حول رؤيتها
للإسلام، لذا فان على المسلمين أن يخرجوا أنفسهم من هذه الفوضى حتى
يستطيعوا تقديم حكم أسلامي يكون أنموذجا تشخص إليه الشعوب، أما فيما
يتعلق بكتابة مسودة الدستور العراقي، فعلى الرغم من ثقتنا بان الولايات
المتحدة وحلفائها لم يحتلوا العراق من اجل سواد عيون العراقيين إلا
أنهم اكتفوا بالوقوف كمراقبين ومستشارين ولم يفرضوا على المشرعين
العراقيين دستورا مستوردا من الخارج فهذا الدستور عراقي بشكل كامل وان
ما يشوبه من جوانب خلل حي في الواقع ناشئة من حقيقة الوضع العراقي
الحاضر الذي انعكس على صياغة مواد مسودة الدستور، ولعل ذكر دور الدولة
في النهوض بالعشائر والقبائل العراقية في الفقرة الثانية من (المادة
43) من الدستور، والذي اعتبره الدكتور سوادي من الأمور غير المبررة، هو
أمر جيد ذلك إن واحدة من العقبات التي تواجه بناء دولة ديمقراطية حديثة
في العراق اليوم عقبة سيادة الأعراف القبيلية والعشائرية بصورها غير
الصحيحة في المجتمع العراقي وهي عقبة تتخلل إلى مؤسسات الدولة ومؤسسات
المجتمع المدني فتشملها وتقلل فاعليتها في التأثير، فإذا استطاعت
الدولة النهوض بدور العشائر والقبائل العراقية فتحولها من عقبة تقف في
وجه البناء الديمقراطي إلى عامل محفز ومشجع لهذا البناء عندها تكون
الدولة قد أنجزت أمرا عظيما، وحققت ما حققه الرسول (صلى الله عليه وآله
وسلم) في صدر الإسلام في دولة المدينة، حيث جاء في تاريخ الطبري إن
السياسة الحكيمة التي سار عليها الرسول في التعامل مع القبائل
والعشائر، جعلت هذين الحيين (الأوس والخزرج) يتصاولان مع الرسول تصاول
الفحلين، إذ ما أنجزت الأوس أمر فيه عن رسول اله غنى إلا قالت الخزرج
والله لا يذهبون بذلك فضلا عند رسول الله ، فلا ينتهون حتى يوقعوا
مثلها، وهكذا تحولت العشائر من عقبات تحول دون بناء هذه الدولة في صدر
الإسلام وهو ما نحتاج إليه في عراق اليوم.
وقد كانت آخر مداخلة من قبل الدكتور حسام(عميد المعهد التقني في
كربلاء)، والتي أشار فيها، إلى أن مبدأ التكافؤ الفرص الذي ورد في
مسودة الدستور أمر جيد وجميل، إلا انه لا يعتقد إن العراق في الوضع
الذي يعيشه، يوجد فيه تكافؤ فرص، لان العراق الآن يبنى على أساس
المحاصصة، وهذه المحاصصة سوف تبقى مستقبلا مما يعني إلغاء تكافؤ الفرص،
وأننا عندما نتجنب إقامة حكم إسلامي، لا تخاف من الإسلام، بل نخاف
التفسيق باسم الإسلام، فيتم قتل هذا وتجريم هذا وتكفير ذاك.. فيتحول
الإسلام إلى أداة لاضطهاد الناس بدلا من منحهم الحقوق والحريات.
وفي نهاية الجلسة شكر الأستاذ عمران الكركوشي، رئيس الجلسة الحضور
على ما قدموه من أوراق عمل وما أبدوه من آراء قسيمة في مداخلاتهم ساهمت
في أغناء الجلسة، وأشار إلى إن الدستور الحالي هو جزء من عملية سياسية
يجب أن تتعامل معها بواقعية وفي سياق ظروفها بعيدا عن الأمنيات والآمال
والطموحات التي قد تعرقل هذه العملية الآن والتي يمكن أن تتحقق في
المستقبل بإذن الله تعالى وبين إن الجلسة السابعة من المنتدى سوف
تتناول الباب الثالث من مسودة الدستور، تمنى أن يكون للحضور دور أساس
فيها للخروج بنتائج طيبة تساعد الشعب العراقي في الاهتداء إلى السبيل
الصحيح لحريته واستقراره ورفاهيته. |