فروق الثروة والطبقية الهائلة تحكم الصين معقل الاشتراكية

منذ ثماني سنوات ظنت تشين هوا أنها ودعت الفقر عندما غادرت قريتها الجبلية النائية في اقليم سيشوان لتعمل في مصنع في دلتا نهر بيرل المزدهرة في الصين.

لكنها اكتشفت أن أرباح الثورة الاقتصادية في الصين لا توزع دائما حتى في واحدة من أكثر المناطق ثراء وديناميكية في دولة صاعدة.

ففي وقت سابق من هذا العام توقف فجأة مصنع الملابس الذي تعمل به عن دفع الاجور. وظلت تعمل هي وزملاؤها بضعة أشهر أملا في حصولهم على أجورهم لاحقا.

ثم اختفى صاحب العمل ذات يوم وأغلق المصنع.

واليوم تبيع تشين (53 عاما) خرائط على جسر قرب محطة قطارات جوانجتشو في عاصمة اقليم جوانجدونج الجنوبي حيث تكسب 30 يوانا (3.72 دولار) -(الدولار يساوي 8.076 يوان)- في اليوم الجيد. وبعد اغلاق المصنع عملت لبعض الوقت في تدوير القمامة.

وتقول بابتسامة ساخرة "على الاقل يمكنني اليوم أن أقف في مكان واحد ولا أضطر للف طوال النهار." وتهرول هي والباعة الاخرون في الطريق المعاكس عندما يظهر شرطي.

وتنتشر السيارات الفارهة المستوردة وفنادق الخمسة نجوم والمجمعات التجارية المتلألئة في جوانجتشو وهي في قلب منطقة ازدهرت لتصبح واحدا من المحركات الاقتصادية الرئيسية في الصين وفي العالم.

لكن وقفة تشين بجوار محطة القطارات تذكر بواحدة من أخطر الملامح التي يكتسبها المشهد الاجتماعي السياسي للصين.. الفجوة المتنامية بين الاغنياء والفقراء في سابع أكبر قوة اقتصادية في العالم.

والفقر المدقع في الريف الصيني مقارنة بالمدن التي تنمو بسرعة أشعل اضطرابات اجتماعية في بعض المواقع أثارت تعاطفا بين السكان.

وثار غضب الجمهور في عام 2003 عندما صدمت سائقة فلاحا في شمال شرق الصين وقتلته بسيارتها من طراز بي ام دبليو وحكم عليها بعقوبة مخففة.

يقول وينران جيانج وهو خبير في شؤون الصين بجامعة البرتا ان القيادة في بكين تشعر بالقلق خشية حدوث رد فعل معاكس على نطاق أكبر مما يهدد عقدا من النمو الاقتصادي القوي وسيطرة الحزب الشيوعي على السلطة.

وأضاف "توصلوا لنتيجة مفادها أن... النظام لن يبقى اذا لم يتصدوا للفجوة المتنامية في الثروة والاهم هو ادراك أن الحكومة لا تهتم الا بالنمو الاقتصادي وثراء المناطق الحضرية."

وعندما أشعل دينج شياو بينج زعيم الصين الاعلى الراحل اصلاحات السوق في أواخر السبعينات تبنى منهجا تدرجيا قائلا "دع بعض الناس يثروا أولا."

وأصبح البعض اثرياء بشكل واضح. وفي الاسبوع القادم سيصدر تقرير هورون الذي يرصد الثراء في الصين قائمة اثرياء الصين السنوية السابعة والتي يبلغ متوسط ثروة أغنى 440 شخصية حوالي 200 مليون دولار. وهناك سبعة من أصحاب المليارات.

ومن المؤكد أن عشرات الملايين انتشلوا من الفقر المدقع منذ أن جاء الحزب للسلطة قبل 56 عاما لكن الاحصاءات الصينية تبين أن عشرة بالمئة من العائلات الحضرية الاكثر ثراء في الصين تملك الان 45 بالمئة من الثروة الحضرية بينما يملك العشرة بالمئة الاكثر فقرا أقل من 1.4 بالمئة.

وترك ذلك الرئيس الصيني هو جين تاو ورئيس مجلس الدولة (رئيس الوزراء) وين جيا باو اللذين خلفا دينج شياو بينج يصارعان فارقا في الثروة يقول الاقتصاديون انه أكثر اتساعا عما كان عليه عندما جاء الحزب الشيوعي للسلطة في عام 1949.

وفي العام الماضي بلغ متوسط الدخول في المناطق الحضرية 9400 يوان (1164 دولارا) بينما كان الدخل في المناطق الريفية ثلاثة الاف يوان (372 دولارا).

وقالت صحيفة مدرسة الحزب المركزية ساحة تدريب الكادر الاساسي في الحزب الشيوعي الصيني في الاونة الاخيرة ان التباين في الثروة بلغ مستوى التحذير "الاصفر" وقد يصل الى مستوى التحذير "الاحمر" الخطر في غضون خمس سنوات.

وحذرت من أن "التناقضات الاجتماعية" تتزايد.

واتخذت بكين خطوات في محاولة لدعم الدخول في المناطق الريفية بالسماح بزيادة أسعار الحبوب والبدء في توجيه الدعم الزراعي. كما ألغت أيضا الضرائب الزراعية وهي مؤسسة صينية عمرها قرون وحاولت الغاء مجموعة من الرسوم المحلية المعطلة.

لكن بعض التدابير في حين انها خففت العبء عن المزارعين فقد أدت الى افلاس الحكومات المحلية التي أجبرت على جمع أموال من أماكن أخرى. كما تلاشى صمام الامان الاجتماعي الشيوعي الذي كان قويا ويدفع سكان الريف الان مقابل اشياء مثل التعليم والرعاية الصحية.

قال لي فان مدير معهد العالم والصين وهو مركز أبحاث خاص في بكين "هناك كثير من الصراعات بين الحكومة والمزارعين في المناطق الفقيرة."

ويعتقد أن "معامل جيني" وهو مقياس لعدم المساواة يتراوح بين صفر وواحد يستخدمه الاقتصاديون لقياس التفاوت يزيد في الصين على 0.45 وهو من أعلى مستويات التفاوت في العالم. وكلما اقتربنا من الواحد فان ذلك يعني تزايد التفاوت واحتمال الاضطراب. وقال لي "ذلك يعني أنه وقت حرج حقا."

وللهروب من الفقر يستمر سكان الريف في التدفق بالقطارات على مدن مثل جوانجتشو وبلدة شينتشين الحدودية المزدهرة القريبة حيث يتسول ليو تشينج دي النقود خارج متجر للحلوى في منطقة تجارية منتعشة.

جاء ليو أصلا من اقليم هينان في وسط الصين ولم ينعم بالاستقرار معظم حياته. فهو لم يتزوج قط وكان اخر عمل له هو بيع الفاكهة في وسط مدينة ووهان.

وفشلت تلك المغامرة منذ عدة أشهر تاركة الرجل الذي يعيش في العراء بلحية شعثة وعينين جاحظتين وفي جيبه ما يعادل أقل من ستة سنتات ويجيب من يسأله عن عمره بأنه "فوق الثمانين".

وقال "الكل كان يقول اذهب الى جوانجدونج."

والازدهار الاقتصادي جعل جوانجدونج واحدة من أكثر المناطق ثراء في الصين. لكن الفرص كانت زائفة بالنسبة لليو الذي ينام تحت الجسور.

ويقول "كل ما اريده هو مال يكفي لشراء تذكرة ركوب قطار لاعود الى بلدتي."

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد 9/ تشرين الأول/2005 -  5/ رمضان/1426