مع بدء أول ايام شهر رمضان يأمل الكثير من اليمنيين العاطلين في
اقتناص فرص للعمل يصفها المحللون المحليون بالمؤقتة لكسب العيش.
منصور الدبعي على سبيل المثال سارع لحجز موقع مناسب لنصب عربة
متحركة على ناصية مدخل أحد الاسواق الاكثر شعبية في مدينة عدن الساحلية.
يقول منصور وهو في الثلاثينيات من العمر "الوقت مناسب الان في (رمضان)
لاجد عملا يكسبني المال حتى أتمكن من انفاقه على نفسي للفترة القادمة
خاصة وان الظروف المعيشية الآن تغيرت عنها قبل عامين بسبب تطبيق
الحكومة لاصلاحات اقتصادية جديدة."
وكان منصور يتحدث عن خطوة اتخذتها الحكومة اليمنية في يوليو تموز
الماضي برفع أسعار الوقود الى المثلين تقريبا مما أدى الى اندلاع
مظاهرات واحتجاجات عارمة في ست محافظات يمنية كبرى قتل فيها نحو 25
شخصا وأصيب العشرات خلال يومين من أعمال العنف.
وتابع منصور "أعتقد ان كثيرا من الشباب مثلي يواجهون نفس المعاناة
ويفكرون في كيفية تجاوزها ولو لبضعة أيام مع شهر رمضان الكريم الذي
تكثر فيه الاعمال المختلفة في مجالات واهتمامات عديدة."
وقال شاب اخر "لاشك ان استقبال اليمنيين لرمضان له اختلافه هذه
المرة فهو يقبل على عامة الناس حاملا معه أوضاعا سيئة وقاسية نتيجة
تغيرات اقتصادية جرت قبل شهرين فقط دون حدوث زيادات ملموسة في الرواتب
والاجور حتى الان وهو ما ترتب عليه رفع أسعار المواد الغذائية
والاستهلاكية."
وتشمل مجالات العمل "المؤقتة" في رمضان صنع وبيع المأكولات الخفيفة
والحلويات الخاصة التي درجت عليها العادة في رمضان مثل السمبوسة
واللحوح والباجية اما الحلويات فمنها بيت الصحن والمشبك الى جانب
المشروبات بمختلف أنواعها.
ويلقي العديد من اليمنيين باللوم على البنك وصندوق النقد الدوليين
في الضغط على الحكومة لتنفيذ الاصلاحات الاقتصادية داخل البلد الذي
يعتبر منتجا صغيرا للنفط اذ لا يتعدى انتاجه 400 ألف برميل يوميا.
يقول مزهر الذي يعاني أيضا من البطالة انه سيحاول أن يجد عملا خلال
شهر رمضان لتحسين وضعه المعيشي المتردي منذ تخرج من الجامعة قبل نحو
ثلاث سنوات.
وأردف مزهر (25 عاما) قائلا وعلى وجه ملامح الغضب "الوضع الاقتصادي
الحالي لا يسر بالتأكيد فنحن على قاب قوسين او أدنى من مواجهة مشاكل
اقتصادية مريرة لم نشهدها منذ عشرات السنين في ظل تزايد معدلات البطالة
والفقر المنتشر بصورة كبيرة في البلاد."
وتظهر احصاءات البنك الدولي ان نحو 43 في المئة من اجمالي عدد سكان
البلاد البالغ نحو 20 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر بينما تقدر نسبة
الامية بحوالي 50 بالمئة وتزايدت نسبة البطالة لتصل الى 20 بالمئة.
ويعيش عدد كبير من اليمنيين بأقل من دولارين تقريبا في اليوم.
ويعتقد بعض المراقبين والمحللين ان غالبية العاطلين قد استعدوا في
وقت مبكر للعمل في شهر رمضان حيث أنهم ابتدعوا اعمالا تتناسب مع هذه
المناسبة من بيع وشراء لمتطلبات ومستلزمات السلع الغذائية
والاستهلاكية.
وغالبية الساعين للاشتغال في مثل هذه الاعمال هم من ذوي الشهادات
والمؤهلات الجامعية ومنهم من نزح من القرى الى المدن.
قال مهدي المطري الذي ترك أسرته في احدى القرى الجنوبية الساحلية
ولجأ الى مدينة عدن باعتبارها العاصمة الاقتصادية والتجارية لليمن انه
بالرغم من تخرجه من الجامعة الا انه لم يحصل على الوظيفة الحكومية بعد
مثله مثل الاف الشباب لكنه يرى في أيام رمضان بيئة أفضل للبحث والعثور
على فرص عمل.
وأضاف "رمضان.. هو الاستثناء الوحيد الذي يجعل جميع الشباب يتهافتون
على الاشتغال بجميع أنواع العمالة فهو حقيقة فرصة في غاية الاهمية لجني
الاموال للعيش فترة من الزمن دون تفكير في عناء الوظيفة الحكومية."
وتقول الحكومة انها في مقابل رفع أسعار المشتقات النفطية في البلاد
رفعت الاجور والمرتبات للموظفين في أجهزة الدولة. كما تقول انها ستطبق
استراتيجية معينة على مراحل لخلق فرص عمل أكثر للشباب بدعم من البنك
الدولي وصندوق النقد الدولي أيضا.
وقال مهدي انه سيعمل في رمضان الحالي في بيع المكسرات والعصائر
بأنواعها أملا ان يحقق ربحا وفيرا يعود به الى قريته يسد به احتياجيات
أسرته الفقيرة.
ومثله كان مقداد المسوري البالغ من العمر نحو 50 عاما الذي ترك ايضا
اسرته القاطنة في احدى قرى محافظة ريمة الجبلية في أقصى غرب البلاد
متجها الى مدينة عدن للعمل خلال شهر رمضان.
قال مقداد انه فتح محلا صغيرا لبيع المصاحف والمساويك. وأضاف "العمل
جزء من العبادة. وفي شهر الرحمة والمغفرة والعبادة تنشط مثل هذه
الاعمال استجابة لعادات الصائمين."
وأضاف "شهر رمضان يأتي حافلا بالخير ويدر علينا أموالا مناسبة
نستطيع ان نسدد بها ما علينا من ديون ونشتري بها أيضا حاجيات اسرنا
وأطفالنا."
وأشار الى انه يتوقع ان يربح من عمله هذا خلال شهر رمضان ما بين
خمسة وثمانية الاف ريال (25 و 40 دولارا) يوميا وهو ما يزيد بثلاث أو
أربع مرات عما قد يتحصله من العمل في بقية أشهر السنة.
أما انيسة عبد الله التي تشتهر ببيع اللحوح والبخور بسوق الهاشمي
بضاحية الشيخ عثمان الشعبية في عدن حيث كانت تجلس القرفصاء على الرصيف
فتقول انها لا أستطيع عمل أي شيء اخر سوى بيع هذين المنتجين التي تكسب
منهما ما بين خمسة وعشرة الاف ريال على الاقل في اليوم الواحد.
وتقول انتصار التي تبيع اللحوح ان مبيعاتها طيلة العام متدنية بنسبة
تصل الى عشرة بالمئة مقارنة بمبيعات شهر رمضان التي ترتفع فيها النسبة
الى مئة في المئة.
واللحوح عبارة عن خبز خفيف الوزن على شكل قرص مستدير مصنوع من طحين
القمح والذرة الشامية.
وقال المعلق الاقتصادي احمد عثمان العزعزي ان حلم الحصول على عمل
"مؤقت" الذي يراود كثيرا من اليمنيين العاطلين سيتلاشى بمجرد انتهاء
ايام رمضان "عندها سيعود الجميع الى مواقع الصفوف الطويلة من اجل
الحصول على وظيفة حكومية او في شركات القطاع الخاص التي ألفوا الانتظار
بها يوميا ولسنوات طويلة دون ملل." |