الحرية في الحياة المعاصرة

كتب قسم المتابعة:

يمر يوم الإنسان وكأنه في حالة تسابق لا يلوى فيه شيء إلى الوراء فزحمة الحياة تتوالى بشكل مريض حتى طغى الهاجس عند البشر المعاصرين أن يصل لدرجة المرض الاجتماعي الذي بلى به شرائح كبيرة من الناس.

وفي خضم رحلة الحياة بما لها وما عليها يبرز الأمل بالظفر بالحرية وكأنه مشروع ينبغي أن يتمتع به الجميع ولكن ما يشوب هذا الأمل من طرف خفي حالة من اليأس من الحصول على مكسب الحرية فقد مرت أجيال وأجيال والناس عاشوا متطلعون لأمل يمكن تفسيره على كونه مات مع نفوس ملايين البشر حتى قبل أن يحالوا على التقاعد الذي كان يعني لمن يحصل عليه إشارة ضمنية أن الموت قد قرب أجله إن لم يكن فعلاً ذلك الموت قد دُفن ومعه الأمل بالحرية التي لم تتحقق بصورة فعلية وإيجابية لأحد في الأساس.

لقد بقيت الحرية في مختلف العصور موضوعاً غالباً ما تم تداوله بصور بدائية أو علمية لكن مما لا محيص عنه أن تغيير المعنى لمفهوم الحرية في الزمن الحاضر أصبح بين قاب قوسين نظراً للإساءات التي تمت لتحريف مصطلح الحرية بحيث غدى معناها شيء آخر غير ذلك الأمل بالمعنى الذي كان يتخيله الناس في أذهانهم.

أما المجتمعات الغربية التي كانت فرص التعبير متاحة لها أكثر فقد اجتهدت كثيراً ودون أي توقف كي تقتصر الحرية الفردية الفعلية للجميع كي تصب في خانة إطلاق الاختيارات الجنسية لمن يرغب بذلك وضمن شعار عام يقول بإقرار الحرية الجنسية كونها تساهم بمنطلق افضل لراحة المرء الممارس لها من ذاك الذين لا يمارسها لأي أسباب كانت حتى أمسى الغرب اليوم لا يود مفكروه الاستماع لأي صوت عالمي يمكن أن يكون مدعاةً للعودة إلى عهد العفة.

وطبيعي فالغرب ليس وحده الآن في ساحة السماح لإباحة العلاقات المستندة لما يسمى (بالحرية الشخصية) والمصانة بالقانون التي تعني بالضبط (حق ممارسة الجنس فقط) بيد أن العديد من الدول الفقيرة رغم استنكار مجتمعاتها المحافظة في ظاهرة تلك الحريات المدعاة الخارجة عن حدود الأخلاقيات التي تدعي أنها تحميها لكن ما يلاحظ بمثل هذه الدول أن مرابع ومواخير والملاهي الليلية التي تجري فيها كل المحرمات الأخلاقية مجازة بطريقة وبأخرى وبعضها يدفع أصحابها حتى ضريبة للدولة التي توجد على أراضيها تلك الأماكن المثيرة للجدال العقيم.

وإذ تمضي المبادئ الراقية في الحياة المعاصرة على الفهم جيداً أن الأنواع الأخرى من الحريات مثل (الحرية السياسية) التي قد وضع لها أكثر من (علامة X) في العديد من البلدان التي لا تعتبر أن الحرية السياسية هي حق إنساني وإن من مكملاتها مبادئ مثل الديمقراطية هي كلها أمور تستمد المطالبة للالتزام بها كأهم نوع من العلاقات داخل المجتمعات الناجحة غير المعانية في حال الإخفاق السياسي.

إن للمرء السوي نظرتين لأي أمر سياسي يحيط به فتراه من ناحية فاقد الثقة بالسياسة ورجالاتها ولكن دون إعلان دائم منه ولذا يرى أن تأييده لجانب سياسي ما ليس نابعاً بصورة مؤكدة من خلجات نفسه بل أن ظروف محددة (سياسية أيضاً) أو (مصلحية) أحياناً تلعب دورها في نسبة هذا التأييد وذلك بسبب كون الحرية السياسية بحد ذاتها في بلده ليست هي حرية حقيقية يتمتع بها المجتمع كـ(مكسب) بين أبناؤه وبغض النظر عن كون بعض الإدارات تدعي في إعلامياتها وتدون في قوانينها المحلية ما يشير إلى كون (الحرية مصانة في البلاد) وهي كذبة سوداء تتنافى مع الواقع وتتجافى مع الحقيقة.

إن الحرية اليوم تحتاج إلى تأصيل مفهومها بعيداً عن تعريفها السلبي الذي يقول أن الحرية هي أن يفعل الإنسان ما يشاء وأن لا يلتفت إلى ما يقوله الناس مع علمه جيداً إلى كون ما يتقوّل به الناس يمثل جزءً من الرأي العام في بلده ولهذا السبب يُرى في كل مجتمع أن الأغلبية لدى كل مجتمع تعاني من أوضاع امتيازات لمن هو غير مؤهل لفهم معنى الحداثة العقلانية في مجتمع لا يتطلع إلا إلى الأمام.

إن فكرة الحرية بكل ما فيها من طبيعة وأبعاد تحتاج إلى تثبت مفهومها بعد أن ثبت أمام الملأ العالمي أن اي شعب في العالم لم ينل قسطه الحقيقي والوافي من معنى الحرية بيد أن الانطباع الشعبي العام بأغلب البلدان النامية ومنها على وجه الخصوص البلدان العربية والإسلامية تحتاج إلى كفاح سلمي وجهد استثنائي كي تحصل على حريتها الحقيقية وضمن شروط الاتفاق على أن تكون حرية مصانة عن حق وحقيق بحيث لا يتم هناك تجاوز على مبدأ الحرية باسم الحرية ذاتها كما تفعل بعض الحكومات التي لا يسهر أعضاؤها على مصالح شعوبهم.

ولعل تعدد أوجه الحرية بحسب الادعاء الرسمي بامتلاك ناصيتها في الكثير من التداخل لإبعاد الحرية من معناها المسؤول فالحرية مسؤولية قبل أن تكون منحة تعطى أو حق ينتزع.

وسواء كانت للحرية مدرسة واحدة او عدة مدارس فإن من معاني خطها العريض كونها تترك فرصة عظيمة في العمر كي يلازمها احترام يصل لدرجة التقديس مادامت تبني الإنسان بناء نفسياًوشخصانياً خلاقاً وتجعل منه أسوة على استحياء دائم من خرق أسسها.. إذ من المعلوم أن في منح الحرية الحقيقية والمسؤولية لأي مجتمع فمعنى ذلك أن ترتفع مكانة ذلك المجتمع وتبان مسالة مستقبله وفقاً لحقوق أفراده المصانة من اي تجاوز أو ما يمكن اعتباره تجاوز.

والحرية في حياتنا المعاصرة هي بمثابة سبيل للدفاع عن أحد مقدسات الإنسان الصحيحة التي لها دور كبير في نشر الوعي بأساليب التوعية.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد 2 / تشرين الأول/2005 -  27/ شعبان/1426