الملابس المستعملة: تجارة رائجة في كينيا

يبدو درايتون ماينا انيقا وهو يجلس خلف عجلة قيادة سيارته مرتديا حلة رمادية وربطة عنق زاهية وحذاء جلديا.

ومن الصعب معرفة ان هذا السائق الكيني مثله مثل ملايين الافارقة في بلده يرتدي ملابس مستعملة واردة من الغرب من رأسه حتى اخمص قدميه.

وينتقي ماينا معطفا يقيه برودة الصباح في نيروبي من سوق شارع جيكومبا الضخم مقابل مئتي شلن (2.64 دولار) فقط ويقول ضاحكا "الزوجة هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن ان تجده في سوق المستعمل في نيروبي."

ويكشف ماينا دون خجل عن السعر المتواضع لزيه الانيق فقد دفع 500 شلن ثمنا لحلته و150 شلنا للقميص ومئة شلن لربطة العنق و800 شلن للحذاء الجلدي الاسود.

ورغم تفشي الفقر في كينيا البالغ تعدادها 32 مليون نسمة والتي تقع في شرق افريقيا فان مثل هذه الاسعار باتت في متناول ايدي كثيرين ويبرز نجاحا مدويا لتجارة الملابس المستعملة في العقدين الماضيين.

ورغم رواج الملابس المستعملة بين الفقراء غير ان هذا النجاح ازعج كثيرين في المستعمرة البريطانية السابقة.

وقال منتجو المنسوجات انها ساهمت في القضاء على صناعتهم وابدى مزارعو القطن قدرا مساويا من الآسى.

والقى ارتداء عدد كبير من المواطنين الملابس الغربية المستعملة بظلال كئيبة الى حد ما على شوارع كينيا وفي العاصمة نيروبي على الاقل حيث يندر ان ترى الزي الافريقي التقليدي بالوانه الزاهية.

وتشحن الملابس بكميات ضخمة الى كينيا وتنقل الى حي جيكومبا المكتظ بالسكان وهو يشبه متاهة تغص بعربات واكشاك وصناديق مليئة بالملابس والاحذية.

ويجلس معظم البائعين فوق سلعهم بينما ينبش المشترون وسط اكوام الملابس وتباع بعض الملابس بالقطعة والبعض الاخر بالميزان.

ويأتي كثيرون الى جيكومبا لشراء كميات كبيرة ونقلها للريف حيث تباع في اسواق اصغر.

ويشتري وسطاء الملابس في بالات من حفنة من المستوردين الكبار يجمعونها من متاجر خيرية ومن مخزون عفا عليه الزمن او فائض في الانتاج في الغرب واسيا.

ويحجم معظم المستوردين والوسطاء عن الافصاح عن مصدر الملابس بشكل محدد وما اذا كانوا سددوا ثمنها او ان من منحوهم اياها يدركون انها تباع مرة اخرى.

ويعتقد بعض العاملين في تجارة الملابس المستعملة ان التجار يحصلون على الملابس مجانا بدعوى التبرع بها للفقراء في الدول النامية. يعتقد اخرون انهم يسددون رسما رمزيا للجمعيات الخيرية ليخلصوها من الملابس المستعملة.

ويقول جاس بدي رئيس الجمعية الكينية للمنتجين في قطاع الملابس والمنسوجات ان تجارة الملابس المستعملة تستغل النوايا الحسنة في الدول الاغنى.

وأضاف "يرسل مواطنون في اوروبا وامريكا الملابس بحسن نية الى المحرومين والفقراء في افريقيا لا لان يتاجر فيها تجار بلا ضمير."

ويقول جون اوماري (25 عاما) وهو يجلس فوق كومة من القمصان القطنية للصبية في جيكومبا "يفضل الجميع في كينيا الملابس المستعملة. انه احد اكبر الاسواق المفتوحة في شرق افريقيا. تطعم تجارة الملابس المستعملة افواها كثيرة."

ويقدر بدي ان نحو 30 الفا يعملون في تجارة الملابس المستعملة وهو رقم كبير مقارنة بعدد من لا زالوا يعملون في صناعة المنسوحات وعددهم 12 الفا مقابل حوالي مئة الف في السبعينيات والثمانينات.

ويضيف ان عدد المصانع في اوج النشاط بلغ نحو مئة مقارنة مع سبعة او ثمانية مصانع حاليا. ولعبت الواردات الرخيصة من اسيا دورا في تراجع الصناعة غير ان معظم اللوم يقع على الملابس المستعملة.

وقال بدي "من الواضح ان السماح باستيراد الملابس المستعملة كان له أثر سلبي على الصناعة اذ تقدم مجانا فكيف يمكنا ان ننافس مع سلعة بلا تكلفة؟"

ويضيف ان ما بين 200 و300 حاوية من الملابس المستعملة تزن كل منها حوالي عشرة اطنان تصل لميناء مومباسا الكيني شهريا.

ويضيف "اذا كنت تعتقد ان القميص يزن اربعة جرامات فيمكنك ان ترى حجم ما يدخل البلاد. انها عملية اغراق بصفة اساسية. الباقون (من منتجي المنسوجات) يعملون بالكاد. ينتظرون ان يدق المسمار الاخير في نعشهم."

وشركات المنسوجات التي لا زالت تصارع تخلت فعليا عن السوق الضخمة وتحولت لمجالات جديدة مثل ازياء المدارس والمصانع او انتاج "الكيكوي" المحلي وهي قطعة من القماش الزاهي توضع حول الخصر او الكتفين.

ويقول بدي "حاولنا ان نخوض هذه المعركة طوال الاعوام العشرين الماضية. لقد صعدنا الامر (الى منظمة التجارة العالمية).ولكننا لم ننجح."

شبكة النبأ المعلوماتية -الاربعاء 28 / ايلول/2005 -23 / شعبان/1426