أفول الحقيقة

مازن مرسول محمد

   لربما تحمل حياتنا الكثير من المفارقات ، والتي بعضها قد جاء بما نشتهي ونريد ، والاخرى قد وقفت نداً لنا فجعلتنا نفكر فيما آلت اليه امورنا، مع الاخذ في الحسبان كيفية التعاملمع انفسنا وكذلك مع الحياة نفسها .

   ان هناك قضية بديهية ، وهي ان كل شيء يبدأ بسيطاً الى ان يصل درجةً من التطوروالنضوج ، وحياتنا البشرية قد بدأت بسيطة بكل ما تحمله من معاني البساطة ، منقلة موارد الحياة التي يستعين بها الانسان ، وقلة خبرته وكيفية التكيف للحياة ، وبساطة اتجاهاته الفكرية ، الا ان ما نلاحظه الآن تطور حياتنا الى الدرجة التي اصبحت فيها في اوج عظمتها من ناحية ازدياد وتراكم خبرات الانسان لكيفية العيش على هذه الارض ، وما هي الطرق والخدمات المناسبة له ، الا ان هناك مايناقض تلك الحقيقة ويجعلها باطلة ، وهي ان ما يفترض هو ان المجتمعات الانسانية حالياً في قمة عطاؤها الانساني في التقدم والنضوج ، الا ان الحقيقة تقول ان الحياة الآن اكثر صعوبة ، بل واكثر تعقداً ، ليس في ما حققه الانسان من انتاجات فحسب ، وانما صعبة في كيفية العيش فيها . فالتطور الحالي لا يشمل جميع من يسكن هذه الارض ، فهناك نسبة عالية جداً من معدمي هذه الحياة من الفقراء والذين لم ينفعهم التطور وازدهار الحياة ، اذ ان التقدم هو لمجموعة من المجتمعات وبعض الناس ، والتأخر لاعداد هائلة من البشر .

   كما وتعيش مجتمعات العالم ايضاً موجة من الصراعات القوية والذكية في استخداماتها وفنونها ، والتي كانت مجتمعات الحياة الاولى تفتقد اليها ، وما تلك الحروب والتناقضات الا قد زادت العالم حطاماً وفقراً ، ليس من ناحية المال والعيش فقط ، وانما الفقر في المبادئ الانسانية كالتكافل والتعاون والتآزر ،لذا فما نشهده هو حقيقةً مرة لم تثبت مصداقيتها ، اذ ان البشرية اليوم قد تسير نحو فناؤها ، فكل يوم تزداد مآسي العالم دون ان تنخفض وعلى صعيد جميع المجالات المختلفة .

   فهل بقاء الانسان بسيطاً قد يعني وقايته من كوارث التعقيد والتطور التي ستحيط به ولربما تحطمه ؟ ام ان ذلك ناجم عن ضعف عقلية البشر غير القادرة على جني ارباح الحياة وحسن التصرف .

   ان القاعدة البديهية تقول ان الحياة تتطور من البسيط الى المعقد ، الا اننانرى التعقيد والتطور قد كبد العديد من البشر حياتهم ومستقبلهم دون الازدهار .

   بأشارةٍ بسيطة يمكن القول ان فحوى هذه القضية يعود الى العقل الانساني الذي يعيش الحياة متذبذباً من الهوادة والاستقرار الى التزحزح وعدم الثبات، فتارةً يبدو متزناً تنتج عنه ابداعات تحيل المجتمعات الى كيانات متقدمة وعالية الشأن ، وتارةً اخرى تخفق عقلية الانسان في تدبير امورها بالطريقة التي تضمن لها الحياة بأستقرار .

   فما نلاحظه من فوضى حياتية يعود الى السلوكيات غير المنطقية الناجمة عن العديد من البشر ، والتي جعلت التطور والتقدم الذي هيأ له مالكي رجحان العقل يصطدم بها ، ومن ذلك ولدت التناقضات غير المرضية في حياتنا ، والتي اصبحت وبالاًعلى من لا يقوى العيش بقوةٍ في هذه الحياة ، الا اننا قد لا نجانب الحقيقة ان قلنا ان الحياة الآن ليست في وضعها المؤمل لها ، والسبب في ذلك كثرة الذين قد ساهموا بحرف الحياة عن مجراها الرئيسي .

   فما عاد الانسان كما ولد صفحة بيضاء في بداية الحياة البشرية ، فهو الآن متخم بكل فنون العيش والتكيف ، مما زاد لدى البعض رغبة التملك والسيطرة الجامحة، والتي شكلت شرخاً ضرب اسس بعض المجتمعات وانعكس على ضعفاء الحال من الفقراء والذين اصبحوا ضحية هذه الحياة بتطوراتها وتقنياتها وابتكاراتها ، لان هناك من يريد العيش مسيطراً منفرداً لا يهمه معنى الحياة والانسانية .      

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 13 / ايلول/2005 -8/ شعبان/1426