ثنائية القوة العسكرية وقوة رأس المال ثنائية مترابطة لا يمكن فصلها
كون بعضها يولد البعض الآخر ، وعند قراءة التاريخ نرى إنها من أهم
أسباب النفوذ عند بعض الأمم والبلدان والخضوع والذلة لدى الأخرى، كما
إن التاريخ بقراءته الواعية يوفر لنا ملامح الغد من خلال استنباط القيم
الثابتة والنزعات العابرة التي سجلها في سفر الأمم ، وفي القصص التي
وردت في القرآن الكريم عبر لأصحاب العقول عن تلك الأمم الغابرة ، كما
دعانا الخالق عز وجل إلى تبصرها والتفكر في أسبابها وحيثياتها ونتائجها.
ولهذا الغرض فان التاريخ يخبرنا عن الصراعات التي ظهرت على طول
الحقبة الزمنية لقيام الأمم والإمبراطوريات ، فعندما كانت القوة
البشرية هي القوة المحركة لكل الأعمال التي كانت تلك الإمبراطوريات
والأنظمة الحاكمة بحاجة إليها وإلى الأيدي العاملة ، فدعتها تلك
الحاجة إلى الحصول عليها من مناطق الجوار ، وهذا بدوره أدى إلى قيام
الغزوات لتأمينها ، وكذلك عند حدوث التوسع الأفقي والعمودي في
المجتمعات والأمم ومطلبها في أراضي جديدة وموارد أخرى ، وبعد أن ضاقت
الديار بتلك الرغبات برزت ظاهرة الاستكشاف لبلدان وعوالم أخرى .
فهذه وغيرها من الأسباب لا يمكن تحقيقها دون أن تكون هناك وسائل
تتمتع بالقوة المؤهلة لتحقيق تلك الأغراض ، فكان الاهتمام بالقوة
العسكرية والجيوش وكان الإنفاق على تطويرها ومدها بكل أسباب التفوق ،
لذا فان الجهات المانحة لموارد الإنفاق تلك ، هي القوى المسيطرة على
رأس المال في البلدان ، وهذا يقودنا إلى ملاحظة انتقال القوة العسكرية
باتجاه حركة قوة رأس المال والمثال على ذلك انتقالها من أوربا إلى
القارة الأمريكية بعد أن تم اكتشافها على إنها تمثل العالم الجديد
وانتقال رأس المال إليها لتوفرها على مواد أولية رخيصة الأثمان وأيدي
عاملة شبه مجانية ، مما دعت الرأسماليين إلى تنشئة القوة العسكرية
لتأمين الحماية لمواقعها وكذلك لبسط نفوذها في أماكن أخرى وتأمين
الأسواق والمصالح الاقتصادية .
فهذا الانتقال وهذه التبعية للقوة العسكرية لقوة راس المال لم
تمكنها من الثبات والاستقرار والتأثير العميق في المجتمعات التي سيطرت
عليها لان أهدافها كانت محددة ومحصورة بتأمين مصالح قوة المال وطبقات
المحتكرين ، ونراها تزول حين زوال مسببات ومسوغات بقائها.
إذن فان القوة العسكرية الغاشمة في عصرنا الحاضر يدلنا التاريخ على
إنها زائلة ولا يمكنها الثبات والبقاء لارتباطها بمؤثرات زائلة غير
مستقرة إضافة ، إلى وجود قوى تقاومها مدعمة بوسائل تعتمد على ثوابت
إيمانية راسخة .
وبعد ذلك العرض لو أسقطنا ما تقدم على واقع الأمة الاسلامية سنرى إن
النصر للامة والبقاء لها ففي كل الغزوات التي قادتها الأمم الغابرة
تلاشت حتى بعد أن حصلت على نتائج آنية ، أما الفتوحات الإسلامية فان
نتائجها نبتت فأثمرت وكانت ولازالت تنمو وتزدهر إلى الوقت الحاضر الذي
انحسر فيه النفوذ السلطوي للامة ، كما إن الفتح الإسلامي حرر شعوب
وبلدان أصبحت من اكبر البلدان الإسلامية في عصرنا الحاضر عن طريق
التجارة والزيارات المتبادلة ، والاهم في هذا الأمر إن بعض القوى
وبغفلة من الزمن تمكنت من غزو البلدان الإسلامية ومنهم (التتر) فهؤلاء
بعد غزوهم هذا وبدلا من تصدير همجيتهم وبربريتهم فتح الله قلوبهم على
الإسلام فأسسوا الدول والإمارات التي تعتبر من القلاع الإسلامية في
البلدان الآسيوية ، والسبب في ذلك يعود إلى أن بضاعة الإسلام هي قيم
السماحة والتسامح وان الهدف هو الإنسان لذاته وليس إلى قواه العارضة
كما انه يسعى إلى النهوض بالفرد والمجتمع نحو آفاق الرحمة والرقي
والسمو .
إذن بعد ذلك العرض ثبت لنا باليقين القاطع إن البقاء للقيم السامية
وان القوى العدوانية الغاشمة زائلة ومندحرة آجلا أم عاجلاً ، وحيث إن
الشعب العراقي يؤمن بالإسلام وقيمه السامية ويتوفر على مقومات الإيمان
من خلال الشواخص الراسخة في قلوب أبنائه وفلوات أرضه فان الحتمية
التاريخية تدلنا وتقودنا إلى تأسيس القناعة بان العراق سيبقى بلد القيم
السماوية وموطن الأنبياء والأولياء والأوصياء . |