هل حقا التبرير الذي الساقه "تنظيم القاعدة والجهاد في بلاد الشام
ـ لواء عمرـ" للدخول في معركة ومواجهة مع "حزب الله" اللبناني كان
كافيا لفتح جبهة طائفية جديدة على ارض لبنان ؟ يقول بيان تنظيم القاعدة
في بلاد الشام ان قادة الشيعة وحزب الله هم عملاء امريكا فلذلك فهم
المستهدفون في عملياتهم القادمة ‘ فيما المعلومات المتوفرة تشير الى
عكس ما ذهب اليه بيان التنظيم المذكور حيث تفيد مصادر مطلعة ان
السلطات الامنية في لبنان بتزامن مع اطلاق سراح سمير جعجع احد قادة
الحروب الطائفية في لبنان قد اطلقت سراح المئات من العناصر الوهابية
المتطرفة التي تم اعتقالهم في التسعينات وان هؤلاء قد خرجوا من السجون
اللبنانية دون ان يطرأ اي تغيير على سلوكهم ومنهجية تفكيرهم
وخطابهم حالهم حال جعجع الذي خرج من السجن بذات الخطاب الميليشوي..
بعض المصادر تشير الى ضلوع اجهزة مخابرات لدول عربية معينة في ترتيب
امر اطلاق سراح تلك العناصر الخطرة الوهابية القاعدية من السجون
اللبنانية رغم ان الاجواء التي رافقت اطلاق سراحهم قد توحي بان
الدوافع هي تصالحية لها علاقة بترتيب البيت اللبناني على اسس وطنية
جديدة الا ان توجه جعجع الى المطار والقاءه ذلك الخطاب الناري ولجوءه
الى باريس لا يؤكد المقولة المذكورة بل تؤكد العكس حيث ان ذهاب جعجع
الى باريس واجتماعه بعدد من عناصر المخابرات الاسرائيلية لم يكن
بمنأى عن اجندة العناصر الوهابية التي تم اخراجهم من السجون حيث هناك
مرحلة جديدة يتم تأسيسها في لبنان عنوانها البارز "الحرب الطائفية"
يقودها شكليا تنظيم القاعدة وبقايا رجال الحرب الاهلية اللبنانية الا
ان الحقيقة التي لم يلتفت اليها احد ان المعركة هي معركة مخابرات
تقودها دول عربية وعلى رأسها النظام السعودي لتأمين استمرار النظام
الوهابي والحكم التقليدي الديناصوري في السعودية وتحويل الصراع الى
معركة "شيعية ـ سنية يتغلبها الطابع الطائفي بحيث يصمد معها لفترة
اخرى النظام السياسي العربي المتهرء..
اما لماذا التأكيد على حزب الله ولماذا توجهت اخيرا كتابات عدد من
المواقع السنية والسلفية لنشر دراسات حول حزب الله ودوره ومستقبله في
لبنان تلك الدراسات التي تنتهي في محصلتها النهانية الى ما انتهى اليه
بيان "تنظيم القاعدة في بلاد الشام" في تكفير حز الله واخراجه من
الوطنية وسوق تلك المبررات التي تبيح قتل قادته وتصفية شيعة لبنان ..وقد
شككت تلك الدراسات في ليس وطنية حزب الله فحسب بل في عموم منظومته
الفكرية والسياسية معتبرة ما ان مايفعله حزب الله ليس الا من اجل حث
التراب في وجوه "السنة" وتسويق نوع من النمطية عن نفسه في الوسط السني
وخاصة الفلسطيني ؟.. فهذا ما نسعى لالقاء الضوء عليه من خلال تلك
الدراسات والمقالات المفاجئة التي نشرت على المواقع الالكترونية وتبنت
صحف العرب الرسمية نشر بيان تنظيم القاعدة في بلاد الشام في هذا
الخصوص !
الدراسة الاولى تم نشرها في موقع "البينة" السني الطائفي السلفي
والذي يهتم فقط بالاخبار المتعلقة بالشان الشيعي في العالم ومحاولة
اعطاء صورة سلبية عن الشيعة وقادتهم باالطبع هذا الموقع عندما يذكر
الدكتور الجعفري يصفه "برئيس الوزراء المعين من قبل الاحتلال"! ‘
والواضح ان هذا الوصف يحمل تكفيرا مبطنا للدكتور الجعفري و يعطي
الشرعية لعمليات القتل والارهاب التي تستهدف عناصر ومؤسسات الحكومة
العراقية المنتخبة التي انتخبها اكثر من 8 مليون عراقي وهي الاكثر
شرعية من كل حكومات العرب وباالطبع هذا الموقع وغيره من المواقع
السلفية وحتى موقع حركة حماس عندما يذكرون حكومة ابومان "عباس"
يصفونها بـ "السلطة الوطنية الفلسطينية" ولا يقولون عنها باالرئيس
"المعين من قبل الاحتلال الاسرائيلي" ! ..
ماذا تستخلص الدراسة التي نشرها موقع البينة عن حزب الله تحت
عنوان "قراءة في مستقبل حزب الله اللبناني" ؟ ان ((يصبح حزب الله
حليفا كما اصبح حزب الدعوة وفيلق بدر حلفاء للولايات المتحدة في العراق
بعد ان كانوا يدعون عليها بالويل والثبور من ايران ‘ سبحان مغير
الاحوال فلا تتفاجئوا ان حصل ذلك!!))..
اما المقال الاخر والذي نشره موقع"الانبار" السلفي البعثي السني
فقد حمل عنوانا اكثر وضوحا الا ان المحتوى واحد والمحصلة هي ذاتها ‘
عنوانه "حزب الله... خادم واحد واسياد كثر "! .. ومن يتأمل قليلا في
كلا المقالين يكتشف ان صياغتهما متشباهة ولا نستبعد ان تكون جهة واحدة
هي التي تتبنى فكرة الترويج السلبي عن دور حزب الله والتسويق لفكرة
"عمالته" للاجنبي ولربما بيان تنظيم "القاعدة في بلاد الشام" يكون قد
صاغته الجهة ذاتها وبالتالي نكتشف ان معركة تنظيم القاعدة والسلفية
والوهابية المستقبلية ستركز على البعد الطائفي واستهداف الشيعة كأسهل
طريق لكسب الشارع السني ولاثارة العوام منهم بهذا الاتجاه ..
هناك من يشير الى وجود بعض الاصابع الفلسطينية خاصة جماعة
"ابوالعينين" والذي لم يخفي تذمره من دور حزب الله في ضبط "السلاح"
الفلسطيني في الجنوب وكبح جماحه انطلاقا من المناطق الشيعية التي كانت
الاكثر تضررا ايام "المجد العرفاتي" في لبنان ‘ في صياغة الخطاب
الجديد الموجه ضد حزب الله خاصة وان "التيار السلفي الفلسطيني"
المنتشر في المخيمات الفلسطينية في لبنان وتتبناه جهات عديدة وابرزها
حركة حماس يصدر مجموعات انتحارية هنا وهناك ويشكل البيئة الخصبة في
المعركة القادمة ضد حزب الله وبتحالف مع التيار التكفيري السلفي
اللبناني والذي يتخفى اليوم تحت واجهات عديدة تدعهما الحكومة السعودية
..
بالطبع ان توقيت اعلان الحرب على حزب الله من قبل تنظيم القاعدة لا
يخلوا من دلالات معينة رغم ان الدوافع ما زالت غير مبررة وغير منطقية
وسخيفة "العمالة لامريكا" ‘ الا ان تصاعد الحرب ضد الارهاب في العراق
وتحّول ارض الرافدين الى ساحة "تصفية حسابات" مع الارهابيين العرب
وغير العرب ‘ وقد اكد ذلك في مناسبات عديدة الدكتور الجعفري بان "العراق
يحارب الارهاب نيابة عن العالم وانه في الواجهة الامامية في التصدي
للارهاب " ‘ يلقي بظلاله على لبنان خاصة وان الولايات المتحدة والدول
الغربية تسعى لابعاد ساحاتها عن حالة المواجهة مع تنظيم القاعدة
والتكفيريين السنة ومن هنا ايضا فان اختيار لبنان قد يكون ضمن المخطط
الشامل لاشعال حريق الطائفية يكون ينفذ دائما وابدا على يد السلفية
القاعدية (الوهابية) الاكثر كفاءة لامثل هذه المهمة القذرة ..
والسؤال المطروح بقوة هل ان دخول القاعدة على خط المواجهة مع حزب
الله سوف يدفع بـ"سنّة لبنان" وسكان مخيماته للتعاطف مع خطاب
القاعدة ؟ وهل ستكون المعركة القاعدة بين الطرفين ـ الحزب والقاعدة ـ
هي بداية النهاية لتنظيم القاعدة بعد ان تتم تعريته وكشف حقيقة توجهه
الاستئصالي الذي يتخذ من الطائفية والمذهبية سبيلا لاستحواذ قلوب
"السنة" ؟
وهل سيكون حزب الله قادرا على تصفية هذا التنظيم القذر وحلفاءه
التكفيريين وبالتالي تخليص لبنان من جرثومة فاسدة تسعى لحرق الاخضر
واليابس ؟
لعل البيان المشترك الذي اصدره مفتي لبنان السني "القباني" وعبد
الامير القبلان نائب رئيس المجلس الشيعي الاعلى في لبنان قد ازال
الغموض وبعض الملابسات عن الموقف السني العام والرسمي في لبنان تجاه هذ
التوجه التكفيري بشقه المتعلق بالطائفية المذهبية دون ان يكشف حقيقة
الموقف الاخر الذي يدخل في اطار "الطائفية السياسية" التي يتبناها
اكثر السياسيين والقوميين والذين يستغلون مثل هذه الحالات لتحقيق
المكاسب السياسية وحتى الطائفية رغم انهم اكثر الناس بعدا عن الدين
والمذهب كما هو حال "البعثيين السنة" في العراق والذين يستغلون الامور
الطائفية في الوقت الحاضر من اجل العودة الى السلطة وحكم
العراق .. الا ان الوضع اللبناني اليوم وتمتع حزب الله بقاعدة شعبية
عريضة وامتلاكه "القوة العسكرية" الضاربة وخبرته في مجال الامن
والاستخبارات كل هذه الامور سوف تصعب من مهمة قاعدة الجهنمية في لبنان
بشرط ان تكون المباردة هذه المرة في يد الحزب من خلال النقاط التالية:
اولا: اتخاذ سياسة هجومية ضد تنظيم القاعدة والبدأ بحملة تمشيط
استخباراتية على صيعد لبنان كله ..وهذا الامر يطلب ان يتم استنفار شامل
في صفوف حزب الله وقواعده واتخاذ الاجراءات الصارمة على الصعيد الامني
والاجتماعي وخاصة في مناطق تواجده الشعبي ..
ثانيا: الدخول في العملية السياسية بزخم اكبر وليس فقط من خلال بعض
المظاهر او الانخراط في المؤسسات الرسمية ـ وهو تحصيل حاصل ـ وانما
من خلال آليات عملية وعدم التلويح المستمر بـ"سلاح المقاومة" والذي قد
يشكل وبالا على الحزب ويجره الى مواجهة خاسرة من نوع اخر تكون كل
الاطراف تشارك فيها وحتى الدولية وبالتالي تعطي مساحة من التحرك لتنظيم
القاعدة لاغتيال قادة الحزب ونشر المفخخات في الوسط السكاني بهدف قتل
المدنيين الشيعة كنوع من الضغط على الحزب...
ثالثا: فك الارتباط مع القوميين البعثيين والدخول في تحالفات جديدة
مع الاطراف الاخرى محلية ودولية وبشكل اكثر شمولية والتخلي عن بعض
الشعارات التي استمل منها الشارع اللبناني وخاصة الشيعي والذي لم يحقق
لهم سوى المزيد من العزلة السياسية للشيعة ..
رابعا: اعادة النظر في السياسة الاعلامية للحزب وخاصة تلك المتعلقة
ببعض القضايا الاقليمية التي اصحابها بدأو يتخلون عنها من اجل ادوار
سياسية .. هناك قضايا اهم يمكن ان تدخل في دائرة اهتمام الحزب بحيث
تكسبه شعبية اكبر خاصة في الوسط الشيعي الذي مايزال الحزب بعيدا عنه
ولم يراهن عليه خاصة الساحة الشيعية في العراق والتي لم يزل للحزب
مواقف سلبية منها ارضاءا لجهات سنية طائفية هي اليوم تقف بالضد من كل
تاريخ حزب الله النضالي وتعتبره خداع وزيف كما جاء في المقالين
السابقين والذان يعبران عن رأي مساحة واسعة من السنّة وخاصة سنّة
الاردن وفلسطين ..
والامر الاخير والذي يخص السياسة الامريكية في لبنان الجديد خاصة
بعد زيارة "رايس" لبيروت وهو ان ابعاد خطر القاعدة والسلفية الوهابية
من امريكا والغرب وحصر المواجهة فقط في المنطقة الضيقة من الشرق الاوسط
لن ينهي خطر القاعدة ولا خطر الارهاب السني السلفي عن العالم بل سوف
يزيده قوة وزخما ‘ وتخطأ الولايات المتحدة ان كانت تظن ان تحويل لبنان
او العراق فقط الى ساحة تصفية حسابات سوف يحفظ لها مصالحها مالم يتم
تغيير بعض النظم السياسية العربية التي لها دور كبير في تفريخ الارهاب
والمستفادة من اي صراع "شيعي ـ سنّي وخاصة النظام السعودي الممول
الاول والاكبر للارهاب الوهابي الذي يتحرك تحت غطاءه تنظيم القاعدة بكل
الوانه واشكاله .. فلابد من معرفة ان ابن لادن والزرقاوي والارهاب
السلفي السني لم تنتجهم "الديمقراطية" بل هم من نتاج انظمة قمعية
والاستبدادية في السعودية والاردن ومصر .. ومن هنا ايضا فان التغيير ف
تلك النظم من خلال مشاريع اصلاحية وديمقراطية والاعتماد على الخط
المعتدل في الوسط المسلم هو الذي يخلص المنطقة من شرور الارهاب والفكر
التكفيري الذي يهدد العالم باسره .. |