تتسلل الى بيوتنا وعلى مدار الساعة افكار ومفاهيم عبر برامج
الفضائيات قد تكون في بعض الاحيان مفيدة وهادفة غير ان الكثير منها
يطرح موضوعات ويقدم قضايا لاتتناسب مع قيم مجتمعاتنا المحافظة.
ورغم ان كثيرا من برامج الفضائيات العديدة المنتشرة عبر الاثير
تستهوي وتستقطب معظم افراد الاسرة كبارا وصغارا فان الاطفال وصغار
الشباب يشكلون النسبة الاكبر من المشاهدين.
واستطاع التلفزيون بما يتميز به من امكانيات سمعية وبصرية ان يسيطر
على عقول تلك الشريحة صغيرة السن بعد ان اوكلت معظم الاسر طواعية
مهمتها الاساسية في تربية الاطفال لهذا الجهاز.
واصبح الريموت كنترول (جهاز التحكم عن بعد) لا يفارق يد الطفل طوال
اليوم ينقله من فضائية الى اخرى باحثا عن برامج العنف والجريمة
والاغاني التي لا تغيب عنها المشاهد واللقطات المخلة مما يشكل خطرا على
السلوكيات والاخلاقيات.
غير ان الظاهرة الاكثر خطورة التي بدات تغزو البيوت عبر جهاز
التلفزيون تلك الرسائل التي تحتوي على عبارات وكلمات لا ضوابط ولا حدود
لها وفي احيان كثيرة تتضمن مفاهيم غريبة ومفردات غير مقبولة.
والمتامل لمحتوى تلك الرسائل والاحاديث المتبادلة والمفروضة علينا
شئنا ام ابينا سيجد انها متنوعة منها ما يندرج تحت بند الغزل والشتائم
والتطاول من البعض على الاخرين سواء كانوا اشخاصا بعينهم او فئات
اجتماعية كالقبائل والطوائف او شعوب الدول الاخرى مما يخلق نوعا من
الحساسية ويرسخ التعصب الطائفي والمذهبي بين ابناء المجتمع الواحد وبين
الشعوب العربية.
وقد يرى البعض ان المحادثات او الدردشة بين الاصدقاء والاغراب
موجودة في الانترنت وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة غير ان الامر
يختلف في درجة التاثير والخطورة من وسيلة الى اخرى فالانترنت في الغالب
تستخدمه فئات محدودة سواء كانوا مراهقين او بالغين ولا بد من توفر جهاز
حاسب الي وخط هاتف والجميع وهي امرو غير متوفرة للعامة اضافة الى ان
تاثير الانترنت يكون محصورا بالاشخاص المتواجدين في غرف الدردشة دون
غيرهم كما انه يمكن لرب الاسرة فرض نوع من الرقابة على ابنائه او
اسرته.
لكن ذلك لا ينطبق على التلفزيون فالجميع دون استثناء بما فيهم
الاطفال والمراهقون يشاهدونه بشكل يومي فيصبح كل ما يقرا مقبولا لديهم
فيكون تاثيره كتاثير تلفزيون الواقع اذ يغرس في عقول الاطفال الغضة
قيما وثقافة جديدة لا تمت للواقع الاجتماعي بصلة ان لم تكن مرفوضة
ويستطيع اي طفل المشاركة بالمحادثة بارسال الرسائل عبر هاتفه النقال
والذي اصبح في امكان الطفل خاصة في البلدان الغنية مثل الكويت الحصول
على احدث جهاز في الاسواق دون وجود حاجة ماسة اوضرورية لاقتنائه.
وتعزو الدكتورة ملك الرشيد استاذة علم الاجتماع بجامعة الكويت
انتشار هذه الظاهرة لعدة جوانب منها التطور التكنولوجي الهائل في مجال
الاتصال المرئي والمسموع عبر الاقمار الصناعية وقنوات الاتصال المختلفة
مع شغف الافراد في مجتمعاتنا لامتلاك احدث ما تصل اليه التكنولوجيا من
اجهزة مما يعمق الفجوة ما بين التطور المادي والتطور الفكري والقيمي
العاجز عن مسايرة التغيرات السريعة التي طرات مؤخرا وينجم عن ذلك سوء
استخدام التكنولوجيا.
وقالت الدكتورة ملك في حديث مع (كونا) ان طبيعة المجتمعات الشرقية
التي تحكمها قيم وعادات تنظم تعاملات الشاب والفتاة وفق اطر الشريعة
الاسلامية والتى يراها الشباب قيودا تعيق علاقاتهم الاجتماعية تدفع
الشباب والمراهقين للاقبال على استغلال قنوات الاتصال التي تقدمها
التكنولوجيا الحديثة لتخطي تلك القيود عن طريق تبادل الرسائل التي تظهر
على شاشات بعض المحطات الفضائية الخاصة المهتمة بتقديم تلك الخدمات.
واضافت "لا يمكننا تجاهل الجانب الدعائي والمادي الذي يدفع القائمون
على القنوات التى تقدم خدمة الرسائل (المسج) الى الاستحواذ على كل ما
هو جديد في مجال الاتصال مما يدفع الشباب الى الاشتراك بتلك الخدمات
واستمرارية الطلب عليها مادام العرض في تغير وتطور مستمر".
وذكرت الدكتورة ملك الرشيد ان الاطفال والمراهقين هما في الغالب
الجمهور المستهدف لترويج كل ما هو جديد في مجال الاتصال لما يميز
مرحلتي الطفولة والمراهقة من شغف وحب استطلاع ورغبة بالتميز والحصول
على التقبل من الاخرين والتحرر من القيود والذي يجعل كل ما هو معارض من
قبل سلطة الوالدين امرا اكثر جاذبية.
واشارت الى الترف المادي الذي تتميز به المجتمعات الخليجية والذي
حول الكثير من الكماليات الى ضروريات مثل اقتناء الهواتف النقالة من
قبل الاطفال وهذه الحقيقة تم استغلالها من قبل القائمين على القنوات
الفضائية المروجة لخدمة الرسائل المذيلة لشاشات التلفزيون.
وحذرت الدكتورة ملك من ان خطورة ذلك تكمن في ان التلفزيون هو "الضيف"
اليومي لكل اسرة وانه اصبح رافدا رئيسيا في عملية التنشئة الاجتماعية
للطفل والمراهق عن طريق نشر الافكار والقيم المقبولة من معدي البرامج
المقدمة لتعمل على اعادة صياغة قيم وتوجهات الشباب وبالتالي قيم
المجتمع باثره وذلك بطريقة سلسة ومحببة للنفس.
وقالت انه عند استغلال الرسائل والدردشة التلفزيونية لاظهار مشاعر
البغض لشخص او فئة معينة على مراى جميع المشاهدين فان السماح بتلك
الرسائل يعد موافقة مبطنة على مبدا التعصب والتطرف الفكري مع او ضد فئة
معينة.
وضربت الدكتورة مثالا اخرا وهوعندما يتبادل الشباب الرسائل الغرامية
وسط عجز الاسرة عن التحكم بمضامين تلك الرسائل فان ذلك يعد تشجيع على
الخروج على القيم العامة وتحدي لممثلي السلطة.
واشارت ملك الى صعوبة التصدي لهذه الظاهرة بسبب سعة رقعة انتشارها
وتعدد المستفيدين من استمراريتها واقترحت اخضاع تلك الرسائل لنوع من
الرقابة و"الغربلة" لضمان سلامة محتواها على ان لا تكون على حساب حرية
التعبير والتواصل الهادف بين المشاهدين من شتى ارجاء الوطن العربي.
|