الهذيان والهلاوس في المرض العقلي..حقيقة ام وهم؟

د.اسعد الامارة*

لا اعتقد ان احداً منا لم يشاهد في وسط الشارع رجل كث الشعر طويل الذقن،ملابسه ممزقة ورثة تكاد ان تكون اسمال بالية،يسير في الشارع طولا وعرضاً ويتحدث مع نفسه بحوار جاد،لايعير للناظرين من المارة اي اهتمام،انه يحاكي نفسه ويتحدث مع آخرين لا وجود لهم في الواقع ولكنه يراهم هو وحده،يحاكيهم ويحاورهم وربما تناول آخر لم يكن موجوداً في جلسة الحوار هذه غير المرئية مع آخرين في مخيلته..ان هذا الشخص بصورته وهيئته التي نصفها هو في الحقيقة مريض عقلياً ويسمى هؤلاء المرضى من الرجال والنساء(مرضى الذهان)وتشمل الامراض الذهانية : الفصام"الشيزوفرينيا"الاكتئاب العقلي،البرانويا بشقيها"العظمة والاضطهاد"،الهوس بانواعه،ولو استعرضنا لمصطلحي الهذيان والهلاوس لوجدناهما يلازمان مرضى العقل فقط"الذهان"ولاتوجد هذه الظاهرة لدى مرضى النفس"العصاب"والتي تشمل: القلق المرضي،الهستيريا،الوسواس القهري،الفوبيا"المخاوف المرضية"الاكتئاب النفسي والاضطرابات السيكوسوماتية"النفسجسمية"..الخ.

يعرف الهذيان Delusion بانه اعتقاد مرضي في وقائع غير حقيقية او تصورات خيالية لا اساس لها من الواقع ويقول علماء التحليل النفسي ان اكثر موضوعات الاعتقاد شيوعاً هي العظمة والاضطهاد والغيرة والذنب ..الخ لذا فأن المريض الذهاني"العقلي"يعمل على تبريره مستعيناً في ذلك بالتفسيرات الزائفة الخاطئة التي كونها هو عن تلك الامور فضلاً عن المدركات الحسية الاخرى التي يلفها التوهم وهي الهلاوس،فالهذيان كما يقول(فرويد)يشتمل على عناصر منطقية تتفاوت اهميتها من مرض الى آخر كما يختلف مدى استخدامها في بناء الهذيان ذاته.ان الهذيانات بانواعها في شدتها وحالاتها الخفيفة،اتساقها او تناثرها المنطقي هي ابتعاد عن الواقع المعاش الى عالم آخر يعيشه المريض الذهاني.

اما الهلاوس Hallucination فهي ادراك حسي بدون موضوع خارجي وهو ينتج عن تجسيم ظواهر ذاتية خاصة بحتة تجسيماً موضوعياً وكأنها حقائق حتى وصف اطباء النفس مريض العقل بانه يرى ويسمع ويحس كما لو كان ثمة منبه حقيقي في داخله،فهو لا يرى في هلاوسه بانها اعتقادات خاطئة لا صحة لها،بل يؤكدها ويصر عليها ويعتقد اعتقاداً جازماً بانها حقيقة وهذا نراه في بعض مرضى الفصام"الشيزوفرينيا"تحديداً عندما يعتقد انه الامام المهدي المنتظر او انه السيد المسيح او انه نبي جديد جاء يصلح الناس او انه من الصالحين جاء يصلح امور البشرية .. وهناك انواع من الهلاوس مثل(البصرية: يرى الاشياء وحده،بينما لا يراها المحيطين به)،(السمعية:يسمع اصوات ويتحدث مع ملائكة او اشخاص منزلين عليه من السماء كما يعتقد هو او بعض البسطاء من الناس)،(شمية:ان مريض العقل يشم روائح ربما كريهة او عبقة عطرة،لا يستطيع الاخرين شمها وربما يعتقد انها تخصه لوحده ارسلت اليه من جهة خفية)،(ذوقية:عندما يأكل اي طعام يتذوق الطعام بطعم خاص وبنكهة خاصة لا يعيها المحيطين به)او( حركية: فكثيراً ما نشاهد مرضى العقل يقومون باعمال غريبة ومثيرة وحركات لا يمارسها الاسوياء من البشر مثلاً رفع حاجب العين عدة مرات وتحريك عضلات الوجه او اتخاذ الوضع الجنيني في النوم لعدة ايام او الوقوف على رجل واحدة لعدة ايام دون الشعور بالتعب او الملل ..الخ)ويصف(د.احمد عكاشة) اعراض الذهان العضوي بانه تشوش الوعي واختلاط درجة اليقظة ويعطيه بعض ما يتميز به من افعال اهمها:

- عدم التعرف على الزمان والمكان والاشخاص

- التوتر الشديد والتهيج وعدم القدرة على الثبات في مكان واحد والسير ذهاباً واياباً دون هدف معين.

- تدهور الذاكرة بشكل واضح حتى انه يخلط الاحداث ببعضها البعض.

- اضطراب التفكير واختلاطه وتطاير الافكار وتسارعها وتداخلها حتى تبدو للسامع غير مفهومة.

- اختلال الادراك الذي يسبب الهلاوس السمعية او البصرية،فالمريض يرى اشباحاً تهاجمه وحيوانات تفترسه وحشرات تلدغه،بل وافراد يدبرون قتله واحياناً ما يصاحب ذلك سماع اصوات تسبه وتشتمه وتلعنه وتهدده بالعقاب بالدنيا والآخرة مما يجعل سلوكه مضطرباً ويصبح في حالة من الرعب والخوف المستمر مما تدفعه هذه في احيان كثيرة، هذه الهلاوس الى الانتحار.

- الاحساس بالخوف وعدم الاستقرار والامن.

- القابلية للايحاء مع تزييف وتحوير لما يتبادر في الذاكرة والذهن

تعد الهذايانات والهلاوس التي تصاحب الاضطرابات العقلية والتي تؤدي الى خلل واضح في السلوك لدى الفرد المريض.من اكثر المظاهر وضوحاً في الادراك (الهلاوس)ومضمون التفكير (الضلالات)والحالة المزاجية وتأثيرها على المشاعر مثل حالة الاكتئاب وحالة الابتهاج والسرور وحالة القلق الزائد،والان فأن الهذيان والهلاوس ..هل هي حقائق ام اوهام لاسيما انها تدرك بالسلوك الصادر من بعض مرضى العقل،ويمكن ملاحظة ما يصدره هؤلاء البعض ويتفوه به او من خلال حركاتهم غير الطبيعية او ايماءاتهم الوجهية حتى وصف الناس هؤلاء الاشخاص بالجنون ويقول"سيجموند فرويد"واصفاً الهلاوس ومقارنتها بالاحلام بقوله:ولكن الاحلام تختلف عن احلام اليقظة في خاصيتها الثانية وهي ان محتواها الفكري يستحيل الى صور حسية يضيف اليها المرء تصديقه ويعتقد انه يعيشها..ثم ان من الواجب الا ننسى ان مثل هذا التحويل من الافكار الى الصور الحسية لا يقع في الاحلام وحدها بل يقع ايضاً في الهلاوس والرؤى التي تظهر ظهوراً اشبه بالمستقبل في حالات الصحة او من حيث اعراض في حالة الاعصبة النفسية،وللمزيد من المعلومات راجع تفسير الاحلام ص527 لسيجموند فرويد،ترجمة مصطفى صفوان.

*استاذ جامعي وباحث سيكولوجي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية - الاثنين 25/ تموز/2005 - 17/ جمادى الأولى/1426