تقارير أمريكية إستراتيجية متضاربة: انسحاب القوات الأمريكية من العراق خلال 400 يوم

أوصت دراسة جديدة صادرة عن مشروع البدائل الدفاعية Project on Defense Alternatives (PDA) وهو مركز أبحاث أمريكي مستقل يعنى بالقضايا الدفاعية والإستراتيجية، بأن تنسحب القوات الأمريكية من العراق خلال 57 أسبوع أو 400 يوم.

وتقترح الدراسة بقاء قوات تدخل أمريكي سريع في دول حليفة للولايات المتحدة ومجاورة للعراق قوامها 25 ألف جندي وما يتطلبه ذلك من عتاد وتجهيزات للتدخل إن دعت الضرورة.

يذكر التقرير أنه يجب السماح ببدء انسحاب القوات الأمريكية من العراق خلال 400 يوم بعد التوصل إلى اتفاق مع قادة السنة العراقيين، واتفاق مع جيران العراق الأساسيين مثل سوريا وإيران بما يؤدي إلى تخفيض مستوى العنف عن طريق تقليل الدعم الذي يحصل عليه المتمردون من داخل وخارجه.

ويرى التقرير أن من شأن هذه الترتيبات أن تسمح للولايات المتحدة أن تستخدم مواردها الكبيرة في العراق للتركيز على تدريب القوات العراقية، ويمكن أن تزيد عمليات التدريب جنبا إلي جنب مع انخفاض مستوى العنف. ويتمثل الثمن الإستراتيجي الذي يجب على الولايات المتحدة أن تدفعه في تحديد جدول زمني للانسحاب، وما يتطلبه هذا من مبادرات دبلوماسية تتمثل في السماح للسنة العرب بحكم ذاتي في مناطقهم كما ذكر التقرير. ويعقب ذلك تحسين تمثيل هؤلاء السنة في الجمعية الوطنية. وتشترط الدراسة الجديدة ضرورة أن تخفض الحكومة العراقية المدعومة أمريكيا من جهود "اجتثاث البعث" التي أدت إلى غضب وتمرد الكثير من الطائفة السنية. وتبقى مسألة العفو عن المتمردين العراقيين والبعثيين السابقين حجر الأساس لنجاح هذا التصور الجديد.

وتستند الدراسة إلى استطلاعات للرأي جرت بالعراق وكشفت أن الدعم الشعبي الموجود داخل العراق للمتمردين والذي تبلغ نسبته طبقا لها 75% سببه معارضة العراقيين لوجود قوات أجنبية في العراق. وكان الزعيم الشيعي العراقي السيد مقتدى الصدر قد ذكر "أن سبب ما يجري في العراق هو استمرار الاحتلال الأمريكي"، وتوافق الدراسة الجديدة على هذا الرأي، لذلك تجعل من انسحاب القوات الأمريكية الهدف السمي من أجل عودة الاستقرار للعراق.

ولا تقتصر معارضة الوجود العسكري الأمريكي في العراق على العراقيين، فقد ذكر استطلاع أجرته في نهاية الشهر الماضي شبكةABC الإخبارية أن 53% من المواطنين الأمريكيين يرون عدم جدوى وجود القوات الأمريكية في العراق. ورغم ما جاء في وثيقة سرية بريطانية موقعة من قبل وزير الدفاع البريطاني جون رايد والتي ذكرت أن هناك خططا لسحب الولايات المتحدة وبريطانيا أكثر من 100 ألف جندي من العراق مع نهاية عام 2006، إلا أن متحدثا باسم وزارة الدفاع الأمريكية قد ذكر معلقا على هذه التسريبات "أن خفضا كبيرا للقوات الأمريكية في العراق مرتبط بتوافر شروط ميدانية وليس محددا بموعد مسبق". وأضاف المتحدث الأمريكي "أن إستراتيجيتنا ليست محددة بموعد أنما بتوفر شروط ميدانية".

وبالتزامن مع المبادرات الدبلوماسية، ترى الدراسة وجوب إعلان الولايات المتحدة جدولا زمنيا لخفض عدد القوات حتى يتم استكمال الانسحاب. وأوصى التقرير بتبني عدة مبادرات من شأنها إنجاح تصور الانسحاب، ومن هذه الترتيبات:

• التركيز على تدريب القوات العراقية. وترى الدراسة أن 400 يوم فترة كافية لاستكمال مراحل التدريب اللازم للقوات العراقية بما فيها تدريبات عملية ومناورات عسكرية للعديد من الفرق والوحدات العسكرية الجديدة.

وتقترح الدراسة تخصيص العدد اللازم من المدربين للجيش العراقي يمالا يقل عن 24 الف مدرب. وتري الدراسة أنه من الممكن أن يتم إعادة تدريب وتأهيل 100 الف جندي عراقي، وفي نفس الوقت يمكن تأهيل 80 الف جندي إضافي في هذه الفترة.

• أن يتم إعادة تشغيل جزء من الجيش العراقي السابق لبناء الثقة مع السنة العرب. وتهدف هذه الخطوة إلى تجفيف منبع من منابع تجنيد مقاومين أو متمردين، وهذا بالطبع سيدعم قوة الجيش العراقي، بالإضافة إلى تحقيق بعض التوازن العرقي والطائفي بين وحدات الجيش العراقي الذي يسيطر عليه الآن الشيعة والأكراد.

• أن تتبني القوات الأمريكية إستراتيجيات دفاعية في العراق من شأنها وقف عمليات الهجوم على معاقل المقاومة العراقية المتكررة.

• أن يتم إنهاء القيود على ممارسة أعضاء حزب البعث السابق حقوقهم السياسية، وهذا باستثناء حالات من أرتكب جرائم منهم.

• ربط تشكيل الجمعية الوطنية العراقية بالمحافظات العراقية المختلفة، كما الحال في الولايات المتحدة، يجب أن يكون الأعضاء من ساكني المناطق التي يمثلونها. وهذا من شأنه أن يجعل البرلمان عاكسا لحقائق العراق السكانية والجغرافية، ويقلل في الوقت ذاته من أهمية الانتماءات الطائفية والدينية.

• ترى الدراسة ضرورة بقاء عدد صغير من الأمريكيين داخل العراق، وتقترح بقاء 10 الآف ما بين مدنيين وعسكريين من أجل عمليات التدريب والاتصال، على أن لا يتعدى عدد العسكريين منهم ألفين فقط. وأن يكون وجود هذه القوات ضمن خطة أوسع للأمم المتحدة لإعادة الاستقرار للعراق مدتها 3 سنوات.

هل الانسحاب كافيا لحل المعضلة العراقية؟

منذ انتخابات شهر يناير (كانون الثاني) الماضي ظهرت عدة مبادرات تنادي بضرورة انسحاب القوات الأمريكية من العراق. وهذا بسبب أن الثمن المالي والخسائر البشرية لبقاء القوات في العراق أصبح لا يحتمل، خاصة مع عدم وجود بريق أمل في انتهاء أعمال العنف قريبا.

وطبقا لبيانات وزارة الدفاع الأمريكية،فقد بلغ عدد القتلى الأمريكيين في العراق 1764 مع نهاية يوم 18 يوليو 2005، والتكلفة المالية ما يقرب من 200 مليار دولار.

وتشير تقارير وزارة الدفاع الأمريكية إلى صعوبة محاربة المتمردين في العراق. وذكر تقرير حديث أن المتمردين في العراق "ما زالوا فعالين ويتأقلمون وينوون الاستمرار في شن هجماتهم ضد المدنيين والمسئولين العراقيين". وتظهر جليا للقوات الأمريكية صعوبة وقف العنف اليومي في العراق. و مع تغير أولويات الولايات المتحدة من بناء عراق جديد ديمقراطي وآمن، تقلص الهدف الأمريكي في العراق الآن إلى محاربة المتمردين واختفت كل المهام والأهداف الأخرى.

ترى الدراسة أن مبادرات أعضاء الكونغرس العديدة المطالبة بانسحاب القوات الأمريكية من العراق لا تعكس فهما حقيقا للأوضاع داخل العراق. وتدور هذه المقترحات حول نقاط ثلاث فقط:

1. ضرورة زيادة التركيز على تدريب القوات العراقية.

2. أن يتم دعوة قوات من دول حليفة لإرسال قوات تحل محل القوات الأمريكية.

3. تدعيم دور دول الجوار العراقي بما يساعد على وجود استقرار إقليمي.

وتنادي الدراسة بضرورة أن تجمع الأمم المتحدة مجموعة دول جوار العرق ويكون الهدف من وراء تلك الاجتماعات التنسيق بين الدول المساهمة بقوات عسكرية في العراق، ودول الجيران لضمان ضبط حدود العراق والعمل على عدم انتقال مسلسل العنف إلى هذه الدول.

وتنصح الدراسة الولايات المتحدة بضرورة خفض مستوى التوتر مع سوريا وإيران-جيران العراق- لأن من شأن ذلك خدمة مصالح الولايات المتحدة في استقرار العراق الذي يمكن لهاتين الدولتين أن تساهم فيه بإيجابية.

لكن تقرير عسكري امريكي آخر أعلن يوم الخميس ان نصف كتائب الشرطة العراقية فقط قادرة على تنفيذ عمليات ضد المسلحين وان ثلثي كتائب الجيش وباقي الشرطة ليسوا اكثر من "قادرين جزئيا".

وذكر تقدير غير سري قدمه للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الجنرال بسلاح مشاة البحرية بيتر بيس نائب رئيس هيئة الاركان المشتركة الامريكية ان "عددا صغيرا فقط من قوات الامن العراقية يتصدون للمسلحين والارهابيين بانفسهم".

وقدم تقدير بيس الى الصحفيين في نفس اليوم الذي اعطت فيه وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) - بعد تاخير لاكثر من اسبوع- اعضاء الكونجرس تقريرا يتألف من 23 صفحة طلبه المجلس عن العراق على الصعيد السياسي والاقتصادي والامني.

وتقول حكومة بوش ان القوات الامريكية لا تستطيع مغادرة العراق حتى تتمكن قوات الامن العراقية التي يدربها الامريكيون من حماية بلادها التي تشهد الان تمردا شديدا بدأ في 2003 بعد ان اطاح غزو بقيادة الولايات المتحدة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين.

وينوه مسؤولو الحكومة الامريكية مرارا بالتقدم الذي تحققه قوات الامن تلك.

الا ان بيس الذي يتوقع ان يحتل اعلى منصب في الجيش الامريكي في هذا الخريف قال لاعضاء الكونجرس ان حوالي ثلث كتائب الجيش العراقي فقط قادرة على التخطيط وتنفيذ ومواصلة عمليات ضد المسلحين بدعم من القوات الاجنبية التي تقودها الولايات المتحدة.

شبكة النبأ المعلوماتية - السبت 23/ تموز/2005 - 15/ جمادى الأولى/1426