يدرك
الذين يتعاملون مع الحاسوب (الكمبيوتر) أهمية البرامج المضادة
للفيروسات الالكترونية (anti virus) فبدونها يكون الحاسوب
عرضة الى كل اختراق وبلوى، كمن يترك دار بيته مشرعة ليل
نهار عرضة للسطو او يترك ماله بلا رقيب، والمال السايب
يعلّم على السرقة كما يقول المثل.
والعراق بعد التاسع من ابريل - نيسان العام 2003 ، صار حاله حال
الحاسوب الذي لا يحمل مضادات حيوية، فقد دخلت في مفاصله الكثير من
الامراض الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وطفحت أوبئة واستفحلت اخرى
كانت على عهد النظام البائد وهي غير قليلة.
وقد وعدت القراء في مقالة سابقة أن اشير الى مرض
السيجار الذي غزا العراق بلا رقيب او حسيب (بعد وباء
السيارات المستعملة التي لفظتها شوارع اوروبا واكتظت بها شوارع
العراق) حتى باتت جملة جربها (try it) تدمغك اينما رفعت
رأسك وفي كل زاوية من زوايا العراق، وتستولي على عدستي عينك، وهي تغري
وتدفع بالصبيان والشبان والشابات الى تعاطي السيجار وبلا رحمة، وفي
اعتقادي ان تسعة من عشرة من كل عراقي في داخل العراق يتعاطى الدخان
وبشراهة، وحتى الشاب الذي يوحي اليك خجلا او احتراما انه ليس من صنف
المدخنين تكتشف وعن طريق الصدفة انه يمتنع امامك من باب المجاملة، والا
فان الدخان بلا حدود هو احد الامراض الاجتماعية العاصفة بالعراق الجديد،
وهو مرض تتحمل شركات التبغ الاجنبية والعربية والعراقية قسطا وافرا فيه
وهي تحاول ان تشفط جيوب العراقيين الخالية اصلا مستفيدة ربما
من ضعف الضريبة على السجائر او غيابها، وتوهّم العراقي
ان السيجار ينسي همومه.
المشكلة في العراق ان الناس فهموا الديمقراطية انفتاحا حتى على خراب
الجيوب والنفوس والصحة والأمان، فالتبغ يسبب الى جانب سرطان الرئة
سرطان الجيب، ربما لا يشعر به المواطن العراقي في الوقت الحاضر نتيجة
لهجوم جراد التبغ على العراق بلا رقيب ولا ضريبة ولا مضادات إعلامية
وتوجيهية، ولكن عندما ترتفع اسعار التبغ سيصبح وقتئذ غمة على محاصيل
جيب المواطن وما أجدبها، وبخاصة وانه ينتشر حد الادمان وبخاصة لدى
الطبقات الفقيرة والمعدمة التي تداري خيباتها بحرق الدخان وجر الأنفاس
العميقة الواحدة بعد الاخرى وهي بعد لم تستعد أنفاسها من ما سبّب لها
النظام البائد من عاهات مستديمة اجتماعية واقتصادية
ونفسية.
كم كنت اتمنى ان ترتفع بدل اعلان (جرّبها) اعلانات للعلكة المضادة
للتدخين، ولافتات مساعدة على الاقلاع عن الكبسلة، ويافطات عن مضار
الادمان، ولو كنت فقيها مجتهدا لأفتيت بحرمة التدخين ابتداءاً واستدامة
للمضار التي يسببها على صحة المدخن نفسه وعائلته ومحيطه والبيئة
التي حبانا الله بها لننعم بخيراتها.
والمؤلم ان السيجار لم يدخل العراق لوحده، فقد دخل معه اضرابه من
خشخاش وهيروئين وباسعار هابطة جدا غير معقولة حتى في عالم تهريب
المخدرات وتجارته، واظن ان الذين ادخلوا السيجار جهاراً والمخدرات سراً
باثمان غير اثمانها الحقيقية يستهدفون تعويد الناس على تعاطيهما
وتمييعهم، ومن ثم اذا دب نمل الخراب في اجسادهم يرفعون من اسعاره، او
ان مضاعفة الضرائب على السيجار سترفع من اسعار السيجار نفسه، وعندئذ
سيكون من الصعب على المواطن ترك التدخين او تعاطي المخدرات وسيتضاعف
البلاء عليه وعلى اسرته ومجتمعه.
لا ادري مَن الذي سمح لشركات التبغ وضع الاعلانات على طول العراق
وعرضه، وتشويه فضائه، والتشجيع على سرطاني الجيب والصحة؟ ألم يكن
الاجدر بالحكومات المتعاقبة المعينة والمنتخبة تشجيع الناس عبر
الاعلانات، الابتعاد عن التدخين الذي هو عند كثير من الشباب مقدمة الى
الكبسلة المبتلى به العراق اصلا منذ العهد البائد، لينتهي
بهم المطاف الى عالم الإدمان؟
المشكلة في المجتمعات حديثة العهد بالديمقراطية، الخارجة لتوها من
أسر الاستبداد، انها تقرأ الحريات في بعض الاحيان بشكل هرمي مقلوب
الرأس، فيقع على رأسها وعلى هامة الحكومة الوليدة، فبريطانيا على سبيل
المثال وهي أقدم ديمقراطية تعمل بنظام التعددية الحزبية والسياسية،
تحظر على شركات التبغ الاعلان وتشترط على مصانع الدخان وضع عبارات
تحذيرية من عواقب التدخين، على واجهات علب الدخان، كما ان الضريبة على
الدخان مرتفعة جدا، كوسيلة من وسائل الردع عن التدخين، فضلا عن ان علب
الدخان لا تباع لمن لم يبلغ السن القانونية (16 عاما)، ويتعرض للمحاسبة
القانونية كل صاحب دكان باع السيجار لصبي او صبية غير بالغة
قانونيا.
اتمنى ان ترتفع الحكومات العراقية الحديثة الى مقام المسؤولية وتحد
من مرض التدخين المستشري في الاوصال العراقية، وكخطوة اولى عبر حظر
اعلانات السجار المشوهة لمعالم المدن العراقية والعاصمة بغداد بخاصة،
وشن حملة توعية صحية لمضار التدخين، وفتح مصحات طبية تستوعب المكبسلين
والمدمنين، فهم مرضى قبل ان يكونوا وباءاً اجتماعياً.
تنويه: وهو لغير العراقيين، فالكبسلة مأخوذة من كلمة كبسول
(capsule) الذي يستخدم كحاوية للعقار، وانتشرت في السنوات الاخيرة من
العهد البائد مخدرات معبئة داخل الكبسول، او تستخدم بعض العقاقير
المخدرة لاصحاب الامراض المزمنة كمخدرات يتداولها الشباب، ويقال في
اللغة العراقية الدارجة لمن يتعاطى الكبسول (إمكبسل)، ومنه الكبسلة على
وزن فعلَلَ، وصارت الكلمة تطلق على كل مدمن.
توصية: ما من شك ان التدخين يضر بالصحة، ولذلك أفتى بعض الفقهاء
بحرمة التدخين في مكان فيه جلساء الا برضاهم، وبدوري اوصي المدخنين ان
يطفأوا اعقاب السيجار بعد رميها على الارض، فلو ان كل مدخن اطفأ
الاعقاب بيده او برجله، فيكون حينئذ قد ساعد على حماية البيئة، فبقية
السيجارة في اكثر الاحيان تشكل نحو نحو ربع او خُمس
السيجارة نفسها، وبسحقها يكون المدخن قد حمى البيئة من
بقاياها.
الرأي الآخر للدراسات/لندن
alrayalakhar@yahoo.co.uk
|