السينما المغربية لاتزال تعاني من الاستعمار الثقافي

يرى ناقد سينمائي مغربي بارز أن السينما في بلاده لاتزال تعاني بقايا ما اعتبره استعمارا ثقافيا حيث تفرض اللغة الفرنسية سطوتها على الافلام والسينمائيين معا كما لا يوجد تيار سينمائي يتواصل مع الجمهور المغربي الذي تربى على الذوق السينمائي المصري.

وقال مصطفى المسناوي الاستاذ بكلية الاداب جامعة الدار البيضاء ان الاستعمار الفرنسي للمغرب أدخل السينما الى البلاد وكانت القاعات السينمائية الاولى موجهة أساسا الى الفرنسيين المقيمين حتى لا يشعروا بالغربة ثم اكتشف الفرنسيون أن بامكان الفن السابع "التخفيف من المقاومة النفسية قبل السياسية للاحتلال."

واحتلت فرنسا المغرب حين تم توقيع عقد الحماية في مدينة فاس عام 1912 واستمر الاحتلال حتى عام 1956.

وقال المسناوي في دراسة ضمن كتاب (مختارات من السينما العربية) ان فرنسا "التي اعتبرت السينما أداة لتدعيم نفوذها السياسي وهيمنتها الاستعمارية فوجئت بأن المواطن المغربي استطاع أن ينسج من خلال السينما وشائج ثقافية فنية متينة مع عمقه القومي العربي الذي حاولت عبثا فصله عنه ويوفر لنفسه بالتالي مزيدا من أسباب المقاومة."

والكتاب الذي صدر هذا الاسبوع عن قصر السينما بالقاهرة يقع في 128 صفحة ويضم دراسات متنوعة لعدد من النقاد العرب.

وقال المسناوي ان مصر شهدت أول سينما عربية ولاسباب تاريخية واجتماعية مارست السينما المصرية "سلطة البداية" على المشاهد العربي عموما حتى أنها ألغت أو أجلت حاجة هذا المشاهد في الشام أو الخليج أو المغرب العربي الى رؤية صورته الخاصة على الشاشة.

وأشار الى أن السينما المصرية التي أجلت ظهور سينما محلية في معظم دول العالم العربي أدت "بفعل سلطة البداية أدوارا متعددة ستجعل من الصعب في وقت لاحق ظهور السينمات العربية المحلية. كان الفيلم المصري في الاربعينيات والخمسينيات خاصة وسيلة للتعبير عن الذات العربية في أكثر جوانبها عصرية وتفتحا كما كان أداة عززت الاحساس بالانتماء القومي وأكدت على الهوية العربية."

وأضاف أن السينما المصرية التي تختلف لغتها الفنية عن المدارس السينمائية التي ظهرت في ألمانيا وايطاليا وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية "نجحت في تلقين المشاهدين العرب لغتها الخاصة بها وتشكيل أذواقهم الفنية وحين شرعت السينمات العربية في الظهور فان ذلك تم ببطء وتردد وفي ظل معاناة تواصلية شديدة بين المخرجين وجمهورهم المحلي المشبع بجماليات الفيلم المصري."

وأشار الى اختلاف الوعي الجمالي لدى السينمائيين المغاربة عن معظم مخرجي السينما بمصر فالمغاربة تأثروا بالمدارس السينمائية التجريبية في البلاد التي تلقوا تعليمهم فيها كاسبانيا وفرنسا "ومن هنا صعوبة تواصلهم مع جمهور جرى تكوينه في المدارس المصرية بالاساس."

وقال المسناوي ان للمجال الثقافي المغربي عمقا يتوزع بين استقطاب قومي عربي واخر فرانكفوني حيث ارتبطت الموسيقى وفنون الكتابة من قصة ورواية وشعر بالثقافة في المشرق في حين ارتبطت فنون "وافدة بالغرب الاوروبي وبفرنسا تحديدا وعلى رأس هذه الفنون السينما والفن التشكيلي."

وفي رأيه أن السينمائي المغربي مازال سجينا للتوجه الفرنسي الاستعماري اذ ان الفرنسية هي لغة التواصل بين العاملين في هذا المجال. وباستثناء ستة أو سبعة أفلام فان "كل الافلام المغربية لحد الان كتبت سيناريوهاتها وحواراتها باللغة الفرنسية حيث تجري الترجمة الفورية للحوار الى الدارجة المغربية أثناء التصوير. هذا الواقع الاستثنائي الغريب لا نعثر على ما يماثله ضمن المشهد الثقافي المغربي الا في مجال الفنون التشكيلية حيث لغة الحوار والكتالوجات والمتابعة النقدية كلها بالفرنسية."

وأضاف أنه في "هذا الواقع الفصامي الغريب يمكننا أن نلتمس الاسباب الرئيسية لصعوبة أو لانعدام التواصل بين المخرج المغربي وجمهوره المحلي. الامر أكبر بكثير من ذلك التمايز الذي نجده في كل مكان بين ذوق المخرجين والنقاد وذوق عامة الجمهور. الامر هنا هو أمر تمايز لغوي-ثقافي موروث عن الفترة الاستعمارية بين نخبة ترى مثالها في الغرب الاوروبي وجمهور منساق لما يعرفه ويطمئن اليه."

وقدمت السينما المغربية في السنوات الاخيرة تجارب اعتبرها النقاد مهمة ومنها فيلم (فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق) الذي أخرجه محمد عسلي العام الماضي وحصد جوائز في مهرجانات دولية. كما تقام مهرجانات سنوية في كثير من المدن المغربية ومنها خريبكة ووجدة وتطوان وطنجة وسلا والرباط ومراكش وأغادير وأصيلة.

ولكن المسناوي يشدد على أن "الاستعمار الثقافي السينمائي يتواصل اليوم بالمغرب عبر أشكال متعددة على رأسها أن الافلام الاجنبية تبث في قاعة السينما كما على شاشة التلفزة مدبلجة (مترجمة صوتيا) الى اللغة الفرنسية دون ترجمة مكتوبة الى اللغة العربية. يضاف الى ذلك الحضور الكثيف للنقد ومتابعات السينمائيين باللغة الفرنسية" في صحف محلية بالفرنسية ناطقة بلسان أحزاب سياسية.

وقال ان النقد السينمائي أيضا موزع بين تيارين أحدهما ذو طابع عربي "مصري خصوصا" والاخر يستلهم النقد الاوروبي حيث يهتم الاول بمضمون الفيلم وأداء الممثل في حين يركز الثاني على جماليات الفيلم ودور المخرج.

وأضاف أنه لا يدور الا في النادر حوار بين هذين النوعين من النقد مشيرا الى أن "العجز عن خلق سينما تتواصل مع جمهورها المحلي يواكبه بصفة عامة لكن بدرجة أقل عجز عن انشاء نقد مستقل."

وللمسناوي كتب نقدية منها (في الفكر والشعر) و(مقالات نقدية ساخرة) و(أبحاث في السينما المغربية) اضافة الى ترجمة كتب منها (البنيوية والتاريخ) و(المنهجية في علم اجتماع الادب).

شبكة النبأ المعلوماتية - الجمعة 15/ تموز/2005 - 7/ جمادى الأولى/1426