صدمة في بريطانيا بعد اكتشاف منفذي التفجيرات.. لماذا وما هي الاسباب والى اين..؟

 

اصيبت بريطانيا وخصوصا مسلمو ها بالاصدمة الكبيرة عندما حددت الشرطة البريطانية هوية أربعة رجال يوم الثلاثاء تشتبه في أنهم نفذوا تفجيرات لندن التي وقعت الاسبوع الماضي فيما يزيد احتمال ان تكون اوروبا الغربية قد تعرضت لأول هجوم انتحاري.

وقال بيتر كلارك مدير فرع مكافحة الارهاب في اسكتلنديارد "دفعنا التحقيق في وقت مبكر لان نشعر بالقلق بشأن تحركات وانشطة اربعة رجال منهم ثلاثة جاءوا من منطقة وست يوركشير."

وقال الكس ستاندش رئيس تحرير دورية انتيليجانس داجيست التي تصدر عن مؤسسة جينز انه لو تأكدت نظرية التفجيرات الانتحارية فان بريطانيا التي اعتادت في العقود الاخيرة على تفجيرات الجيش الجمهوري الايرلندي تكون قد دخلت في مجال نوعية جديدة من الهجمات.

وقال "هذا مستوى جديد من الراديكالية بالنسبة للمملكة المتحدة."

واضاف "التفجيرات الانتحارية متعارف عليها على انها أخطر وأصعب الانواع التي يمكن احباطها."

وسافر الرجال الاربعة الى لندن في اليوم الذي وقعت فيه التفجيرات وصورتهم كاميرات المراقبة التلفزيونية في محطة كينجز كروس لمترو الانفاق قبل قليل من الساعة 0830 صباحا.

وشنت الشرطة حملة تفتيش شملت ستة اماكن في يوركشير منها منازل ثلاثة من المشتبه بهم. وقال كلارك ان رجلا اعتقل خلال تلك المداهمات.

وتم اعتقال رجل قريب لاحد المشتبه بهم . وضبطت الشرطة مواد قالت انها قد تكون متفجرات.

وفي مدينة ليدز فجر خبراء مفرقعات من الجيش تحت السيطرة عبوة ناسفة خارج احد المنازل لتمكين الشرطة من دخوله.

واجلي نحو 500 شخص من الشوارع المحيطة بالمنازل وطوقت مساحة كبيرة من الحي الفقير الذي يعيش فيه سكان من مختلف الاعراق.

وتضم ليدز بشمال انجلترا واحدا من اكبر تجمعات المسلمين في بريطانيا حيث يعيش فيها 30 الف مسلم وسط 715 الف نسمة هو عدد سكانها. وشهدت المدينة في مايو ايار عام 2001 ومجموعة من المدن الاخرى في شمال انجلترا أعمال شغب بين شبان اسيويين واخرين بيض لاسباب عرقية ودينية.

 وقد عبر مسلمون بريطانيون وهم خارجون من مسجدهم ببلدة ديوزبري عن صدمتهم من فكرة أن يكون المهاجمون الذين نفذوا هجمات لندن يوم الخميس الماضي من بين جيرانهم.

وعبر بعضهم عن خشيته من حدوث رد فعل سلبي ضد المسلمين في أعقاب اعلان الشرطة أن ثلاثة من أصل أربعة يشتبه أنهم نفذوا التفجيرات كانوا يقيمون في هذه المنطقة الواقعة بشمال انجلترا.

ولكن اخرين أبدوا ثقتهم من أن المجتمع المتعدد الاعراق في البلدة سيتجاوز هذه الصدمة وسيتحد في مواجهة التفجيرات.

وقال بشارات حسين وهو شاب عمره 26 عاما بينما كان خارجا من المسجد "نشعر بالامان لان أناسا كثيرين يعرفوننا."

وأضاف حسين وهو مهندس الكترونيات قضى في هذه المنطقة معظم حياته "لا نعتقد أنه ستكون هناك مشكلة لان الناس عقلاء بما لا يدع مجالا لتقييم الجميع بذات المعيار."

وقال جريج مولهولاند عضو البرلمان عن ليدز "هناك شعور بالصدمة لان بعض المتورطين كانوا من مدينتنا.. اما يعيشون أو يعملون فيها."

وأضاف أن "هذا مجتمع متنوع لكنه متناغم وجميع زعمائه متحدون ضد هذه الفظائع."

وقال رضوان الحق (34 عاما) وهو مدير متجر بمنطقة هايد بارك في ليدز انه يتوقع رد فعل سلبيا بسيطا ضد الجالية المسلمة في المدينة.

وأضاف "سيكون رد فعل بعض الجهلاء سلبيا ولكن هذا متوقع. مازلت أشعر بالامان هنا."

أما سهيل صديق وهو صاحب مطعم فأشار الى أن العمل تراجع منذ التفجيرات ولكنه عبر عن توقعاته بعودة الامور الى طبيعتها في غضون أيام.

وترى شخصيات بارزة في المجتمع أن العديد من المسلمين يشعرون بالغضب بسبب السياسة الخارجية البريطانية تجاه العالم الاسلامي.

وقال شهيد مالك عضو البرلمان عن ديوزبري حيث كان يعيش ثلاثة من المشتبه بهم الاربعة "مما لا شك فيه أن هناك احباطا كبيرا تجاه قضايا السياسة الخارجية."

وأضاف لنشرة أخبار القناة التلفزيونية الرابعة "لابد أن نسبر غور المجتمع المسلم وأن نقر بأن هناك تطرفا."

وقال "نحن لا نبذل جهدا كافيا للتعامل فعليا مع ذلك... مازال على المجتمع المسلم أن يفعل ما هو أكثر بكثير."

وقالت صحيفة الاندبندنت على صفحتها الأولى تحت عنوان "رد الفعل الانتقامي - قادة المسلمين يحذرون من تنامي الخوف من الإسلام إثر هجمات على المساجد" وتحته صورة كبيرة لنافذتين مهشمتين في مسجد في شرق لندن، ويظهر من خلف إحداهما إمام يتفقد الأضرار التي لحقت بالمسجد.

ويتناول المقال الهجمات التي استهدفت مساجد ومسلمين في بريطانيا كرد فعل على تفجيرات لندن. وفي الصفحة الثانية من الصحيفة ينقل المقال شعور بعض المسلمين إزاء هذه التطورات الذين قالوا: "ما حدث جعل الحياة أقل أمانا بكثير".

وتقول الصحيفة إن شعور اليأس الذي أعرب عنه إمام المسجد يشاطره فيه أعضاء الجالية الإسلامية في أنحاء بريطانيا الذين عانوا من عدد متنام من الهجمات في أعقاب تفجيرات لندن.

وتضيف الصحيفة أن الهجمات على المساجد دفعت أبرز قادة المسلمين في بريطانيا إلى تحذير أئمة المساجد بالحيطة من موجة من الهجمات مدفوعة بخوف من الإسلام والمسلمين أذكته التفجيرات التي استهدفت العاصمة.

ويسرد المقال نبذات عن بعض الهجمات التي تعرض لها مسلمون بريطانيا، كما ينقل آراء بعض المسلمين من شرائح اجتماعية وجنسيات مختلفة فيما حدث. كما تنقل الصحيفة الدعوة التي وجهها قادة المسلمين بالتزام الهدوء في أعقاب الهجمات التي استهدفت المساجد.

وتقول الكاتبة البارونة كيشور فالكنر في صحيفة الاندبندت تحت عنوان: "إلى أين تتجه الجالية المسلمة الآن؟" إنه "إذا كنا نعتزم معالجة التطرف الموجود بيننا، فإننا بحاجة للإجابة على بعض الأسئلة الصعبة." إلى أين تتجه الجالية المسلمة الآن؟ هل يتعين أن يسمح بالفصل والانعزال عن المجموع في ظل التعددية الثقافية؟ إلى أي مدى يتعين أن توسع الدولة العلمانية وأساسها الوطيد من القيم المشتركة لتعزيز التعددية الدينية، بينما يسئ المتطرفون تفسير الدين على جميع الأصعدة؟ أين هو الحد الدقيق الفاصل في مجتمع مفتوح بين التسامح والتكامل؟

وتضيف فالكنر أنه يتعين على التيار السائد في بريطانيا أن ينخرط أيضا في هذا الجدل. "إنها مشكلته أيضا. وفي النهاية، سيكون المحك الحقيقي هو قدرة كلتا المجموعتين على التشارك في القيم على المدى الطويل، والنتيجة الحتمية لذلك معادلة تقدم فيها الأقلية أكثر من الأغلبية. سيكون ذلك أمرا طويلا ومؤلما لنا كمسلمين، لكن تأجيله سيعرضنا للخطر."

ونتقل إلى صحيفة الديلي تلجراف التي نشرت في صدر صفحتها الأولى موضوعا في ذات السياق لكن من منظور مختلف، وعنوانه: "حملة على رجال الدين المسلمين الذين يدعون للكراهية".  

ونقلت الصحيفة عن بلير قوله إن الحكومة تدرس شن حملة على المتشددين من رجال الدين المسلمين الذين "يحضون على الكراهية".

أما الموضوع الثاني فينقل ، التي قال فيها إنه يتفق مع رئيس الوزراء البريطاني في أن هناك حاجة لفعل المزيد للتحقيق مع رجال الدين المتطرفين الذين يحضون على الكراهية.

ونقلت الصحيفة عن الأمين العام لمجلس مسلمي بريطانيا، السير إقبال ساكراني قوله: "أعتقد أن رجال الدين الإسلامي ليسوا فقط من يجب أن نقلق بشانهم، بل أي فرد من المجتمع يحض على الكراهية. إنهم جميعا متهمون من وجهة نظري". لكن ساكراني رفض أي إشارة إلى أن المسلمين المعتدلين يمكنهم فعل المزيد لإدانة المتطرفين وانتقد من "يشيرون بأصابع الاتهام إلى الجالية الإسلامية".

وقالت صحيفة الفاينانشال تايمز: "يتعين على المسلمين المعتدلين أن يلفظوا العدو من بينهم"، في إشارة إلى بعض رجال الدين الإسلامي المتطرفين الذين يحضون على الكراهية وأعمال العنف.

ويرى كاتب المقال، منصور إيجاز، أن النجاح المستمر لتنظيم القاعدة "يبرز إخفاقا كبيرا من جانب المسلمين في تحديد هوية المتطرفين والسيطرة عليهم واجتثاثهم. يبدو أن العدو بيننا بالفعل".

ويضيف الكاتب أنه نظرا لذلك، فإن تفجيرات لندن تعد علامة فاصلة بالنسبة للمسلمين المعتدلين. "فهم إما أن ينهضوا ويقاوموا عناصر التطرف الإسلامي ويلفظوها من بينهم، وإما أن يجلسون متفرجين بينما يقوم الغرب بهذه المهمة بالإنابة عنهم."

ويرى الكاتب أن الإدانات والتنديدات الشفهية لا تكفي، وأنه يتعين على قادة المسلمين في بريطانيا القيام بإجراء حقيقي وبسرعة. "أخفق مسلمو أمريكا في الوفاء بمتطلبات المواطنة عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر / ايلول، واختاروا بدلا من ذلك أن يلعبوا دور الضحايا القليلي الحيلة. ونتيجة لذلك، همشت أصواتهم في منظومة السياسة الأمريكية."

وأضاف: "أمام مسلمي بريطانيا فرصة لأن يضربوا مثلا مهما بأن يضعوا مسؤوليات المواطنة فوق المخاوف من انتهاكات مرتقبة للحقوق المدنية. إذا لم يتخذ المسلمون المعتدلون خطوات فعلية لاستئصال خلايا القاعدة السرطانية في مجتمعاتهم، فسيكون ذلك إخفاقا كبيرا من قياداتهم، وسيظل السبب الرئيسي في تنامي انعدام ثقة المجتمعات العلمانية في المسلمين كافة."

ويرى الكاتب أن هذه الخطوات الفعلية تشمل: "أولا: حظر استخدام المساجد والمؤسات الدينية الأخرى في بث التعصب الأعمى والكراهية. ثانيا: فتح المؤسسات الإسلامية الخيرية في بريطانيا أمام مزيد من التدقيق المالي لتحديد المؤسسات التي تمول الإرهاب. ثالثا: تشكيل جماعات مراقبة من مواطنين مسلمين من داخل المجتمع ليستعيدوا الإسلام من الإرهابيين ويلتزمون بتزويد السلطات بعلومات مفيدة."

ويختم الكاتب بالقول "إن من قبيل النفاق أن يطالب المسلمون الذين يعيشون في المجتمعات الغربية بحقوق مدنية تكفلها لهم الدولة ثم يعللون عدم التحرك ضد الإرهابيين المختبئين بينهم بأنهم ينتمون إلى مجتمعات إسلامية لا حدود لها. لقد حان وقت النهوض وأن يثبتوا أنهم مواطنين نموذجيين قبل أن يجرفنا الإرهاب جميعا."

وفي جانب آخر يؤكد خبراء ومسؤولون اسلاميون ان منفذي الاعتداءات سواء في لندن او مدريد او نيويورك يحركهم احساس بالظلم ودوافع سياسية اكثر منها دينية.

وان كان هؤلاء المراقبون او الناشطون الاجتماعيون يجمعون على ادانة اللجوء الى العنف الاعمى ادانة مطلقة الا انهم يعتبرون انه من الاساسي من اجل مكافحته التوصل الى فهم دوافع الارهابيين الذين يتملكهم الغضب والاحساس بالغبن حيال العالم الغربي.

وقال عمران وحيد ممثل حزب التحرير (اسلامي متطرف) في بريطانيا "علينا ان نسعى لمعرفة ما الذي يدفع هؤلاء الاشخاص على القيام بمثل هذه الاعمال كيف يصل بهم الامر الى هذه الدرجة من الكره للغرب".

واكد وحيد ان "الاسلام يحرم قتل المدنيين الابرياء لكن هذه الاحداث (اعتداءات لندن) وقعت في ظروف خاصة. الواقع ان 200 مدني افغاني قتلوا الاسبوع الماضي (..) ولم يقابل الامر باربعة اضعاف الحسرة التي اثارها سقوط خمسين مدنيا في لندن".

وعبر الباحث فرنسوا بورغا من المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي وهو احد كبار الخبراء الفرنسيين في العالم العربي المعاصر عن رأي مماثل وقال "ان احساس الشارع العربي متجانس بصورة عامة. انهم يتشاطرون احساسا عميقا بالظلم والنقمة على ازدواجية المبادئ التي يطبقها الغرب (..) وهذا امر بديهي بنظر 95% من الشعوب" العربية.

وتابع ان "ما حمل هذا الجيل على التطرف هو بالمقام الاول فلسطين حيث تمتنع الاسرة الدولية عن تطبيق المبادئ التي تؤكد انها عالمية على اسرائيل (..) اما الملف الثاني فهو العراق وفي الطليعة الاطفال العراقيون الذين قضوا بسبب الحظر ثم بسبب الاجتياح. ومن ثم ابقاء انظمة تعتبر غير شرعية في السلطة في العالم العربي بدعم غربي".

ويرى الصحافي البريطاني روبرت فيسك احد الغربيين النادرين الذين قابلوا اسامة بن لادن ان المطالب السياسية خلف العمليات الارهابية اهم من الخطاب الاسلامي الذي يستخدمه المطلوب الاول في العالم.

وقال "انهم يحاولون حث الرأي العام على ارغام بلير على الانسحاب من العراق ومن تحالفه مع الولايات المتحدة ودعمه لسياسات بوش في الشرق الاوسط".

وتابع "من السهل على توني بلير ان يصف هذه الاعتداءات بالوحشية لكن ماذا عن القتلى المدنيين من جراء الاجتياح البريطاني الاميركي للعراق؟ ماذا عن الاطفال الذين مزقتهم القنابل الانشطارية؟ هل يعقل وصف مقتلهم بالاضرار العرضية في حين انه عندما نقتل نحن يكون الامر بمثابة ارهاب وحشي؟"

وذكر فيسك بان "اسامة بن لادن قال في شريط فيديو في الآونة الاخيرة ان قصفتم مدننا فسوف نقصف مدنكم. كما قال قبيل الانتخابات الرئاسية الاميركية اسألونا لماذا لا نهاجم السويد".

واكد غياث الدين الصديقي رئيس "البرلمان الاسلامي في بريطانيا" ان "الدافع الاساسي هو الظلم" موضحا ان "هناك احساس متواصل بان الظلم يلحق بالمسلمين سواء في فلسطين او الشيشان او في اماكن اخرى".

واضاف "هناك ايضا معازل في هذا البلد. وان لم نعالج التهميش الاجتماعي الذي يلحق بقسم من الشبان المسلمين فسيظل في وسع الديماغوجيين في مجموعاتنا استغلالهم للتوصل الى مآربهم".

شبكة النبأ المعلوماتية - االاربعاء 13/ تموز/2005 - 5/ جمادى الأولى/1426