الكاتب الصحفي مرتضى البصري: الدستور المقبل سيكون إنسانيا وكل ما هو إنساني هو ديني بالنتيجة.. يجب ان ينص الدستور على القيم وليس المسميات

*كل ماهو إنساني ينسجم مع القيم الدينية بالطبع، فلا ضير في اتخاذ الدولة أي شكل كان طالما يحقق ذلك الشكل الحفاظ على القيم الإنسانية..

* النظام الفدرالي حاجة ابتكرها الإنسان لتلم شمل السكان في دول تتكون من أثنيات مختلفة، وجميع العراقيين سيشعرون في ظل الفدرالية أنهم يديرون شؤونهم بأنفسهم..

حاوره/ عباس المالكي

يعيش الشارع العراقي هذه الأيام جدلا سياسيا من نوع آخر.. إنه جدل حول الدستور صياغة ووظائف واستحقاقات، وتسعى كل فئة سياسية إلى أن تترك بصماتها على هذه الصياغة وتحدد ملامح تلك الوظيفة.. الشارع العراقي ليس ببعيد عما يجري بالتأكيد، وله رأيه الآن، وسيكون له رأي في الدستور بعد أشهر، لذلك ارتأينا ان لا نكون بعيدين عن نبض هذا الشارع فنلتقي تباعا.. المهتمون والمختصون والمتابعون، للوقوف على ما يفكر به هؤلاء، وأولئك..

وقد توجهنا باسئلتنا حول موضوعة الدستور للأستاذ مرتضى البصري وهو كاتب وإعلامي عراقي، فكان اللقاء التالي:

**ما هي الأهمية التي تُعلق على كتابة دستور جديد؟..

ــ تبدو أهمية الدساتير في الدول باعتبارها القاعدة العليا التي تستمد منها القوانين الأخرى شرعيتها، كما هو المنهج الذي يتصف بالقدسية القانونية والذي ينظم تبادل السلطة، ويحفظ حقوق الأفراد في المجتمع ويحدد أسس السياسة العامة للبلد، ويحدد أيضا نوع النظام السياسي..

** ما الذي يضمن كل الاستحقاقات السياسية وحقوق المواطنة التي ذكرتها، وقد رأينا أن الدساتير السابقة قد نصت على ما أشرت إليه ولكنها لم تحفظ أي من تلك الحقوق؟

ــ الفرق بين هذا الدستور والدساتير السابقة أن تلك قد سنت دون جدل سياسي، إنما مجموعة من الانقلابيين استولوا على السلطة في غفلة من الزمن وتحت جنح الظلام ثم قاموا بتصدير الشعارات.. وحتى لا يعاب على "نظامهم السياسي" لابد أن يسنوا دستورا للبلاد، وسنوا هذا الدستور على أجمل ما يكون، ولكنه كان واجهة ملونة فحسب.. أو بتعبير آخر كان واجهة للزينة.. أما الدستور المنتظر أن يسن، فهو نتيجة " صراع سياسي" بين مختلف ألوان المجتمع العراقي، وبالتالي سيكون كل طيف من طوائف الشعب العراقي عين ساهرة تراقب مدى امتثال الحكومات المنتخبة للقاعدة الدستورية.. أقول لك شيء.. في النظم الديمقراطية لايمكن أن تستأثر جهة ما بالسلطة خارج الأطر القانونية والدستورية، وطالما الشعب العراقي هو من يأتي بالحكومات فعليها كلها أن تمتثل لرغبة هذا الشعب، لذلك سنرى تسابقا من قبل الحكومات المتعاقبة على تقديم أفضل الخدمات من أجل ضمان عودة ثانية للسلطة.. ولكن هذا لايعني أن على الشعب وقواه السياسية والثقافية أن تركن إلى الدعة، بل عليها أن تعمل إعلاميا وسياسيا على فضح أي تجاوز على الدستور، فهذه الطريقة تعد حاسمة في مجال متابعة الأداء الحكومي وتقييم مدى انسجامه مع الدستور والقوانين المرعية..

** برأيك هل تتمكن اللجان العاكفة على صياغة الدستور العراقي من تقديم نموذج يحظى بقبول الجميع؟

ـ بالتأكيد إذا ما ابتعدت عن التفكير الحزبي والطائفي ستتمكن من ذلك، فالمسألة ليست بتلك الصعوبة.. وهناك مصادر عديدة يمكن أن تسهم في بلورة فكرة عامة عن دستور عراقي يحترم الحقوق ويكفل التبادل السلمي للسلطة. وأظن الوصول إلى هذا النموذج من الدستور سيكون حتميا بعد سنوات التغييب والمعاناة التي عاشها العراقيون.. سيحرص كتاب الدستور اليوم على أن لا تتكرر مأساة الماضي وهذا بحد ذاته يسجل لصالح المواطن العراقي..

** عفوا .. قصدت أن الفقرة ج من المادة 61 من قانون إدارة الدولة قد تكون عائقا يسقط الدستور.. فكيف يمكن تلافي هذا المأزق؟

ــ لا أظن أن هناك مأزقا، بل هذه الفقرة ستسهم في صياغة دستور عملي معتدل لا يغفل حق أي جهة أو طائفة كانت، وحين يكون الدستور هكذا، فلا أظن أن هناك جهة سياسية، وإن كانت لها أجندة حزبية أو طائفية خاصة، يمكن أن تقنع المواطن العراقي بعدم التصويت على الدستور، فالعراقيون أثبتوا أنهم فوق الانتماءات الضيقة وفشلت أمام هذه الحقيقة كل المخططات التي حاولت ضرب الوحدة الوطنية وإثارة الفتنة الطائفية..باختصار ليس هناك سلطة لأي جهة حزبية على وعي المواطن العراقي.. هو من يقرأ ويفكر ويختار الأصلح.. هذا ما أراه على الأقل..

** هل تعتقد بضرورة النظام الفدرالي في العراق، وسط موجة من الإشكاليات التي تثار حول هذا النظام، والتي أولها أنه يصلح لدول متعددة تتحد وليس لدولة واحدة؟..

ــ هناك مغالطة في هذا الجانب.. نعم إن النظام الاتحادي يتم بين دول  أحيانا، ولكن هل الولايات المتحدة مثلا مكونة من دول.. هي دولة واحدة، ارتأى سكانها أن يكون نظامهم السياسي فدراليا.. كثيرون لا يدركون معنى الفدرالية، وبعض الساسة المتخوفين من هذا النظام يحاولون تشويش المفهوم لدى العراقيين، إنما حقيقة هذا النظام أن الجميع فيه يشاركون في العملية السياسية، أو بتعبير أدق جميع العراقيين سيشعرون أنهم يديرون شؤونهم بأنفسهم.. هذا النظام حاجة ابتكرها الإنسان لتلم شمل السكان في دول تتكون من طوائف وقوميات وأعرق وأديان مختلفة، وحين ينشأ بين هذه الفئات صراع أو تنافس أو تثار بينهم نعرات من نوع ما، سيكون من الصعب إذعانهم لحكم هذا الشخص إذا كان من طائفة أو قومية تختلف عما يدينون به.. وهذا حاصل لدينا في العراق اليوم، ودعني أضرب لك مثلا.. في مناطق مثل الفلوجة أو الرمادي، كانت الحركات الدينية والسياسية هناك ولازالت تحتج بأن الحرس الوطني والشرطة العراقية مؤسسات طائفية، وتطالب بأن يكون الشرطة والحرس الوطني في تلك المناطق أو بتعبير آخر في كل المناطق ذات الأغلبية السنية من أبناء المنطقة نفسها.. أليس هذا نوع من الدعوة إلى أن يحكم أبناء هذه المناطق أنفسهم بأنفسهم؟.. هم يريدون ذلك، وهذا ما تحققه الفدرالية.. إذن هي حاجة ومطلب سياسي ملح يصلح جيدا لبلد مثل العراق إذا ما تمت صياغته بشكل هاديء وعملي..

** هناك مخاوف لدا البعض من احتمال إصرار طائفة معينة أو كتلة سياسية بذاتها على صياغة دستور ديني، أو بالأحرى كيف تنظر لعلاقة الدين بالدولة من منظور الدستور المرتقب؟!

ـ هذه المخاوف تثار أحيانا من قبل أطراف تدعي في مكان آخر أنها حريصة على أن ينسجم الدستور العراقي مع القيم الإسلامية..

** كيف.. هلا وضحت هذه الاشكالية؟!

ـ لا أريد الخوض في التفاصيل، ولكن هل تصدق أن بعض الجهات العراقية تصرح في العراق أن دستور هذا البلد يجب أن يحترم الاسلام باعتباره دين الدولة، وتذهب إلى خارج العراق وتلتقي بأطراف عربية وأجنبية لتحذرها من احتمال صياغة الدستور العراقي وفقا لقيم الدين الإسلامي، وتتخوف من صياغة دستور إسلامي" على الطريقة الشيعية". لذلك هذه الدعوة ليست واقعية وقد عبر علماء الشيعة كلهم تقريبا عن رغبتهم في أن يكون الدستور المقبل دستورا إنسانيا، وأظن أن كل ما هو إنساني هو ديني بالنتيجة، فالأديان نصت على ثقافة إنسانية عالية، وبالتالي يجب أن يشدد العراقيون على أهمية أن ينص الدستور على القيم وليس المسميات.. قد نريده دستورا دينيا، ولكنه لا يلبي الحاجة كما يفترض منه، فكل الدساتير العراقية السابقة نصت على أن الإسلام هو دين الدولة، ولكن كل تلك الدساتير حاربت الإسلام وأعدمت المسلمين العراقيين.. وهذه مفارقة غريبة، إذن فعلينا كمواطنين عراقيين أن نشدد على الحريات والحقوق التي يكفلها الدستور، وإذا ما تحققت الحريات والحقوق بإمكان المواطن أن يعبر عن طقوسه الدينية كما يجب له.. وهذا ما أراه سيحدث.. فليس هناك رغبة لدا كل الأطراف العراقية في التأكيد على الأشكال دون المضامين..

**شكرا لك استاذ مرتضى..

ــ شكرا لكم أيضا

شبكة النبأ المعلوماتية - الاحد  3/ تموز/2005 - 25/ جمادى الأولى/1426