الاعلامي نــزار حيدر: يلزم أن تكون لجنة صياغة الدستور عراقية الهم

استطلعت جريدة الصباح البغدادية، آراء عدد من المثقفين العراقيين في الداخل والخارج، حول لجنة صياغة الدستور العراقي الدائم، وكيف يجب أن يكون همها.

نـــــــزار حيدر، مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن، كان من بين من استطلعت الجريدة رأيه بذلك.

أدناه، نص السؤال والجواب:

 

السؤال: هل تعتقد أن لجنة كتابة مسودة الدستور، قادرة على أن تكون بمستوى مجموع مكوناتها، لتفكر بالوطن الكبير(العراق) ؟ أم أنها ستتورط في انتماءاتها العرقية والمذهبية الضيقة ؟ .

الجواب: أولا، بشأن تشكيلة لجنة صياغة الدستور، هناك واقع، وهناك طموح.

فالواقع يقول، بأن اللجنة، تعتمد بتركيبتها، على المحاصصة الاثنية والدينية والمذهبية.

   حتى أولئك اللذين رفضوا المحاصصة للالتحاق بتركيبة اللجنة، رأيناهم يعقدون مؤتمرهم (الطائفي) في العاصمة بغداد، ليختاروا ممثليهم في اللجنة على أساس طائفي.

   قد يكون هذا الواقع المر، والذي يتحمل مسؤولية صناعته، النظام الشمولي البائد الذي اعتمد العنصرية والطائفية السياسية لتوطيد أركان حكمه الدموي، ساعده في ذلك جمهور العنصريين والطائفيين، قد يكون هذا الواقع مطلوبا للفترة الحالية، لتبديد مخاوف ضحايا النظام الاستبدادي البائد، إلا انه يجب أن لا يتحول هذا الواقع (الذي اضطر إليه العراقيون) إلى قاعدة في بناء العراق الجديد، فإذا كانت المحاصصة، كحالة استثنائية، مقبولة لتجاوز ظرف استثنائي، فإنها، بكل تأكيد، مرفوضة، كقانون وقاعدة دائمة.

   أما الطموح، وهو الذي يتمناه العراقيون، فإنهم يتطلعون إلى أن تتعامل اللجنة، على أساس تقديم مصالح العراق، على مصالح الفئات، وتقديم مصالح المواطن، على المصالح الذاتية الضيقة.

   إنهم يتمنون أن يتعامل كل أعضاء اللجنة على أساس الانتماء للوطن أولا، وعلى قاعدة الدفاع عن المواطن أولا، بغض النظر عن هويته الاثنية أو الدينية أو المذهبية، وهذا يستلزم أن يتعامل الأعضاء على أساس أنهم يمثلون العراق وليس حزبا بعينه، وجميع العراقيين، وليس فئة ينتمون إليها دون أخرى.  

   طبعا، من دون أن يعني ذلك عدم الأخذ بنظر الاعتبار خصوصيات مختلف شرائح المجتمع العراقي، إلا أن القاعدة الاستراتيجية الوطنية التي يجب أن تصاغ على أساسه بنود الدستور العراقي الدائم، هي، العدل والإنصاف والمساواة والكرامة والمشاركة والحرية والحقوق والواجبات، على أساس الكفاءة والخبرة والنزاهة، وتكافؤ الفرص، والأخوة، والتداول السلمي للسلطة، تحت قبة البرلمان، والانصياع لإرادة الشعب الحرة،

وكل هذه القيم الحضارية، يجب أن تكون لكل العراقيين، وليس لفئة دون أخرى.

   ثانيا؛ لقد تورطت اللجنة في تناقض واضح، فشلت في التخلص منه، فهي من جانب تقول بأن ما ستدونه هو مجرد مسودة دستور سيصادق عليه العراقيون في استفتاء عام، وان مواده سيتم الاتفاق عليها داخل اللجنة بالتوافق بين مختلف مكونات المجتمع العراقي، فهي إذن أقرت مبدأ التوافق للاتفاق على مسودات البنود، من دون إقرار مبدأ التصويت، الذي رفضت اللجنة أن يخضع له ما لم يتم الاتفاق عليه، إلا أنها، من جانب آخر، تصر على العدد لتمثيل كل واحدة من هذه المكونات، فإذا كانت القاعدة المتبعة في الاتفاق على نصوص المسودة هي التوافق، فما فائدة العدد إذن ؟ وإذا قيل بأن العدد للتشاور فقط، فلماذا كل هذا الإصرار على تحديد عدد المستشارين إذن ؟ .

   أتمنى أن تنشغل اللجنة بهموم الشارع العراقي، دون الانشغال بالأعداد والنسب والمحاصصات.

   كذلك، فان اللجنة أخطأت، برأيي، عندما فتحت باب المشاركة أمام من رفض العملية الديمقراطية برمتها، ممن ظل يحرض على العنف والإرهاب ومقاطعة الانتخابات.

   كان بامكان اللجنة أن تحقق أوسع مشاركة، تحت قبة البرلمان، أو من خلال إشراك من أيد ودعم واشترك في العملية السياسية الجديدة، وان لم يكن قد فاز في الانتخابات العامة بمقاعد في البرلمان الحالي، حتى لا يتم مكافأة من ظل يضع العصي في عجلة العملية السياسية الجديدة للحيلولة دون تقدمها إلى الأمام، ومساواته مع الحريصين عليها.

   أو على الأقل، كان عليها أن تشترط على أمثال هؤلاء، أن يعلنوا صراحة، رفضهم وشجبهم وإدانتهم لكل أنواع العنف والإرهاب، وان يقولوا رأيا ايجابيا بالعملية السياسية الجديدة، ويعلنوا بوضوح، احترامهم والتزامهم بمبادئ الديمقراطية، قبل قبول عضويتهم في لجنة صياغة مسودة الدستور، ليتأكد العراقيون بأنهم، بالفعل، غيروا موقفهم، وانصاعوا لإرادة الأغلبية، وأنهم،  بالفعل، قطعوا كل حبال المودة التي ظلت ممتدة بينهم وبين الإرهابيين، إذ لا يعقل أن يشترك في تدوين مسودة دستور العراق الجديد، من لا يؤمن بألف باء الديمقراطية، وأبجديات العملية السياسية الجديدة.

   على كل حال، الآن وقد تشكلت اللجنة، ينبغي أن تدون كل ما من شأنه أن يثبت القيم الحضارية المشار إليها، وهذا يتطلب، وبكل صرامة وقاطعية، أن لا ترد أية نصوص أو جمل أو حتى كلمات، يشم منها رائحة الثالوث المشؤوم (المحاصصة والتوافق والفيتو) لأنه:

   أولا؛ يعطل صندوق الاقتراع، ونتائجه، وبالتالي يفرغ العملية الديمقراطية من محتواها الحقيقي القائم على أساس حرية الاختيار وإرادة الناس.

   ثانيا؛ يلغي مبدأ تكافؤ الفرص، والذي يعد أهم قيمة إنسانية وحضارية، تعد حجر الزاوية في تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين.

   ثالثا؛ انه يكرس مرض التمييز بين المواطنين، والذي ابتلي به العراقيون خلال السنين العجاف لنظام الطاغية الذليل، سواء كان التمييز على أساس الانتماء الاثني أو الديني أو المذهبي أو غير ذلك، وكل هذا سينتهي إلى تقسيم المواطنين إلى درجات، كما كان يفعل النظام الشمولي البائد، وهذا ما يتعارض مع الديمقراطية، جملة وتفصيلا.

   رابعا؛ انه يكرس الانتماء العرقي والطائفي، على حساب الانتماء إلى الوطن.

   خامسا؛ وأخيرا، انه سيحول دون بناء عراق جديد قائم على أساس القيم الحضارية المشار إليها، لأنه سيجعل من الحالة الطارئة التي اضطرت العراقيين إلى الركون إليه، خلال الفترة الماضية، إلى قاعدة يقوم على أساسها بناء أعوج ونتائج غير سليمة، وواقع مريض، وكل ذلك، بالتأكيد، أمر خطير لا يرتضيه العراقيون الحريصون على حاضرهم ومستقبل الأجيال القادمة.   

شبكة النبأ المعلوماتية -الجمعة  1/ تموز/2005 - 24/ جمادى الأولى/1426