إن فكرة توحيد البشر تحت مظلة حضارة إنسانية عادلة كانت وما تزال
حلماً يراود المفكرين أكثر من غيرهم باعتبارهم طلائع متقدمة في
مجتمعاتهم.
ينقل لنا التراث العالمي أن فكرة توحيد العالم المترامي الأطراف
كانت حامية لدى المجتمعات الحضارية أكثر من غيرها وكان يعز على علماء
الفكر وإنسانيي التوجه أن يروا البشر يعيشون في خضم الجهل والفقر وعدم
المعرفة فقبل ظهور الأديان شهد العراق نوعاً من توحيد المجتمع العراقي
بلاد ما بين النهرين حيث كان امتداد البلاد يبدأ من ينابيع دجلة
والفرات في بلاد الأناضول (تركيا الآن) وإلى أبعد من التقائهما في نهر
شط العرب وشهد عهد حمورابي المؤسس الأول لقانون الدولة والمجتمع ما سمي
بشريعة حمورابي التي دونت ضمن مسلته المشهورة الموجودة الآن في المتحف
الفرنسي بباريس وكان ذلك القانون بمثابة التأكيد على ضرورة ضبط المجتمع
بمآلات متفق عليها بين دولته ومجتمعه حيث قدم نموذجه التشريعي الذي
يحتذى لتطبيقه في أي بلد آخر حتى إذا ما توصل العالم إلى اعتماد بقائه
على تلك الشريعة لأمكن توحيد العالم أو أجزاء منه على أسس متينة البناء.
وفي بلاد الأغريق (اليونان حالياً) كان فلاسفة أثينا يؤكدون في
توجهاتهم على الأمل لتوحيد العالم فألف (أفلاطون) كتابه الشهير (جمهورية
أفلاطون) لتكون هي الأخرى نموذجاً يحتذى وممكن أن ينسحب نموذجها على
بلدان أخرى وكان (سقراط) يقول: (إن وطني هو العالم).
وبين مرحلة تاريخية ومرحلة أخرى كان (124) ألف نبي يدعون إلى توحيد
العالم تحت شريعة السماء وجاء ختامها دين الإسلام العظيم ليؤكد بصورة
جازمة على تحقيق فكرة الحضارة الكونية عبر أحد أهم آيات قرآنه الكريم:
(إنا جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم).
وفي العصر الذي أخذت فيه أيديولوجياته الوضعية تتبلور بصور جلية
ظهرت مبادئ مثل (الأممية) لدى كارل ماركس الذي تفلسف بتعميد نظريته على
(الجانب الاقتصادي) وهو ما يمثل جزءاً من نظرية الإسلام وليس جميعها
ولهذا فقد فشلت الماركسية بسبب قصورها في إقناع المثقفين الحياديين
الذين وجدوا في توحيد اقتصاديات العالم طعنة للروحانيات التي تبني
الإنسان أكثر من الماديات مع عدم التفريط بأحدهما على حساب الأخرى.
واليوم وبعد أن انفضحت السياسات الاستعمارية والإمبريالية الغربية
ووجد الغرب نفسه منتصراً على غريمه المتمثل بقيادة الاتحاد السوفيتي
السابق فطرح فكرة العولمة كأساس لبناء حضارة كونية تحت قيادته لكن هذه
القيادة بإطلالتها الحالية على العالم لم تقدم الأجوبة العملية على
أهدافها والأسس التي ترتكز عليها وضرورة أن تستبين ذلك ضمن تفاصيل
واضحة كي يعرف العالم أسباب ومسببات وخطط وأهداف العولمة باعتبارها ما
تزال اسماً بلا مسمى. |