[newsday.htm] 
 
 
 

 

الجمعية الوطنية العراقية أمام تحدي إقرار القرآن أو تهميشه

 محمد سعيد المخزومي

لقد احتدم الجدل الخجول في الأروقة السياسية بما فيها الجمعية الوطنية للعراق عن موقع  القرآن الكريم في التشريع, وارجو أن يكون نقاشا جريئا بنّاءا فاعلا في بناء عراق حر غير مكبّل.

فعراق اليوم أمام تحد جديد..وذلك هو تحدي ما ستتمخض عنه مناقشات الجمعية الوطنية للثوابت الأساسية المدرجة في جدول اعمالها, الأمر الذي يحدد معالم العراق الجديد ويقرر مصيره, وفي مقدمتها:

تحدي اقرار تحكيم القرآن الكريم ومناهج الإسلام في تشريع حياة العراقيين وصناعة عراقهم الجديد.

واليوم يجتمع أعضاء الجمعية الوطنية, ويناقش رجال الحكم معهم أمور الدستور, ويتداول غيرهم في الأروقة السياسية أمورا غيرها, كما يقرر آخرون في السر مبانٍ أخرى.. وهذا هو ديدن السياسة كما عرفناها, ودأب السياسيين كما ألِفناهم.

ومع هذا وذاك ستخرج الجمعية الوطنية يوما ما برأي أو آخر, إلا أن الحقيقة التي يمكن أن تقال : ليس المهم من سيفرض رأيه على من في هذا النقاش ؟

وليس المهم فرض دستور ليرضي هذا الطرف السياسي أو ذاك؟  

ثم ليس المهم أن يصدر إلى العلن دستورا اسمه دستور العراق الجديد ؟

كما ليس مهما القول أن الجمعية الوطنية قد خرجت مع الحكومة ومن إليها بدستور للعراق خلال الفترة القليلة المحددة لـصياغته؟

المهم أن نقف عند القضايا التالية فنقول أن الجمعية الوطنية والحكومة العراقية أمام مخاطر تاريخية يجب عدم المداراة على حسابها والعمل بموجب المصالحة بين الأطراف السياسية وانتهاج سياسة التوافق على حساب الشعب الذي انتخبهم, لأن القضية لم تعد قضية تصفية حساب بين الأحزاب أو الكتل السياسية, ولا اتفاق على توزيع العراق بالتوافق, وعليه فإن القضية الأولى التي يمكن مناقشتها هي الخطورة التاريخية لقرارات الجمعية الوطنية:

القضية الأولى: الخطورة التاريخية لقرارات الجمعية الوطنية

حيث أن المهم من تلك المناقشات تبلور الرؤية الناضجة عن الدستور, ليظهر إلى العلن دستورا عراقيا يخدم العراق بأكمله, ويحترم رأي الأكثرية فيه, ويضع لكل أقلية حقها دون تفريط ولو بمثقال ذرة, ثم يرسم عراقا جديدا غير الذي أرادته سلطة الاحتلال, ولا عراقا كعراق الماضي الغابر, أو عراقا يرضخ لسياسة المتمرسين على ذبح الإنسان وطحنه في المطاحن البشرية.

ليبني عراقا حرّاً, لا مُسَيِّسا طائفيا, ولا مُطيّفا قوميا, بل عراقا إنسانيا لا عراقا دينيا بالمعنى الذي يلفظ الاديان الأخرى وراء ظهره, أو يذبح الناس على الهوية, ويسرق اموالهم في الخفاء والعلن, ويزهق الأرواح على المذهب, ويختلس النفوس على النعرات القومي والعرقية والطائفية, ويبقر بطون النساء ثم يقطع رؤوسهن على سبيل تحكيم منهجية (الدين الكارثي) الذي لا يرقب للإنسان ولا الإنسانية في الله (إلاًّ ولا ذمة) ([1]) , ولا يرتبط بالاسلام بأدنى صلة.

المهم أن تُشرِّع الجمعية دستورا يؤسس لعراق حر غير مكبّل, ويرسم معالم حياة عزيزة تضع الإنسان مقامه المُكرّم في قاعدة (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ) ([2]).

وعراقا مجهزا بكافة الامكانات التي تجلّتْ في الحكم القائل (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) ([3]) .

ويؤسس لعراق الإنسان الذي ارتفع مكانا عليّا على كثير من الخلائق بموجب قانون الفطرة ونظام الحياة القائل (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) ([4])

كما يُشرِّع دستورا يبني عراق التعارف الإنساني على سبيل بناء الإنسان, وتقويم المجتمع, وتأسيس الحضارة بموجب قانون (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا) ([5])

ثم يُرسي عراق التسابق من أجل البناء, وعراق التفاخر في تشمير السواعد العاملة على احترام الإنسان وبناء الحياة, لا التفاخر بالتحزب القومي والتشرذم الحزبي, أو التبجح في منجزات سياسة الذبح, وانتهاج ثقافة القتل, واتّباع مناهج المشروع الطائفي بالمنطلقات القومية في دفن الناس جماعيا وإهلاك الحرث والنسل. ولذلك وجب أن يكون قانون العراق الجديد قانون(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ) ([6]) .

ومن نافلة القول, أن بعض ساسة الأحزاب ربما يريدون خلاف مُراد الفطرة التي فطر الله الناس عليها, فيسعون إلى تأسيس العراق على خلاف المباني الطبيعية للحياة, فليعملوا وليعلموا (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بما يشاؤون و(خَبِيرٌ) ([7]) بما يشرّعون, وأن (سُنَّةَ الله الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ) وجعلت طواغيت الأمس يبحثون عن مأوى فلا يجدوه, فتلك السنّة قائمة في كل آن وعلى كل مكان (ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) ([8])

بالتالي فإن الجمعية الوطنية بما فيها الحكومة المنتخبة اليوم أمام تحدٍ تاريخي كبير ذلك هو تحدي قبول القرآن أو تهميشة؟!

فالفقرة (أ) من المادة السابعة لدستور الحكومة الانتقالية السابقة يؤكد على أن:

(الاسلام دين الدولة الرسمي ويعتبر مصدراً اساسياً من مصادر التشريع، ويحترم هذا القانون الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي ويضمن كذلك وبشكل كامل حرية الاديان وممارسة شعائرها).

ونأمل أن تكون الجمعية الوطنية على حذر من إقرار النص بحذافيره,  لكي تكون حرة فتقرر ما يصلح للشعب كاملا وينفع, ويوافق هوية الشعب. 

النص السابق يوقفنا عند البحث في أمور مهمة منها بيان الدلالات التاريخة لهذا النص في عراق الازمنة الكارثية الغابرة.

القضية الثانية:الدلالات التاريخية لتشريع (دين الدولة الرسمي الإسلام)  

ماذا تعني هذه الكلمة ؟ وما لها من الدلالات والمصاديق في عالم السياسية عموما ؟  وتاريخ العراق السياسي خصوصا ؟

الواقع الذي مر على العراق منذ تأسيس ذاك الدستور عام 1925 إلى عام 2003م اثبت انه كلمة خاوية خالية من أدنى محتوى انساني قط فضلا عن الإسلامي.

لقد كشفت مناهج الحكومات العراقية التي جاءت على أعقاب ذلك الدستور وأثبتت أن الإسلام لم يكن دين الدولة الرسمي على الإطلاق, والا فما معنى الاعدامات الفردية والجماعية والحرمان السياسي والاقتصادي, وسياسة النهب الرسمي, والإرهاب والسجون واهانة الإنسان والتجاوز على قيم الإسلام ومقدسات المسلمين, ومنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية, والاعدام على الهوية الدينية ومعاقبة الالتزام القيمي في الحياة, فضلا عن ازالة كل من تشم الدولة والحكومة منه رائحة الدين.

القضية الثالثة: ضرورة تحديد المعنى اللغوي للدين

المهم الذي أريد بيانه هنا على طريق تأسيس الدستور العراقي الجديد, هو أن المعنى اللغوي للإسلام يعني الالتزام بالاسلام دينا ومنهجا, وغير ذلك لا يساوي إلا الاحتيال على الشعب والتلاعب بالالفاظ, والالتفاف على العراق من اجل الوصول إلى الشاطيء القديم الجديد, وليتمكن الاحتلال من اعادة مناهج الالتفاف القديم بغية الخروج من الأزمات الحالية حتى إذا تمكنوا مما يريدون عادوا إلى الشعب وحاكموه على ايمانه واسلامه وتدينه, واعدموا من اعدموا وابعدوا من ابعدوا من علماءه ومفكريه, كما فعلت الحكومات العراقية طوال اكثر من ثمانية عقود من الزمان.

 من هنا وجب بيان لغة المادة التي يريدون إقرارها, خصوصا وان العراق بلدا مسلما يتكلم اللغة العربية على العموم, فلابد من بيان مفهوم ذلك النص الذي يراد إقراره من الناحية اللغوية, حتى يمكن استيعابه شرعيا, وذلك عبر تسليط الضوء على النقاط التالية:

النقطة أولى: المعنى اللغوي والشرعي لكلمة (دِين)

عادة ما ترجع كل كلمة من كلمات اللغة العريية إلى اصل تصدرمنه وتشتق من نفس المصدر كلمات أخرى تعطي معاني المصطلحات مختلفة في المعنى منشقة من نفس المصدر والمعنى الاصلي. وهذا ما لم يكن موجودا في لغات البشر.

ومن هذه كلمة( دين) , حيث أن في اللغة كلمة (دِّين) و( دَين) و(دان) و( ادانه) و(مدين) وغير هذه الكلمات التي تدل كل واحدة على معنى مستقل لها, إلا أنها في الحقيقة تنشق من اصل واحد.

إن جذر واشتقاقات كلمة (الدِّين) ترجع إلى معنى واحد هو الالتزام, والطاعة, والتعهد, وامتثال ما يوجب ويُلْزِم, وحفظ ما في الذمة, والاعتياد والمداومة على ذلك الالتزام, وإن كانت اشتقاقات تلك الكلمة تعطي معنى( الدَّين) و( الدِّين) و( المدين) و( الدائن) و(الإدانة) و(الديدن) وغيرها , إلا أنها ترجع بمجملها إلى مصدر واحد ذلك هو الطاعة والالتزام والتعهد.

ولبيان ذلك لا بد من بيان معاني تلك الكلمة وجملة من اشتقاقاتها ليتبين معنى كلمة( الدِين) . ومن تلك المعاني ما يلي:

 

النقطة الثانية: كلمة (دان) تأتي بمعنى اقترض

 فمعنى الدَيَن في اللغة العربية هو القرض الذي يؤخذ ويُعط, ويترتب عليه التزام وطاعة في ارجاع المال المقروض, فيقال: (دَانَ واسْتَدانَ... إِذا أَخذ الدين واقترض) ([9])  

النقطة الثالثة: كلمة (أدان) تعني اعطى القرض

(فإِذا أَعطى الدين قيل أَدَانَ مخففاً) ([10]) فيقال للرجل ادنت فلانا مبلغا من المال. ومنه يُفهم وجوب الالتزام والوفاء بالوعد حين القرض.

 النقطة الرابعة: كلمة (مدين) تأتي بمعنى مسؤول في الإلتزام للدائن

ومعنى كلمة (مدين) تدل على معنى الطاعة في المعاملة, يعني أن فلانا  مدين لفلان في خصوص أمر معين يجب أن يؤديه إلى الدائن, وكما قال في لسان العرب:

وقوله تعالى: (فلولا ان كنتم غيرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونها) قال الفراء: غيرَ مَدِينِينَ أَي غير مملوكين... وقال أَبو إِسحق: معناه هلاَّ تَرْجِعُون الروحَ إِن كنتم غير مملوكين مُدَبَّرين. ([11])  

يعني يا ايها البشر لولا انكم مطلوبين إلى الله ولا تملكون شيئا, وأن مالككم قد ملَّكَكُم كل شيء روحا وجسما وما انتم عليه وفيه في الدنيا لكنتم قادرين على أن ترجعوا الروح التي اخذها منكم, بل الله تعالى ادانكم إياها ويريد أن يسترجع ما ادانكم واقرضكم إلى انتهاء مدت اجَلِكُم وقرضكم الذي قارضكم به ودَينكم الذي داينكم .

وهذا المعنى يكشف عن معنى الطاعة حيث الدائن يريد أن يسترجع دينه, وعلى الإنسان أن يوفي لله دينه طوعا أو كرها. ولذلك فإن الإنسان مدين لله فيما اعطاه واقرضه القرض الطويل الامد, مخوِّلاً إياه التصرف في ملكه, مقابل أن يلتزم طاعته, ويجزيه على تلك الطاعة جزاءه الأوفى.

إذن ففي كلمة المدين معنى الالتزام والطاعة.

النقطة الخامسة: كلمة (دان) تعطي معنى الذلة والطاعة

ومن نفس المصدر تأتي كلمة الدين بمعنى الذلة لله وطاعته والتعبد له,كما قال في لسان العرب: (هودانَ الربابَ يعني أَذلها، ثم قال: ثم دانت بعدُ الربابُ أَي ذلت له وأَطاعته، والدِّينُ لله من هذا إِنما هوطاعته والتعبد له.)()

النقطة السادسة: كلمة (الدِين) تأتي بمعنى الطاعة والالتزام عموما

فالمدين الذي عليه دَيْن يجب عليه أن يطع ويلتزم لمن أدانه دَينا فيوفيه دّينه, ولذلك يكون من معاني الدَين هو الطاعة في الالتزام بما يجب عليه التزامه واداءه. فقال:

والدِين: الطاعة، ودانوا لفلان أي أطاعوه) ([12]).

النقطة السادسة:كلمة (الدِين) تأتي بمعنى الجزاء وتدل على الطاعة

وسمي بالجزاء لأن يوم القيامة هواليوم الذي يجازي فيه الله العباد على ما اعطاهم في الحياة الدنيا وامرهم أن يدينوا به, وسماه يوم الدين بقوله (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)([13]) الذي سيسأل الله العباد عما قد اعطاهم في الحياة فقال سبحانه ( ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) ([14])  

وقد قال في كتاب العين: ( والدِين: الجزاء ...كقولك: دان الله العباد يدينهم يوم القيامة أي يجزيهم، وهوديان العباد) ([15]).

وفي الحديث القدسي: (يابن ادم كن كيف شئت كما تدين تدان) ([16])  أي تُجازى مقابل طاعتك وعلى مقدار التزامك.

وهكذا حتى اخذ العرب كلمة ( الدِين) بمعنى العادة من حيث يعتاد الإنسان على الالتزام بشيء وتعاهده, وهو الذي رآه الفراهيدي من بيت شعر لواحد من شعراء العرب فقال:

(والدين: العادة, لم أسمع منه فعلا إلا في بيت واحد، قال: يا دين قلبك من سلمى وقد دينا)([17])

 وحتى هذا المعنى فقد جاء مشتقا من اصل المصدر الواحد لإشتقاقات كلمة (الدِين), وعليه إذا ما اعتاد الإنسان طاعة ما أمره الله صار مدينا له بذلك الدين الحق, أما إذا اعتاد الإنسان ودان بغير ما أمر الله به صار مدينا لذلك الدين وان كان على باطل, ولذلك قال تعالى( بِسْمِ الله الرَّحمن الرَّحِيم قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) ولا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6). فصار الالتزام بما أمر الله تعالى به دينا لله, كما صارت طاعة ما لم يأمر به الله كذلك دينا, ولكن لغير الله بسبب طاعته لغير الله تَعالى, وامتثالا لغير إرادته.

والخلاصة من ذلك كله أن كلمة (الدين) (تتجذر منها) (كافة) (المفردات) (المختلفة في المعنى), (المتحدة في أصل) (الجذر) للكلمة, وان كان بعضها يدل على القرض, والآخر على الإدانة بذنب وغيرها على الالتزام بعهد, ورابع على الجزاء, وخامس على الطاعة.

وبذلك فاشتقاقات كلمة ( الدين) (تلتقي) في اصل المطلوب, و(هو الطاعة) وان اختلفت المعاني, ولا فرق بين الالتزام والطاعة للعهد مع الله تَعالى أو مع البشر كأن يعاهده على الوفاء بقرض, أو الوفاء بتبعات الجريمة, أو الطاعة للاقتصاص منه بالنسبة إلى مفهوم الإدانة, وهكذا.

القضية الرابعة: بيان معنى الإسلام دين الدولة الرسمي

مما تقدم به البيان عن جذر كلمة الدين ومشتقاتها في اللغة وما يتصل بها من جذورها المعنوية وان تشعبت بها المعاني, فلابد من الوصول إلى حقيقة كلمة الدين في اللائحة القانونية لدستور العراق الذي يراد أن يكون دين الدولة فيه الرسمي هو الإسلام.

أن تكون (الدولة) (واضحة) في (بيان) معنى (دين الدولة) لأن (الدِّين) هو (الطاعة)  ([18]) في اللغة, وقول أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام يعني أنها تدين بالاسلام, بمعنى أنها تلتزم تشريع الاسلام, ولما كان الشارع العراقي يتدين بالدين الإسلامي,  وأن (الدِّين: ما يَتَدَيَّنُ به الرجل) . ([19]) وجب على الجمعية الوطنية أن ترسم معالم التشريع الذي يتدين به شعب العراق.   

وفي الحقيقة أن القانون إذا ما اعلن أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام فهذا يعني أن الدولة ملزَمة بطاعة الإسلام في مناهجها التي تنتهجها في الحياة السياسية وغيرها في تطبيقاتها الحيوية في المجتمع.

وهذا يعني أن تلتزم الحكومة والدولة بتشريع الإسلام في مناهجها, ويعني يجب أن يكون  القرآن الكريم  المصدر الأساس للتشريع.

وبعد هذا البيان لابد أن يكون جميع الساسة العراقيين في الحكم وخارجة, في الجمعية الوطنية المنتخبة واللجنة المقررة لصياغة الدستور وغيرها أن يكونوا على درحة عالية من المسؤولية والوضوح مع شعبهم, والاحاطة المعرفية واللغوية بجميع معاني ما يريدون تقريره ويرومون إقراره, ولا يقرّوا أن دين الدولة الرسمي الإسلام, ثم يعطفوا  من طرف خفي ليلغوا القرآن الكريم من التشريع فيجعلوه مع غيره في التشريع شريكا, ليتحول فيما بعد إلى شريك مستضعف, ليتطور الموقف بعده حتى يصبح شريكا محكوما عليه من قبل شركائه الآخرين حتى يوضع في زنزانة مظلمة بقرارٍ من الشركاء الشرفاء. بعد أن يجعلوا مع صبغة الله صبغة أخرى, ومع لون  القرآن لونا آخر, ومع طعم الحياة طعما ونكهة أخرى تفسد نكهة السعادة وتلغي طعم الحياة, ذلك لأن صبغة الحياة وطعمها واحد, تلك هي (صِبْغَةَ الله وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً)([20])

من هنا يتبين أن تعويم  القرآن والإسلام في التشريع لعراق المستقبل هو الاتيان بالكارثة القديمة من جديد.

أو لم تؤسس ديمقراطية البريطانيين بالامس دستور العراق الموقت عام 1925 ميلادية حتى نصّ في مادته الثالثة عشرة على أن: ( الإسلام دين الدولة الرسمي، وحرية القيام بشعائره المألوفة في العراق على اختلاف مذاهبه محترمة لا تمس، وتضمن لجميع ساكني البلاد حرية الاعتقاد التامة، وحرية القيام بشعائر العبادة، وفقاً لعاداتهم ما لم تكن مخلة بالأمن والنظام، وما لم تناف الآداب العامة.) .

ولقد كان الإسلام الدين الرسمي للبلاد منذ اكثر من ثمانية عقود والإسلام ممنوع من أن يدخل في التشريع, بل كان يشرع على خلافه في الاحوال المدنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية, فكان الإسلام دين الدولة الرسمي والعراق نهبا للناهبين, والعراقيون سلبا رخيصا للطغاة, وكبشا سمينا يذبحون على الهوية والدين, إبتداءا من حكومات الملكيين إلى الجمهوريين وحتى نهاية المطاف على أيدي  القوميين الطائفيين والتكفيريين. 

القضية الخامسة: العراقيون اليوم غير العراقيين في الامس

لقد قدم العراقيون اليوم من الضحايا الملايين العظيمة, ومن التضحيات الكبيرة الجسيمة, ففي عراق اليوم الوعي والثقافة المسؤولة.. في عراق اليوم العلماء, وعلماء الفقه, وفقهاء القانون, والعباقرة المفكرون ما تحتاج إلى فكرهم الأمم فضلا عن هذه الأمة, وفي باعهم العلمي ويراعهم العملي ما تفتقر إليه الشعوب فضلا عن شعبنا في العراق.

الأمر الذي يحصّن العراق من حِيَلِ السياسة وأحابيل السياسيين, ومن التلاعب في الالفاظ, والتصرف بالشعوب.

وعلى هذا فعلى المخلصين من ساسة العراق الالتفات إلى انهم إذا وقفوا الى جانب شعبهم وحماية حقوقه والاخذ بمظالمه والاقتصاص بالقانون من ظالمه إنما سيكون الشعب معهم والله ناصرهم, فلا يقولوا على الله شططا, أو يفعلوا على حساب مصالح الشعب غلطا.

    القضية السادسة: ماذا إذا أراد الاحتلال غير ذلك ؟

أو أراد أن يُهمِّش الإسلام ويُعوِّم القرآن الكريم من حياة مجتمع العراق, فذلك لأن الاحتلال مجتمع لا يؤمن بالاسلام أولا, وثانيا لم يكن ليعرف الإسلام الذي نزلت به رسالة السماء, بقدر ما يعرف عن الإسلام الذي صنعه الاستعمار في طالبان وابن لادن والوهابية ومن نحى نحوها, ومن المُسلّم به ٍلو أن المسلمين تمكنوا من أن يعرضوا للعالم الغربي حقيقة الإسلام المحمدي الاصيل وتعرّفوا على معالمه ومناهجه الحضارية لتهافتوا على الإسلام زرافات زرافات, إذا ما وجدوا فيه حلول مشاكلهم ومشاكل غيرهم من المجتمع البشري, إلا أن الأمر يحتاج إلى قوة إرادة, وثقة بالنفس, واستقلال, ومعرفة بثقافة الإسلام, واعتزاز بهوية الإنسان المسلم, يمكن أن يكون الاحتلال افضل مجال للحوار الثقافي والحضاري والفكري لو كان المسلمون يحملون فكرا حضارايا وهمّا رساليا عاليا, ولتمكنوا من نشر الإسلام إلى العالم الغربي إلا أن إلامر يحتاج إلى مستلزمات بحثناها في محلها. ([21])

فضلا عن أن العراقيين الشرفاء إذا تمكنوا من مناقشة موضوع الاعتماد على الإسلام كمصدر أساس للعراقيين مع محتليهم من منطق القاعدة الفقهية التي نطق بها أئمة أهل البيت عَلَيهم السَلام بقولهم (الزموهم بما الزموا به انفسهم) ([22]) لتمكنوا من انجاز حضاري كبير.

وذلك أن الغرب يعتمد منطق الديمقراطية الذي يعني رأي الاغلبية والاستفتاء وجمع الآراء لتمكنوا من طرح هذا المبدأ في اخذ الحقوق عبر الاستفتاء وراي الأغلبية.

حيث ان شعب العراق شعب مسلم، يريد أن يكون الإسلام أساس التشريع في بلاده بموجب ديمقراطية الغرب.

القضية السابعة: ماذا إذا أرادت الاقليات غير ذلك ؟

أما إذا عارضت الاقليات الدينية فإن الأمر سيكون بموجب الرأي الديمقراطي الذي يؤمن به المحتلون هو اعتماد راي الاغلبية, أما من حيث الإسلام فهو النظام الوحيد والافضل حتى من كل النظم الغربية والشرقية في تأمين حقوق الاقليات الدينية وذوي المذاهب الدينية الاخرى.

صحيح أن هناك تخوفا من الاعتماد على الإسلام كمنهج لحياة الناس خاصة بالنسبة إلى الاقليات الدينية بل وحتى القومية كالأكراد وان كانوا مسلمين, لما رأوا من تجارب حكمت  بإسم الإسلام, والتي وضعت المرأة في معتقل البيت الذي لا يميز فيه الليل من النهار, واقبلت على موارد الحياة فأعدمتها كما ذهبت دولة الكنيسة في قتل غاليلوا والعلماء لأنهم قالوا بكروية الأرض ودورانها حول الشمس وما إلى ذلك من النظريات التي تناقش الأمور بعقلية علمية.

اجل .. أن هذا التخوف صحيح في محله من حيث ملاحظتهم تجارب فاشلة عكست الإسلام, وغير صحيح في مجال آخر إذ نحن اليوم أمام تجربة لا يراد لها أن تكون دينية صرفة بالمعنى الذي يحجرالحياة وراء القبور. ولكن بالمعنى الإسلامي الحضاري في بناء الحياة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ) ([23]) وان دعوة  الله دعوة الحياة. (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلاً) ([24])

القضية الثامنة: ماذا إذا أرادت الأحزاب غير ذلك ؟

إذا كانت بعض الأحزاب أو الفئات لا ترغب بالاسلام دستورا, فتلك هي أقلية بالنسبة الى ملايين الشعب العراقي المسلم, والراي ما تراه الأغلبية لتقرير مصيرها.

اما أن فَرْضُ رأي مجموعة أو تغليب رغبة فئة أو تحقيق تطلّع إئتلاف أحزاب، أو سلطة احتلال فذلك مخالف لحرية الشعب ومعارض لإرادته, وكافر بمبدأ الديمقراطية التي رفع الغرب لواءها, ورددت نغمتها الشعوب التي عانت من دكتاتورية القومية وغيرها.  

القضية التاسعة: هل سيلغي الإسلام الاستفادة من القوانين العالمية الأخرى

 التشريع الإسلامي يعتمد في استنباط الحكم الشرعي من الاصول الأربعة وهي  القرآن الكريم والسنة المطهرة والاجماع والعقل.

  فالعقل أحد الاركان الأربعة للاستنباط, وإذا كانت القوانين العالمية عقلانية فانها ستكون مقبولة عند الشرع, ولو اطلع الباحث على ايات  القرآن الكريم لوجد أن الله تَعالى يؤكد في (49)  آية على العقل ويامر بالتعقل ويمدح العقلاء, ويعاتب الذين لا يعقلون ويذكر اقرار الخاسرين لعدم استفادتهم نعمة العقل .

ولذلك كان العقل واحدا من موارد الوصول إلى الحكم الشرعي, وعليه فلا منفاة شرعية إذا أراد المشرعون الاستفادة من قوانين عقلائية تخدم الإنسان والإنسانية.

من هنا يمكن أن تكون صياغة الدستور في مثل هذه الفقرة كالاتي: (الاسلام دين الدولة الرسمي ويعتبر المصدر الأساس في التشريع, ولا يعارض الاستفادة من القوانين الدولية العقلائية التي لا تتنافى مع  الإسلام....)    

القضية العاشرة: المتخوفون من الإسلام بسبب التجارب الارهابية  

 بناءا على أن الإسلام دين الإنسانية التي يشهد به القاصي والداني,  فسوف لن يدع لأحد ظلامة أبدا.

وهذا منهج الإسلام الواضح في سيرة أمير المؤمنين عَلَيهِ السَلام ينص على أن :(الذَّلِيلُ عِنْدِي عَزِيزٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ لَهُ وَ الْقَوِيُّ عِنْدِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ  منه) ([25])

وفي مكان آخر قال (..أن أكيس الكَيِّسِ التُقى وأحمق الحمق الفجور (وإن أقواكم) (عندي) (الضعيف) (حتى آخذ) (له) (بالحق), (وأضعفكم) (عندي) (القوي) (حتى آخذ) (منه) (الحق)...) ([26])

فمن كان هذا منهجه كيف يُخاف منه, وكيف يقلق أحد على حقه, إلا وان في منهج الإسلام الشارع الذي بيّن معالمه العملية يوم صار حاكما ليس على العراق فحسب بل على كل العالم الإسلامي لهذا اليوم وهي (50) دولة من دول العالم الإسلامي لهذا اليوم فقال مبيّنا منهجه الواضح وعدل الإسلام اللائح ليعلن للعالم طعم الحياة الحقيقية التي تتجلى في العدل الذي ارسى مناهجه الرسول ورفع معالمه أمير المؤمنين عليه السلام يوم صار حاكما على العالم الإسلامي بأسره .

وبهذا فأي زعيم ديمقراطي معاصر أو إشتراكي من عهد غابر, أو قائد قومي عروبي غادر يحكم بلدا واحدا أو بلدانا متعددة في العالم, ثم يقول:

(والله لأن أبيت على حسك السّعدان مسهّدا, أو أُجرّ في الأغلال مصفّدا, أحبّ إليّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد وغاصبا لشي‏ء من الحطام..) ([27])

وأي زعيم قومي عربي يؤدب نفسه ليدقًَّ جليلها, ويعاتبها في حرصها على ما بين يديه من الاموال وشعبه يتضور جوعا, وأهله يعانون التخمة والترف والتردي.

مَنْ مِنْ ذوي هذه المناهج قد خاطب شعبه متحديا إياهم ان يجدوا ثغرة واحدة تدل على انه ظالم لأحد من الناس أو مستأثر بمال لحساب أهله, وحزبه وجماعته, واهل طائفته ومدينته, وقال لهم:

( وكيف أظلم أحدا لنفس يسرع إلى البلى قفولها ويطول في الثّرى حلولها والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتّى استماحني من برّكم صاعا ورأيت صبيانه شعث الشّعور غبر الألوان من فقرهم كأنّما سوّدت وجوههم بالعظلم وعاودني مؤكّدا وكرّر عليّ القول مردّدا فأصغيت إليه سمعي فظنّ أنّي أبيعه ديني وأتّبع قياده مفارقا طريقتي ) ([28]).  

 وأي زعيم يرفع لواء الديمقراطية أو إمام من الأئمة الديمقراطيين في العالم وحماة حقوق الإنسان استطاع أن يعلن أن منهجه افضل من شريعة الإسلام واكمل إنسانية وأروع حضارية من منهج علي وأنه لن يؤثر نفسه وأهله على شعبه ولا يرصد لنفسه المليارات في بنوك العالم؟

ومن منهم حينما يساله احد اتباعه أو اهله الديمقراطيين دولارا أو بضع دولات, فتهيج عنده حمية الديمقراطية وحقوق الإنسان ليقول للعالم: ( فأحميت له حديدة ثمّ أدنيتها من جسمه ليعتبر بها فضجّ ضجيج ذي دنف من ألمها وكاد أن يحترق من ميسمها فقلت له ثكلتك الثّواكل يا عقيل أ تئنّ من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرّني إلى نار سجرها جبّارها لغضبه أتئنّ من الأذى ولا أئنّ من للظى وأعجب من ذلك طارقٌ طرقنا بملفوفة في وعائها ومعجونة شنئتها كأنّما عجنت بريق حيّة أوقيئها فقلت أصلةٌ أم زكاةٌ أم صدقةٌ فذلك محرّمٌ علينا أهل البيت فقال لا ذا ولا ذاك ولكنّها هديّةٌ فقلت هبلتك الهبول أعن دين الله أتيتني لتخدعني أمختبطٌ أم ذوجنّةٌ أم تهجر ) ([29])

 ثم أيٍّ من الزعماء القوميين العرب أو العجم, أو زعماء الكرد أو الترك, وحتى زعماء القوميات الالمانية أو الإفرنجة, يستطيع أن يعلن في مشروعه مبرهناً حقيقة تفانيه من اجل الإنسانية فيقف ويقول:

(والله لوأعطيت الأقاليم السّبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة  ما فعلته وان دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة اقضمها, ما لعليٍّ ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين) ([30])  فاذا وجدت زعيما قال مثل هذا فإني سأبايعه على منهجه, واترك شريعة الإسلام ومنهج علي, وابايعه على السمع والطاعة وأكون معه حتى قيام الساعة, ولو كان هنديا احمرا أو صينيا اصفرا, واضع يدي بيده واقول له عندئذ أن منهجك افضل من شريعة محمد ومنهاج علي, واني من منهاجهم في قلق وخوف شديد.!!!

القضية الحادية عشرة: موقع الأحزاب العلمانية من تشريع الاسلام

هناك تخوف من قبل الأحزاب التي لم تعتمد الإسلام في مناهجها سواء كانت احزابا قومية عربية أو كرديه أو غيرها, فاقول لهم أن التخوف أمر طبيعي في الانسان, خصوصا وان هناك اطرافا تسعى إلى التخويف لمآرب تبتغيها, وهناك تخوف وارد بسبب تجارب قد ابصروا بعضا منها حكمت بإسم الإسلام, ومخاوف ناجمه من  عدم وضوح الرؤية عن الإسلام والشريعة والاصالة الإسلامية لأن في المسلمين من انتهج منهج الذبح بحد السيف, والانتقام من الناس بأشد الحيف, وان الحق غير ذلك ولمن اطلع على اصالة الإسلام يكتشف الخير كل الخير في منهج السياسة التي انتهجها  أمير المؤمنين عليه السلام وعلّمها اتباعه وتلامذته وأدّبهم أن القائد هو الذي يربي نفسه كما قال هو عن نفسه سلام الله عليه:

(ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة ولعلّ بالحجاز أواليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشّبع أوأبيت مبطانا وحولي بطونٌ غرثى وأكبادٌ حرّى أوأكون كما قال القائل

وحسبك داء أن تبيت ببطنةٍ

 

وحولك أكبادٌ تحنّ إلى القدّ

أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدّهر أوأكون أسوة لهم في جشوبة العيش فما خلقت ليشغلني أكل الطّيّبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها أوالمرسلة شغلها تقمّمها تكترش من أعلافها وتلهو عمّا يراد بها أوأترك سدى أو أهمل عابثا أو أجرّ حبل الضّلالة أوأعتسف طريق المتاهة) ([31]) كما قال في رسالته التأديبية للحاكم الذي عيّنه على البصرة (عثمان بن حنيف).

وعلى هذا يمكن القول بالنسبة الى الذين يُخَوّفون من الإسلام ما يلي:

1.   لا خوف من الإسلام الأصيل ولو قيد انملة, فلا يخاف أصحاب الأحزاب الكردية أو التركمانية أو الطوائف الأخرى.

2.   مادامت الأحزاب تتسم بالوطنية الصادقة وليست الوطنية اللاصقة,  أي محبة للوطن والشعب وتعمل في منهاجها على بناء الإنسان وعمارة الوطن وحياة المجتمع, فانها احزاب مواطنة ستعيش في ضل دستور الإسلام بالف خير وخير.

3.   لقد كان في دين الرسول وحكومة  أمير المؤمنين عليهما السلام, من أصحاب الديانات الأخرى كالنصارى واليهود, وهم مواطنون, لهم ما للمواطن المسلم وعليهم ما عليهم, وهم في خير وسلم وسلام ما داموا عاملون على بناء الوطن وحماية المواطن.

وما مقاتلة الإسلام ليهود المدينة إلا بسب نقضهم حق المواطنة وتحالفهم مع اعداء الإسلام والوطن, وبذلك وضعوا أنفسهم في صف الدول التي تريد الاطاحة بدولة الإسلام المتمثلة بحكومة الجاهلية المتمركزة في مكة المكرمة, وهذا أمر طبيعي معمول به في النظام العالمي قديما وحديثا.

وبالنتيجة فإن الإسلام لا يلغي حقوق المواطنة لمن انتهج غير منهج الإسلام, ما دام هذا الحزب أو ذاك يعتز بوطنه ويحترم إنسانه ويعمل على بناء بلده.

وبناءا على الاسلام الحضاري لرسول الله صَلَّى الله عَلَيةِ وَآلِهِ وَسَلَّمَِّ غير الإسلام الجامد المؤطّر بأطر قبلية أو قومية أوحزبية ضد الحق والإنسان والمجتمع والإنسانية والوطن.

       فإن الأحزاب والتجمعات الوطنية التي تحب وطنها ولا تلغي مشروعية الحكومة المنتخبة, لها من الحرية الكاملة في بناء الوطن والمشاركة في تطويره, وبما أني لست في مقام الافتاء, إلا أن  أمير المؤمنين عليه السلام قد منح الحرية كاملة للاحزاب السياسية المعارضة له وهو الإمام المفروض الطاعة, بل جعلهم أحرارا في ممارسة النقد والعمل السياسي ما لم يصلوا إلى رفع السلاح بوجه الإنسان والحكومة والدولة والوطن.

 

القضية الثانية عشرة: يجب الاعتزاز برسمية الإسلام تشريعا     

إن معنى كلمة (الرسمي) في الدستور العراقي الذي يراد أن يُصاغ حديثا, يجب أن يكون بيّنا واضحا لدى الشعب العراقي ومرشحيهم في الجمعية الوطنية التي تصدت لصياغة الدستور, ولإعضاء الحكومة.

فإصطلاح (الرسمي) متأتي من النسبة إلى الرسم, والرَّسْمُ في اللغة العربية يعني:

(الأَثَرُ، ...وقيل: هو ما لَصِقَ بالأَرض منها....

ورَسْمُ الدار: ما كان من آثارها لاصقاً بالأَرض...

ورَسَمَتِ الناقة...(يعني) أَثَّرَتْ في الأَرض من شدة وطئها..) ([32])  وإلى غيرها من اشتقاقات الكلمة, الدالة على اعتبار الاثر, والاهتمام بالتراث, والاعتزاز بالتاريخ, والتمسك بالاصالة, و(حُسْن المشي) ([33]) كما جاء في لسان العرب.

ومن هنا يتبين القول بأن (الإسلام دين الدولة الرسمي), يعني أن الإسلام هو الدين الذي تلتزم بمقرراته وتشريعاته الدولة التي تعتز بالاسلام, وتتمسك باصالته, وتسير على منهجه خير مسير, لأنه الدين الذي يلتصق به العراقيون روحا وفكرا وثقافة واصالة التصاقهم بالارض.

ولقد حاولت بريطانيا يوم اقدمت على غزو العراق في أعقاب الحرب العالمية الأولى والثانية وعزمت على تغيير البُنى التحتية في العراق من خلال الأنظمة السياسية التي اسستها فيه إلى يوم سقوطها, ولقد ذكر عمالقة الفكر الإسلامي في العراق, ان قيادة ثورة العشرين عام(1920م) تمكنت من تحقيق انجاز تاريخي كبير كَمُنَ في إبطال مشروع كارثي كبير يهدف تغيير الجغرافية البشرية للمجتمع العراقي عبر إسكان العنصر الهندوسي في المجتمع, حيث كان الجنود الهنود يشكلون اليد الطيّعة والفاعلة في جيوش الغزو البريطاني آنذاك. ومع ذلك لم تتمكن من اسقاط إسلامية المجتمع العراقي على الإطلاق, وخير دليل على ذلك هو مساعي حزب البعث بمشاريعه القومية وشعاراته التحررية, والعناوين التي كان يطرحها, لم يتمكن من إلغاء إسلامية المجتمع في العراق, ورغم أنهم قد قرأوا في الدستور العراق أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة.

وتاسيسا على هذا المعنى اللغوي والاصطلاحي يجب أن لا يخجل أعضاء الجمعية الوطنية والحكومة العراقية من بيان حقيقة التزامهم التشريع الإسلامي كشريعة حضارية, وستسعى الكثير من دول العالم بما فيها بلدان الاحتلال في العراق إلى الأخذ ببنوده.

الخلاصة من البحث 

بعد كل ما تقدم البحث به لابد من الخروج بالخلاصة ذات المباديء التالية:

المبدأ الأول: العراق بلد عموم سكانه مسلمون يدينون بالاسلام في احوالهم المدنية ومرافق الحياة الأخرى رغم تنكر الحكومات العراقية التي تعاقبت على الحكم لحقوقه.

المبدأ الثاني: يجب أن تعطى كلمة (الإسلام دين الدولة الرسمي) حقها وان لا يكون معناها موقوفا على المعاني التقليدية التي تزول بزوال الحاجة وتنتهي بانتهاء الأزمة والخروج منها إلى حيز إقرار دستور جديد كما كان عليه حال العراق في العقود الماضية.

المبدأ الثالث: معنى (دين الدولة) تعني ما تدين به الدولة في التزامها الإسلام في مناهج الحياة, ولما كان شعب العراق يدين بعمومه بالاسلام, وجب أن تدين الدولة بدين عموم الشعب.

المبدأ الرابع: وكلمة( تُدين) يعني أن تلتزم الدولة بتشريع الإسلام في مرافق حياة المجتمع الذي تديره, والا فإن التزام الدولة ببعض الإسلام في التشريع, والتزامها وادانتها لغيرة إنما يعني تجاوزا على المسلمين فيما يدينون ويعتقدون, لأن اشراك غير القرآن والإسلام في  مسألة التشريع يعني اقرارا ضمنيا بعدم كفاية القرآن وعجز الإسلام عن تغطية متطلبات الحياة, وفي هذا خروج على إرادة الشعب بعمومه واعتقاده في كمالية الإسلام لقوله تَعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) ([34]).

المبدأ الخامس: كلمة (الدين الرسمي) هي الأخرى تدل على (تَرَسُّم) (الدين) واعتماد (آثاره) في الحياة كما ينطبع الاثر على الأرض . وهذا يدل على عدم إمكانية التنصل عن دين الناس الذي التصق بنفوسهم وحياتهم كإلتصاقهم بأرضهم.

المبدأ السادس: هناك اشكالية ترد تحت عنوان الضغوط الدولية من قبل دول الاحتلال, فيجب القول أن الدستور هو شان عراقي أولا وقبل كل شيء, وثانيا أن كان هناك إمكانية الاستفادة من القوانين الدولية النافعة فيمكن العمل بها ما لم تتعارض مع مباديء الدين وثوابته, وان قبولها يأتي بعنوان كونها قوانين عقلائية, ذلك لأن الإسلام دين حضاري يشجع على توظيف العقل في بناء الحياة بما فيها موارد الاستنباط الشرعي.

وبذلك يمكن صياغة المادة الدستورية كالاتي:

( الإسلام دين الدولة الرسمي, وهو المصدر الأساس للتشريع, ويمكن الاستفادة من القوانين الدولية إن لم تتعارض مع الدين, على اعتبارها قوانين عقلائية وان الإسلام يوظف العقل في الأمور التشريعية....).

المبدأ السابع: ثم لابد من مناقشة حكومة الاحتلال بالثوابت المنطقية التي عمل ويعمل بها عقلاء هذه الحياة, والتي منها أن من مصاديق حرية الإنسان والمجتمع أن يقرر المجتمع مصيره بنفسه. وإذا ما شائت الاقدار أن وقع العراقيون في الاحتلال, وخرج من التردي السابق, فلابد له أن يقرر حكم نفسه بنفسه وفق نظام حياته الذي يؤمن به ودينه الذي يعتقده.

ولو قُدِّر للمسلمين أن تكون لهم القدرة الأمريكية, وكان الأمريكان في مقام الشعب العراقي مُحتَلِّين من قِبَلِ المسلمين العراقيين, فهل سيقبل الأمريكان ان يفرض عليهم المسلمون العراقيون نظامهم الإسلامي, وهم ينتمون إلى عالم يعتقد بالمسيحية كدين وبالعلمانية كنظام سياسي؟؟

بالطبع فإن قبول هذا الافتراض لو وقع فعلا سيكون مرفوضا من قبل المسيحيين الأمريكيين, وسيقاومونه ويعتبرونه ارهابا ومصادرة للحرية, وبهذا المنطق العقلي سوف يكون فرض تشريع يخالف معتقد العراقيين أمرا مرفوضا عقلا فضلا عنه شرعا.

 

المبدأ الثامن: بالنسبة إلى الأحزاب العلمانية إن كانت احزابا وطنية تعمل لصالح الشعب وخدمة الوطن وتقديم عجلة الحياة بما فيه احترام الإنسان والعمل على تطوير التنمية الإنسانية, فإنما هي احزاب لن يلغي تشريع القانون الإسلامي حقوقها السياسية في العمل وممارسة البناء السياسي وغيره, خصوصا في عراق كالعراق الراهن.

المبدأ التاسع: بالنسبة إلى الاقليات الدينية الأخرى  فإن التشريع القرآني لن يترك لهم حقا ما من حقوقهم الدينية والاجتماعية والسياسية إلا ويصونها كباقي مكونات شعب العراق. وهذا ما يمكن مناقشته في موارد الدستور الذي يجب أن يكفل للجميع حقوقهم.

المبدأ العاشر: من مسؤوليات التاريخية للسياسيين المتصدرين لشؤون السياسة العراقية أن يزيلوا من الأذهان المفاهيم العالقة خطئا عن العراق والعراقيين وعن الإسلام والمسلمين بسبب الممارسات الارهابية وتطرف بعض الأحزاب الدينية وبعض المناهج السياسية القومية, التي أهانت الإنسان, وتجاوزت الإسلام, وتعدت على الإنسانية بإسم الدين والتحرير والمقاومة. كما عليهم أن يُطَمْئِّنوا الجميع من التخوف أو التخويف من الإسلام والتشريع الإسلامي للعراق. ولربما تكون بعض تلك المخاوف صادقة ومنشؤها الممارسات الارهابية عن الدين والمفاهيم الخاطئة عن الإسلام, فيتحمل ساسة العراق مسؤولية ازالة هذه المخاوف عبر المناهج العملية, والممارسات الصادقة, وطرح المناهج الفكرية الواضحة الكاشفة عن الحقائق الحضارية للمناهج الإسلامية الاصيلة التي لا غنى للعالم عنها سواء كان الإسلامي منها أو غير الإسلامي .

 وأي المناهج على هذه الكرة الأرضية, كمناهج المساواة في الحياة, والاخوّة في المجتمع, والشورى في السياسة, وحرية الرأي في الحياة, والتعاون في الاجتماع, والتنمية الإنسانية, واحترام القوميات, والتعارف بين الأمم.

ثم  أي منطق كمنطق الإسلام ينص على رِفْعة المرأة كما هي رِفْعة الرجل ويذكرها في تلك العصور المظلمة التي تستذلها فيبيّن (أنها) كما (هو) (المُكَوِّن) (الأساس) (للحياة) قائلا: (يَا أَيُّها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى)([35]).

وأي دستور يضع المرأ ة والرجل على قدم المساواة الحقيقية فيقول (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) ([36]

وأي مذهب قومي يستطيع أن يجمع بين القوميات الملونة ويؤآلف بين المختلفة منها, فيوحدها في دستوره على التعارف والبناء المشترك بقوله (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) ([37])  

وأي مذهب قومي يستطيع أن يجمع بين القوميات الملونة ويؤآلف بين المختلفة منها, فيوحدها في دستوره على التعارف والبناء المشترك بقوله (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) ([38])  

اليست المذاهب القومية تلغي قول الله (لِتَعَارَفُوا) ليكون منهجهم في الحياة لتناحروا وتقاتلوا ؟

وهل من مشروع فكري أو سياسي لا يعمل على المغالبة فيقول إن الغلبة للصلاح والمثابرة في البناء الصادق و(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) ([39]) غير الإسلام.

وبعد هذا وذاك, فهل من تخوِّف من تشريع الإسلام لمناهج الحياة ؟؟

(مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ([40])  ؟؟


 


[1] - سورة التوبة/ اية 10

[2] - سورة الإسراء / آية 70

[3] - سورة الإسراء / آية 70

[4] - سورة الإسراء / آية 70

[5] - سورة الحجرات / آية 13

[6] - سورة الحجرات / آية 13

[7] - سورة الحجرات / آية 13

[8] - سورة الفتح / آية 23

[9] - كما قال في لسان العربو ويقع في خمسة عشر جزءا, لمحمد بن مكرم المعروف بإبم منظور المتوفي 711هجرية

[10] - كما قال في لسان العرب خمسة عشر جزءا, لمحمد بن مكرم المعروف بإبم منظور المتوفي 711هجرية

[11] - المصدر السابق.

[12] - المصدر السابق.

[13] - سورة الفاتحة/  آية 4

[14] - سورة التكاثر/  آية 8

[15] - كتاب العين

[16] - الكافي/ ج2ص139

[17] - كتاب العين

[18] - المصدر السابق.

[19] - المصدر السابق.

[20] - سورة البقرة / آية 138

[21] - وقد بحثنا هذا الأمر منذ اكثر من عام في كتاب: الغرب مدعو لمعرفة الإسلام, والذي ترجمناه إلى الانكليزية وها هو تحت الطبع ننتظر انجازه بعون الله تَعالى .

[22]  - الوسائل ج26ص159

[23] - سورة الأنفال /  آية 24

[24] - سورة النساء/  آية 122

[25] - شرح ‏نهج ‏البلاغة  ج2  ص : 285

[26] - شرح ‏نهج ‏البلاغة  ج2  ص : 56

 

[27] - نهج البلاغة ص347

[28] - شرح‏ نهج‏ البلاغة ج : 11 ص : 246

 

[29] - شرح‏ نهج‏ البلاغة ج : 11 ص : 246

 

[30] - شرح‏ نهج‏ البلاغة ج : 11 ص : 246

 

[31] - نهج‏ البلاغة ص : 419

[32] - لسان‏ العرب ج : 12  ص :  241 

 

[33] - لسان‏ العرب ج : 12  ص :  241 

 

[34] - سورة المائدة/  آية 3

[35] - سورة الحجرا ت/  آية 13

[36] - سورة آل عمران/ آية 195

[37] - سورة الحجرا ت/  آية 13

[38] - سورة الحجرا ت/  آية 13

[39] - سورة الحجرا ت/  آية 13

[40] - سورة الصافات/  آية 154

شبكة النبأ المعلوماتية - الأحد 12/ حزيران/2005 - 5/ جمادى الأولى/1426