أن أهم سبب يناوئ التعايش مع الآخر هو التصادم مع المصالح المعنوية
أو المادية (المبدئية منها أو الخلافية).
في التجربة الحياتية الكثير من النجاحات والإخفاقات لكن تفاقم نوع
العلاقة الإيجابية أو السلبية بين طرفين هو أكثر فعالية إلا أن (الحالة
الوسطية) في اختلاف الانطباعات أو وجهات النظر هي السائدة ومن ناحية
أخرى يلعب دور المؤيد لطرف على حساب طرف آخر التأثير الذي يعني تقرباً
من شأن أو ابتعاداً عنه ويبقى الأخطر في الموضوع إذا ما ترتب على
الاختلاف في وجهات النظر موقف انتقامي من الآخر دون وجود مبرر كافٍ.
إن حدود التعايش مع الآخر تحددها أمور قد لا تبدو ملموسة على سطح
العلاقة بين اثنين أو أكثر وغالباً ما يؤدي عدم امتلاك نفس حواري مع
الآخر إلى خيبة في المقابل وفي هذه الحال لا ينبغي سد الأبواب معه ففي
الحياة المعاصرة وقوة الاحتكاك الاجتماعي وما فيه من تعقيدات كل ذلك
جعل الأوضاع اليومية ذات صبغة تبدو وأنها ترسم الأهداف بصورة
أوتوماتيكية لغير الفائدة المرجوة من علاقة المرء بالآخر.
وحق الثقافة على المثقف هو تطبيق والتزام بروح المرونة فباستثناء
نفر المنتمين سياسياً فكل خلاف في الرأي أو انطباع بغير محله ممكن
إخضاعه لقناعات جديدة بعد أن ثبت بما لا يقبل الجدل أن للحالات السلبية
بين المتحاورين المنتمين للاصطفافات السياسية عناد يرفضون منه التطبيع
مع الآخر عبر تفنيد وربما تسخيف آرائه حتى قبل الإطلاع على حقيقتها.
ومن البديهي جداً أن الدفاع أو اتخاذ موقف الصمت على الجانب الخاطئ
في تصوراته عن الآخر (بما له وما عليه) فيه إجحاف للحق كما ويمثل بذات
الآن لعباً لدور السمسرة التي عادة ما تقودها ثقافة محكومة بقصر النظر.
وساسة هذا الزمان التعيس مازالوا يفتشون عن مثقفين مستعدين لبيع
أقلامهم كـ(محاولة) للهروب من المواجهة المعنوية مع مجتمعاتهم التي
تعاني من حالة يأس في أن يتغير هؤلاء الساسة أنفسهم نحو امتلاك ناصية
التوازن مع أفكار الآخر وآرائه التي تختلف معه فيها.
إن كل إنسان يحمل في نفسه تجربته الشخصية الداعية إلى التعايش مع
الآخر كنوع من التساكن الروحي وهذا ما يساعد على التعامل بشروط من
الحوار غير المسمى لكن فيه قيمة يحسها المقابل الذي هو الآخر وتجربة
الحياة تدعو أن لا يكون هناك تصادم حقيقي فالمرء ليس دائماً يمثل بكل
وجه من الوجوه على كونه الأفضل قياساً للآخر. |