اكتشاف رسالة – مخطوطة للشيخ حسين العاملي المفقودة مجاهيل التاريخ العاملي في القرن السادس عشر |
تكشف هذه المخطوطة العاملية النادرة, والتي تحدثت عنها المصادر العاملية كافة، عن العديد من الأمور التي كانت غير واضحة أو بالأحرى كانت ضائعة. وعلى الأخص ما ذكره مصدران أساسيان هما: الحر العاملي في أمله الآمل. عند ترجمته للشيخ حسين، والسيد محسن الأمين في أعيانه (6/64) بقوله: (رسالة في الرحلة، يذكر فيها وقائع ما أتفق في أسفاره، وهذه لا وجود لها، ولو وجدت لكانت من الرسائل الممتعة، لأنه مع علمه وكثرة إطلاعه قد طاف شرق الأرض وغربها، فلا بد أن يكون حصل له أمور شتى نادرة...). لم تكشف المخطوطة عن تاريخ لها بشكل مباشر، ولكنها بالتأكيد كانت ما بين الأعوام (954/965هـ) أي بعد عودة صاحب المخطوطة – كما يذكر – من العراق حيث درس فيها بناء على فرمان سلطاني، استحصل عليه عندما كان برفقة الشهيد الثاني في رحلته إلى القسطنطينية (الدرالمنثور) لمقابلة السلطان العثماني سليمان (الثاني) القانوني. على الرغم من كثرة رحلات الشيخ حسين وتعوده السفر، يبدو أن دوافع القيام بالرحلة هذه لم تكن الترحال والنزهة، وبالتالي فإننا لا نستطيع تصنيفه وفق المصطلح الحديث (بالانتوغرافي). ولكننا نرى في هذه المرحلة مادة ثرية بالمعلومات والقائمة على المشاهدة الحية، والملاحظة والوصف بالمعاينة المباشرة لبعض العلاقات والأحوال الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وعن طبائع الجماعات التي مر بها في طريقه إلى إيران مشيراً إلى التغيرات الحضارية عند هؤلاء الأقوام. ولا شك أن هذا يشكل جوهر العمل الإنتوغرافي. إلى جانب ذلك، فإن الأهمية الأكبر لهذه المخطوطة تبرز من خلال القيمة أو القيم الأدبية التي زخرت بها، خصوصاً لجهة مخاطبة الطالب لأستاذه، والذي حرص على انتقاء الكلمة والعبارة وعززها بالشعر الوجداني. مظهراً مدى الالتزام الأدبي والروحي تجاهه، مستمدا ذلك من الالتزام المبدئي والعقائدي الذي يشكل الجامع المشترك للقيم التي يؤمنون بها، فوق المواطنية التي تتحلى في الحنين الصادق الذي يظهره علامتنا الشيخ حسين لوطنه ومرتع الصبا والشباب والعشرة بوجه عام وتجاه الشهيد الثاني بوجه خاص.. إن هذه المخطوطة توضح عدة إشكاليات في التاريخ العاملي، خصوصاً في حقبة الشهيد الثاني، وما بعد العلامة الكركي، وكلاهما يمثلان الامتداد والتواصل لمشروع الشهيد الأول محمد بن مكي الجزيني العاملي.. إلى ذلك يمكن أن تفتح هذه المخطوطة طريقاً لتوضيح علاقة الشهيد الثاني وتلاميذه بالدولة الصفوية، الآخذة بالتشيع حديثاً.. وعلى الأخص أنه غير معروف حتى الساعة أن الشيخ حسين كان قد سافر إلى إيران قبل سفره أو هجرته النهائية بعد استشهاد الشهيد الثاني حيث كان عمر ابنه بهاء الدين العاملي لا يتجاوز سبع سنوات، ومن المعروف أن في هذه الهجرة تقلد الشيخ حسين عدة مناصب منها شيخ الإسلام في عهد السلطان طهماسسب الصفوي... في الحقيقة أن هذه الحقبة من تاريخ جبل عامل لا زال يكتنفها الكثير من الغموض، وهي بحاجة لعمل جاد يقوم به البعض على المستوى الفردي، ولكن الجدير ذكره هو أن هناك مجموعة من العلماء المحققين في إيران وعلى رأسهم العلامة المحقق واللغوي البارز العالم الباحث الشيخ رضا مختاري وكذلك المحقق الشيخ محمد الحسون اللذان حققا العديد من الكتب والمخطوطات للشهيدين الأول والثاني والعلامة الكركي، وهم جادون لإنجاز كل تراث هؤلاء العلماء العظام.. وبالعودة إلى المخطوطة التي تثبت مفاصل مهمة في مشروع الشهيد الثاني ومنها، أن خاصة تلاميذه وملازميه، الذين منهم الشيخ حسين قد بدأوا الهجرة القصرية خارج جبل عامل، وعلى وجه الخصوص إلى العراق وإيران، ويبدو من نصوص المخطوطة أن هذه الهجرة كانت بإيعاز منه بعد أن شدد عليه الأعداء، وأخذ بالتخفي منهم ما بين بلدته جبع وجزين (منطقة وعرة) خصوصاً بعد العام 956هـ. فهذا الشيخ حسين يكتب رسالته (المخطوطة) هذه، نزولا عند رغبة أستاذه الذي (عهد إلي وأكد عليّ، أن أكتب إليه بما يتم لي في سفري). لم يذكر الشيخ حسين في رسالته (المخطوطة) هذه أي تاريخ، لكننا من خلال اطلاعنا على المصادر والمراجع ثبت لنا أنه كان في العراق قبل توجهه منه إلى إيران بقوله: (لقد أقمنا بالعراق برهة، لولا فراقك كانت أعجب من الخيال..) وهذا الكلام يؤكد أن الشيخ حسين لم يعد إلى جبل عامل بعد هجرته هذه، حيث يبدو انه أقام بالعراق فترة تقارب الأربع سنوات عمل بها بالتدريس كما تدل إجازته لأحد تلامذته مؤرخة بالعام 958هـ. هذا وتؤكد المصادر والمراجع أيضاً أن الشيخ حسين ترك العراق متوجهاً إلى إيران في العام 960 هـ والمصدران الرئيسان اللذان يؤكدان هذا التاريخ هما: أن الشيخ بهاء الدين العاملي – ابن الشيخ حسين – ولد في بعلبك في 17 ذي الحجة 953هـ، وأنه كان عمره سبع سنوات عندما جاء به والده إلى إيران (953+7= 960).. والأمر الثاني هو أن الشيخ حسين بقي في إيران مدة 23 سنة حتى 983هـ وهي بالتفصيل: ثلاثة في أصفهان وسبعة في قزوين وخمسة في مشهد وثمانية في هيرات (983 – 23=960) وهذا ما يثبت عكس ما ذكره أكثر المؤرخين بأن الشيخ حسين سافر إلى إيران مباشرة من جبل عامل، بل الحقيقة أنه هاجر إلى العراق (لما قدر ذو الجلال والإكرام، انتزاحي من بلاد الشام... ولقد أقمنا بالعراق برهة...) ومنها هاجر إلى إيران – حيث يصف طريقه إلى أصفهان – المخطوطة – ولكن الجدير ذكره أن الشيخ حسين بقي على اتصال مباشر مع أستاذه الشهيد الثاني – الذي آثر البقاء في جبل عامل.. – بالمراسلة كما تبين هذه الرسالة المخطوطة... التي نتقطف منها. على أنه قد يتأسى الرجل الكريم بقصة موسى الكليم، فإنه لما جاوز طور الأنام، وحاول طور الكلام، استسقى أمطار الرحمة، فاستقى أطمار الحرمة، وذهب لقبس من نار فوجد نورا، ومضى يطلب شهاباً للأولاد فرجع من الأنبياء الأمجاد. قد يتخيل ذو فكر رد ردي، وقلب صد صدي، قد نيط بحب الدنيا لبابه، امتلى من شهواتها لهابه، وقيض الحسد على جنانه، فبسط بالغيبة بذئ لسانه. أني إنما خرجت من حكم الطغام، إلا طمعاً في الطعام، ونزحت عن الأئمة العظام، إلا حبا لتجريد العظام، ولم يعلم بالحقيقة أن نظره على عكسه، حيث أن المرء مرآة نفسه، فما فيها يبدو من فيه، والجلد لا ينضح إلا مما فيه. إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم وعادا (ى) محبيه بأوهام نفسه فأصبح في بحر من الشك مظلم أتراه غفل عن قول ذوي الفضل، ليس من شرعة العقل سرعة العذل، أم ذهل عن قول القوم: رب ملوم لا ذنب له ولا يم أحق باللوم. لك الويل لا تذعر وليا لبغضه لعل له عذرا وأنت تلوم وقد يوضح عن أمره وأمري، رب سامع بخيري لم يسمع بعذري، مع أنه قد قيل: إذا كان لك من التقوى لباس فما عليك من الأقوال بأس وليس الفتى من تحمل الضيم نفسه ويألف للاسقاط نصب الأنامل أرى الموت أحلى مورداً فيه ذلة ورفع عدّو خافض في الأراذل على أن وجوب الهجرة من بلاد الجور التي لا يتمكن فيها من إظهار شعائر الإيمان قوتي متلقى بالقبول، ووجوب التحرّث عن الضرر المظنون فضلاً عن الحامل واجب عند ذوي العقول، وأي ضرر أدهى من منع العلم عن أهله، وإنما لنا في مثل هذا الزمان ما خلقنا لأجله، بل أي داء أدوى من اشتغال الحدس، يتوجه تطرق الخوف على النفس، والشح، ذراء الله عنه شر ذراء أعلم بمواقع الأقدار، وقوارع الليل والنهار، فهو أعلى من أن ينبه من سنة، أو يدل على سنه، فمن أراد أن يزيده تبصيراً، ويخبره بما لا يكن به خبيرا، كان كمن أهدى إلى الأرض هدوا، وأسمى إلى السماء سموا، وإن هذه نفثة مصدور، جوابا لسؤال مقدر أو مذكور. وكيف أرضى بالأعداء أصحاباً وبالتراب أتراباً أأرض بسكن منزل لم أجد به سوى زاهد او جاهل في الفضائل البس ثوب الهون فيه اذانبا بفضل وكم من منزل في الفضاء لي هذا مع أني ولله المنة فوق ما تعهده مني. إن فكرت فجواهر العقود، أو تكلمت فمعقود العنقود. فمن يك دأبه لعبا ولهوا فدرس العلم والأدب وأبي ولا طبعي عن الإيجاز جاز ولا نابي عن الأطناب نابي ولا أصبو إلى لهو وإني إلى جَدٍ كطعم الصّاب صابي ومبذول لذي الآمال مالي ومفتوح لذي الألباب بابي. نقلاً عن جريدة السفير |