القى سماحة أية الله السيد محمد رضا الشيرازي
محاضرته الاخلاقية التوجيهية الاسبوعية بعنوان مشكلة الزواج وذلك في
بيت الامام المرجع الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي وذلك بتاريخ
التاريخ: 26 ربيع الاول 1424 وهنا نورد مقتطفات من المحاضرة الصوتية
بتصرف..
بسم الله الرحمن الرحيم
- الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على
محمد وآله الطيبين الطاهرين..
هناك مشكلة ابُتليت بها البشرية في شرق الدنيا
وغربها وشمالها وجنوبها، والإبتلاء بهذه المشكلة عمّ البلاد الفقيرة
والغنية والبلاد المتأخرة والمتقدمة منها وهي مشكلة الزواج، وهذه
العبارة (مشكلة الزواج) تحتوي على كلمتين ولكنها تستبطن في داخلها
مجموعة من المشاكل المعقدة الدينية والأخلاقية والاقتصادية والنفسية
والجسدية. فهذه المشكلة أصبحت عالمية ففي بلد إسلامي عدد سكانه حوالي
(60 أو 70) مليون نسمة هناك إحصائيات تقول أن (4) ملايين امرأة قد
فاتها قطار الزواج بمعنى أن أعمارهن تجاوز الـ(45) سنة، فأية أزمات
نفسية تعرض على هؤلاء النسوة وكيف يعشن وأية اضطرابات يخالجهن؟ لأن
المرأة طبيعياً تحتاج إلى حماية الرجل وأنسه وعطفه في تحقيق آمالها
وتلبية حاجاتها في الذرية الصالحة التي تكون امتداداً لها بعد الحياة
وتستغفر وتدعوا لها. كما أن الذين لا يتزوجون يبتلون بمختلف الأمراض
النفسية، حيث أثبتت الأبحاث العلمية حول العلاقات الاجتماعية أن الذي
يعيش في شبكة من العلاقات الاجتماعية نفسيته تكون سليمة وسوية من ناحية
علم النفس أما الفرد الذي يعيش لوحده بدون أولاد وزوجة ولا علاقات مع
الآخرين يكون هذا الشخص مريض عادة من الناحية النفسية، وفي الأحاديث
أيضاً (استكثروا من الأخلاء فإنهم ينفعونكم في الدنيا والآخرة).
- من الناحية الجسمية الكبت يضرّ في جسم الإنسان
ويسبب له أمراضاً خطيرة، أما الاطلاق الذي هو الموقف المضاد من الزواج
أيضاً يؤثر في جميع النواحي خصوصاً الأخلاقية كما تنبأ الملائكة بذلك
في قوله تعالى: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) وهذان المعلمان
ظاهران كما نلاحظ تاريخ البشرية، إفساد وسفك دماء.
ويتجلّى أكثر هذه المفاسد الاجتماعية في هذا
العهد عهد الانفتاح بحيث أن الإنسان لا يملك ابنه أو ابنته، ففي
الحقيقة هذه العبارة تحتوي في داخلها مجموعة ضخمة من المشاكل.
والبحث فيها يكون حول موضوعين: الأول جذور هذه
المشكلة، الثاني المساهمة في حل هذه المشكلة.
- أما الموضوع الأول: جذور هذه المشكلة كيف نشأت؟
هنالك ثلاثة جذور:
(الجذر الأول) القوانين الكابتة للحريات في
مقابل قوانين الإسلام الذي أطلق الحريات بما لم يشهد تاريخ البشرية
نظيراً له.
1- قانون أطلقه الإسلام قبل (1400) عام (الأرض
لله ولمن عمرها) فالدولة لا تملك أرضاً بل الأرض مباحة لكل الناس يفعل
بها ما يشاء يزرعها ويعمّرها ويصلحها أيَّ مقدار يأخذ مباح له بشرط أن
لا يعتدي على حقوق الآخرين وبه يحل مشكلة السكن التي تكمن في غلاء
الأسعار وارتفاع الأجور.
نشر ثقافة الزواج وتشويق العزاب على الزواج بذكر فوائده
الكثيرة، وهو عمل مبارك حيث يروى أن ثلاثة يستظلون بظل عرش
الله يوم لا ظل إلا ظله واحد منهم رجل زوّج أخاه المسلم. |
|
2- قانون الحريات كما في قوله تعالى (يضع
عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) فالناس أحرار فيما يعملون
بدون أي مانع أو رادع وأحرار في إقامتهم وسفرهم إلى أي مكان يريدون
فلا حدود جغرافية كالتي تفرضها القوانين الوضعية الظالمة. |
3- منابع الثروة للجميع: فالثروات الباطنية من
النفط والغاز والمعادن والأشجار والمحصولات الزراعية والثروات الموجودة
في البحار من الأسماك واللئالئ لجميع الناس، فللشخص أن يستفيد منها بأي
مقدار يريد ويستخرج ما يريد وجميع الأعمال الشرعية مباحة إلا ما خرج
بالدليل أو كان فيه اعتداء على حقوق الآخرين، أما القوانين الوضعية
أخذت بقوام المجتمع وقيدت أيديهم وأرجلهم فوضع لكل شيء قيد للكمية
والكيفية في السكن والعمل وبقية النشاطات، وبهذه القوانين الجائرة
بلادنا هي الأكثر ابتلاءً من غيرها إذ نرى في الغرب قد بدأوا في إزاحة
العقبات والحواجز بينهم بتوحيد العملة ورفع الحدود والتجارة المشتركة
أما نحن فغارقون في أوحال التخلف والجهل.
(الجذر الثاني) الأغلال الاجتماعية – والقيد
مرّة يُفرض من الخارج ومرة من الداخل والثاني هو الأصعب لأن القيد
الخارجي له أمد وبانتهاء هذا الأمد ينتهي ذلك القيد أما القيد إذا كان
من الداخل كالإنسان المستعبد من داخله متى له أن يتحرر وهذه الأغلال
الاجتماعية تزداد تعقيداً كل يوم.
- ونبي الإسلام (ص) حطم الأغلال الاجتماعية
ويذكر أن هذه من دلائل نبوته (ص) في قوله تعالى: (يضع عنهم إصرهم
والأغلال التي كانت عليهم) جاء وبكل شجاعة حطم هذه الأغلال في كل مناحي
الحياة ففي الزواج القضية المذكورة في القرآن: أن النبي (ص) كان له عبد
قد تبناه وهذا العبد كان له زوجة طلقها وهو زيد بن الحارثة فأتى النبي
(ص) وتزوجها وهذا العمل في العرف الاجتماعي قبيح كيف برجل من سادة قومه
ووجهائهم يتزوج بمطلقة عبده لكنها جرأة النبي العظيم (ص) حيث يقول
تعالى: (فلما قضى زيد منها وطراً زوّجناكها لكيلا يكون على المؤمنين
حرج) هذه اللفظة دقيقة (حرج) صحيح أن العمل عقلائي وفيه مصلحة لكن هناك
حرج باطني من كلام الناس لكن النبي (ص) حطم هذه السنَّة الاجتماعية
الخاطئة بعمله الجريء.
ومن العلل الخاطئة في الزمن الماضي أن الرجل أو
المرأة إذا مات زوجته أو زوجها يجب عليه أن يبقى مدة سنة بلا زواج
حداداً على وفاته أو وفاتها أو تبقى طيلة حياتها بلا زواج، لكن هذه
ليست من أخلاق الأوصياء والنبيين فأمير المؤمنين (ع) تزوّج بعد وفاة
الصديقة الكبرى (ع) بتسع ليال كما في التواريخ وأنها عليها السلام
أوصته بذلك، فهذه الأغلال مصطنعة وهذه الثقافات الاجتماعية ناتجة عن
جهل المجتمع فيجب أن تغيّر.
(الجذر الثالث) العقد النفسية، كالتشاؤم من رقم
(13) عند الغربيين ومن نعيق الغراب عند العرب ولكن في الواقع ليس لهذه
التي يسمونها الطيرة واقعية خارجية بل واقعيتها نفسية إن هونتها تهونت
وإن شددتها شددت وإن جعلتها لا شيء كانت لا شيء فالحياة واحدة ويجب
التعامل مع الحياة ببساطة وبلا تكلف كما في الحديث الشريف (إنا معاشر
الأنبياء براءة من التكلف) لا يوجد تكلف في الحياة في ملبسها ومسكنها
ولا في أي أمر منها فلا داعي لخلق مشاكل وحجج لكل صغيرة وكبيرة كأن
نقول: ماذا نأكل؟ ماذا نلبس؟ أين ننام؟ على أي شيء ننام؟ أين نطالع مع
هذه الضجة؟ فقضية الزواج ابتليت بالتعقيد والشروط وهذا غير الأغلال
الاجتماعية والتكلفات التي لا مبرر لها، الرجل يجب أن يكون من أي قومية
أو من الأقرباء أو من العشيرة فهذه القوانين اصطنعناها وتورطنا بها،
الآن يوجد بلد إسلامي عدد سكانه (60) مليون نسمة و (15) مليون شاب
وشابة في هذا البلد غير متزوج أي ربع السكان وهذه مشكلة حقيقية. وكلنا
قرأنا أن النبي (ص) كيف أنه (ص) زوج ابنته فاطمة (ع) بمهر قدره (30)
درهم أو (500) درهم ووجه الجمع ذكره السيد الشيرازي(قدس سره) في كتبه
أن الدراهم كانت مختلفة كما هو الآن الدرهم الكويتي والإماراتي
والعراقي..
ونحن الآن نحتاج في بلداننا إلى ألوف اللجان حيث تملأ كل لجنة
جانباً من الفراغ الحاصل في المجتمع، ومنها لجان الزواج التي
يوجد بعضها في المنطقة الشرقية حيث تبنت لجان التزويج بتزويج
(100) شخص في ليلة واحدة، وهذا يخفض التكاليف إلى مقدار كبير. |
|
فيجب أن تحيى سنة النبي (ص) وأن نشوق الناس
على هذا لتحل مشاكل الزواج حيث قضية الزواج كانت سهلة جداً في عهده
(ص).
يذكر أنه جاء رجل إلى النبي (ص) وقال أريد
أن أتزوج هذه المرأة وما عندي شيء فلم يمهله (ص) ونظر إلى يده فرأى
خاتماً قال هل هذا الخاتم لك قال: نعم قال: تزوجها على هذا الخاتم |
وأيضاً زوج امرأة أخرى بمهر هو تعليمها بعض
الآيات من القرآن الكريم.
وأيضاً علمائنا الكرام أخذوا قضية الزواج ببساطة
متناهية تأسياً بالنبي (ص) فالسيد عبد الهادي الشيرازي (رحمه الله)
المرجع المعروف عندما تزوج يُنقل أنهم كانوا يسكنون في بيت واحد مع
الأقرباء.. الفرق ما بين قبل الزواج وما بعد الزواج أنهم خاطوا لهذه
المرأة ثوباً جديداً واحداً وانتقلت هذه المرأة من غرفة في هذا البيت
إلى غرفة ثانية حيث كان في القديم في بيت واحد يعيش عشرة عوائل كل
عائلة في غرفة.
ولكن في هذه الايام تزداد التعقيدات حيث لا
يستطيع الأخ أن يسكن مع أخيه.
(الموضوع الثاني) الحل لمشكلة الزواج يكون
بشيئين:
1- نشر ثقافة الزواج وتشويق العزاب على الزواج
بذكر فوائده الكثيرة، وهو عمل مبارك حيث يروى أن ثلاثة يستظلون بظل عرش
الله يوم لا ظل إلا ظله واحد منهم رجل زوّج أخاه المسلم.
2- بتشكيل اللجان: لجان في كل بُعد من أبعاد
الحياة، ففي تاريخنا عندنا ما يسمى بالأوقاف كما في أوقاف مشهد حيث كان
كل واقف يفكر في سد ثغرة في أي جانب من جوانب الحياة..
ونحن الآن نحتاج في بلداننا إلى ألوف اللجان حيث
تملأ كل لجنة جانباً من الفراغ الحاصل في المجتمع، ومنها لجان الزواج
التي يوجد بعضها في المنطقة الشرقية حيث تبنت لجان التزويج بتزويج
(100) شخص في ليلة واحدة، وهذا يخفض التكاليف إلى مقدار كبير.
ومنها لجان القرض للمحتاجين، وفي الإسلام أن
ثواب القرض أكثر من ثواب الصدقة، وتنهض لجان الإقراض هذه نتيجة بأعباء
المجتمع وتحفظ الشباب من ان يكنوا طعمة للشرق والغرب عبر بعض البرامج
التي تحاول إفساد الشباب.. فعلى المؤمنين الإسراع إلى إنقاذ أنفسهم
وعائلاتهم. والآن في بلد إسلامي عدد سكانه (25) مليون نسمة تعاقد الغرب
على أن يورد إلى هذا البلد مليون من الأطباق اللاقطة التي تجعل العائلة
بجميع أفرادها متأثرة بثقافة الغرب وتحت هيمنتها.
تحرير النص بتصرف: شبكة النبأ
المعلوماتية |