الإمام جعفر الصادق (ع) مشروع حضاري شامل

 

الإمام الصادق (عليه السلام) و نهضة الأمة العلمية

الدكتور السيد أحمد راسم النفيس

المتابع لحالة الأمة الإسلامية و أزمتها الراهنة يمكنه أن يستنتج بوضوح أنها أزمة متعددة الجوانب يلعب فيها البعد المعرفي كما البعد الأخلاقي دورا رئيسيا في صناعتها بل و تعقيد خيوطها.

فمنذ أن نحي نهج الإمامة عن قيادة سفينة الأمة نحو الرشد و السداد أصبح التلفيق الأخلاقي و العلمي و توأمه اللصيق الاستبداد السياسي هما الساقان العرجاوان اللذان تتوكأ عليهما الأمة الإسلامية في مسيرتها المتخبطة وسط الأمم (و لو أن أهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض و لكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) فكان أن سبقتنا الدنيا بينما نحن جالسون أمام شجرة المر التي زرعناها بأيدينا و ما زلنا نسقيها سائلين الله عز و جل (!!) أن تنزل علينا المن و السلوى.

و هكذا فقد نحي النهج العلمي الاستقرائي عن قراءة واقع الأمة و تحليل أسباب انحدارها التاريخي و تخلفها عن سائر الأمم ليحل مكانه ذلك المنهج التلفيقي التبريري الذي يخلط بين السبب و النتيجة و يضع العربة أمام الحصان فيتجاهل تارة الأسباب و يلفقها تارة أخرى ليتفادى الصدام مع العواطف الزائفة التي صنعتها أجهزة الإعلام الأموية حتى يأتي الزمان بيومهم الذي يوعدون.

قبل فترة من الوقت تحدثت عما يسمونه بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم لا من قبيل إنكار وجود هذا الإعجاز الإلهي الموجود في كل شيء فما بالك بكتاب الله (إلهي عرفت باختلاف الآثار و تنقلات الأطوار أن مرادك مني أن تتعرف إلي في كل شيء حتى لا أجهلك في شيء) و طرحت الأسئلة التالية:

كيف يمكن لأمة أن تتحدث عن العلم و الإعجاز العلمي من خلال النتائج بينما هي تتجاهل العلم و العقل في المقدمات لا بل و تطأه بالأقدام؟؟.

كيف يمكن لأمة أن تباهي بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم من خلال مقارنته بنتائج علمية مستوردة و يبقى حالها شاهدا على عجزها عن اقتحام مجال الإنتاج و الابتكار العلمي؟؟.

كيف يمكن لنا أن نصدق أن كل هذا الاحتفاء (بالإعجاز العلمي) في القرآن الكريم يخفي وراءه نزعة علمية تقدمية بينما يكشف واقع الحال عن تجاهل تام لرعاية البحث العلمي و عدم وجود أي رغبة صادقة للإنفاق عليه بينما هو يشكل العصب الحقيقي لتقدم الأمة الإسلامية و هذا هو النقيض المطلق لواقع الأمم المتقدمة؟؟.

من هنا فلا بد من تحديد الغاية من ربط العلم بالدين حتى لا يصبح النص الديني مجرد أداة لامتطاء الدنيا كما وصف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع (مستخدمي آلة الدين للدنيا) من خلال الدعاية لشخص أو جماعة أو اتجاه مذهبي يريد أن يبسط سطوته على عموم المسلمين بل الواجب يحتم علينا أن نوجه المعرفة الدينية لنفع أمة لا إله إلا الله (فأما الزبد فيذهب جفاءا و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

إن تحديد الهدف يساعدنا على مواصلة الطريق الذي رسمه لنا أئمتنا و كما يقول الإمام علي عليه السلام (يا جابر قوام الدين و الدنيا بأربع: عالم يستخدم علمه و جاهل لا يستنكف أن يتعلم و غني لا يبخل بمعروفه و فقير لا يبيع آخرته بدنياه فإذا كتم العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم و إذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه) إذا فالواجب الشرعي يحتم علينا إقامة الدين بالدنيا و هو ما لا يمكن تحقيقه من دون دعامتي العلم و المال العلم بكافة أشكاله و صوره و ليس العلم الديني فقط.

و هكذا و بالرجوع إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام للاسترشاد بنورهم نرى أن تعاليمهم تشكل قاعدة راسخة لا بد من البناء عليها من أجل تحقيق هذا الهدف.

الإمام علي عليه السلام يضع القاعدة لانطلاقة العلم و العلماء:

يقول الإمام علي بن أبي طالب (يَا كُمَيْل بْن زِيَاد، إِنَّ هذهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ، فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا، فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ:
النَّاسُ ثَلاَثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاة، وَهَمَجٌ رَعَاعٌ، أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِق، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيح، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَؤُوا إِلَى رُكْن وَثِيق.
يَا كُمَيْلُ، الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ: الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ المَالَ، وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الإنْفَاقِ، وَصَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ.
يَا كُمَيْل بْن زِيَاد، مَعْرِفَةُ الَعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ، بِهِ يَكْسِبُ الإنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ، وَجَمِيلَ الاُْحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ، وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ.
 يَا كُمَيْل بْن زِياد، هَلَكَ خُزَّانُ الأمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالْعَُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ: أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ،أَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ.
هَا إِنَّ ها هُنَا لَعِلْماً جَمّاً (وَأَشَارَ إِلى صَدره) لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً! بَلَى أَصَبْتُ لَقِناً غَيْرَ مَأْمُون عَلَيْهِ، مُسْتَعْمِلاً آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا، وَمُسْتَظْهِراً بِنِعَمَ اللهِ عَلَى عِبادِهِ، وَبِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ، لاَ بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ، يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لأوَّلِ عَارِض مِنْ شُبْهَة. أَلاَ لاَ ذَا وَلاَ ذَاكَ! أَوْ مَنْهُوماً بِالَّلذَّةِ، سَلِسَ الْقِيَادِ للشَّهْوَةِ، أَوْ مُغْرَماً بِالْجَمْعِ وَالاِْدِّخَارِ، لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شَيْء، أَقْرَبُ شَيْء شَبَهاً بِهِمَا الأنَعَامُ السَّائِمَةُ! كَذلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ. اللَّهُمَّ بَلَى! لاَ تَخْلُو الأرْضُ مِنْ قَائِم لله بِحُجَّة، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، أوْ خَائِفاً مَغْمُوراً، لِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ.
 وَكَمْ ذَا وَأَيْنَ أُولئِكَ؟ أُولئِكَ ـ وَاللَّهِ ـ الأقَلُّونَ عَدَداً، وَ الاَْعْظَمُونَ قَدْراً، يَحْفَظُ اللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ، حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ، وَاسْتَلاَنُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ، وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَان أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْـمَحَلِّ الأَْعْلَى، أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ!).

إذا فقد وضع الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام القواعد الجامعة لنهضة الأمة العلمية محذرا من سقوط الجماهير فريسة لأربعة نماذج علمائية بالغة السوء و الرداءة:

النموذج الأول (طالب رئاسة و شهرة): إنهم تجار الدين من الذين طلبوا الدنيا بعمل الآخرة خاصة من عشاق الزعامة و الرياسة و حب الظهور الذين يلبسون جلود الضأن و قلوبهم قلوب الذئاب (لقنا غير مأمون مستعملا آلة الدين للدنيا.....) إنهم ليسوا حكرا على اتجاه دون اتجاه أو مذهب دون مذهب إنهم في كل مكان.

النموذج الثاني (ساقته المقادير): شخص إمعة منقاد لحملة الحق من دون رؤية و لا بصيرة و لا يقين و هو صنف بالغ الضرر و الخطورة لافتقاده القدرة الذاتية للتمسك بالحق و الثبات عليه فكيف به و قد صار أميرا للركب؟؟ (ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة.....).

أما النموذج الثالث (حيوان في صورة إنسان): فهو طالب الملذات و الشهوات فالعلم و الدين عنده طريق لطلب الدنيا و شهواتها لا للرفعة و الرقي و السمو.

و أخيرا (قارون الدين): يأتي عشاق المال و الجمع و الادخار في ذيل القائمة.

ثم يرسم عليه السلام صورة صناع نهضة الأمة و بناة مجدها العلمي و الحضاري و السياسي خلفاء الله في أرضه و الدعاة إلى دينه ممن تعلقت أرواحهم بالملأ الأعلى فاستلانوا ما استوعره المترفون و أنسوا بما استوحش منه الجاهلون و ممن هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة و باشروا روح اليقين فطريق العلم بذل و كدح و سهر و جهاد إنهم إذا العلماء الربانيون الذين تحتاجهم أمتنا في كل حين.

ثم ينتقل الحديث من الجانب التكويني إلى منهجية العلم و المعرفة و أهمية تكوين العلماء الواعين الفاهمين القادرين على الابتكار لا أولئك الببغائيون الذين ابتليت بهم أمتنا ممن أشرنا لهم في بداية البحث لأن التقدم العلمي مرهون بعلم الدراية لا علم الرواية فناقل العلم ليس بعالم و خبر واحد تدريه خير من ألف خبر ترويه و هذا معنى قوله (عليه السلام): اعْقِلُوا الْخَبَرَ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ رِعَايَة لاَ عَقْلَ رِوَايَة، فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ و هو الأسلوب الذي كفل للعالم غير الإسلامي الرقي و التقدم و التطور ذلك الأسلوب الذي يعتمد على الاستغراق في موضوع التخصص و استيعابه ثم الانطلاق من هذا الاستيعاب نحو الابتكار و سد الثغرات و تلبية الحاجات أما نحن فلا زال الطابع الفردي التسلطي و الرغبة الجامحة لدى البعض في الاستحواذ على كل ما يمكن الاستيلاء و الهيمنة عليه هو القاعدة و القانون موقنين أن سلم الترقي و المجد يمر عبر آذان الجماهير و إمطارها بسيل الأحاديث و الروايات التي ينقض بعضها بعضا ضاربين عرض الحائط بالدراية و أيضا بالرواية و هو حالنا في كافة المجالات وصولا إلى كرة القدم لأن شعارنا الدائم أن الانتصار على الأعداء المحليين هو الأهم و لا صوت يعلو على صوت المعركة!!!.

الإمام الصادق عليه السلام يتسلم مهمة إدامة النهضة العلمية للأمة الإسلامية:

تلك الأمة السجينة في أيدي الجهلاء من (الذين بدلوا نعمة الله كفرا و أحلوا قومهم دار البوار) و التي وضعها الخالق عز و جل أمانة بين أيدي أئمة الحق من آل محمد فوجب عليهم تعهدها بالعناية و الرعاية و إمدادها بأسباب النمو و البقاء بالرغم من وقوعها في أسر الطغاة و الجبارين تماما كما يفعل أهل الأسرى و المرتهنين في واقع الأمة القديم و المعاصر انتظارا ليوم الخلاص.

تلك العلاقة بين الأمة و الأئمة التي عجز البعض عن فهمها و اعتبرها (زهدا في السياسة!!) بينما يقول الواقع أنها مثلت و لا تزال تمثل منهجا رساليا ممتدا يهدف للحفاظ على وجود الأمة الإسلامية و قوتها حتى نهاية التاريخ.

فالإمام علي تلك القمة الشامخة واجه مرحلة ما بعد نهاية (الجاهلية الأولى أو الجاهلية الشاملة) التي وصفها ربنا عز و جل بقوله (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياتنا و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) تلك الجاهلية التي استعادت بعض مواقعها في حروبها المضادة ضد إمام الحق من آل محمد و لكنها فقدت البعض الآخر.

ثم جاءت مرحلة الصادق عليه السلام مع نهاية القرن الهجري الأول حيث بدأت الأمة الإسلامية في الاحتكاك المعرفي بباقي الأمم و بدأت حاجات الدولة الإسلامية في النمو و التطور و لم يكن أمام الطغاة و المستبدين من خيار سوى إفساح المجال أمام الإمام لأداء دور ريادي أقله في المجال العلمي على طريقة مكرها أخاك لا بطل و ما أشبه الليلة بالبارحة.

الأمر الآخر هو أن الإمام الصادق عليه السلام وجد بعض التلاميذ ممن يمكنهم تلقي هذه العلوم و بثها في الآفاق على عكس الإمام علي عليه السلام المحاصر بالحروب و الهجمات من كل ناحية و اتجاه و لكن يبقى أن الإمام الصادق كما الإمام علي كانا حريصين على تأكيد الركائز الثلاث للتقدم العلمي للأمة الإسلامية:

غائية العلم و المعرفة و ارتباطها بتحقيق العبودية لله وحده و ابتغاء مرضاته.

التزام القواعد الأخلاقية الحاكمة لأداء العلماء الربانيين.

المنهجية العلمية المعرفية الموصلة و المنتجة للعلم الصحيح.

و كما أسلفنا فإن المنهجية السياسية و الإعلامية الأموية ثم العباسية القائمة على التزييف و الخداع و تسكين الناس بالأكاذيب و الدعاية الزائفة مثلت و لا تزال تمثل الخطر الأكبر على وجود الأمة ثم على نهضتها و تقدمها.

1- الغاية من وراء طلب العلم:

عن أبي عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: طلب العلم فريضة . وفي حديث آخر قال: قال أبو عبد الله عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله طلب العلم فريضة على كل مسلم ألا وإن الله يحب بغاة العلم .

عن على بن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : تفقهوا في الدين فإنه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي إن الله يقول [في كتابه]: " ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " .

عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وآله المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجل فقال : ما هذا ؟ فقيل : علامة فقال : وما العلامة ؟ فقالوا له : أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيام الجاهلية ، و الأشعار العربية ، قال : فقال النبي صلى الله عليه وآله: ذاك علم لا يضر من جهله ، ولا ينفع من علمه ، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله : إنما العلم ثلاثة: آية محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سنة قائمة وما خلاهن فهو فضل.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين.

عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال : الكمال كل الكمال التفقه في الدين ، والصبر على النائبة و تقدير المعيشة.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : العلماء أمناء ، و الأتقياء حصون ، و الأوصياء سادة . وفي رواية أخرى : العلماء منار ، و الأتقياء حصون ، و الأوصياء سادة.

عن بشير الدهان قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لا خير فيمن لا يتفقه من أصحابنا يا بشير ! إن الرجل منكم إذا لم يستغن بفقهه احتاج إليهم فإذا احتاج إليهم أدخلوه في باب ضلالتهم وهو لا يعلم .

عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن آبائه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا خير في العيش إلا لرجلين عالم مطاع ، أو مستمع واع .

عن معاوية بن عمار قال : قلت لأبى عبد الله عليه السلام : رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس و يشدده في قلوبهم و قلوب شيعتكم و لعل عابدا من شيعتكم ليست له هذه الرواية أيهما أفضل ؟ قال: الراوية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد .

عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : من علم خيرا فله مثل أجر من عمل به ، قلت : فان علمه غيره يجري ذلك له؟ قال : إن علمه الناس كلهم جرى له ، قلت : فإن مات ؟ قال : وإن مات.

إن هذه النصوص الواردة عن أبي عبد الله عليه السلام تكشف عن طبيعة العلم المقصود بالسعي إلى تحصيله و نقله للناس إنه ليس علما قاصرا بحال على علوم الدين و الأحكام و الحلال و الحرام و إن كانت هذه العلوم هي قاعدة البناء الأخلاقي التي تنتج علما لا يحارب به الله و رسوله و لا ينشر الفساد في الأرض (و لا تبغ الفساد في الأرض) (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا) و إذا كان الصادق عليه السلام يحض على تحصيل العلم الديني حتى لا يسقط أتباع أهل البيت عليهم السلام فريسة للمخالفين في المذهب لأن (الرجل منكم إذا لم يستغن بفقهه احتاج إليهم فإذا احتاج إليهم أدخلوه في باب ضلالتهم وهو لا يعلم) و إذا كان هذا واردا في مجال العلوم الدينية و الفقهية فما بالك بالعلوم التكنولوجية و الطب و الهندسة و صناعة السلاح فكيف للأمة الإسلامية أن تستغني عن غيرها من الأمم المعادية أو أن تحافظ على استقلالها و هي معتمدة عليهم في أساسيات الحياة و ضرورات البقاء بل و الحفاظ على الدين فماذا يبقى من الدين إذا!.

2- الضوابط الأخلاقية التي يتعين على العلماء الالتزام بها:

عن معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم و الوقار ، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم ، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم.

عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز و جل : " إنما يخشى الله من عباده العلماء " قال : يعني بالعلماء من صدق فعله قوله ، ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: يا طالب العلم ! إن للعالم ثلاث علامات : العلم والحلم والصمت و للمتكلف ثلاث علامات: ينازع من فرقه بالمعصية ، ويظلم من دونه بالغلبة ويظاهر الظلمة.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح.

عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يحدث عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في كلام له : العلماء رجلان: رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناج وعالم تارك لعلمه فهذا هالك ، وإن أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه ، وإن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله فاستجاب له و قبل منه فأطاع الله فأدخله الله الجنة وأدخل الداعي النار بتركه علمه واتباعه الهوى وطول الأمل، أما اتباع الهوى فيصد عن الحق وطول الأمل ينسي الآخرة.

عن سليم بن قيس قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله: منهومان لا يشبعان طالب دنيا وطالب علم فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل الله له سلم ، ومن تناولها من غير حلها هلك ، إلا أن يتوب أو يراجع ، ومن أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا ، ومن أراد به الدنيا فهي حظه.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب ومن أراد به خير الآخرة أعطاه الله خير الدنيا والآخرة.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا رأيتم العالم محبا لدنياه فاتهموه على دينكم ، فإن كل محب لشيء يحوط ما أحب وقال صلى الله عليه وآله : أوحى الله إلى داود عليه السلام : لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدك عن طريق محبتي ، فإن أولئك قطاع طريق عبادي المريدين إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي عن قلوبهم.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول الله: وما

دخولهم في الدنيا ؟ قال: اتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم.

عن أبي جعفر عليه السلام قال : من طلب العلم ليباهي به العلماء ،

أو يماري به السفهاء ، أو يصرف به وجوه الناس إليه ، فليتبوأ مقعده من النار ، إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال : يا حفص يغفر للجاهل سبعون

ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد.

عن جميل بن دراج قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إذا بلغت النفس ههنا - وأشار بيده إلى حلقه - لم يكن للعالم توبة ، ثم قرأ : "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة".

عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز و جل: " فكبكبوا فيها هم والغاوون " قال : هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثم خالفوه إلى غيره.

علي بن إبراهيم رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال : طلبة العلم ثلاثة فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم : صنف يطلبه للجهل والمراء ، وصنف يطلبه للاستطالة و الختل ، وصنف يطلبه للفقه والعقل ، فصاحب الجهل والمراء مؤذ ممار متعرض للمقال في أندية الرجال بتذاكر العلم وصفة الحلم ، قد تسربل بالخشوع وتخلى من الورع فدق الله من هذا خيشومه ، وقطع منه حيزومه وصاحب الاستطالة و الختل ذو خب و ملق و يستطيل على مثله من أشباهه ، ويتواضع للأغنياء ، من دونه فهو لحلوائهم هاضم، ولدينه حاطم ، فأعمى الله على هذا خبره وقطع من آثار العلماء أثره وصاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر ، قد تحنك في برنسه وقام الليل في حندسه ، يعمل ويخشى وجلا داعيا مشفقا ، مقبلا على شأنه عارفا بأهل زمانه ، مستوحشا من أوثق إخوانه ، فشد الله من هذا أركانه ، وأعطاه يوم القيامة أمانه.

منهجية العلم و العلماء:

عن طلحة بن زيد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن رواة الكتاب كثير ، وإن رعاته قليل ، وكم من مستنصح للحديث مستغش للكتاب ، فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية و الجهال يحزنهم حفظ الرواية ، فراع يرعى حياته ، وراع يرعى هلكته ، فعند ذلك اختلف الراعيان ، و تغاير الفريقان .

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه ؟ من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم يؤمنهم من عذاب الله ، ولم يرخص لهم في معاصي الله ، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره ، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم ، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر ، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكر ، وفي رواية أخرى : ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم ، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر ، ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها ، ألا لا خير في نسك لا ورع فيه .

عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : إن من علامات الفقه الحلم والصمت.

الإمام عليه السلام يحدد الضوابط الأخلاقية العلمية:

لم يقصر الإمام الصادق عليه السلام في توجيه تلاميذه من العلماء لالتزام الضوابط الأخلاقية في ممارسة العلم سواء ما ذكرناه في الروايات السابقة أو ما سنورده في الرسالة التالية و هو ما يسميه العلم المعاصر (Scientific Ethics)حيث يوصي جابر بن حيان في رسالة له (و اتخذ لك تلاميذ يا جابر يحملون علمك و يعون من كتبك على يديك ما تقصر الكتب عن نقله إليهم فعلمك يا جابر علم ممارسة قبل أن يكون علم كتب و اختبر من يتعلم على يديك يا جابر مثلما تفعل مع المواد و العناصر فالناس معادن و لا أحد من الزراع يغرس نبته في صخرة و لا حيث لا تجد النبتة الماء و اعلم يا جابر أن العلم ليس ثمرة رجل واحد و لا لعالم وحيد فلا تبق في الكوفة فتأسن مثل ماء يفسده طول الركود العلم يا جابر كحبوب اللقاح تحملها الرياح في كل فج فترحّل في طلب العلم و لقاء العلماء و ابتعد عن السلطان يا جابر ما وسعك الجهد و احذر أن يسخر أحد علمك في الشر أو تيسر لهم سبل تسخيره في كتبك فارمز إلى ما تريده في الكيمياء يا جابر و لا تفصح حتى لا يفهم عنك إلا عالم و لا يعرف سر الصنعة إلا خاصة العلماء و بسر على العلماء طريق الفهم و التحصيل و لا تدع اللغة تقودك قدها أنت و لا تدع المعارف تغمرك بطوفانها فضع كلا منها في موضعه

و اعلم يا جابر أنك ستجد من يسيء العمل بالعلم مثلما تجد من يسيء العمل بالدين فدعك منه فهو مسئول أمام الناس في الدنيا و أمام الله في الآخرة).

(جابر بن حيان- سليمان فياض- مركز الأهرام للترجمة و النشر).

الإمام الصادق في مجال التطبيق و العمل:

قلنا من قبل أن الصادق عليه السلام وجد فرصة ملائمة لبث المعرفة الحقيقية النافعة لأمة لا إله إلا الله بل و للبشرية جمعاء سواء كان ذلك في مجال الفقه الديني أو العلم الدنيوي من خلال تلاميذه المتحلقين حوله و هو ما لم يكن متاحا للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي طالما شكا إلى الله من معشر يعيشون جهالا و يموتون ضلالا و كما قال مرارا (كيل بلا ثمن لا أجد له حملة) و هو ما عبر عنه المستشار عبد الحليم الجندي في كتابه القيم عن الإمام الصادق بقوله (أتيحت للإمام الصادق حقبة طويلة للتعليم يتلقاه و يلقيه فلم يحبس مثلما حبس الكثيرون غيره من أهل البيت أو يقتل كما قتل غيره بهذا أتيح للإمام في مجلسه العلمي و اقتداره الذي يسلم به الجميع أن يرسي قواعد منهج علمي ما زال يعبر القرون باعتباره فتحا من الفتوح التي فتحها الله على البشر و فحوى المنهج أن العلم مشاهدة و نزاهة فكرية في استخلاص النتائج لا يقبل الله سواها من عالم أو متعلم) ص256.

(و المنهج شامل حينما يُسأل الإمام عن قوله تعالى (و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا فيقول "الحكمة هي المعرفة و التفقه في الدين" و لما جمع للحكمة المعرفة و التفقه في الدين كان يعلم الناس أن الفقه وحده ليس الحكمة إنما هو درجة منه) ص62.

(و ربما كان الكلام المنقول عن جابر بن حيان أوضح كلام في الدلالة على المنهج التجريبي الذي تعلمه في مجلس الإمام أو من كتب الإمام حيث يخاطبه في مقدمة كتاب الأحجار بقوله "وحق سيدي، لولا أن هذه الكتب باسم سيدي صلوات الله عليه لما وصلت إلى حرف من ذلك إلى الأبد". ويقول جابر في كتابه الخواص عن طريقته "اتعب أولا تعبا واحدا، واعلم ثم أكمل، فإنك لا تصل أولا ثم تصل إلى ما تريد". ويقول أيضا: "من كان دربا مجربا، كان عالما حقا، ومن لم يكن دربا لم يكن عالما، وحسبك بالدربة في جميع الصنائع، لأن الصانع الدرب يحذق و غير الدرب يعطل". ويقول جابر "عملته بيدي وبعقلي وبحثته حتى صح وامتحنته فما كذب" و في هذا المقام يقول أستاذ الفلسفة الإسلامية الراحل الدكتور زكي نجيب محمود " فلو شئت تلخيصا للمنهج الديكارتي كله لم تجد خيرا من هذا النص الذي أسلفناه عن جابر.ص 270.

إذا فالمدرسة العلمية للإمام الصادق عليه السلام تركز على أهمية العلم و التدريب و التجارب العلمية و الصبر على التجربة و الاستفادة من الإخفاقات الأولى لتصحيح المسار و اختبار النظريات في أرض الواقع فالواقع العملي هو البرهان الساطع على صحة النظرية من عدمها و كلما اتسعت رقعة الاختبارات العلمية العملية التي هي الأساس الراسخ لصحة أي فرضية كلما ازدادت صوابية النتائج التي يخلص إليها الباحثون سواء كان هذا في مجال البحث العلمي أو حتى الإنساني.

نماذج من الفقه الطبي لأبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام:

عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن نبيا من الأنبياء مرض فقال : لا أتداوي حتى يكون الذي أمرضني هو الذي يشفيني ، فأوحى الله عز و جل لا أشفيك حتى تتداوى فإن الشفاء مني والدواء مني ، فجعل يتداوى فأتى الشفاء.

قال موسى بن عمران يا رب من أين الداء قال مني قال فالشفاء قال مني قال فما يصنع عبادك بالمعالج قال يطيب أو يطبب أنفسهم فيومئذ سمي المعالج الطبيب.

عن أبي عبد الله لا يتداوى المسلم حتى يغلب مرضه صحته.

عن أبي عبد الله سأله رجل عن الجٌبن قال داء لا دواء له فلما كان في العشي دخل الرجل على أبي عبد الله فنظر إلى الجٌبن على الخوان فقال جعلت فداك سألتك عن الجبن بالغداة فقلت لي إنه الداء الذي لا دواء له و الساعة أراه على الخوان فقال ع هو ضار بالغداة نافع بالعشي و يزيد في ماء الظهر.

عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ليست الحمية من الشيء تركه إنما الحمية من الشيء الإقلال منه.

تعقيب لازم

تبرز هذه النماذج من طب الإمام الصادق عليه السلام بعضا من كنوز الحكمة الربانية فالحمية ليست الامتناع نهائيا عن تناول نوع من الطعام فالأطباء يوصون مثلا بتقليل تناول ملح الطعام في بعض الأمراض و ليس الامتناع النهائي عنه لحاجة الجسم و لو كان عليلا لكمية محددة من هذا العنصر و كذا السكريات لدى المصابين بمرض السكر و الدهون للمصابين بأمراض القلب و ارتفاع ضغط الدم.

و من ناحية أخرى فإن حديث الإمام الصادق عليه السلام عن اختلاف تأثير الطعام و من ثم اختلاف تأثير الدواء باختلاف وقت تعاطيه يشير إلى ما أصبح معلوما من وجود (الساعة البيولوجية) داخل الجسم الإنساني و تباين مستوى الهرمونات و ربما مستوى بعض الأملاح باختلاف ساعات اليوم ما بين الصباح و المساء و النوم و اليقظة.

كما تبرز هذه الوصايا أهمية عدم الإفراط في استخدام الدواء و إعطاء المناعة الطبيعية مهلة كافية لتفعل فعلها و تؤدي دورها فكثير من الأمراض يمكن أن يتحقق الشفاء منها من دون استخدام الأدوية و العقاقير التي قلما خلت من الآثار الجانبية للدواء تلك الآثار التي تتراكم مع تكرار استخدام بعض الأصناف من الأدوية.

العلاج بالقرآن الكريم

تختلف نظرة المسلم إلى أحداث الكون عن نظرة غير المؤمنين إليه فالمؤمن يرى أن كل ما يجري في هذا الكون يتم بإرادة الله عز و جل و قدرته و تدبيره و من ثم فإن الاستفادة من الوسائل و الأسباب التي ندبنا الله عز و جل للاستفادة منها و تسخيرها لخدمة البشرية و تحقيق النفع لها لا يتناقض مع اللجوء إلى الله عز و جل و الاستغاثة به طلبا للنجاة من نوائب الدنيا و مصائب الآخرة و لهذا نرى أئمة أهل البيت عليهم السلام يوجهون للتداوي بآيات القرآن الكريم كلمات الله التامة و ما تحويه من كنوز و أسرار إذ لا تناقض بين اللجوء إلى الله مسبب الأسباب و بين تسخير هذه الأسباب.

روي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال : لو قرأت " الحمد " على ميت سبعين مرة ثم رددت فيه الروح ما كان عجبا .

عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : من قرأ سورة الصافات في كل يوم جمعة لم يزل محفوظا من كل آفة ، مدفوعا عنه كل بلية في حياة الدنيا ، مرزوقا في الدنيا بأوسع ما يكون من الرزق ولم يصبه الله في ماله ولا ولده ولا بدنه بسوء من شيطان رجيم ولا من جبار عنيد . وفي رواية تقرأ للشرف والجاه والعز في الدنيا و الآخرة .

وعنه ( عليه السلام ) قال : من قرأ سورة الزمر في يومه أو ليلته أعطاه الله شرف الدنيا و الآخرة وأعزه بلا عشيرة ولا مال .

ومن قرأ سورة الطور جمع الله عز و جل له خير الدنيا والآخرة .

ومن قرأ سورة الواقعة في كل ليلة جمعة أحبه الله وحببه إلى الناس أجمعين ولم ير في الدنيا بؤسا أبدا ولا فقرا ولا فاقة ولا آفة من آفات الدنيا وهي في أمير المؤمنين وأولاده عليهم السلام . ومن قرأ سورة الحديد والمجادلة في صلاة فريضة وأدمنها لم ير في أهله وبدنه وماله سوء ولا خصاصة.

و أخيرا نختتم بحثنا بتلك الكلمات الجامعة التي قالها إمام الحق علي بن أبي طالب عليه السلام:

كُلُّ وِعَاء يَضِيقُ بِمَا جُعِلَ فِيهِ إِلاَّ وِعَاءَ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ يَتَّسِعُ.
أَوْضَعُ الْعِلْمِ مَا وُقِفَ عَلَى اللِّسَانِ، وَأَرْفَعُهُ مَا ظَهَرَ فِي الْجَوَارِحِ وَالأَرْكَانِ.

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

أستاذ الباطنة و السكر و الغدد الصماء

كلية الطب جامعة المنصورة

12-5-2003