جمع مذكر سالم

 

شبكة النبأ: كثيرة التسميات والصفات التي تجمع على صورة (جمع المذكر السالم)، وهو جمع في العربية يكون باضافة الواو والنون في حالة الرفع، والياء والنون في حالة النصب..

مثل (عاملون – معلمون – فاسدون – اميون) الى آخره من المفردات والاسماء.. وقد اشتد حضور هذا الجمع المبارك (المذكر السالم) بعد العام 2003 في العراق على حساب جمع المؤنث السالم، وهو الذي يضم تحت جناحه جميع ما يؤنث..

جمع المذكر السالم اشتكى منه جمع المؤنث في فترة مجلس الحكم الانتقالي عند محاولة الغاء قانون الاحوال الشخصية للعام 1959 والشكوى المستمرة لهذا الجمع الرقيق من محاولات التهميش والعنف والاختطاف والاغتصاب، وزاد الطين بلة بعد ظهور جمع مذكر جديد هو (الداعشيون) ومنهم من يجمعه على جمع التكسير الذي لم يكسر حدة اجرامهم حتى الان.

ظهرت مفردات واسماء كثيرة في لغة الخطاب السياسي مثل، (الصداميون – غاب الاب وتيتم الابناء)، (البعثيون – وهم على قسمين: من تلطخت ايديهم بدماء العراقيين، والذين اكرهوا على الانضمام الى حزب البعث) اين نضع كتّاب التقارير ضد جيرانهم واقاربهم؟، (الارهابيون – وتنسب اليهم جميع اعمال العنف)، (التكفيريون – وينسب اليهم فتنة الاقتتال الطائفي) ، (المجاهدون – تسمية ملطفة للقائمين على اعمال العنف عند هيئة علماء المسلمين وجيوش محمد وعمر وصلاح الدين)، (المقاومون، مثل قبلها لكن عند الطرف المقابل)، (الممهدون – تسمية لمن يهيئون للظهور بعد سكوت قعقعة السلاح)، (الخارجون على القانون – تسمية الحكومة العراقية لحملة السلاح بوجهها)، (السلفيون – اتجاهات ومدارس شتى)، (الفاسدون – تسمية من تطاردهم الدوغما الاعلامية – نسمع عجيجا ولانرى طحنا)، (السجناء السياسيون – هيئة مستقلة تم انشاؤها لمتابعة احوال من زار اقبية سجون الصداميين والبعثيين، وكان يفترض اضافة جمع المؤنث السالم – سجينات – لتحقيق المساواة)، (المهجرون والنازحون – من اخرجوا أو خرجوا من ديارهم خوفا من القتل على ايدي (الصداميين والبعثيين والتكفيريين والارهابيين والمجاهدين والمقاومين والخارجين على القانون).

ثم ظهرت تسميات اخرى لهذا الجمع المبارك، وكنا كثيرا مانراها مواسم الانتخابات على اللافتات الانتخابية للمرشحين والتي تعلق على الحواجز الكونكريتية والاعمدة وجدران المباني، في الطرقات المقطعة اوصالها، والتي لازال قسم كبير منها معلقا حتى بعد انتهاء الانتخابات والتي تفضح مخالفاتهم الانتخابية.

ظهرت هذه اللافتات متوسلة بهذا الجمع لاستمالة عقول الناخبين طمعا في اصواتهم مثل: (جامعيون – في زمن ينحدر فيه التعليم العالي العراقي)، (اصلاحيون – تسمية من يريدون اصلاح ما افسده الدهر قبل اصلاح انفسهم)، (مستقلون – تسمية من يقبضون الاموال الطاهرة من تحت الطاولات)، (عراقيون – تسمية تشير الى الهوية وهم اهل البلد تفريقا عمن ليسوا من اهله)، (مدنيون – ليست على الضد من (عسكريون) بل على الضد من (اسلاميون)، (وطنيون – تسمية تضم جميع التسميات السابقة لكنها باصوات مرتفعة).

كثر الحديث في الاونة الاخيرة حول عودة البعثيين، وتسابق الكثيرون اقوالا وافعالا وتبرير، للتحضير لهذه العودة، (الكثيرون من المشمولين بالمساءلة والعدالة مظلومين وأجبروا على الانضمام الى حزب البعث حفاظاً على حياتهم وعوائلهم ونحن نتفهم ذلك الموقف ولا نمانع من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي).

واجترحت المخيلة السياسية العراقية تفريقا دلاليا للتسمية، فهم بعثيون لاصداميون، وهم اخوة لمعارضة الامس، الذين يقيمون في دول ترسل جميع اصناف القتلة الى العراق بمباركة القائمين على استضافتهم..

التعديلات الجديدة على قانون هيئة المساءلة والعدالة تقضي باعفاء البعثيين من اعضاء الفرق والشعب من اجراءاتها السابقة، ومن ذلك السماح لهؤلاء الاعضاء بممارسة حياتهم الطبيعية في المؤسسات الحكومية من دون قيد أو شرط.

لنفترض جدلا ان التفريق صحيح، فهل من يعود قد تخلى عن مرجعيته البعثية السابقة، ثقافة وسلوكا طبع النفوس والعقول طيلة اكثر من ثلاثة عقود؟ وهو من المستحيلات الثلاثة. وهل قرأ من اجترح هذا التفريق مراجعة فكرية او اخلاقية لهؤلاء الذين يراد لهم العودة للمشاركة في نظام سياسي يبيتون الثأر له؟

لاتوجد مثل هذه المراجعة، كتابا مطبوعا او مواقع الكترونية او بيانات اعتذار، ام ان هذه الدعوة للعودة جاءت نتيجة ضغط اقليمي ودولي؟ والضغوط كما نعلم قائمة ومستمرة.. ام انها نتيجة وعي سياسي؟ لكن الوعي غائب عن الكثير من المفردات والممارسات. ام انها انتباهة اثارتها كلمات اوباما ان الشيعة فشلوا في استغلال الفرصة التي اتيحت لهم؟

تعديل قانون المساءلة والعدالة وعودة البعثيين الى ممارسة حياتهم الطبيعية،  عنوان ملتبس لحالة هي موجودة اصلا في الكثير من مفاصل الحكومة بشقيها التشريعي والتنفيذي، لكنها الكعكة الدسمة التي يتم تحضيرها ويجب تقاسمها من قبل الجميع، ظالمين ومظلومين، قاتلين ومقتولين، سجانين ومسجونين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/كانون الأول/2014 - 16/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م