تبرئة مبارك وخروج "الدولة العميقة من قفص الاتهام"

 

شبكة النبأ: التساؤلات ما زالت حائرة على ألسن عوائل الشهداء ممن فقد أباه وأخاه وصديقه وقريبه خلال احداث الانتفاضة الجماهيرية على نظام حكم مبارك في عام 2011، من الذي قتل المتظاهرين في الشوارع وأمر بدهسهم بالسيارات المسرعة واطلق صوبهم الرصاص، عندما يكون رئيس النظام بريئاً من تهمة القتل؟!

الشعوب في كل بلادنا الطامحة نحو التغيير الشامل والتخلص من براثن الديكتاتورية والتخلف والحرمان، تتصور انها بانتفاضتها وقلبها نظام الحكم والاطاحة برئيس النظام، قد أنجزت ما يشبه المعجزة، وربما تكون محقّة جداً في ذلك، عندما تصل الأعمارالسياسية  لبعض القادة المنقرضين من ضحايا "الربيع العربي"، الى اربعين سنة او خمسة وثلاثين سنة، بمعنى جيل واكثر. بيد ان وجود حقائق خلف الستار تصيب هذا الجمهور المنتفض بصدمة عنيفة، عندما يجد أنه لم يغير سوى الوجوه والرؤوس، فيما بقي جسم النظام الفاسد تحت الارض، غير مرئي، وبعد فترة من الزمن يدفع برأس جديد الى السطح، وهو ما يصطلح عليه بـ "الدول العميقة"، وهي كما يعرفها الخبراء بانها تتشكل من تحالفات قوى اقتصادية وعسكرية ومخابراتية الى جانب الاعلام لتحقيق مصالح متشركة، أما العقيدة المحركة لها، فهي "نظرية المؤامرة" والاستهداف الدائم بما يسهل عملية تعبئة الناس وإحكام السيطرة عليهم، ثم تسييرهم في الوجهة التي يريدون. وحسب المصادر فان هذا النمط من الحكم بدأ أول مرة في تركيا في بدايات عهدها بالعلمانية، ثم انتقلت التجربة الى مصر، وحسب الخبراء فان عمره يعود الى تاريخ "ثورة يوليو 1952" عندما تأسس للمرة الاولى أول نظام حكم على قاعدة عسكرية- مخابراتية، بعد طيّ التجربة الديمقراطية.

فيما كان الشعب المصري يغمره الفرح بالانتصار على الديكتاتورية العسكرية والدخول في رحاب الديمقراطية وتجربة حق تقرير المصير لأول مرة بمساعدة احزاب وجماعات سياسية خبرها لفترة طويلة، وسمع مدعاها بالإصلاح والتغيير نحو الأحسن، بيد ان الى جانب هذه الفرحة، كان ثمة قلق مريع من ايتام "الدولة العميقة"، من أن تتهدد المصالح الكبيرة والواسعة في جميع مرافق الدولة، لاسيما في ميدان التجارة والاقتصاد، بيد الذي طمأنهم عدم نضج التجربة الديمقراطية التي قدمها الاخوان المسلمون، وتخبطهم في مستنقع التطرف الطائفي واستغلال التيار السلفي العنيف والدموي.

ان المعروف أن "الدولة العميقة" لا تنسجم ابداً مع الديمقراطية والمشاركة الواعية للجماهير. إنما هدفها التأثير في الشارع العام من خلال تحريك عناصر مخربة في الساحة لإحداث اعمال شغب او صنع حدث معين من شأنه تغيير مسار الاحداث او تغيير المواقف، كما تحرك وسائل الاعلام لخلق صور وهمية عن هواجس ومخاوف تدفع الناس للقبول بالامر الواقع وتسلب منهم ارادة التغيير والتفكير بالبحث عن البديل، عندما يكونوا مهددين بلقمة عيشهم وحتى من قبل الارهاب والتكفير والتطرف الديني وغير ذلك.

وبذلك فان المصريين لم يلمسوا منذ تاريخ 25 كانون الثاني 2011، حيث تمت الاطاحة بالرئيس مبارك، وحتى اليوم، أي تحرك نحو البناء الاقتصادي والسياسي، فبقيت الطبقة المهمشة والفقيرة على حالها، حيث أن 40 % من سكان مصر تحت خط الفقر، وثلث السكان يسكن في مساكن عشوائية بائسة، في حين أن هناك القصور والمنتجعات التي ربما لا يسكنها أحد، نظرًا لامتلاك الشخص أكثر من مسكن، ووجود عدد هائل يقدره البعض بمئات الألوف يتقاضون رواتب تزيد أحيانًاعلى المليون جنيه شهريًا!

وربما يجد المراقبون في صعود الفريق عبد الفتاح السيسي الى الواجهة واكتسابه كل هذه المحبوبية والجماهيرية، في نجاح "الدولة العميقة" في حركتها التغييرية الخاصة بها، حيث أجرت عملية تحسين للوجوه لديها، فهي سمحت بإزاحة مبارك عن السلطة، مقابل وجود ضمانات على مصالح أرباب المصانع والشركات التجاربة الضخمة والمشاريع الاقتصادية الكبرى في البلد، فهذا الضابط الذي استبدل بزته العسكرية ببدلة أنيقة، سلط الضوء على اسقاطات التجربة الاخوانية، حيث الفوضى السياسية والاستئثار بالسلطة وممارسة الاقصاء والتهميش. فتحدث عن خدمة المواطن والعمل على تلبية حاجاته الاساسية، لكن هذا كان بثمن السكوت عن الجرائم المريعة التي ارتكبها عناصر هذه الدولة الخفية.

لكن السؤال هنا؛ عن التوقيت الذي دفع ارباب هذه الدولة لاستعادة هيبة العسكر امام الجماهير مهما كان الثمن؟ علماً ان الرئيس مبارك واركان حكمه الضالعين في الجرائم بحق الشعب المصري، قضوا فترة طويلة في قفص الاتهام.

بعض المراقبين والمتابعين الذين يجدون ثمة علاقة بين الاوضاع الداخلية لمصر والخارطة الجديدة التي هي بطور التشكّل في المنطقة، يرون أن حسم أمر الرئيس المخلوع واركان حكمه قبل التقدم في المسار القضائي ومتابعة الملف المليئ بالجرائم والاختلاسات، من شأنه ان يحكم الربط بين الواجهة  السياسية الموجودة واركان الدولة العميقة في مصر، على امل ان تجد مصر في ظل هذا النمط من النظام، مكانتها الاقتصادية والسياسية في المنطقة، بعد غياب طويل لمصر عن التحركات السياسية والامنية لمحاور اساس ومؤثرة في المنطقة، وهي المحور التركي – السعودي، والمحور الايراني – السوري- العراقي، الى جانب المحور الاميركي – الاسرائيلي. بمعنى أن أي تقدم او تطور في الوضع المصري سيكون على يد هذا النمط من النظام السياسي وليس كما كان يتوقع ويطمح الشعب المصري.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/كانون الأول/2014 - 14/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م