هل يمتلك اردوغان ما يُدين به العالم

لماذا التكريم إذن؟

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى

 

قد يتبادر الى أذهان البعض بأن اتخاذ موقف ما، يتناول الضرر الكبير الذي لحق الإنسان في المنطقة، هو (هذيان عاطفي ليس الا) في عالم تحكمه المصالح. أن اعتقادا كهذا هو خلط للاوراق وتزييف لمفهوم (المصالح). لأن الدفاع عن المصلحة محكوماً هو الآخر بشروط ومنبعثُ أصلا عن عاطفة صادقة تجاه (كيان معنوي أو مادي) يتجاوز الذات، سواء كان الكيان اجتماعيا أو سياسيا أو دينيا أو ما شابه. وفقا لذلك فإن لغة المصالح ليس هي من يحكم عالم اليوم ولا يمكن توصيف ما يجري من تفريط في حقوق الانسان ومن غياب لأخلاقيات الحرب وشروطها، ومن تفريط تام في شرف الخصومة، الا بأننا نعيش عالما تحكمه (الأنانية) التي اتخذت أبعادا أخرى تجاوزت به حدود شخصية الفرد الحاكم، لتلقي بظلالها على الشخصية المعنوية للمساحة الجغرافية الذي يحكم.

 وهو ليس بالأمر الجديد تاريخيا، لكنه الأخطر على الاطلاق مقارنة بطبيعة العصر الحالي.. وليس من المنصف حصر السياسة الأنانية بطرف دون سواه، ألا أن اقتران السياسة الأردوغانية بالضرر المتحقق الذي لحق بغيرها هو أكثر وضوحاً من بقية الأطراف، أما الضرر المتوقع فهو بلا شك أعظم، ولا يُمكن تصوره إلا على أساس مقدار ما يمكن أن تحدثه الأسلحة الفتاكة اليوم من مساحة تدميرية في العالم عندما يستمر الصمت لحين اكتمال الأجواء المشحونة بالعداء التي يختفي فيها صوت العقل وتلفظ الحكمة أنفاسها الأخيرة.

لم يكن السيد أردوغان ومنذ البدء مكترثاً بما يُمكن أن تفصح عنه الأحداث من خيوط دالة على شخصية المتسبب بالعبث الحاصل في المنطقة، وقد تحوّل عدم الاكتراث هذا الى إعلان تدريجي عن العلاقة بالتنظيم الارهابي العابث في المنطقة عبر فعلِ دراماتيكي جرى مؤخراً على الحدود مع سوريا في مدينة كوباني (عين العرب)، للحد من التراجع الخطير لقدرة التنظيم الارهابي على الإحتفاظ بالمواقع التي استولى عليها مسبقا. تمثل ذلك في سماح السلطات التركية لتنظيم (اللاّ دولة) الارهابي بإستخدام الأراضي التركية والالتفاف حول خطوط المواجهة لتنفيذ عمليات "انغماسية"/ كما وصفتها داعش) في عمق المدينة، عبر تسريب انتحاريين يقلون سيارات مفخخة، وإحداث اشتباكات سريعة خاطفة في مواقع متعددة عبر مجاميع قتالية (لا يُستبعد تسللها مُسبقا بذات الطريقة) تهدف من جانب، الى اثارة القلق وخلخلة المعنويات القتالية للقوات الكردية المرابضة على خطوط المواجهة والمؤدي بالضرورة من جانب آخر، الى معالجة التدني الواضح لمعنويات أفراد التنظيم الارهابي في ميادين الاشتباك.

ورغم النفي المُتوقع سلفاً من سلطات الحزب الحاكم، الاّ أن وسائل الاعلام التركية ذكرت العكس عبر مصادر متعددة منهم شهود عيان أكدوا على أن مسار المركبات المفخخة بما فيها شاحنة أحدثت دمارا هائلا في المركز الطبي الحدودي كانت قد تجاوزت المعبر قادمة من الجانب التركي ومتجهة نحو الحدود السورية. وذهبت الصحافة التركية الى أبعد من تأكيد (مسار انطلاق المفخخات) في تصويرها الطريقة التي تعاطى بها الجيش التركي مع الموقف، عند نقلها عن شهود عيان.. إن القوات التركية المرابضة على الحدود «شوهدت تتراجع قليلا إلى الخلف إثر اندلاع الاشتباكات».

وفي قبال ذلك فما زال التدخل التركي المفضوح في ليبيا قائما على قدم وساق. وبشكل لم يسبقه اليه طرف آخر، فقد أجرى الممثل التركي الخاص في ليبيا (لقاءً علنيا) مع (الكيان الحكومي الموازي) في طرابلس هادفا لإضفاء الشرعية على أعمال التمرد والخروج عن القانون الذي يقوم به الاسلاميون المتطرفون هناك. ومثلما هي التبريرات السطحية المتناقضة التي تسوقها داعش لتبرير القتل، من مثل (الحمد لله الذي بعث محمد (ص) (بالسيف رحمة) للعالمين، على غرارها أعدّ الجانب التركي هذا اللقاء (دعما للسِلم في ليبيا)، وفي بيان له مؤخرا استنكر سعي الحكومة الليبية لفرض سلطة القانون (داعيا فيه الطرفين لتغليب لغة الحوار والتعاون مع جهود الأمم المتحدة) في محاولة منه لتسويق التجاوزات التركية الى الرأي العام بطريقة تصنفها في خانة الجهود التي تبذلها المنظمة الدولية، متجاهلا الاعتراف الدولي بالحكومة هناك ومشجعاً على استمرار تدفق الارهابيين الى ليبيا.. ولا شك بأن لقاءات سرية وقنوات اتصال قد سبقت هذا اللقاء العلني، وهو ما تؤكده اللقاءات السرية للقيادات الميدانية للإرهاب في مدينة درنة مع السفارة التركية، كما ذكرت ذلك (بوابة الوسط الليبية)، رغم مبايعة هذه القيادات لقائد تنظيم داعش عبر رسالة (تنصّل كبيرهم عنها بعد افتضاح أمر اتصاله بالسفارة التركية).

لم يبدو الرئيس التركي من قبل مستخفاّ بالقانون الدولي كما هو عليه اليوم في هذه السلوكيات المتدرجة تماديا في الفعل الارهابي، ومحاولة اظهار قدرته على توجيه هذا الفعل دون خشية. ويأتي ذلك في وقت يصادر حرية التظاهر عبر استخدام الوسائل القمعية ضد الشعب التركي وكما حصل في ديار بكر عندما طالبه المتظاهرون بالتوقف عن دعم الارهاب، ليقابلهم بالحرص الشديد على دعم وشرعنة التمرد في الدول الأخرى لخلق كيانات موازية للحكومات بقوة السلاح، فكما عمل على ذلك في العراق وسوريا يستمر به الحال ليكررها في ليبيا تمهيدا لطعن الخاصرة المصرية..

 الأمر الذي يستدعي الحذر ويحتم دوراً أكبر من الأطراف الدولية عبر ممارسة الضغوط التي تحد من السعي الاردوغاني لجر العالم نحو الهاوية. فالصمت الدولي عن هذه الجرائم لن يزيده الا ايغالا في ايذاء الشعوب من حوله، خاصة مع التوافد الأخير لبعض الدول والذي لا يُفهم منه الا تزكية للحزب التركي الحاكم، سواء من قبل العواصم (الاسلامية) التي وجهت له الدعوة أو القيصر (الذي دخل مستنقع الأنانية من أوسع الضفاف) حينما زار الامبراطور الأكبر في قصره المتواضع لرفع سقف التبادلات التجارية والتطرق (الانتقائي) للكوارث الناجمة عن السياسات الأنانية للإمبراطور التي ألحقت الدمار في شعوب المنطقة أجمع.

لا يختلف اثنان على ان الحزب التركي الحاكم يقتات على الأزمات في المنطقة والعالم، ويسعى لإدامتها والحصاد المستمر منها.. وهو ما يبدو جليا في أجوبة داود أوغلو على الانتقادات اللاذعة من قبل المعارضة والصحافة التركية التي تنطوي على اشارات واضحة حول النمو الاقتصادي في فترة استثنائية دون الاشارة لمصادر الدخل القومي الاضافية، حيث يشير الى ان تركيا قد وصلت القمة في زمنهم وسددت جميع ديون الصندوق الدولي المترتبة على بلاده في فترة وجيزة فضلا عن بناء الجسور والمطارات، متناسيا التجاوزات القانونية في قمع التظاهرات وتشييد قصر اردوغان (القصر الأبيض) دون تراخيص قانونية كما جاء في اعتراف وزير العدل التركي، وسياسات استعداء الآخر، عبر ما تسبب به من أضرار جسيمة لدول المنطقة.

وفي حقيقة الأمر أن المأمول من الأمم المتحدة ممارسة دور جدي ازاء ما يحدث، فالعالم لا يطيق هذه الحماقات التي تتخذ منحىً تصاعديا كلما امتد الصمت المُطبق حيالها، هذه السلوكيات التي يقف الاعلام التركي المتميز بمصداقيته في صدارة الرافضين لها إدراكا منه للتداعيات المستقبلية الخطيرة. فلا يمكن لهذا الاصرار الا أن ينتج عن كارثة عالمية وخاصة بعد التكريم الذي حظى به من قبل الرئيس الروسي عبر الزيارة التي لم تأت قطعا دون تحضيرات مسبقة تعكس السعي المسبق من قبل اردوغان لافتتاح مزاد علني يرسو فيه (الموقف التركي) على من يدفع أكثر، وخاصة بعد أن أثبت قدرته على التوجيه الميداني للإرهاب وتجاوز التحالف الدولي والاستخفاف بما تفرضه عضوية الهيئات الدولية التي تحظى بها بلاده عندما أقدم على ادخال المفخخات عن طريق المعابر التركية علنا في حركة تعكس التمرد على القانون الدولي والتشجيع عليه، ولن يجر في حال اتخاذ الأمم المتحدة دور المتفرج الا لتأزيم العلاقات الدولية وتعقيد المشهد العالمي في زمن يختلف فيه العالم كثيرا من حيث حجم ونوع الأسلحة الفتاكة عن الزمن الذي عبثت به أسلافه من العثمانيين والسلاجقة عندما قرروا إذلال الشعوب وإمتطاء الأمم.

..........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/كانون الأول/2014 - 14/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م