تبرئة مبارك... عودة الحرس القديم أم تلبية لمطالب عربية

 

شبكة النبأ: اثار قرار المحكمة المصرية الاخير بحق مبارك ونجليه استياءً كبيرا لدى الشارع المصري، وهو يقارن بين نتائج الثورة التي اسقطت نظاما بوليسيا حكم مصر لعقود من الزمن، وبين الاحكام التي من المفترض ان تعبر عن مشاعر المصريين الذين خرجوا بالملايين لتغيير ذلك النظام، ويرى محللون، ان الامر لا يخلوا من الضغوط الاقليمية لبعض الحكام العرب في حفظ ماء وجه مبارك، وابعاده عن حكم الاعدام او ان يقضي بقية حياته داخل السجون المصرية، فيما يرى اخرون انها نتيجة طبيعة لسيطرة الحرس القديم على حكم مصر (المؤسسة العسكرية)، والتي انتجت مبارك ومن سبقه، وان الحكم ببراءة الرئيس السابق وأعوانه عن تهم القتل او الفساد، كانت مسألة وقت ليس اكثر، وقارن الاخوان المسلمون (تعتبر الحكومة الحالية منظمة ارهابية)، بين براءة مبارك والاحكام التي اعتبروها قاسية بحق قيادات وانصار الاخوان المسلمين، بعد اسقاط نظام حكمهم (الذي استمر لعام واحد)، على يد الجيش، ورأت ان عودة المؤسسة ذاتها تجلى بصورة واضحة في هذه الاحكام الجديدة.

لا للعودة الى الوراء!

فيما اكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ان مصر "لا يمكن ان تعود ابدا للوراء"، وذلك بعد قرار المحكمة المثير للجدل بإسقاط تهم التآمر لقتل متظاهرين بحق سلفه حسني مبارك، وقال السيسي في بيان نشرته الرئاسة ان "مصر الجديدة التي تمخضت عن ثورتي 25 كانون الثاني/يناير (2011) و30 حزيران/يونيو (2013) ماضية في طريقها نحو تأسيس دولة ديموقراطية حديثة قائمة على العدل والحرية والمساواة ومحاربة الفساد"، واكد ان مصر "تتطلع نحو المستقبل ولا يمكن ان تعود ابدا للوراء"، وصدر بيان السيسي غداة صدور قرار عن محكمة مصرية اسقط تهم التآمر لقتل المتظاهرين ضد حسني مبارك وبرأه من تهم الفساد في اعادة محاكمته، وكان مبارك يحاكم على دوره في قمع التظاهرات الضخمة التي حصلت في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2011 وادت الى اطاحته بعد ثلاثين عاما في السلطة، وقتل خلالها اكثر من 846 شخصا.

وقال السيسي انه "لا يجوز التعقيب" على الاحكام القضائية عملا بالدستور المصري الذي "كفل للقضاء المصري استقلالية تامة"، وكلف الحكومة "بمراجعة الموقف بالنسبة لتعويضات ورعاية أسر شهداء ومصابي ثورة" 2011، كما اعلن "تكليف لجنة الإصلاح التشريعي بدراسة التعديلات التشريعية على قانون الإجراءات الجنائية" التي اوصت بها المحكمة التي مثل امامها مبارك والتي بررت قرار اسقاط التهم بحقه بوجود نقاط اجرائية غامضة في القانون، وبعد اعلان قرار المحكمة تجمع الف متظاهر قرب ميدان التحرير، مركز ثورة 2011 التي اسقطت مبارك، للتنديد به، ويتهم الناشطون والمدافعون عن حقوق الانسان بانتظام السيسي باقامة نظام اكثر تسلطا من نظام مبارك منذ توليه السلطة بعد اطاحة الرئيس الاسلامي محمد مرسي في تموز/يوليو 2013، ومنذ اطاحة مرسي قتل ما لا يقل عن 1400 من انصاره معظمهم من المتظاهرين فيما اعتقل اكثر من 15 الف شخص وحكم على مئات من انصار مرسي بالاعدام في محاكمات جماعية سريعة، كما تستهدف السلطة المعارضة العلمانية واليسارية وقد اعتقلت عشرات الناشطين الشبان بتهمة مخالفة قانون مثير للجدل يحد من الحق في التظاهر. بحسب فرانس برس.

فيما اندلعت احتجاجات في عدد من الجامعات المصرية للتنديد بحكم قضائي بعدم جواز نظر دعوى جنائية ضد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وهو الرئيس الذي أشعلت انتفاضة شعبية أزاحته من السلطة عام 2011 آمالا في انطلاق عهد جديد من الانفتاح السياسي، وتجمع مئات المتظاهرين في جامعة القاهرة ولوحوا بصور مبارك خلف القضبان وطالبوا "بإسقاط النظام" وهو الهتاف السائد في انتفاضات الربيع العربي التي أسقطت وأربكت حكومات من تونس إلى الخليج عام 2011، ووقفت قوات الشرطة في حالة تأهب عند بوابات الجامعة لمنع الطلاب من نقل مظاهراتهم إلى الشارع، وقضت محكمة جنايات القاهرة بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية ضد الرئيس الأسبق مبارك في إعادة محاكمته في قضية تتصل بقتل متظاهرين إبان انتفاضة 2011 التي أنهت حكمه الذي امتد لثلاثين عاما، واعتبر نشطاء الحكم مؤشرا أخيرا على ضياع الحقوق التي اكتسبت عقب الانتفاضة.

قتل المتظاهرين مستمر

وقتل شخصان وأصيب 13 على الأقل عندما أطلقت قوات الأمن عبوات الغاز المسيل للدموع والخرطوش لتفريق مئات المحتجين الذين حاولوا دخول ميدان التحرير بالقاهرة وهو المعقل الرمزي للانتفاضة ضد مبارك، وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية أن الأمن أغلق محطة مترو أنفاق قريبة في محاولة على ما يبدو لمنع مزيد من التجمعات في وسط المدينة، وقالت البوابة الالكترونية لصحيفة الأهرام الحكومية إن اشتباكات اندلعت بجامعة الزقازيق بدلتا النيل واعتقل 11 طالبا بعد إشعالهم النيران في مبنى، وتكررت تظاهرات مئات الطلاب في عدد من الجامعات، ووقعت اشتباكات بين طلاب جامعة الإسكندرية بشمال البلاد وأفراد شركة أمن خاصة عندما حاولوا إشعال الألعاب النارية داخل الجامعة، كما ألقي القبض على ثمانية طلاب بجامعة طنطا في الدلتا عندما اشتبك الطلاب مع أفراد الأمن الإداري للجامعة.

واعتقل تسعة طلاب بجامعة المنيا في صعيد مصر خلال مظاهرة منددة بالحكم، وشهدت جامعة كفر الشيخ مظاهرة رافضة للحكم لكن لم تقع مواجهات مع الأمن، وكثير من المصريين الذين عاصروا حكم مبارك قائد القوات الجوية سابقا يقولون إنه كان استبداديا واستشرى فيه الفساد والمحسوبية، وبعد الإطاحة به شهدت مصر أول انتخابات رئاسية حرة وفاز بها محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين لكن أطيح به العام الماضي إثر احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه، وفاز عبد الفتاح السيسي قائد الجيش السابق وقت عزل مرسي بالانتخابات الرئاسية التي أجريت في مايو أيار، وسجن مرسي بعد عزله وأعتقل الآلاف من أعضاء ومؤيدي جماعة الإخوان المسلمين وحكم بالإعدام على مئات منهم في محاكمات جماعية أثارت انتقادات دولية، وعلى النقيض أفرج عن رموز حكم مبارك وأثارت قوانين جديدة تحد من الحريات السياسية مخاوف بين النشطاء من عودة النظام القديم للحكم. بحسب رويترز.

وكتب على صفحة على الفيسبوك تدعو للتظاهر ضد الحكم عبارة "يسقط حسني مبارك، يسقط كل مبارك، يسقط حكم العسكر"، ورغم مظاهرات ومظاهرة وسط القاهرة فإن الاستجابة لدعوات التظاهر ضد الحكم تبدو محدودة للغاية ولا تقارن بمظاهرة شارك فيها عشرات الآلاف بميدان التحرير عندما صدر حكم على مبارك بالسجن المؤبد في نفس القضية في يونيو حزيران عام 2012 وما لبث أن طعن على الحكم وأعيدت محاكمته، وشهد المقر الرئيسي لجامعة الأزهر بالقاهرة حالة هدوء تام ولم يشهد أي مظاهرات ضد الحكم القضائي لقضية مبارك رغم أنها كانت معقلا رئيسيا للاحتجاجات والمصادمات العنيفة مع الأمن خلال العام الدراسي السابق بعد عزل مرسي، كذلك كان الحال في جامعة عين شمس القريبة التي وقف الباعة الجائلون حول أسوارها يبيعون أغطية الرأس والإكسسوارات للطالبات في هدوء وبلا خوف من اندلاع مواجهات بين الطلاب والأمن.

وقال عبد الرحمن حمادة الطالب في كلية طب الأسنان بجامعة الأزهر عن موقفه من الحكم "شايف أن الدنيا سودة، أول حاجة فكرت فيها اني أسافر بعد الكلية عشان كدة مفيش حاجة حصلت، لا ثورة يناير ولا غيرها، رجعنا لنقطة الصفر"، ومع رؤيته المتشائمة يرى أنه لا جدوى من التظاهر وقال "المظاهرات مش حل وخسائرها أكثر من فوائدها" مشيرا إلى الاعتقالات والإصابات والوفيات التي تقع بين صفوف الطلاب دون جدوى، وقال بلال محمد الطالب بكلية الصيدلة بجامعة الأزهر "السنة اللي فاتت أثرت على درجات الطلبة فكله انتبه لمصلحته والمظاهرات ليس لها تأثير"، وكان الضباط والجنود يجلسون في حالة استرخاء عند بوابات جامعة الأزهر باستثناء القوات التي كانت تقف بجوار ثلاث مدرعات تؤمن المبنى الإداري للجامعة حيث يقع مكتب رئيس الجامعة، وأثار الحكم في قضية مبارك أيضا طوفانا من التعليقات والرسوم الساخرة على الانترنت حول عودة الحرس القديم للساحة السياسية، وانتشر مقطع فيديو على الانترنت يحتوي على رسوم كارتونية لمجموعة من رموز مبارك وهم في زنزانة سجن مظلمة قبل أن يفرج عنهم واحدا تلو الآخر وينتهي الأمر باحتفالهم مع رئيسهم السابق على وقع أغنية تقول "يلا نرجع لمتنا".

وقالت لجنة لتقصي الحقائق شكلتها الحكومة في عام 2011 إن عدد القتلى خلال الانتفاضة يصل إلى نحو 850 قتيلا فضلا عن آلاف الجرحى على مستوى محافظات الجمهورية أغلبهم من المتظاهرين وبينهم عدد من رجال الشرطة وسجناء قتلوا خلال اقتحام عدد من السجون، وقال القاضي إن إجمالي عدد القتلى الذين تضمنتهم الأوراق الجنائية للقضية 239 في 11 محافظة من بينهم 36 قتلوا في الميادين العامة والبقية قتلوا أمام أٌقسام شرطة أو ممتلكات عامة، وحضر مبارك جلسة النطق بالحكم وكان يجلس على مقعد طبي متحرك وهو يرتدي نظارة شمسية وملابس السجن الزرقاء، ونفى في جلسة سابقة إصدار أي أوامر بقتل المتظاهرين وقال إنه مرتاح الضمير، وجميع المتهمين في قضية قتل المتظاهرين ببراءتهم ووصفوا الانتفاضة على مبارك بأنها كانت "مؤامرة" تورطت فيها عناصر خارجية، وقال مبارك في مداخلة تلفزيونية مع قناة صدى البلد الفضائية الخاصة بعد صدور الحكم "أنا لم ارتكب شيئا إطلاقا، لم ارتكب شيئا"، وأضاف "الحكم الأول (الصادر في 2012) سمعته ضحكت، الحكم الثاني كنت أنا منتظر يا كدة يا كدة (إدانة أو براءة)، مكانتش هتفرق معايا".

والحكم قابل للطعن أيضا أمام محكمة النقض التي ستقرر إما تأييده ليصبح حكما نهائيا أو إعادة المحاكمة مرة ثانية على أن تنظرها بنفسها وتصدر حكما نهائيا بشأنها، وقال بيان صادر عن مكتب النائب العام إنه كلف "المكتب الفني بإعداد دراسة قانونية متكاملة لأسباب الأحكام، للطعن فيهما بالنقض"، ويرتدي مبارك ملابس السجن بعدما عاقبته محكمة جنايات في مايو أيار الماضي بالسجن المشدد ثلاث سنوات بعد إدانته بالاستيلاء على أموال عامة خلال حكمه الذي امتد ثلاثة عقود، وحكم على نجليه جمال وعلاء بالسجن المشدد أربع سنوات في نفس القضية المتعلقة بالاستيلاء على جانب من أموال خصصت من المال العام للقصور الرئاسية، ويحتجز مبارك في مستشفى عسكري بالقاهرة نظرا لحالته الصحية، وعقب النطق بالحكم صاح أنصار مبارك هاتفين "يحيا العدل" وقام نجلاه بتقبيله وبدا عليه علامات السرور.

وخارج المحكمة كان يتجمع نحو 200 شخص من أنصاره ويحملون صوره ويرقصون على إيقاع أغاني وطنية تنطلق من مكبرات صوت، وفور الحكم رددوا هتافات من بينها "عاش القضاء المصري" و"تحيا مصر"، وقال أحدهم ويدعى محمد فاضل "مبارك هو أشرف من حكم مصر وكنا واثقين في براءته"، وعلى الجانب المقابل انتابت مشاعر الغضب نحو 50 من أهالي القتلى الذين حضروا المحاكمة، وفصلت قوات الأمن بين الجانبين لمنع وقوع مشاحنات، وقال عثمان الحفناوي أحد المحامين عن أهالي القتلى "الحكم غير مرض لأهالي الشهداء أو لثوار 25 يناير"، وكان يشير لتاريخ انطلاق الانتفاضة التي استمرت لمدة 18 يوما عام 2011، وقال والد الشاب أحمد خليفة الذي قتل أثناء الانتفاضة على مبارك "وقع الحكم علينا كوقع الرصاص، أنا بعتبر أن ابني مات اليوم."

محاكمة الاخوان المسلمين

في سياق ذي صلة حكم قاض مصري بالسجن ثلاث سنوات على محمد بديع مرشد جماعة الإخوان المسلمين المحظورة و25 آخرين بينهم قيادات كبيرة بالجماعة بتهمة "إهانة" المحكمة وذلك بعد يوم واحد من حكم قضائي بعدم جواز نظر دعوى جنائية ضد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأصدر القاضي شعبان الشامي بمحكمة جنايات القاهرة الحكم أثناء نظر قضية يحاكم فيها الرئيس المصري السابق محمد مرسي المنتمي للإخوان المسلمين و131 آخرون بتهم تتصل باقتحام سجون بعد تفجر الانتفاضة التي أطاحت بسلفه مبارك عام 2011، وخلال مشادة بين القاضي والمتهم صبحي صالح البرلماني السابق هتف المتهمون "باطل، باطل" ليصدر القاضي حكمه على جميع المتهمين المحبوسين على ذمة القضية باستثناء مرسي الذي لم يشترك معهم في الهتاف، ويحاكم أغلب المتهمين في القضية غيابيا، ومن بين المتهمين الذين عوقبوا بالسجن رشاد البيومي نائب مرشد الإخوان وسعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب السابق ومحمد البلتاجي وصبحي صالح وعصام العريان وكلهم قيادات كبيرة بالجماعة، وتضمن الحكم توقيع غرامة قدرها 10 آلاف جنيه لكل متهم (1399 دولار أمريكي). بحسب رويترز.

وصدرت من قبل أحكام بالإعدام والسجن على بديع (71 عاما) وأعضاء قياديين آخرين في الجماعة، وعوقب كثير منهم بالسجن لمدة عام بتهمة إهانة القضاء أثناء نظر قضايا مختلفة، وقضت محكمة جنايات القاهرة برئاسة القاضي محمود الرشيدي بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية ضد مبارك في إعادة محاكمته في قضية تتصل بقتل متظاهرين إبان الانتفاضة الشعبية التي أنهت حكمه الذي امتد لثلاثين عاما، وبعد الإطاحة به شهدت مصر أول انتخابات رئاسية حرة فاز بها محمد مرسي لكن أطيح به العام الماضي إثر احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه، وفاز عبد الفتاح السيسي قائد الجيش السابق وقت عزل مرسي بالانتخابات الرئاسية التي أجريت في مايو أيار، وسجن مرسي بعد عزله وأعتقل الآلاف من أعضاء ومؤيدي جماعة الإخوان المسلمين وحكم بالإعدام على مئات منهم في محاكمات جماعية أثارت انتقادات دولية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/كانون الأول/2014 - 13/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م