إنتهاكات داعش وأعماله الوحشية تسرّع زواله من العراق

 

شبكة النبأ: تزامنت النجاحات العسكرية التي قامت بها القوات الامنية العراقية مدعومة بالمتطوعين والضربات الجوية للتحالف الدولي، والتي اوقفت زحف تنظيم ما يسمى (الدولة الاسلامية/ داعش)، مع نجاحات سياسية تمكنت الحكومة العراقية الحالية من تحقيقها، عبر ازالة التوتر مع اغلب دول المنطقة (السعودية، تركيا، قطر، الاردن)، ومكافحة الفساد المستشري في الوزارات الامنية (بعزل عشرات القادة الامنيين، اضافة الى انهاء خدمة عشرات الالاف من الجنود الوهميين)، وصولا الى الاتفاق الاخير مع حكومة اقليم كردستان، بعد الازمة الحادة التي نشبت بين الاقليم والمركز حول اليات تصدير النفط ومستحقات رواتب موظفي الاقليم، وشجعت الاجواء الايجابية في العملية السياسية، والتوافقات بين الكتل السياسية الكبيرة، على منح الامل والحماسة بين صفوف المقاتلين والقادة الامنيين، لاستعادة الاراضي التي استولى عليها تنظيم داعش، والتي باتت تتقلص تدريجيا بعد الانتصارات التي حققتها القوات الامنية في شمال العراق والوسط والشرق، فيما لم تبقى في يد التنظيم سوى محافظة الموصل بالكامل، اضافة الى بعض المناطق المهمة في محافظة الانبار.

والتحق رئيس الوزراء العراقي (حيدر العبادي)، باجتماع بروكسل الذي يحضره وزراء ستين دولة غربية وعربية تشارك الولايات المتحدة الامريكية حملتها الدولية للقضاء على تنظيم داعش، من اجل كسب المزيد من الدعم الدولي لنصرة العراق في حربة ضد التنظيم، خصوصا فيما يتعلق بالدعم المالي لإعادة اعمار المناطق التي تضررت جراء الاعمال الحربية، اضافة الى التنسيق مع دول التحالف الدولي فيما يتعلق بالتدريب والتسليح والمعلومات الاستخبارية وغيرها، وتحاول الولايات المتحدة الامريكية بالتنسيق مع الحكومة الحالية (في ظل توفر المناخ الايجابي داخل العملية السياسية الجارية حاليا)، كسب العشائر العراقية السنية، التي استفادت منها واشنطن في السابق في مقاتلة تنظيم القاعدة في الانبار، كما اشارت مصادر مطلعة، ان ادارة البيت الابيض وعدت العشائر بتقديم السلاح والتدريب اللازم في مواجهة تنظيم داعش الذي ينشط في المناطق السنية، خصوصا في محافظة الانبار وصلاح الدين، اضافة الى الموصل، التي باتت تعاني، بحسب شهود عيان، اوضاعا انسانية وصحية سيئة للغاية، بعد ان تمكن التنظيم المتطرف من فرض نظام حكمة الخاص على المواطنين الساكنين في هذه المناطق، فيما شن حملة من الاعدامات والتعذيب والسجن والنفي بحق المخالفين او المعترضين على طريقة ادارته في المناطق التي تخضع لسيطرة عناصر داعش.

الامراض تنتشر بالموصل

فقد يعاني اهالي مدينة الموصل، شمال بغداد، من انتشار امراض في الجهاز الهضمي خصوصا بسبب تلوث مياه الشرب ومن نقص في الادوية لمعالجة المرضى في مدينتهم الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الاسلامية منذ حزيران/يونيو الماضي، ويعاني اهالي الموصل ثاني مدن العراق، منذ سيطرة المتطرفين عليها قبل نحو ستة اشهر من نقص في الخدمات العامة بشكل عام، وشن تنظيم الدولة الاسلامية في حزيران/يونيو، هجوما واسعا على مدينة الموصل (350 كلم شمال بغداد) تمكن خلاله من السيطرة عليها وبسط نفوذه على مساحات واسعة في مناطق متفرقة شمال وغرب البلاد، واعلن التنظيم ذاته "الخلافة الاسلامية"، ودعا المسلمين في جميع انحاء العالم الى مبايعة زعيمه ابو بكر البغدادي، لكنه لم يستطع في ظل محاولاته توسيع السيطرة باتجاه اقليم كردستان، شمال العراق، ومحافظات اخرى من تأمين الخدمات وتحقيق استقرار لتلك المناطق ما ادى الى تلاشي طموحاته في الوصول الى مناطق اوسع.

ويقول ايمن التميمي احد العاملين في منتدى الشرق الاوسط والخبير في شؤون الجماعات الجهادية، ان "الانطباع الذي تعمل دعاية الدولة الاسلامية على إشاعته هو انها جماعة تؤمن حياة افضل من السابق وهو الامر الذي يراه (بعض) الاهالي منصفا بالنسبة لهم"، وتابع لكن "المصاعب التي يواجهها ادت بالتاكيد الى اضعاف الدولة الاسلامية نحو تحقيق متطلبات الناس وتوفير الامن الحقيقي"، وتمثل الخدمات العامة احدى المعوقات الاساسية، رغم انها كانت موجودة في مناطق واسعة من العراق قبل هجمات الاسلاميين، لكنها تفاقمت في الموصل بعد فرار عدد كبير من الموظفين الحكوميين خوفا من الوقوع بيد المتطرفين، وقالت سيدة مصابة بمرض سببه مياه ملوثة، تسكن حي الكرامة في الجانب الشرقي من الموصل، ان "محطات تصفية المياه معطلة" الامر الذي ادى الى انتشار الامراض بين الاهالي، وقال زوجها ابو علي ان "المشكلة اكبر واخطر الان بسبب ظروفنا القاسية وغياب الخدمات".

واشار الى قيام كثيرين من الاهالي بحفر ابار للحصول على الماء وتعقيمها بامكانات ذاتية، بسبب الانقطاع المتكرر في شبكة المياه التي لا تصلهم الا ليوم او يومين في الاسبوع، واكد مسؤول في دائرة تصفية مياه الموصل، ان "محطات تنقية المياه قديمة وشبكة توزيع المياه تعاني من اضرار"، واشار الى "نقص في عدد العاملين بسبب نزوح وهرب عدد كبير من اهالي المدينة منذ سيطرة تنظيم داعش على مقدراتها"، وكشف طبيب في مستشفى الموصل العام، في جنوبي الموصل، عن "تلقي 15 مصابا بامراض سببها تلوث المياه خلال ال24 ساعة الماضية"، ومن المرجح توجه مرضى اخرين الى مستشفيات رئيسية اخرى موزعة في عموم الموصل، ففي مستشفى الجمهوري، في غرب الموصل، قال طبيب "استقبلنا عددا كبيرا من المرضى غالبيتهم من الاطفال، مصابين بامراض في الجهاز الهضمي، كالتهاب المعدة والامعاء او التهاب فيروسي"، وفيما يتزايد اعداد المرضى، تعاني مستشفياتها من نقص في الادوية، واكد مسؤول في دائرة صحة نينوى ان "الادوية اشرفت على النفاد من مستودعات المدينة وتوقفت شركة ادوية نينوى عن العمل تماما". بحسب فرانس برس.

واشار الى ان السبب يعود الى "انقطاع التواصل مع المؤسسات الحكومية ولم تصلنا اي موازنة لنتمكن من توفير ما نحتاج من ادوية"، وتقول ام محمد التي جاءت بولدها البالغ من العمر عشر سنوات الى مستشفى الجمهورية لتلقي العلاج "هناك شح كبيرة في الادوية التي نحتاجها"، واضافت "الطرق مغلقة والموصل اصبحت سجنا كبيرا، لا نستطيع مغادرتها"، وتابعت ان "الصيدليات الخاصة اصبحت الخيار الوحيد امامنا، لكن اسعارها مرتفعة، كيف سيتمكن الفقراء من شراء الدواء؟"، وقالت ام شيماء (29 عاما) التي تسكن في جنوب مدينة الموصل، وجاءت الى مستشفى الموصل العام لعلاج ابنتها، "ابنتي لم تتوقف عن البكاء وتعاني من الام في البطن"، ويبدو ان الامل ضعيف حاليا لمعالجة هذه المشكلات الصحية، وتواصل قوات الجيش العراقي واخرى موالية للحكومة، تنفيذ هجمات مدعومة بضربات جوية تنفذها طائرات التحالف بقيادة واشنطن في مناطق متفرقة لاستعادة السيطرة على المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية، لكن ما زالت مدن رئيسية بينها الموصل وتكريت والفلوجة تحت سيطرة التنظيم، كما تحاول قوات البشمركة وقوات النخبة بدعم من التحالف الدولي تحقيق تقدم باتجاه استعادة السيطرة على مدينة الموصل لكن يبدو ان الامر يتطلب وقتا.

لم يسلم أحد من داعش

فيما قتل تنظيم "الدولة الاسلامية" 23 شخصا على الاقل من ابناء عشيرة سنية شرق الرمادي، كبرى مدن محافظة الانبار في غرب العراق، بحسب ما افادت مصادر امنية ومحلية، وكان التنظيم شن هجوما من اربعة محاور على الرمادي (100 كلم غرب بغداد) التي يسيطر على بعض احيائها منذ مطلع العام 2014، واستخدم قذائف الهاون في قصف مبان حكومية وامنية في وسطها، وتمكنت القوات العراقية مدعومة بأبناء العشائر السنية من صد الهجوم، الا ان معارك دارت في منطقة السجارية شرق الرمادي، ومنطقة الحوز في جنوب المدينة، وقال النقيب في الشرطة قيصر الحياني ان "عناصر داعش (الاسم الذي يعرف به التنظيم) حاصروا قوة من المقاتلين من (عشيرتي) البو محل والبو فهد في منطقة الحي الصناعي في السجارية، واعدمت 23 منهم بعد نفاذ ذخيرتهم"، واكد الشيخ عمر العلواني، احد قادة عشيرة البو علوان التي تقاتل ضد "الدولة الاسلامية"، "مقتل 25 من عشيرة البو فهد في الهجوم الذي شنه التنظيم على السجارية"، وسبق للتنظيم تنفيذ عمليات قتل جماعية ضد العشائر السنية التي حملت السلاح ضده في محافظة الانبار التي يسيطر على غالبية اجزائها، وتحاول الحكومة استمالة العشائر للقتال الى جانبها، في حين تطالب الاخيرة بتزويدها بالسلاح وتوفير غطاء جوي لا سيما من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

ويعد الهجوم الذي شنه التنظيم على المدينة، الاعنف منذ سيطرته على مناطق واسعة في العراق في هجوم كاسح في حزيران/يونيو، وقال الحياني والعلواني ان الهجوم على السجارية "انتهى"، بينما اشارت وزارة الدفاع العراقية الى "اشتباكات عنيفة" تدور من اجل "تطهير" المنطقة، واوضح العلواني ان نحو 15 عنصرا من "الدولة الاسلامية" تسللوا الى السجارية "بصفة طلاب يرمون اجراء الامتحان على اساس انهم من مناطق القائم والفلوجة" في الانبار، واضاف ان هؤلاء "كانوا غير مسلحين، الا ان هناك متواطئين معهم جهزوا لهم السلاح" وسلموهم اياه بعيد وصولهم، واوضح ان "قوات الامن والعشائر صدت الهجوم في جميع المحاور وانتهت الاشتباكات، باستثناء الهجوم على منطقة الحوز"، وتعد الانبار محافظة استراتيجية لكونها الاكبر في العراق، وتتشارك حدودا مع سوريا والاردن والمملكة العربية السعودية، وكانت واشنطن اعلنت في العاشر من تشرين الاول/اكتوبر ارسال نحو 50 جنديا اميركيا الى قاعدة الاسد الجوية في الانبار، تمهيدا للشروع في عمليات تدريب القوات العراقية وابناء العشائر على قتال التنظيم، ويسيطر التنظيم منذ طلع العام الحالي على مدينة الفلوجة (60 كلم غرب بغداد) واجزاء من الرمادي، وقام خلال الاسابيع الماضية بتوسيع مناطق سيطرته على رغم الضربات الجوية للتحالف الدولي.

بدورها قالت الحكومة العراقية إن متشددي الدولة الإسلامية قتلوا 322 من أفراد عشيرة البونمر بمحافظة الأنبار بغرب البلاد بينهم عشرات النساء والأطفال الذين ألقيت جثثهم في بئر في أول تأكيد رسمي لحجم المذبحة، ويمثل القتل الممنهج الذي قال زعيم عشائري إنه بعضا من أسوأ عمليات اراقة الدماء في العراق منذ اجتاح متشددو التنظيم شمال البلاد في يونيو حزيران وأعلنوا اقامة خلافة إسلامية على الأراضي التي استولوا عليها في العراق وسوريا، وأبدت عشيرة البونمر مقاومة شرسة في مواجهة زحف تنظيم الدولة الإسلامية لمدة أسابيع لكن مخزونها من الذخيرة والوقود والغذاء نفد بعد أن أطبق مقاتلو الدولة الإسلامية على أفراد العشيرة في قرية زاوية البونمر، وقالت وزارة حقوق الانسان العراقية إن عدد من قتلوا من أفراد عشيرة البونمر على أيدي الدولة الإسلامية بلغ 322 وأضافت انه تم العثور أيضا على جثث 50 من النساء والأطفال ملقاة في بئر، وقال الشيخ نعيم الكعود أحد وجهاء العشيرة إنه طلب مرارا من الحكومة المركزية والجيش تزويده بالرجال والسلاح لكن دون جدوى، وقال التلفزيون الحكومي إن رئيس الوزراء حيدر العبادي أمر بشن غارات جوية على أهداف الدولة الإسلامية في محيط مدينة هيت ردا على عمليات القتل، وقال مسؤولون في مركز لقيادة العمليات الأمنية في الأنبار ومدنيون إنهم لم يسمعوا أو يشاهدوا أي غارات جوية. بحسب رويترز.

وبدد سقوط القرية آمال الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة في أن تصبح عشائر السنة في الأنبار (التي ساعدت يوما القوات الأمريكية في هزيمة تنظيم القاعدة) قوة يعتد بها وتساعد الجيش في الحرب على العدو الجديد للعراق، وساعدت الغارات الجوية الأمريكية مقاتلي البشمركة الأكراد في استعادة مناطق في الشمال استولى عليها تنظيم الدولة الإسلامية الذي يسعى لإقامة امبراطورية إسلامية تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط، لكن الصورة في الأنبار أكثر اضطرابا، وتسيطر الدولة الإسلامية بالفعل على معظم أراضي المحافظة الصحراوية التي تشمل مدنا في وادي نهر الفرات تهيمن عليها عشائر سنية وتمتد من الحدود السورية وحتى المشارف الغربية لبغداد، وإذا سقطت المحافظة فقد يمنح ذلك الدولة الإسلامية فرصة أفضل لتنفيذ تهديدها للزحف صوب العاصمة، وقال الكعود إن 75 آخرين من أفراد عشيرته قتلوا بنفس الطريقة التي قتل بها سابقوهم حيث تم القبض عليهم أثناء محاولتهم الهرب من متشددي الدولة الإسلامية وأطلق عليهم الرصاص وتم القاء جثثهم قرب مدينة حديثة، وأضاف الكعود أن الدولة الاسلامية قتلت أيضا 15 شخصا من طلاب المدارس الثانوية والجامعات في زاوية البونمر وأنه لم تكن هناك أي مساعدة من الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ماعدا عملية إسقاط جوي، ولم يتسن على الفور الاتصال بمسؤولين في الأجهزة الأمنية والحكومية للتعليق على عمليات القتل الأخيرة، وفي الأنبار يحاصر المتشددون الآن قاعدة جوية ضخمة وسد حديثة الحيوي على نهر الفرات، ويسيطر مقاتلو التنظيم على مدن تمتد من الحدود السورية إلى أجزاء من مدينة الرمادي عاصمة الأنبار وحتى المناطق الخصبة قرب بغداد.

انفاق غير مدروس

من جانبه قال وزير المالية العراقي ان التبذير في الإنفاق من جانب الحكومة على معركتها ضد الدولة الاسلامية، واتهم هوشيار زيباري (وهو كردي يعتبر معتدلا) زعماء عراقيين سابقين وحاليين بسوء الادارة وسوء التخطيط والفشل في التواصل مع الاشخاص الوحيدين الذين يمكنهم هزيمة الدولة الاسلامية وهم العشائر السنية، وعندما اجتاح مقاتلو الدولة الاسلامية شمال العراق في يونيو حزيران لم يواجهوا مقاومة تذكر من الجيش الذي دربته الولايات المتحدة، ولجأت الحكومة التي يقودها الشيعة الى الميليشيات المدعومة من ايران بعد ان تعرض الجيش لاهانة على يد بضع مئات من المقاتلين المتطرفين، وقال زيباري الذي كان يتحدث في مكتبه وهو يعدد التحديات التي يواجهها العراق "جزء من المشكلة الاقتصادية والمالية التي نواجهها هي هذا الانفاق على اللجان الشعبية وعلى الميليشيات والجيش وعلى التعاقدات"، وأضاف "المجالات الرئيسية التي تنفق فيها الميزانية بتبذير كانت من بين هذه الجهود العسكرية دون تخطيط مناسب بالاضافة الى الانفاق على المتطوعين". بحسب رويترز.

والعراقيون الذين انضموا للقتال ضد الدولة الاسلامية يطلق عليهم متطوعون وهم يضمون الميليشيات الشيعية التي تتحرك بحصانة فيما يبدو باسم التصدي للدولة الاسلامية، وعندما سئل بشأن الاموال التي حولت الى الميليشيات قال زيباري "أعتقد انهم يدفعون رواتبهم وطعامهم وملابسهم واسلحتهم وهكذا، أكثر من مليار دولار منذ يونيو حزيران على الميليشيات"، ويظهر اتهام زيباري للحكومة التي هو جزء منها خلافات الرأي بين المسؤولين التي جعلت اتخاذ القرارات بشأن التعامل مع الدولة الاسلامية أكثر صعوبة، وتبذل جهود في الاونة الاخيرة لتضييق الخلافات السياسية، والعلاقات بين الحكومة التي يقودها الشيعة وإدارة الإقليم الكردي في الشمال متوترة، وينتقد الأكراد حكومة بغداد لعدم دفع مرتبات الموظفين في الحكومة الاقليمية الكردية، والحكومة المركزية غاضبة من صادرات النفط الكردية، وقال زيباري ان الجانبين يحاولان اعداد حل وسط تبدأ بموجبه الحكومة سداد الرواتب وبدء مفاوضات بشأن قيام الاكراد بارسال ايرادات صادرات النفط الى الميزانية العامة للدولة.

وقال زيباري ان الانفاق على الميليشيات يحرم العراق من فرصة الاعمار بعد سنوات عديدة من الحرب وأحدثها الحملة التي تتزعمها الولايات المتحدة ضد المسلحين السنة والقاعدة والمعارك ضد الميليشيات الشيعية أثناء الاحتلال، والزعيم العراقي الذي تعامل عن قرب مع الميليشيات هو رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وهو من أكثر الشخصيات الخلافية التي ظهرت بعد الاحتلال الامريكي، ويقول منتقدون ان المالكي وهو شيعي خلق أحوالا سمحت للدولة الاسلامية بأن تزدهر بسبب سياساته الطائفية الصارخة التي أبعدت الاقلية السنية التي رحبت بالمتشددين في بلداتها وقراها ووقفوا في جانبهم، وينفي المالكي هذه المزاعم، وأجبرت الضغوط من الولايات المتحدة وايران التي تمثل قوة اقليمية وعلي السيستاني اكبر رجل دين شيعي في العراق المالكي على التخلي عن معركته للبقاء في السلط، وعلقوا آمالهم على حيدر العبادي الذي ينظر اليه على انه شخصية تصالحية لديه فرصة الفوز بدعم العشائر في محافظة الانبار معقل السنة التي ساعدت في وقت من الاوقات مشاة البحرية الامريكية على هزيمة القاعدة ويمكن اقناعها بالهجوم على الدولة الاسلامية.

وزيباري لديه شكوكه وخاصة بعد الدماء التي أريقت عندما أعدمت الدولة الاسلامية أكثر من 300 من افراد عشيرة البونمر لانها قاومت تقدمها الاقليمي، وقال زيباري "انه يحاول التواصل مع العشائر السنية، لكن ما يتوقعه الناس منه هو الافعال وليس الكلمات، بامكانه التحرك بايقاع أسرع"، وقال "هذا هو الرأي لاننا رأينا ما حدث في الاونة الاخيرة مع عشيرة البونمر على سبيل المثال وهناك حاجة ملحة للتحرك أسرع في هذا الشأن"، واعتقلت الدولة الاسلامية أعدادا كبيرة من رجال العشائر وأعدمتهم وألقت بهم في مقابر جماعية بينما لم يكن هناك احساس بالوضع الملح من جانب الحكومة في بغداد، وقال زيباري "الحكومة لا يمكنها ارسال امدادات بطريقة مناسبة أو الوصول اليهم لان الحكومة في واقع الامر تواجه مصاعب جمة، حاولوا تقديم بعض الدعم الجوي لكنه كان محدودا ولم يكن بالامر الكبير، خطوط الاتصالات فقدت"، وأضاف "العديد من الجسور نسفت (بواسطة الدولة الاسلامية)".

وقال زيباري الذي كان يشغل في السابق منصب وزير الخارجية ان ايجاد سبيل لتشكيل تحالف بين الحكومة والعشائر السنية يجب ن تكون له الاولوية الكبرى في المعركة ضد الدولة الاسلامية، وأضاف ان الدعم الجوي الامريكي ليس كافيا، وقال زيباري "الضربات الجوية وحدها لا يمكن ان تحل المشكلة، هناك حاجة لوجود قوات محلية على الارض، والعشائر السنية فقط هي التي يمكنها القيام بهذه المهمة بدعم من الحكومة"، وكان زيباري أكثر تفاؤلا فيما يبدو بشأن بغداد التي ستكون أكبر جائزة لمقاتلي الدولة الاسلامية الذين هدوا بالتقدم نحو العاصمة، وقال ان الدولة الاسلامية لم تعد تمثل تهديدا للعاصمة لكنه أقر بأن التنظيم لديه العديد من الخلايا النائمة والمؤيدين هناك وامداد مستمر من المفجرين الانتحاريين وأغلبهم من الاجانب، ويتوقع ان تستمر المعركة ضد الدولة الاسلامية لفترة طويلة وان تستنفد الميزانية في المدى البعيد رغم ان العراق من الدولة المنتجة للنفط الاعضاء في منظمة اوبك، ولم تتمكن الحكومة من تقديم ميزانية 2014 الى البرلمان لكنها وعدت بتقديم تفاصيل النفقات في موعد لاحق، وقال زيباري "نعد بأنه بالنسبة لعام 2015 يجب ان نقدم ميزانية مناسبة للبلاد"، وقال زيباري ان خلاصة القول هو ان العراق لا يمكنه ان يتحرك الى الامام الى ان تتم هزيمة الدولة الاسلامية، وقال "الدولة الاسلامية لديها خطة عمل واضحة، انها تريد اقامة وتعزيز دولة الخلافة، ولا يمكن ان يعمل البلد بينما تسيطر الدولة الاسلامية على عدة محافظات".

بائع السترات الناسفة

من جانب اخر وبعد أن سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على الفلوجة في العراق في يناير كانون الثاني أقنع رجلا يصنع الأغطية للسيارات بأن يبيع بدلا من ذلك سترات ناسفة في واحد من التغييرات الكثيرة التي طرأت على المدينة العراقية مع تأقلمها على الحياة تحت لواء متشددي الدولة الإسلامية، وحقق التنظيم شهرة واسعة بقطع رؤوس أو إعدام من يقف في طريقه عندما يسيطر على مدن وبلدات في العراق وسوريا حيث أعلن الخلافة الإسلامية وكثيرا ما يستخدم مهاجمين انتحاريين في تقدمه صوب أهدافه، وأصدر المتشددون توجيهاتهم وتتضمن ارتداء جميع النساء النقاب وحظر التدخين أو قص الشعر على الطريقة الغربية وكلها كانت من الأمور الشائعة في الفلوجة من قبل، ويشعر كثير من السكان بالنفور من هذه التغييرات، لكن أشخاصا زاروا الفلوجة في الآونة الأخيرة وقالوا إنه من أجل الحفاظ على "الامبراطورية" والجهاد ضد الحكومات والجيوش يعقد تنظيم الدولة الإسلامية اتفاقات مع أمثال هذا الحائك.

وزوده التنظيم بمولد كهربائي ووقود بالمجان لتمكينه من زيادة أرباحه عن طريق بيع سترات وأحزمة وسراويل ناسفة حيث يدير نشاطه من مبنى عليه آثار طلقات الجنود الامريكيين في حربهم على تنظيم القاعدة منذ ما يقرب من عشر سنوات، وقال الحائك "مررت بأوقات عصيبة، عندي أطفال يجب أن أطعمهم، اخترت هذه المهنة الجديدة طواعية وأتحمل مسؤولية عواقبها"، ولم ينشر اسم الرجل لاسباب أمنية والفلوجة كانت أول مدينة عراقية تسقط في أيدي مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذي خرج من عباءة تنظيم القاعدة، وخلال الاحتلال الأمريكي للعراق بعد الاطاحة بصدام حسين عام 2003 كانت الفلوجة المعقل الرئيسي للمسلحين السنة في محافظة الأنبار وأصبحت معقلا لتنظيم القاعدة، وقاتل مشاة البحرية الأمريكية تنظيم القاعدة من أجل السيطرة على المدينة في عام 2004 في معركتين من أكبر المعارك في الحرب الأمريكية. بحسب رويترز.

وبعد ذلك بعشر سنوات تقريبا تمركز تنظيم الدولة الإسلامية في الفلوجة ليجعل منها أحد النماذج الرئيسية لما قد تكون عليه الحياة قريبا وفق فكره المتشدد في الأراضي التي سيطر عليها في سوريا والعراق، وأهل الفلوجة من العشائر المحافظة التي تتشدد في التمسك بتطبيق الشعائر الدينية حتى أن الاسلاميين فيها كانوا سببا لانزعاج النظام العلماني في ظل حكم صدام حسين، لكن حتى أهلها المحافظين لم يستريحوا في كثير من الأحيان للحياة في ظل تنظيم الدولة الاسلامية، ويتحتم على النساء القادمات إلى الفلوجة ارتداء نقاب يوزع عليهن دون مقابل ويطلب منهن ارتداؤه في كشك بزجاج ملون عند مداخل الفلوجة حتى لا يمكن للرجال رؤيتهن، ولصق تنظيم الدولة الإسلامية قائمة بالمحظورات على المباني والمساجد في أنحاء الفلوجة مثل حظر تدخين السجائر أو النرجيلة إذ أنها قد تصرف الناس عن العبادة وحظر قص الشعر وحظر ارتداء القمصان التي تحمل عبارات بالإنجليزية أو صور نساء.

ويحظر على النساء مغادرة المنازل إلا برفقة أحد أقاربهن من الذكور، وأدى هذا الأمر إلأى تزايد مشاعر الاحباط، وروى شاهد عيان حادثة تجمع فيها الناس حول إمرأة في الخمسينات من العمر كانت تبيع ملابس للنساء وطلاء أظافر وهي تصرخ أمام محكمة الدولة الإسلامية في الفلوجة التي تنظر جميع القضايا من الجرائم إلى النزاعات بين الجيران، وكانت المرأة في طريقها للمحكمة لكي تطالب بالسماح لها بالسير بمفردها لأنها أرملة ولا تريد أن تكون عبئا على أشقائها وراحت تصرخ في وجه متشددي الدولة الإسلامية خارج المحكمة، ونقل الشاهد عن المرأة قولها "تقولون إن الله لا يقبل أن تسير المرأة بمفردها خارج منزلها إذن كيف يقبل الله قتلكم للناس؟"، ورد أحد المتشددين "لو كنت رجلا لقطعنا رأسك"، وقضت المحكمة بطردها من الفلوجة وغادرت بكل متعلقاتها في شاحنة صغيرة واستولى التنظيم على منزلها، ويفرض تنظيم الدولة الإسلامية النقاب على من تزيد أعمارهن عن 12 عاما أما من هن أقل من ذلك فعليهن ارتداء غطاء للرأس، وقالت إمرأة بعد أن أجبرت ابنتها البالغة من العمر ستة أعوام على وضع غطاء للرأس "لماذا يرغموننا على القيام بأمور ضد إرادتنا"، حتى تماثيل عرض الأزياء في نوافذ المتاجر تغطى بالنقاب.

قال مالك مقهى إن المقاهي التي كانت ذات يوم تكتظ بالزبائن الذين يدخنون النرجيلة ويبحثون أمور حياتهم اليومية ويشاهدون التلفزيون لا يسمح تنظيم الدولة الإسلامية الآن فيها إلا باحتساء الشاي ومتابعة البرامج الدينية، وقال رجل في سوق المدينة إنه ضبط وهو يدخن النرجيلة، وأضاف "اعتقلني مسلحون من الدولة الإسلامية وأخذوني إلى أحد رجال الدين فحذرني وطالبني بعدم تكرار ذلك وإلا سأجلد، حاليا أنا مقتنع بضرورة حمل السلاح وقتال متشددي الدولة الإسلامية في الفلوجة وإلا سنصبح عبيدا لهم"، وكان الشباب ذات يوم يهربون من المآسي في العراق عن طريق ممارسة التمرينات الرياضية في صالة للألعاب في الفلوجة إلا أن تنظيم الدولة الإسلامية حولها الآن إلى صالة مزادات تعرض قطع أثاث ومبردات وأبسطة أخذت من موظفين حكوميين، ولكن في الوقت الذي ينفر فيه البعض من أساليب الدولة الإسلامية يحاول التنظيم خطب ود آخرين بتوفير الخدمات الأساسية.

يعمل متشددون يقودون شاحنات ترفع لافتات الدولة الإسلامية علي ري الأشجار على جانب الطريق، ويوظف التنظيم عمال نظافة لازالة القمامة من الشوارع وطلاء الأرصفة لكي تتماشى مع لوني علم التنظيم الأسود والأبيض، وفي الفلوجة حتى الطحين (الدقيق) المدعوم يباع في متاجر الدولة في أكياس تحمل شعار الدولة الإسلامية، وإضافة إلى جهود التنظيم لادارة الفلوجة كدولة يرى متشددو التنظيم ان المدينة لها أهمية استراتيجية في إطار مساعيهم لاعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، واستهدفت الضربات الجوية الأمريكية (التي فشلت في إبطاء تقدم الدولة الإسلامية في الأنبار) المنطقة المحيطة بالفلوجة، وغير المتشددون تحركاتهم لتفادي رصدهم في الوقت الذي تبحث فيه فرق أمنية خاصة ملثمة عن متسللين، وقال شاهد إن أي شخص يضبط وهو يصور أي شيء تجرى محاصرته على الفور واعتقاله ويستجوبه متشددو الدولة الإسلامية ومعظمهم يرتدون زيا رمادي اللون وهم أعلى رتبة ممن يرتدون زيا باللون البني الفاتح، والمقاتلون على الجبهة يرتدون اللون الأسود، وقال شهود إن المتشددين يتحركون الآن في سيارات عادية ودراجات نارية بدلا من الشاحنات التي تحمل أسلحة مضادة للطائرات، وأضافوا أن الدبابات والعربات المدرعة التي استولوا عليها من القوات العراقية بعد أن تغلبوا عليها يغطونها بأفرع أشجار ويخبئونها في مناطق استراتيجية، ورغم ضغط الضربات الجوية الأمريكية التي بدأت بعد التقدم الذي أحرزه تنظيم الدولة الإسلامية في الشهور الأخيرة وبعد أن بدأ التنظيم في قطع رؤوس رهائن غربيين فإن المتشددين يسيطرون بشكل كبير على الفلوجة، وهذا يعني أن عمل الحائك سيحافظ على انتعاشه وقد اشترى آلة حياكة ثانية، وقال الحائك "أعلم أني في يوم من الأيام ستعتقلني قوات الأمن (العراقية) ولكن عليها أن تعلم أني أفعل ذلك من أجل أسرتي".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 4/كانون الأول/2014 - 11/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م