موت الثورات وبراءة الحكام

 

شبكة النبأ: اسدل الستار على محاكمة الرئيس المصري حسني مبارك والتي عرفت باسم (محكمة القرن) حين صدر الحكم بالبراءة عن التهم المنسوبة اليه، مع نجليه علاء وجمال ورجل الأعمال الهارب حسين سالم ووزير داخليته حبيب العادلي و 6 من كبار مساعديه بقتل المتظاهرين وقضايا فساد مالي وإداري.

وكان خبراء قانونيين قد وضعوا ثلاثة سيناريوهات لحكم المحكمة، اما الإدانة للرئيس الأسبق أو البراءة، او (مد أجل القضية) للمرة الثانية، وهو احتمال ضعيف.

الحكم الصادر لن يكون نهائيا، فهناك إجراءات قانونية جديدة، حيث يحق للنائب العام أو فريق الدفاع بالطعن مرة ثانية على الحكم أمام محكمة النقض، والتي تختص بالنظر في القضية وصدور حكم نهائي فيها، دون تحويل القضية للجنايات مرة أخرى .

ويعتبر حسني مبارك هو اول رئيس مصري يمثل امام القضاء، وثاني رئيس عربي بعد صدام حسين رغم النهاية المختلفة للاثنين، فيما اختلفت حظوظ من سبقه في احداث الانتفاضات العربية، حيث منح الرئيس التونسي اللجوء في السعودية، وقتل القذافي بعد القاء القبض عليه من دون تقديمه للمحاكمة، وقد صرح مبارك بعد صدور الحكم انه لم يرتكب شيئا اطلاقا..

ربما الحكم بالبراءة لم يكن غريبا على المصريين او المتابعين لسيرها، فالثورة المصرية اذ خرجت منتشية بالنصر على نظام مبارك، سلمت قيادها وهي تتحول الى نظام حكم جديد ودولة يفترض ان تقطع مع المرحلة السابقة، سلمت قيادها الى الاخوان المسلمين الذين في غمرة انتشائهم الثوري، حاولوا ان يتفردوا في الحكم واقصاء الاخرين الذين قادوا تلك الثورة، ليكون هذا السلوك بوابة الانتحار وموت الثورة المصرية بعد عودة الجيش الى ادارة مقاليد الحكم..

لا يمكن النظر الى محاكمة القرن من زاوية التهم الموجهة الى مبارك وابنائه ووزير داخليته (الفساد – قتل المتظاهرين)، بل يجب ان تكون النظرة الى ذلك ابعد من تلك التهم، فمبارك قد حكم مصر اكثر من ثلاثة عقود، ليس عن طريق الشرعية الانتخابية الحقيقية، بل عن طريق الجيش وتغوّل المؤسسات الامنية، وعانى المصريون خلال تلك لعقود من الفساد المستشري، والانتهاكات الانسانية تحت طائلة الاحكام العرفية، مع سياسات اقتصادية فاشلة لم تستطع معالجة حالات الفقر المتزايد وانخفاض الدخول لدى غالبية المصريين، وهي ثلاثة عقود من الاستبداد والطغيان الفرعوني على ارض النيل..

وحكم البراءة ليس بغريب مع عدم وجود قوانين جديدة لمثل هذه القضايا والذي لم ينتبه المشرّع المصري الى اهميتها بعد قيام الثورة المصرية واسقاط نظام مبارك، ولم يقم القضاء المصري حتى باحراء بعض التعديلات التشريعية على قانون الإجراءات الجنائية الذي كانت المحكمة عزت إلى بعض مواده (انقضاء الدعوى الجنائية) في شأن اتهام مبارك ونجليه علاء وجمال بالفساد لمضي مهلة التقاضي.

وكان رئيس المحكمة محمود كامل الرشيدي طالب المشرع بتعديل القانون «حتى تبسط العدالة سلطانها على كل صور الرشى للموظف العام أو المتاجر بنفوذ حقيقي أو وهمي، وألا يفلت الموظف العام من جرائم الفساد بمقتضى المادة المسقطة للدعوى الجنائية».

وهي ايضا (البراءة) صورة مصغرة لفساد الانسان العربي الحاكم والمحكوم، والذي رسخه وكرسه كثقافة وقيم اجتماعية الاستبداد، والذي لايقتصر على مصر وحدها، بل يشمل الانظمة العربية جميعها.

تزامن مع صدور حكم البراءة على مبارك، تصريحات في اكثر من مكان لناشطين سوريين مفادها ان الثورة قد ماتت، واخذوا ينعون حركتهم الاحتجاجية والتي انطلقت منذ اكثر من ثلاث سنوات، وموت تلك الثورة لم يقتصر على سبب واحد وهو قدرة النظام الحاكم على البقاء، بل امتد الى كون سورية اصبحت ساحة حرب مفتوحة للجميع، وظهرت قوى اخرى على الساحة تتقاتل للسيطرة على الاراضي والموارد والوصول إلى السلطة، مما يؤكد الحاجة الى ثورات جديدة ضدها، لكن لا احد يضمن ان لا تموت تلك الثورات الجديدة، لسبب بسيط وهو ان الثورة تحتاج الى جهود وتحركات مدنية سلمية، لايمكن لها ان توجد او تظهر في مجتمعات تعيش الاستبداد في كل صوره، وبالتالي فان تلك الثورات المفترضة سرعان ماتلجأ الى السلاح والعنف من اجل التغيير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/كانون الأول/2014 - 10/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م