الحوزات العلمية والسلم الأهلي

 

شبكة النبأ: يؤكد المعنيون بعلم الاجتماع، أن حجر الزاوية في استقرار المجتمع وتفرغه لمجالات الانتاح والابداع، تكمن في تحقيق السلم الأهلي، فهو حجر الزاوية في تحقيق الدرجة القصوى من التناغم والانسجام بين مكونات المجتمع الواحد، لهذا السبب تقدم الدولة كثيرا من الجهود المادية والفكرية لتحقيق هذا الهدف الحيوي، فترصد ملايين الدولارات لتمويل منظمات ومؤسسات تأخذ على عاتقها تثبيت السلم وجعله منهج حياة مستمرة يؤمن به الجميع، وترصد مبالغ طائلة لمنظمات اعلامية وثقافية تنشط في الاتجاه نفسه وتكون مهمتها ترسيخ السلم بين افراد وجماعات ومكونات المجتمع، كذلك هناك اجهزة امنية ضخمة يقع على عاتقها تحقيق السلم بين المواطنين، وعموم المجتمع.

وبهذا نلاحظ اهتماما كبيرا للحكومات في شتى دول العالم، بهذا الجانب الاساسي الذي يدفع المجتمع الى الاستقرار والاتحاد والتطور في وقت واحد، بمعنى أن هناك تخطيط متواصل كبير للدولة والجهات المعنية فيها، لتحقيق السلم الامني، وقد تصل الى ما تبتغي في هذا المجال، وقد تفشل ايضا!، بمعنى هناك دول رصدت اموالا ضخمة وامكانات ثقافية واعلامية وتربوية كبيرة لتحقيق التوافق المجتمعي، لكنها لم تستطع من ذلك، وهنا تحديدا ينبثق دور غاية في الاهمية يتمثل بقدرة (الحوزات العلمية) على توجيه المجتمع وجعله اكثر انظباطا، وإبعاده عن حالات الاحتقان والتطرف والضغائن، ومن ثم ضمان درجة عالية من السلم الاهلي تعجز عن تحقيقها ملايين الدولات وعشرات المؤسسات المختصة، فضلا عن فشل الدولة والحكومة نفسها، في الوصول الى هذا الهدف المهم، تحقيقا لهدف أهم هو الأمن والاستقرار.

والسؤال المهم هنا، ترى هل تستطيع الحوزات العلمية فعلا، ان تجعل المجتمع الواحد اكثر تماسكا، وأقل فوضى وعشوائية، واقل تصادما لاسباب فكرية او عقائدية؟، واذا كانت جميع الأدلة والوقائع والبراهين التاريخية، تؤكد قدرة الحوزات على تحقيق درجة عالية من السلم الأهلي، فلماذا تعمل بعض الحكومات الاسلامية بالضد مما تهدف إليه الحوزات، وتحاول بكل ما تملك من وسائل وسبل، إن تحجّم دورها في هذا المجال، وتضع عراقيل ومعوقات مفتعلة امامها، علما أن الفائدة المتحققة سوف تصب في صالح الحكومة نفسها، فضلا عما سيحصل عليه المجتمع من مزايا الاستقرار لبلوغ التقدم ومواكبة العصر؟.

إن الاجابة عن السؤال المطروح في أعلاه، معروفة كما نظن، فالحكومات المستبدة لا تريد للحوزات العلمية أن تأخذ دورها الطبيعي في اقامة علاقات وطيدة مع مكونات وافراد المجتمع، والسبب هو  خشية تلك الحكومات الفاسدة، من ان تكون هناك علاقات قوية وحقيقية بين الشعب من جهة، وبين الحوزات العلمية من جهة اخرى، ومبعث الخوف الحكومي ينطلق من خوفها على مصالحها وعروشها ومناصبها، وحتمية تهديد مواقف الحوزات لها بسبب فسادها، لذلك تحرص الحكومات على تهميش الحوزات العلميةن وتوغل في إقصائها من الفعل الاجتماعي والسياسي، بل تحرص على تقليص دورها الديني ايضا، خوفا من ان تفضحها أمام الملأ.

اما الحكومات الواعية، غير القمعية، التي تصل الى السلطة من خلال الاقتراع الشعبي السليم، وعبر قنوات التداول السلمي للسلطة، فإنها تحرص على ان يكون دور الحوزات العلمية حاضرا وفاعلا في مجال تحقيق السلم الاهلي للمجتمع، فلا تضع المعوقات امام الحوزات، بل تحاول ان تقدم لها كل الامور والعوامل التي تساعد في الوصول الى دور حيوي للحوزة، ضمن اطار تعميق السلم الاهلي وترصينه وحمايته، وجعله متاحا بين جميع مكونات المجتمع، بالاضافة الى كونه مؤشرا على تفرغ الدولة والمجتمع، للانشغال بالابداع والانتاج الذي يضاهي ما يجري في دول العالم المستقرة المتقدمة.

من هنا لابد أن تأخذ الانظمة السياسية في الدول الاسلامية، بنظر الاعتبار، عدم مضايقة الحوزات العلمية، وحصرها في مسار واحد، هو مسار تأييد الحكومة وسياساتها التي قد لا تصب في صالح المجتمع، بمعنى لابد من اعطاء الحوزات العلمية فرصة كاملة غير منقوصة كي تؤدي دورها، في ترصين السلم الامني، لتكون الخطوة التالية هي حث الشعب بكل افراده ومكوناته وطوائفه واعراقه، للسعي نحو بلوغ الهدف الاسمى، متمثلا بتحقيق التقدم والارتقاء ومن ثم الرخاء المشروع، واللحاق بالمجتمعات التي استقرت امنيا، وانتشر فيها السلم الامني ومعالم الرفاهية، لتمضي في المراحل اللاحقة نحو التطور بوتيرة متلاحقة.

فاستطاعت تلك الدول والمجتمعات المنسجمة، ان تحقق كل ما تبتغيه من اهداف وطموحات، بعد ان ضمنت هدفها الجوهري، الذي يكمن في التعايش المجتمعي القائم على التراضي والتكافل والتراحم، والتعاون بين الجميع للوصول الى الهدف الأكبر والأهم والأسمى، ولا يمكن تحقيق مثل هذه الاهداف الكبرى، للسلم الأهلي، ما لم تأخذ الحوزات العلمية دورها الحيوي في هذا المجال، بمباركة الحكومة وليس بوضع المعرقلات في طريقها!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/كانون الأول/2014 - 10/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م