السياسة علم كباقي العلوم كعلم الاجتماع ـ علم الجمال ـ علم النفس ـ
علم المصالح...الخ وللسياسة تعاريف عديدة وتعرف بـ (فن الممكن) واصل
اللفظ من ساس وهو يفيد الرياسة.. وقد رددها الحكام المسلمين بقولهم
(أصبحنا عليكم ساسة، ولكم ذادة)، وأطلقت الكلمة أيضا على من ساس الخيل
اذا رعاها فسمي صاحبها سائساَ... والسياسة في الاسلام تنبعث من
العقيدة، القرآن الكريم، السنة النبوية المطهرة، سيرة الائمة الأطهار
عليهم السلام... جاء في الأثر (ديننا عين سياستنا وسياستنا عين
ديننا).. وكذلك هي (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وقال نبينا
الكريم صلى الله عليه واله وسلم: (من لم يهتم بشؤون المسلمين فليس
منهم).. فالسياسة اذن تعرف الفرد بنفسه وتًعرف الأمة بقيمة وجودها بين
الأمم، يقول ابن سينا: (إن أول ماينبغي أن يبدأ به الانسان من أصناف
الساسة، سياسة نفسه).
يقول الفليسوف التّوسر: (إن الفكر هو علاقة معاشة مابين الانسان
والمجتمع)... الفكر وعي وإدراك وممارسة وفهم، إذن السياسة فكر... اذا
كانت السياسة تّعرف بفن الممكن وهي أيضا فكر ووعي، يعنى هذا. ان كل من
لايفهم هذه الصنعة والآليات (الادوات) الاساسية في ديمومة الأمور
العامة والخاصة ومزاياها وخصوصيتها، ومن لايحسن التصرف في الاوقات
الحرجة وما تمر به البلاد من أزمات لايمكن، وبالأصح لايصلح أن يمتهن
السياسة، ويحتل مركزا مرموقا؛ لأن هذا سيقود البلاد الى الخراب كما قال
المرجع الديني الراحل المجدّد الامام السيد محمد الشيرازي: (إذا لم
يعرف الإنسان مجريات السياسة وخصوصيتها لايمكن من التدخل في شؤونها
وتوجيهها والسير بها إلى الصراط المستقيم)...
هل كنا نحن يوما في عصرنا الحديث هذا فاعلين أو جزء فاعلا في
السياسة؟... هل نمتلك منهجية سياسية تنبع من انتمائنا وتراثنا ووجودنا
التاريخي؟ أم هل السياسة تُملى علينا رغما عن ذواتنا وقيمنا.... وهذا
الكلام حتى على مستوى (الفضلاء في العلوم الاسلامية أو العصرية)،
الإمام الشيرازي....
السياسة إقتصاد وأساس في بناء الدولة، الانسان، المجتمع، تحقيق
الأهداف، توازن القوى.... يقول الغربيون: (المال أصل الحضارة) فالدولة
المنتجة الخلاقة صناعيا وعلميا تكون هي صاحبة القرار، بعيدا عن المساحة
والنفوس والموقع الجغرافي... هناك دول حديثة تشكل الآن قوة في العالم
نتيجة اقتصادها وتسمى بالدول الناعمة مثل (البرازيل، ماليزيا، كوريا
الجنوبية) وذلك بفضل السياسات الاقتصادية لرجالها.. أليس من الضروري
إعادة قراءة التاريخ، ونفهم بوعي السياسي وإدراك الحكيم (مجريات الأمور
وخصوصيتها وتفاعلاتها وغير ذلك)، الامام الشيرازي.
الوعي: هو فهم وإدراك وتعامل واقعي حياتي، يقودك الى تعزيز وجودك في
الدولة التي تنشدها، دولة تعز الانسان توقره ـ تحترمه ولاتحرمه.. الوعي
أن تضع أهدافك ضمن البوصلة الايمانية والعقائدية في بناء الانسان، (من
أدق فهم السياسة معرفة قدر المسافة بين الأهداف والمقدمات ومعرفة أن
الأهداف ماهي مقدماتها)، الإمام الشيرازي.
فالوعي هو وعي مانعي ونريد تحقيقه ضمن معايير وعينا التاريخي، بأن
يكون هناك السبق في الفهم الحضاري لوجودنا ضمن واقعيتنا ومنهجيتنا، من
خلال وعينا السياسي تكون لدينا شرعية في العمل أقرب الى التكليف، ولهذا
يجب أن نفهم خطأ التعامل مع السياسة بصفة القدسية، كما تعامل الانسان
في العصور السحيقة فكانت الاسطورة والخرافة والمعبد والكاهن والملك
الاله، تشكل كيان وجوده ورمزيته....
إعرف عدوك!! هذا وعي سياسي، بدون وعي تفقد القدرة على المجابهة،
تجهل مايخطط له عدوك، تضعف امام امكانياته، وعند ذاك تصبح لقمة سائغة
لمشاريعه. بلا وعي سياسي لا وجود للمبادرة، الانطلاق، المباغتة،
التكافؤ، بعد ذلك يكون أفق المساومات رحبا، لكي نفهم دورنا، نحتاج الى
إتقان الصنعة السياسية التي تساعدنا على فهم الآخر ونكوّن دولة (الانسان
اخو الانسان)... (إذا كان دعاة الاصلاح قد فشلوا في الاتفاق على منهج
بناء مقبول لدى الجميع فهو لأجل أنهم افتقدوا قاعدة مشتركة تلتقي بها
وجهات نظرهم المتباينة)، الامام الشيرازي.
إن القراءة في إعادة فهم الذات وهي حقيقة مرئية نستطيع أن نميز من
خلالها متطلبات الراهن والمستقبل. قال تعالى: (إن الله لايغير ما بقوم
حتى يغيروا ما بأنفسهم)... عدم العمل بهذه الآية الكريمة يعني هناك
تعطيل للجهد الانساني من ممارسة دوره ووعيه وفكره ويترتب على ذلك تعطيل
للعمل بآيات اُخَر، توجب العمل والتغيير والدفاع عن الحرم، فالقرآن
الكريم هو القرآن الكريم بكلياته وجزئياته بآياته وسوره، فلا يجوز
إتيان عمل وترك آخر، يجب أن نعكس التغيير القرآني على أنفسنا وفهمنا لـ
أولويات الفهم السياسي، فالسياسة أن نفهم الآخر، وقبلها أن نفهم أنفسنا
وحالنا وترحالنا كما فهم سيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم مجتمع
مكة في يوم الفتح، وما عمله في أهلها وهذا أكبر دليل على أنه صلوات
الله عليه وآله (عرف المقدمة وعرف النتيجة ثم عرف أن أي مقدمة تصلح لأي
نتيجة، كما عرف من قبل المسافة بين المقدمة ونتيجتها)، الإمام
الشيرازي.
فنحن في السياسة لدينا اولويات للفهم السياسي كما قال الامام
الشيرازي وهذه بديهيات النتيجة والمطلوب وتعدّ ركائز أساسية في البنية
الإسلامية فكل شيء يهدد وحدة المسلمين ويفرقهم الى قوميات أو طائفيات
أو عنصريات أو اقليميات، أو ما أشبه ذلك فهو ليس من الإسلام، قال
الامام الراحل: (الحكم بلا استفتاء حر من الشعب وبلا شورى منهم ولا
انتخاب فهو باطل)، إذن نحن لانمتلك إستقرارا بالقوانين (مما سبب
الترجرج وعدم الاستقرار الحكمي في باب من أبواب الأحكام القضائية أو
الجنائية أو المالية أو الحدودية أو غيرها).
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com |