هل انطلقت الشرارة الاولى لمعركة داعش في السعودية؟

 

شبكة النبأ: عندما تحدث زعيم اكبر تنظيم متطرف على مستوى العالم (ابو بكر البغدادي)، حول السعودية، دعا انصاره فيها الى تفجير براكين الغضب في بلاد الحرمين، وان يبدأ المنتمون لتنظيم (الدولة الاسلامية/ داعش) في السعودية بمهاجمة الشيعة "عليكم أولا بالرافضة"، ثم الانتقال الى العائلة الحاكمة، "مزقوهم إربا، نغصوا عليهم عيشهم وعما قريب تصلكم طلائع الدولة الإسلامية"، وهو امر قد طبق بصورة فعلية بعد حادثة الهجوم على حسينية في منطقة الدالوة، والتي اسفرت عن سقوط ضحايا من المسلمين الشيعة بعد ان هاجمهم مسلحون ببنادق اليه خلال احيائهم مراسيم عاشوراء، ويرى المحلل السياسي فرانك جاردنر موقف السعودية قائلا، "أن الكثيرين يلقون باللائمة على السلطات السعودية في ظهور التنظيم بهذه السرعة، ويتهمونها بتمويل وتصدير فكر إسلامي متشدد أصبح يمثل نقطة عبور أولى نحو فكرة الجهاد والعنف، إلا أن الحكومة السعودية ترفض بشكل قاطع إلقاء اللوم عليها في ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، مشيرة إلى أن ذلك نابع من الفوضى التي أحدثتها الحرب الأهلية في سوريا والسياسيات التمييزية التي تمارس على السنة في العراق من قبل الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة".

وتخشى العائلة المالكة، بعد التهديدات التي اطلقها البغدادي، ووجدت صدائها في الداخل السعودي، لدى اتباع المذهب الوهابي والمتطرفين داخل المملكة، من فقدان السيطرة على الامن والنظام الذي قد يهدد وجودها في السلطة، خصوصا وان التهديدات التي اطلقها البغدادي كانت تنطوي على اثارة الفتنة الطائفية (استهداف الاقلية الشيعية داخل المملكة من قبل المتطرفين السنة)، ووضع العائلة المالكة في خانة المشركين حيث قال "لا مكان للمشركين في جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم"، الامر الذي يعني الحرب والاقتتال الداخلي بين مكونات الشعب السعودي، وقد سعت السعودية الى تشديد العقوبات في قانون مكافحة الارهاب، وتعزيز مراقبتها الحدودية مع المناطق التي تشهد اضطرابات امنية، فيما استعانت بالخطباء ورجال الدين، اضافة الى الاعلام، من اجل شن حملة اعلامية ودينية واسعة النطاق (يرى الكثير من الخبراء انها حملة طالت عن موعدها كثيرا، بسبب الخطاب الديني المتشدد والدعم الكبير الذي قدمته السعودية للحركات الاسلامية المتطرفة في السابق)، لاستهداف الافكار والتوجهات التي تدعمها داعش والمروجين لها، الامر الذي يعني ان معركة السعودية مع تنظيم داعش قد انطلقت شرارتها الاولى.    

استهداف الشيعة

فقد نقلت وكالة الأنباء السعودية عن متحدث باسم وزارة الداخلية قوله إن السعودية اعتقلت المشتبه بهم الرئيسيين الأربعة في هجوم على الشيعة في وقت سابق ومن المعتقد أن الهجوم كان بأوامر من تنظيم الدولة الإسلامية من الخارج، وقتل سبعة من أفراد الأقلية الشيعية في السعودية بالرصاص في منطقة الإحساء في المنطقة الشرقية في الثالث من نوفمبر تشرين الثاني في يوم عاشوراء، وأخمدت السعودية تصاعدا للأنشطة المتشددة قبل عقد من الزمان ولكن مخاوف سرت من أن تتسبب الجماعات الجهادية كتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا أو جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا في زرع أفكار متطرفة بين السعوديين تجعلهم يشنون موجة جديدة من الهجمات داخل المملكة، وقالت الوزارة إن متشددين كانوا يحاولون مهاجمة السعودية ولكنها لا تملك أي أدلة على أن هجوم الإحساء كان بالتنسيق مع الدولة الإسلامية.

وقال المتحدث باسم الوزارة إنه جرى اعتقال 77 مشتبها بهم حتى الآن وأنه من المعتقد أن بينهم المهاجمين الأربعة الرئيسيين، وتابع المتحدث أن قائد هجوم الإحساء تلقى أوامر من الخارج "وحدد له الهدف والمستهدفون ووقت التنفيذ والنص على أن يكون التنفيذ في منطقة الإحساء"، واختار القائد ثلاثة من الأتباع قاموا باستطلاع الهدف وسرقوا سيارة وقتلوا مالكها واستخدموها في الهجوم، وتابع المتحدث أن قوات الأمن سعت لاعتقال "كل من ينتمي لهذا التنظيم الإرهابي سواء من المبايعين لقائد التنظيم أو المشاركين أو الداعمين أو الممولين أو المتسترين"، وقالت الوزارة إن سعوديين اثنين وقطريا قتلوا حينما قاوموا الاعتقال، وقتل أيضا اثنان من ضباط الأمن، وقالت السلطات بالفعل إن بين المحتجزين أشخاص يعتقد أنهم قاتلوا في صفوف جهاديين سنة في سوريا أو سجنوا في الماضي لأنهم قاتلوا لصالح القاعدة.

وقالت وزارة الداخلية السعودية إن تشديد الأمن في المملكة زاد من صعوبة استهداف تنظيم الدولة الاسلامية للحكومة ولذلك يحاول المتشددون التحريض على صراع طائفي عن طريق مهاجمة الأقلية الشيعية، ودعا زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي لشن هجمات على الحكام في السعودية التي أعلنت أن الدولة الاسلامية تنظيم ارهابي وشاركت في الضربات الجوية التي يشنها تحالف دولي كما سعت لتعبئة كبار علماء الدين للتنديد بالتنظيم، وتحدث البغدادي بعد هجوم على مدنيين من الشيعة هو الأول من نوعه منذ 2006 شنه متطرفون سعوديون داخل المملكة، ولم يعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجوم ولم تحمله السعودية المسؤولية لكن السلطات اعتقلت أكثر من 50 شخصا من بينهم بعض من قاتلوا مع جهاديين من السنة في سوريا أو سجنوا في السابق للمشاركة في القتال في صفوف تنظيم القاعدة. بحسب رويترز.

وقال اللواء منصور التركي المتحدث الأمني باسم وزارة الداخلية "الدولة الاسلامية والقاعدة تبذلان قصارى جهدهما للقيام بأعمال أو جرائم إرهابية داخل السعودية"، وأضاف "وهم يحاولون استهداف النسيج الاجتماعي وخلق صراع طائفي داخل البلاد"، وأسفر الهجوم الذي شنه مسلحون في الأحساء بالمنطقة الشرقية في الثالث من نوفمبر تشرين الثاني الجاري عن مقتل ثمانية أشخاص من الاقلية الشيعية أثناء الاحتفالات بيوم عاشوراء، وقال التركي إنه لا علم له بأي أدلة على التنسيق مع عملاء الدولة الاسلامية خارج المملكة، وأضاف أن تحسين أمن المؤسسات الحكومية مثل فرض حراسة على الأهداف المحتملة وزيادة الدفاعات الحدودية والمراقبة زاد بشدة من صعوبة قيام متطرفين في أماكن أخرى بتنظيم أعمال عنف داخل السعودية مثل الهجمات التي شنها تنظيم القاعدة في الفترة من 2003 إلى 2006 وسقط فيها مئات القتلى وأدت لاعتقال أكثر من 11 ألف شخص.

وقال التركي إنه رغم أن مواطنين سعوديين لعبوا أدوارا قيادية مهمة في تنظيمات مختلفة للقاعدة فإن الرياض لم تتعرف على أي سعودي في المراكز القيادية في تنظيم الدولة الاسلامية، لكنه أضاف أن التنظيم يميل لاستخدام أفراد سعوديين من أعضائه في الدعاية بسبب دور المملكة القيادي بين الدول السنية، وتخشى الرياض أن يؤدي صعود نجم الجماعات السنية المتشددة بما فيها جبهة النصرة التابعة للقاعدة والدولة الاسلامية في الحرب السورية إلى اتجاه سعوديين للتشدد بما قد يدفعهم لشن موجة جديدة من الهجمات داخل المملكة، ورغم أن المملكة أيدت جماعات معارضة تقاتل إلى جانب الجهاديين ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد فقد أتخذت أيضا خطوات لمنع مواطنيها من المشاركة في القتال في سوريا أو العراق أو دعم المقاتلين بالمال، وقال التركي إن مرسوما ملكيا صدر في فبراير شباط فرض أحكاما طويلة بالسجن على من يسافرون للخارج من أجل القتال أو مساعدة آخرين على القتال وكذلك على من يقدمون الدعم المعنوي أو المادي للجماعات المتشددة وإن هذا المرسوم أدى إلى تقلص أعدد الجهاديين السعوديين، وتابع "أحد من اعتقلناهم (منذ صدور المرسوم) استخدمه (تنظيم الدولة الاسلامية) لكتابة خطب الجمعة، فهل يعني ذلك أنهم ليس لديهم من يقدر على ذلك؟ بالطبع لا، لكنهم يريدون انعكاس لغتنا وشخصيتنا في خطبهم".

وقال إنه منذ صدور المرسوم انخفض معدل سفر السعوديين إلى سوريا أو العراق من أجل الجهاد انخفاضا حادا بينما تسارعت وتيرة عودة السعوديين للمملكة من البلدين، وأضاف أن السلطات حددت هوية ما بين 2000 و2100 مواطن سعودي حاربوا في سوريا منذ بدء الأزمة عام 2011 من بينهم نحو 600 عادوا للبلاد، ومن العدد الاجمالي لم يغادر المملكة منذ صدور مرسوم فبراير شباط سوى نحو 200 سعودي وعاد في الفترة نفسها نحو 170 مواطنا، وقال التركي إن صعوبة اجتياز مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية لقيود الامن ودخولهم الى المملكة دفعت التنظيم الى محاولة تحريض المتعاطفين داخل البلاد لتنفيذ هجمات، وعلى خلاف حملة تنظيم القاعدة في العقد الماضي فان هجوم الاحساء لم يكن يستهدف أهدافا حكومية او اجنبية او البنية التحتية (التي تنعم الآن بحماية افضل من جانب قوات الأمن) لكنه ضرب قرى شيعية عزلاء، وأضاف التركي ان ذلك يظهر الطبيعة الطائفية المتزايدة للعقيدة الجهادية ويؤكد ايضا على ان تشديد اجراءات الامن قد قلل من عدد الاهداف الواضحة التي تركز عليها هجمات المتشددين، واعتقلت السلطات السعودية عشرة أشخاص آخرين فيما يتعلق بالهجوم ليرتفع الى 54 العدد الاجمالي للمشتبه بهم المعتقلين في 11 مدينة سعودية مختلفة، وأضاف التركي ان الموقف في البلاد الآن يختلف عما كان عليه قبل عشر سنوات عندما واجهت المملكة اول هجمات للقاعدة مشيرا الى ان المملكة لم تكن مستعدة تمام الاستعداد آنئذ.

داعش إلى السعودية

فيما يبدو أن قيادة تنظيم الدولة الإسلامية لا نية لديها لبقاء هذا التنظيم في مكانه دون حركة، ففي رسالة صوتية طولها 17 دقيقة، يعتقد أنها لزعيم التنظيم أبوبكر البغدادي، يركز التنظيم أنظاره على المملكة السعودية، تلك البقعة التي شهدت بداية ظهور الإسلام والتي تعد أكبر دول العالم إنتاجا وتصديرا للنفط، ولم يشر المتحدث في هذا المقطع إلى المملكة العربية السعودية بهذا الاسم الذي اشتق من اسم العائلة المالكة "آل سعود"، والتي لا يقبل التنظيم سلطتها في البلاد أصلا، مستخدما بدلا من ذلك كلمة "بلد الحرمين" في إشارة إلى مكة والمدينة، ووجه المتحدث كلامه إلى الأعداد المتزايدة من أتباع التنظيم في السعودية، واضعا لهم قائمة بالأهداف التي يهاجمونها، بدءا من الشيعة الذين يمثلون أقلية بين السعوديين، ويعيش غالبيتهم في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، بينما ينظر إليهم السلفيون الأصوليون المتشددون على أنهم هراطقة، وازدادت حدة الانقسامات الطائفية في منطقة الشرق الأوسط بعد التمرد الذي شهده العراق، حيث ينظر الكثير من السعوديين إلى أفراد التنظيم ليس كمجموعة من الإرهابيين بل كمقاتلين شجعان يدافعون عن المذهب السني ضد القوات المعتدية من إيران وحلفائها من الشيعة، وكان المسؤولون السعوديون يحذرون مرارا من أن دولتهم تمثل هدفا رئيسيا لتنظيم الدولة الإسلامية.

وبإعلانه الخلافة الإسلامية في الصيف الماضي، أصبح حتميا أن التنظيم سيوجه اهتمامه عاجلا أو آجلا نحو أكبر الدول وأكثرها أهمية في المنطقة، أما السلطات الدينية العليا في السعودية ومفتيها فوصفوا التنظيم بأنه "عدو الإسلام الأول"، وورد مؤخرا في مقال رأي بصحيفة النيويورك تايمز كتبه أحد السعوديين المقربين من الحكومة أن "المملكة العربية السعودية هي السلطة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك القوة والشرعية للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية"، إلا أن الكثيرين يلقون باللائمة على السلطات السعودية في ظهور التنظيم بهذه السرعة، ويتهمونها بتمويل وتصدير فكر إسلامي متشدد أصبح يمثل نقطة عبور أولى نحو فكرة الجهاد والعنف، إلا أن الحكومة السعودية ترفض بشكل قاطع إلقاء اللوم عليها في ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، مشيرة إلى أن ذلك نابع من الفوضى التي أحدثتها الحرب الأهلية في سوريا والسياسيات التمييزية التي تمارس على السنة في العراق من قبل الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة، كما يشير السعوديون أيضا إلى أنهم قاتلوا لثلاثة أعوام مريرة ونجحوا في مواجهة التمرد الذي شهدته المملكة من تنظيم القاعدة، وكان سببا في حصد حياة المئات.

واليوم تجد السعودية نفسها في وضع شديد الصعوبة، فقد شاركت قواتها الجوية في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والذي شن ضربات جوية عديدة على معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، بالرغم من أن ذلك لم يجد قبولا لدى الكثير من السعوديين، ووردت تقارير عن أن أحد الأمراء ممن شاركوا في شن غارات جوية على التنظيم على متن مقاتلة "اف 15" قد تلقى تهديدات بالقتل، ويقدر عدد من انضموا إلى صفوف التنظيم من السعوديين بأكثر من 2000 سعودي، ممن يعتنقون فكرا "تكفيريا" ينظر إلى قطاعات كبيرة من الشعب بنظرة متشككة ومتشددة، وإلى جانب قطر والكويت، تسعى السلطات السعودية جاهدة لمنع التبرعات التي يقدمها الأفراد إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وفوق كل ذلك، شهد الوضع الأمني على الحدود الجنوبية للبلاد المحاذية لليمن تدهورا سريعا، حيث انضم عدد من السعوديين المتشددين إلى تنظيم القاعدة بعد أن جرى الإفراج عنهم من برامج تأهيل كانوا قد تعهدوا فيها بنبذ العنف، ومن المستبعد أن تشهد المملكة غزوا عسكريا مباشرا من قبل التنظيم، حيث إن حدودها الشمالية مع العراق مراقبة ومؤمنة بشكل قوي، وتمتلك معدات عسكرية غربية الصنع تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، وبدلا من ذلك، فهي تواجه خطرا متناميا بالعنف المعزول داخل حدودها، الذي من الممكن أن يبرز بين الحين والآخر في شكل عمليات تفجير أو إطلاق نار أو اختطاف من شأنها أن تختبر قدرات جهازها الاستخباراتي المحلي.

السعودية تستعين بالدين والاعلام

الى ذلك بالنسبة للمملكة العربية السعودية تعد الحرب على الرئيس السوري بشار الأسد نضالا جوهريا يتحتم خوضه من أجل مستقبل الشرق الأوسط لكن ليس بالتضحية بشباب المملكة، وبعد أن أثار قلقها عودة جهاديين للسعودية من أفغانستان والعراق بعد انضمامهم لتنظيم القاعدة منذ عقد تسعى الرياض الآن لوقف تجنيد سعوديين لخدمة قضية المتشددين حتى رغم أنها تمول مقاتلي المعارضة السورية وتزودهم بالسلاح، وتستخدم الحكومة السعودية وسائل الاعلام والمساجد لتوصيل رسالة مفادها أن السعوديين الذين ينضمون للجماعات الراديكالية مثل تنظيم الدولة الإسلامية سيجدون أنفسهم وقد سقطوا في براثن تجربة جهادية بغيضة وعقيمة، وسلطت وسائل الاعلام المحلية الضوء على قضية السعودي فهد الزيدي الذي قال إنه غرر به للانضمام لحرب ضد سنة مثله بدلا من القتال من أجل نيل حريتهم.

وقال الزيدي في تصريحات نشرتها مواقع اخبارية عربية محلية وتناقلتها وسائل اعلام سعودية إن من كانت تسول له نفسه التشكيك في تنظيم الدولة الإسلامية كان يعزل ويمنع من الاتصال بالآخرين مضيفا انهم كانوا يمضون أياما وليالي يتساءلون كيف سمحوا لأنفسهم بأن يقعوا فريسة لثلة من الأفاقين، وفي ظل الاقتتال بين جماعات المعارضة السنية الكبيرة بدلا من محاربة قوات الأسد تعتقد الرياض أن الحرب السورية يجب أن يترك أمرها للسوريين، وينظر للسعوديين الذين يحولون ولاءهم من أسرة آل سعود الحاكمة إلى دولة الخلافة (التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية بسوريا والعراق) على أنهم يمثلون خطرا على الحكومة السعودية الحليفة للولايات المتحدة، واستنادا الى خبراتها السابقة وإضافة للاعلام تستعين السعودية أيضا بمجموعة من الآليات لمكافحة تجنيد جهاديين.

وأصدرت السعودية مرسوما ملكيا في فبراير شباط ينص على الحكم بالسجن لفترات طويلة ضد من يقاتل في الخارج أو يساعد آخرين على القيام بذلك أو أولئك الذين يقدمون مساعدات معنوية أو مادية للجماعات وبينها الدولة الإسلامية وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، وأدين كثيرون بالفعل، وشجب كبار علماء الدين بمن فيهم مفتي السعودية وأعضاء هيئة كبار العلماء مرارا الجماعات المتشددة في خطب وفتاوى، ورغم أن بعض علماء الدين المعينين من قبل الحكومة وصفوا الحرب السورية بالجهاد إلا أنهم أوضحوا أنها حرب يجب أن يخوضها السوريون وليس السعوديين، إلا أن آلاف الشبان انضموا لتنظيم الدولة الإسلامية وجماعات أخرى، وتقول السلطات إنها على علم بأن 2500 سعودي يقاتلون في الخارج وتعترف بأن العدد قد يكون أكبر من ذلك. بحسب رويترز.

وعلى عكس صراعات سابقة قبل أن يتعلم المتشددون كيفية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كوسائل للتجنيد أصبح من يرغبون في الانضمام إلى الجهاديين لا يحتاجون للتواصل مع وسطاء داخل السعودية، ببساطة يسافر البعض إلى تركيا ويتوجه إلى الحدود السورية أو العراقية، ويستخدم آخرون التواصل عبر الانترنت للحصول على رقم هاتف محمول لشخص ما سيساعدهم بمجرد وصولهم، وقال سلمان الذي سافر شقيقه عبر تركيا للقتال في صفوف الدولة الإسلامية وجبهة النصرة في سوريا إن أخاه جند عبر الانترنت لكنه وجد أن الوعود بالجهاد لا تتماشى مع الواقع الفوضوي، ويشارك شقيق سلمان الآن ضمن برنامج للقضاء على النزعات المتشددة، وقال سلمان عن شقيقه في مقابلة هاتفية أعدها أحد الأطباء النفسيين العاملين في البرنامج "وضعه سيء للغاية، رأى الكثير من الدماء، طرأ عليه تغيير كبير عندما عاد، يلوم نفسه كثيرا".

ويستعين البرنامج ومقره منشأة أمنية في الرياض بعلماء دين للتوعية ضد التشدد وينظم دورات فنية ورياضية يشرف عليها أطباء نفسيون لمتابعة سلوك السجناء، ويشجع البرنامج الزيارات الأسرية وساعد سجناء في الحصول على وظائف كما يزوجهم لمساعدتهم على العودة للاندماج في المجتمع، ويقول مسؤولون إن معدل العودة للجريمة نحو واحد من عشرة، ويقول محللون إن السعوديين شاركوا في الجهاد من قبل بدافع التضامن مع المسلمين في أنحاء العالم وهو الأمر الذي أيدته السلطات لعقود من الزمان كوسيلة لإحداث توازن مع الأيديولوجية العلمانية المناهضة للملكية، في الثمانينات شجعت الحكومة والأسرة الحاكمة السعوديين على الانضمام للقتال ضد القوات السوفيتية في أفغانستان، وكثير من علماء الدين خاصة على المستوى المحلي شاركوا في تجنيد مجاهدين، وقد تكون رسالة عدم التسامح في المملكة مع الشيعة وغير المسلمين هي التي دفعت سعوديين إلى الانفتاح بشكل أكبر على الفكر المتشدد.

وعمق غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة الذي أطاح بالقيادة السنية برئاسة صدام حسين عام 2003 ووصول حكومة يقودها الشيعة للسلطة من الاعتقاد بين كثير من الشبان السنة وبينهم سعوديون بأن السنة يواجهون الاضطهاد، وقال اياد العنزي الذي أمضى أربعة أعوام في القتال مع مسلحين عراقيين قبل أن تتفكك مجموعته بعد معركة مع تنظيم القاعدة "رأيت في الأخبار في التلفزيون أن اخواني المسلمين يحتاجون مساعدة ومن ثم اعتقدت أني يجب أن أذهب وانضم إليهم"، وعندما أبلغ عائلته أنه وصل إلى العراق عام 2005 توسلوا اليه أن يعود لكنه مكث هناك حتى عام 2009 اقتناعا منه بأنه على صواب، ويواجه تنظيم الدولة الإسلامية اليوم ضغوطا على مقاتلين كي يعودوا إلى أوطانهم، وفي تسجيل فيديو بث في الآونة الأخيرة يبلغ شاب جرى تعريفه على أنه أبو هاجر الجزراوي كان على وشك ان يكون مفجرا انتحاريا وحاول ابلاغ والديه انهما كانا على خطأ عندما أبديا رغبة في عودته، وقال في الفيديو الذي سجله استعدادا للهجوم "إلى أمي وأبي، طالما قلتم، ارجع ارجع عن هذا الطريق ولا تغتر بالدولة ولا تغتر بالخلافة فلن أقول إلا كما قال الذي أتى من أقصى المدينة "يا ليت قومي يعلمون".

وقال توماس هيجهامر مؤلف كتاب (الجهاد في السعودية) والباحث بمؤسسة الأبحاث الدفاعية النرويجية إنه ليس كل العائلات السعودية مستاءة من تعريض حياة أبنائهم للخطر، وقال "ينشر أصدقاؤهم أرقام هواتف أشخاص يجري الاتصال بهم وتهنئتهم"، لكن لا يحدث ذلك الآن ومن غير الواضح ما إذا كان ذلك يرجع إلى تغير في الموقف العام أم أن السعوديين ببساطة يخشون الاجراءات الأمنية، إلا أن الحملة الحكومية أدت إلى أن الكثير من جهود تجنيد مجاهدين أصبحت أكثر تكتما مما يجعل من الصعب معرفة من يذهب إلى سوريا والعراق ولماذا، وقال هيجهامر إن الجهاديين "أصبحوا لا يكتبون بشكل كبير عن أنفسهم كما كانوا يفعلون من قبل"، وفي اغسطس آب أبلغ سكان في بلدة تمير الصحراوية الصغيرة الواقعة على بعد 160 كيلومترا شمالي الرياض السلطات أن اثنين من أئمة المساجد يجندان جهاديين، وقالت وزارة الداخلية في وقت لاحق إن الإمامين اللذين لم تذكر اسميهما اعتقلا مع ستة آخرين في تمير للاشتباه في ارسالهم أشخاصا للدولة الإسلامية.

وقال الطبيب النفسي الذي يعمل في برنامج القضاء على النزعات المتشددة إن العلاقات الأسرية نقطة أساسية في استراتيجية البرنامج لمنع الناس من الذهاب للقتال أو لاقناعهم بالعودة إذا كانوا قد سافروا بالفعل، وأضاف أن أكثر ما تخشاه السلطات السعودية الآن هو سهولة استخدام المتشددين لموقعي يوتيوب وتويتر على الانترنت لحض الشبان على السفر إلى سوريا أو العراق، وتابع أن هذه هي المشكلة التي تبحثها مع حكومات عربية أخرى ومع دول غربية في اطار محاولتها اقناع رعاياها بعدم الانضمام للجهاد، وشجعت الرياض أمهات مقاتلين في سوريا على الحديث عن آلامهن في التلفزيون، وفي فبراير شباط ظهرت إمرأة عرفت نفسها على أنها أم محمد في التلفزيون لتوبيخ أئمة لاستدراجهم ابنها البالغ من العمر 17 عاما للسفر إلى سوريا، وقال مذيع البرنامج التلفزيوني داود الشريان إن الحكومة أصبحت ترحب بجهوده للحديث مع مثل هؤلاء الناس مضيفا أن ابن هذه المرأة عاد للوطن بعد أن سمع مناشدة والدته، وقالت قناة العربية التلفزيونية الفضائية إن الابن ظهر هو نفسه في البرنامج وقال إنه قرر الانضمام للجهاد بعد الاستماع لخطب على الانترنت لأحد الأئمة السوريين، وقال إنه سافر إلى تركيا بمفرده ودفع أموالا لأحد المهربين لمساعدته في عبور الحدود لكنه أصيب بخيبة أمل لأن بعض المقاتلين في جماعته كانوا يحتسون الخمر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 1/كانون الأول/2014 - 8/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م