تفكيك القيم في المجتمع العراقي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يُعَدّ النسيج المجتمعي بمثابة الوحدة المتجانسة التي تجمع بين افراد ومكونات المجتمع كافة، وثمة روابط مشتركة تربط بين الجميع، يمكن ان نطلق عليها بـ ( منظومة القيم)، وهي تمثل عوامل وحدة وتقارب وتناغم وانسجام، بين افراد وجماعات المجتمع الواحد، لذا فإن أي خلل تتعرض له هذه المنظومة، سوف يؤدي الى خلخلة الوحدة المجتمعية، وبذلك تشكل منظومة القيم (تلك الأعراف والنواميس) المتراكمة زمنيا، والمتفق عليها بين مختلف الفئات والطوائف والاقليات التي تشترك في تكوين الكتلة المجتمعية، لذلك فأية مشكلة تتعرض لها منظومة القيم وأي ضعف يصيبها، لأي سبب كان، سوف ينعكس بصورة مباشرة على وحدة المجتمع وتماسكه، وقدرته على مواجهة التحديات في جميع المجالات.

لا شك أن المجتمع العراقي يعيش في المرحلة الراهنة، حالة من التفكك القيَمي الخطير، بمعنى اوضح أن منظومة القيم التي تمثل رابطا مهما ومشتركا جامعا بين مكونات المجتمع كافة، هذه المنظومة تتعرض الى استهداف متواصل لكي لا تقوم بدورها المصيري في منح وحدة المجتمع حصانة غير قابلة للاختراق، نعم من الواضح ان ثمة جهات خارجية وداخلية تعمل بتخطيط دقيق وتنفيذ اكثر دقة على ضرب منظومة القيم هذه، لكي تضعف ويضعف دورها، ومن ثم ينتهي تأثيرها كليا على المجتمع، عند ذاك تنتج انهيارات في مجالات ومضامير متعددة، فعندما تنهار القيم، تنهار الثوابت ومنها الجوانب الاخلاقية، فضلا عن انهيار معالم الحياة كفة، كالأنشطة السياسية والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية وسواها.

ومن المجالات والمضامير المهمة التي ستتعرض للانهيار ايضا، حقل التعليم بما في ذلك الجانب التربوي، وهذا مؤشر خطير على ما سيلحق بالمجتمع من أضرار فادحة، فعندما ينهار التعليم وتضعف مسارات التربية، سوف يتعرض المجتمع كله للتجهيل المتعمد والمتواصل، وستكون النتائج كارثية على الجميع، كما هو الحال في مخلفات الحروب الطائشة والسياسات المجنونة التي انعكست على حياة الشعب العراقي بعد مضي عدة عقود عليها، علما أن سلامة التعليم من العلل والامراض، من اهم السبل التي تمنح المنعة والقوة للدولة والمجتمع.

أما عملية الشروع بالمواجهة من لدن الجهات المعنية، ونعني بذلك مواجهة المخطط الخطير لتفكيك القيم في المجتمع العراقي، فإنها تبدأ بمعرفة الاسباب التي تقف وراء ضعف وتراجع منظومة القيم بين العراقيين، نعم هناك اسباب كثيرة ويمكن اكتشافها تقف وراء هذا الانهيار والضعف في الاعراف والقيم السائدة الان، فقد دخلت للمجتمع العراقي قيم ما أنزل الله بها من سلطان، وبدأ الناس يستسيغون الكثير منها، فبات المعيب مقبولا، وبات التملق نوعا من الذكاء (والشطارة)، فيما عمليات الاختلاس والرشا صارت أمرا مكشوفا ومعروفا لدى الجميع، وكأن المجتمع رضيَ بها او قبَلها، على الرغم من انها تفتك به، اما مؤشرات القبول فهي تتضح من عدم المواجهة الحاسمة مع تردي منظومة القيم والاعراف، على الرغم من معرفة العواقب الوخيمة، للعمليات التي تدخل في الفساد والتجاوز على المال العام.

أما الاسباب التي ساعدت على خلخلة القيم وإضعافها، فهي متعددة أولها يكمن في الاستبداد، الذي مارسه الحكام وحكوماتهم المتجبرة والمتعالية على الشعب، وقد تمخض عن اسلوب الاستبداد، ظواهر كثيرة تؤدي الى إضعاف الحلقات والمؤثرات والقيم المهمة في المجتمع، كما حدث فعلا في انتشار ظواهر غريبة ومخزية يقوم بها أناس لا ضمير لهم تسوقهم اهواؤهم وجشعهم، ومن الاسباب الاخرى التي اسهمت في تدمير القيم الاصيلة، سلسلة الحروب الرعناء التي اضطر العراقيون خوضها بسبب قرارات رسمية من حكام جهلاء، لا يفهمون سوى العنف سبيلا للحفاظ على مكاسبهم وعروشهم، فانعكست مؤثرات ونتائج تلك الحروب على الواقعين الاقتصادي المعيشي أولا، وعلى الواقع الاخلاقي الذي اصبح بفعل الحروب اكثر ضعفا واهتزازا، ومن الاسباب ايضا، غياب او ضعف دور النخب، في تعميق القيم وترسيخها في عقول ونفوس الناس من خلال القيام بالدور المطلوب من قادة النخب كافة ازاء الدولة وعامة الناس، وعندما نستخلص نتائج الاسباب المذكورة سوف نصل الى انتشار ظاهرة الفساد في مؤسسات الدولة والحكومة، وبين مكونات المجتمع كافة، وعندما ينتشر الفساد، تضمحلّ القيم، وتفقد تأثيرها الجوهري على المجتمع.

وعندما نتحدث عن معالجة مثل هذا الواقع المربك، الفوضوي، المتأخر، والمحتقن، فإننا نحتاج الى الشروع الفوري، بالتخطيط والتنفيذ لنهضة شاملة في القيم كي نحمي العراق من التفكك، لأننا لمسنا لمس اليد ورؤية البصر والبصيرة، ماذا يحدث للمجتمع عندما يفقد القيم التي يستند إليها في ادارة نشاطاته الاجتماعية وسواها.. إننا ينبغي ان نباشر العمل فورا، للحد من تصدّع منظومة القيم، وهو امر يحتاج الى جهد تنظيري فكري وتطبيقي عملي، يشترك فيه الرسميون الحكوميون.. وعامة الشعب بطرائق مدروسة مسبقا.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/تشرين الثاني/2014 - 6/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م