الجيش الأمريكي ومخاطر البيئة الأمنية المتغيّرة

 

شبكة النبأ: الولايات المتحدة الاميركية التي تمتلك اكبر واضخم مؤسسة عسكرية في العالم، من القوات البشرية و التجهيز والاسلحة المختلفة، لا تزال على الرغم من كل التحديات والمشكلات الداخلية والخارجية المختلفة، تسابق الزمن من اجل تطوير قدراتها وإمكانيتها العسكرية والتكنولوجية، التي ستمكنها من فرض هيمنتها على العالم، وتعزيز مصالحها المختلفة خصوصا وان الولايات المتحدة تنفق على هذه المؤسسة المهمة اموالا طائلة كما يقول بعض الخبراء، الذين اكدوا ايضاً على ان هذه المؤسسة العسكرية وعلى الرغم مما تقدم، فإنها تواجه اليوم تحديات اقتصادية ومالية كبيره كانت سببا مهماً في تقليص النفقات والمصاريف المعتمدة وهو ما قد يؤثر على قدراتها الحالية ويتسبب بتغيير الكثير من الخطط السابقة.

وقد حذر بعض الخبراء من ان التخفيضات الاجبارية في الميزانية المقرر ان تستأنف في السنة المالية 2016 ستكون مدمرة للخدمة التي تواجه بالفعل مخاطر هائلة، فيما يحاول الجيش المحافظة على الاستعداد القتالي للقوات واحلال المعدات القديمة والتعامل مع الازمات في أنحاء العالم. وقال رئيس أركان الجيش الامريكي الجنرال راي أوديرنو "يتعين ان نجري نقاشا بشأن الامن القومي لانه يوجد كثير من الاشياء التي تحدث." وقال أوديرنو ان الجيش وافق على اجراء مزيد من الخفض في حجم قواته النشطة الى 450 ألف جندي من المستوى المستهدف سابقا عند 490 الف جندي مع الخفض الاجباري في الميزانية لكنه تساءل عما اذا كان المستوى المستهدف اصلا سيسمح للجيش بالرد متى طلب منه ذلك في أنحاء العالم.

وقال أوديرنو وهو يشير الى العداء الروسي تجاه شرق أوروبا والمخاطر المتنامية من مقاتلي الدولة الاسلامية والتحديات في مناطق اخرى "المشكلة هي انه منذ ان أدلينا بهذه البيانات يتغير العالم أمامنا." وقال "الان لدي مخاوف بشأن ان كان حتى المستوى القديم عند 490 ألف جندي هو الشيء الصحيح عمله بسبب ما أراه في الافق" مضيفا انه أمر حيوي بحث جميع الخيارات المحتملة في ضوء البيئة الامنية المتغيرة.

واضاف "كما نرى فان ميزانيتنا تتقلص ونحن من حيث الميزانية والعدد غير قادرين على ان نكون في مزيد من الاماكن وهو ما يزيد الوقت اللازم للرد." وقال أوديرنو ان الجيش خفض بالفعل وحداته بنسبة 25 في المئة وهو ما حد من قدرته على الرد بالتزامن على أزمات متعددة في انحاء العالم.

أزمات وتخفيضات حادة

وفيما يخص تلك الازمات والتحديات وبينما يجاهد مخططو الدفاع الأمريكيون بقوة لتنفيذ تخفيضات حادة في الإنفاق كان العام الماضي واحدا من أكثر الأعوام التي تزايدت فيها المتطلبات بشدة منذ هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001. فبين الحين والآخر تتفجر أزمة جديدة كل منها يتطلب انتشارا عسكريا آخر وموارد جديدة. ونظرا للضغوط التي تواجهها الولايات المتحدة بالفعل بسبب حروب بدأتها منذ أكثر من عقد يرى البعض أن آثار هذه الضغوط بدأت تظهر.

وقالت كاثلين هيكس الزميلة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والتي كانت حتى العام الماضي نائبة وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسة "كوريا الشمالية وإيران لم تختفيا أيضا." وأضافت "هذا تحد حقيقي للبحرية الأمريكية بوجه خاص... من الصعب -نظرا لحجم القوة- ردع كل هذه الأماكن في آن واحد." ومما لا شك فيه أن إنهاء الصراعات التي تتطلب وجود أعداد كبيرة من الجنود والممتدة منذ أعوام سيوفر قدرا من المال. من المستحيل ألا يحدث هذا إذ يقدر بعض المحللين أن الإبقاء على جندي أمريكي واحد في أفغانستان يتكلف أكثر من مليوني دولار سنويا. ومع هذا تبدو الصراعات والمواجهات المسلحة في تصاعد وكذلك التوترات مع الصين وروسيا. ويقول مسؤولون حاليون وسابقون إن روسيا خاصة أخذت واشنطن على حين غرة.

وفي وقت سابق أشار تقرير لمعهد الاقتصاد والسلام الذي يقع مقره في أستراليا إلى أن السنوات السبع الماضية عانت زيادة كبيرة في الصراعات في أنحاء العالم بعد ستة عقود شهدت تحسنا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وحتى وقت غير بعيد كان كثيرون في واشنطن يأملون في أن يديروا ظهورهم للعراق للأبد. لكن بعد المكاسب الخاطفة التي حققها تنظيم الدولة الإسلامية تحركت الولايات المتحدة سريعا فأرسلت حاملة طائرات إلى الخليج ونشرت مئات العسكريين منهم أفراد من القوات الخاصة.

وفي كلمة رئيسية عن السياسة الخارجية ألقاها الرئيس باراك أوباما في الأكاديمية العسكرية الأمريكية في وست بوينت في مايو أيار الماضي قال إن واشنطن لا بد وأن تكون أكثر حرصا فيما يتعلق باستخدام القوة. إلا أن الواقع يظهر أن الولايات المتحدة استمرت في عهد أوباما في إرسال قوات إلى مزيد من الأماكن إن لم تكن قد أسرعت من ذلك الاتجاه وإن كان بأعداد أقل بكثير.

في تقرير توقع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تقلص ميزانية وزارة الدفاع (البنتاجون) الأساسية بنحو 21 في المئة في الفترة بين 2012 و2021 وذلك على أساس سعر ثابت للدولار. وأضاف التقرير أن ضغوط التخفيض ستكون "شديدة البأس" وسيوجه الإنفاق بدلا من ذلك إلى برامج التأمين الصحي والاجتماعي مع تقدم السكان في العمر. وحين تولى أوباما الرئاسة عام 2009 كانت ميزانية البنتاجون حوالي 700 مليار دولار. أما طلب الإنفاق في ميزانية 2015 المقترحة فبلغ 496 مليار دولار بالإضافة إلى ما يقدر بنحو 79 مليارا لأفغانستان.

وصرح روبرت هيل رئيس الفريق المالي بالبنتاجون بأن الشكوك التي تكتنف تكاليف الالتزامات الجديدة بالعراق أرجأت تقديم ميزانية منفصلة عن العمليات العسكرية في الخارج إلى الكونجرس. وتغطي الميزانية الحروب وستشتمل هذا العام على مبلغ إضافي قدره مليار دولار لتغطية الالتزامات العسكرية الأمريكية لأوروبا. ويظل إنفاق واشنطن العسكري هو الأكبر عالميا على الإطلاق ويزيد على ثلث الإجمالي العالمي.

غير أن الفجوة بين إنفاق الولايات المتحدة وبعض خصومها المحتملين تضيق. فقد زاد الإنفاق الدفاعي الروسي بنسبة 30 في المئة منذ 2008 والإنفاق الصيني بنسبة 40 في المئة. كما زادت دول أخرى بالشرق الأوسط وآسيا من إنفاقها العسكري بقوة. وفي حين أن معظم الدول تركز الجانب الأكبر من قوتها العسكرية على دول الجوار تنتشر القوة الأمريكية بشكل أوسع.

وتقاوم البحرية الأمريكية اقتراحات بإحالة إحدى حاملات طائراتها البالغ عددها 11 حاملة -وهي حاملة الطائرات جورج واشنطن- إلى التقاعد المبكر. وأرجئت أعمال صيانة لحاملة أخرى العام الماضي. ويقول بعض المسؤولين إن هذا قد يزيد من صعوبة تغطية الحاجة المتصاعدة فيما يبدو لمثل هذه السفن.

وقال الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة أمام عسكريين "تخفيضات الميزانية أرغمتنا على قبول مزيد من المخاطر.. مخاطر نعتقد أن بإمكاننا أن نتعامل معها عند هذا المستوى." ولم يذكر تفاصيل. وقال ديمبسي إن فرض قيود جديدة على الإنفاق -مثل تكرار حدوث تخفيضات تلقائية إذا لم يتفق الكونجرس على الميزانية- سيزيد من المخاطر بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها.

ويقول مسؤولون حاليون وسابقون إن التحدي الحقيقي لا يتمثل في عدد التزامات الدفاع وإنما في تزايد بنود تكاليف أخرى في ميزانية البنتاجون مثل العلاوات والمعاشات والإنفاق المتضخم على المشتريات. وتمثل تكاليف الأفراد الحالية ما يصل إلى نصف ميزانية البنتاجون غير المرتبطة بالحروب وهو أمر يريد قادة الجيش تخفيضه. وقال هيل رئيس الفريق المالي بالبنتاجون إن كل نوع من الأسلحة الجديدة يتكلف عادة ثلاثة أمثال السلاح الذي يحل محله وهو أمر قال إنه يصعب تحمله. بحسب رويترز.

وليست كل الأشياء أغلى ثمنا. فقد زادت ميزانية قيادة العمليات الخاصة الأمريكية للمثلين بينما زاد عدد أفرادها لثلاثة أمثاله وزادت عمليات الانتشار التي تقوم بها لأربعة أمثالها بعد هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001. ومع هذا تظل الميزانية أقل بنسبة اثنين في المئة عن الميزانية الإجمالية. وقال الأميرال جاري روفهيد قائد العمليات البحرية الأمريكية حتى عام 2011 والزميل الحالي بمؤسسة هوفر التابعة لجامعة ستانفورد "الاتجاه صوب عالم أكثر فوضوية لن يتغير قريبا." وأضاف "هل يمكن لنا أن نواكب مستوى المتطلبات البحرية والجوية اللازمة؟... الآن.. نعم.. يمكننا. لكن بمرور الوقت سيبدأ هذا في إجهاد أجهزتنا وأفرادنا بقوة."

طائرات وأسلحة تجريبية

من جانب اخر قامت طائرة اف-35 العسكرية الاميركية باول هبوط لها على حاملة طائرات في خطوة وصفها مسؤولون بانها تاريخية بالنسبة للطائرة الجديدة المتطورة جدا. ويعتبر برنامج انتاج طائرات اف-35 المقاتلة اعلى البرامج كلفة في تاريخ الولايات المتحدة وعانى العديد من المشاكل الفنية وزيادة التكاليف، الا ان وزارة الدفاع الاميركية اعتبرت هبوط هذه الطائرات في البحر خطوة مهمة.

وخلال الرحلة التجريبية هبطت المقاتلة بنجاح على حاملة الطائرات يو اس اس نيميتز قبالة ساحل سان دييغو، بحسب ما افادت قوات البحرية الاميركية في بيان. وتوجد ثلاثة نماذج من الطائرة وهي النموذج العادي والنموذج المصمم لعمليات الهبوط القصيرة وعمليات الاقلاع العامودية، والنموذج الثالث --اف-35 سي- المصمم للعمل على حاملات الطائرات.

وقال قائد الطائرة الذي قام بالرحلة التجريبية توني ويلسون "اليوم حدث تاريخي في تطوير طائرات اف-35 سي". ويعتبر هبوط المقاتلة جزء من رحلتها التجريبية في البحر والتي تستمر نحو اسبوعين، وستمهد الطريق لنشر الطائرات في الاسطول البحري بحلول 2018، بحسب مسؤولين. وقال الجنرال كريس بوغدان رئيس برنامج اف-35 في بيان "نخطط لتعلم الكثير خلال هذه التجربة وسنستخدم المعرفة المستمدة لجعل النسخة البحرية لطائرة اف-35 منصة اسلحة اكثر فعالية".

ويعتزم البنتاغون انفاق 391,2 مليار دولار على 2443 طائرة اف-35 التي تصنعها شركة لوكهيد مارتن العملاقة لصناعات الدفاع. ويفترض ان تشكل هذه الطائرة العمود الفقري لاسطول المقاتلات العسكرية المستقبلي بما يضمن هيمنة الجيش الاميركي على الاجواء خلال السنوات المقبلة بتكنولوجيا تجنب الرادار.

الا ان البرنامج واجه مجموعة من المشاكل، وكانت اخر نكسة في حزيران/يونيو عندما اندلع حريق غامض في المحرك دفع القادة الى وقف تحليق الاسطول لفترة طفيفة الى حين حل المشكلة. وتجري حاليا عمليات اصلاح في الاسطول التجريبي لضمان صلاحية المحركات وخلوها من العيوب، طبقا لمسؤولين في البنتاغون. بحسب فرانس برس.

في السياق ذاته قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن الجيش الامريكي دمر سلاحا يعمل بالموجات فوق الصوتية بعد أربع ثوان من اطلاقه من مركز اختبار في الاسكا عقب اكتشاف مراقبي التجربة مشكلة في النظام. والسلاح ضمن برنامج لتصنيع صاروخ قادر على تدمير أهداف في أي مكان على ظهر الأرض في غضون ساعة من وصول البيانات وأمر الاطلاق. وقالت متحدثة باسم وزارة الدفاع الامريكية إن المهمة أحبطت حفاظا على سلامة العامة وان احدا لم يصب في التجربة التي أجريت في مجمع كودياك لاطلاق الصواريخ بالاسكا. وقالت "اضطررنا لتدميره. انفجر السلاح عند الاطلاق وسقط مرة أخرى في نطاق المجمع." وأضافت ان الحادث سبب اضرارا في المجمع لم يكشف عنها.

وهذه انتكاسة للبرنامج الأمريكي الذي يقول بعض المحللين إنه يهدف للتصدي لتطوير ايران وكوريا الشمالية صورايخ باليستية بينما يقول البعض الآخر انه يجيء في اطار سباق التسلح مع الصين التي اختبرت أنظمة تعمل بالموجات فوق الصوتية في يناير كانون الثاني.

دعوى قضائية ضد الدعارة

على صعيد متصل وفيما يخص بعض التحديات والمشكلات الاخرى فقد رفعت مجموعة من النساء في كوريا الجنوبية دعوى قضائية ضد حكومة بلادهن يتهمن فيها السلطات بأنها دربتهن وعملت على إدماجهن في أنشطة الدعارة خلال فترة الستينات والسبعينات لـ"تقديم الخدمات الجنسية" للجنود الأمريكيين. وطالبت هذه المجموعة من نساء كوريات جنوبيات ببتعويضات قدرها 10 ملايين وون (9800 دولار أمريكي) لكل مدعية.

وتعليقا على هذه القضية قال متحدث باسم القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية "إن قواتنا لا تتسامح على الإطلاق في قضايا الدعارة والإتجار بالبشر. إن هذين الأمرين قاسيان ومهينان ولا يتفقان مع قيمنا العسكرية الأساسية." وسعت الحكومة الكورية الجنوبية بشتى الطرق في الستينات لإبقاء الجنود الأمريكيين بعد حرب مدمرة ولكن غير محسومة مع جارتها الشمالية وأرادت من النساء أن يقمن بدورهن "كمواطنات" و"دبلوماسيات مدنيات". غير أن الألقاب التي تبدو فاضلة في ظاهرها لم تكن تؤثر كثيرا على حياتهن الفعلية.

وقالت النساء إن القوات الكورية الجنوبية أجبرتهن على الخضوع لفحوص دورية مذلة للكشف عن الأمراض المنقولة جنسيا وكانت تحتجزهن بشكل انفرادي إذا ما ثبت إصابتهن بها حتى تصبحن جاهزات للعمل من جديد. وبعد تلك الفترة تركت النساء ليتدبرن أمرهن ويعشن في فقر مدقع موصومات بأنهن كن يعملن مومسات في حين تستمر المئات منهن في العيش حول القواعد العسكرية في كوريا الجنوبية وتعانين من العوز والمرض.

وتحكي شو ميونج جا قصة هروبها من منزلها في كوريا الجنوبية عندما كانت مراهقة هربا من تعنيف والدها وضربه لها في أوائل الستينات لكنها سرعان ما وجدت طريقها إلى حي الدعارة في بلدة كانت تستضيف حامية عسكرية أمريكية كبيرة. فبعد هربها من منزل ذويها باعها "قوادها" إلى واحد من المواخير التي تصرح لها الحكومة بتقديم الخدمات الجنسية للجنود الأمريكيين.

وقالت شو (76 عاما) "كانت حياة صعبة وكنا نصاب بالأمراض" في مقابلة في غرفتها التي تسودها الفوضى في كوخ خارج معسكر همفريز العسكري الأمريكي ببلدة بيونج تاك جنوبي العاصمة سول. ولكن في 25 يونيو حزيران الماضي وبعد 64 عاما من اندلاع الحرب الكورية انضمت شو إلى مجموعة من 122 امرأة من اللواتي ما زلن على قيد الحياة ورفعت معهن قضية على حكومتهن لاستعادة كرامتهن الإنسانية والتعويض المناسب. بحسب رويترز.

وتعد هذه القضية مسألة محرجة للحكومة الكورية الجنوبية التي دفعت اليابان إلى التعويض بشكل مناسب لما وصفته بأنه فظاعات الحرب العالمية الثانية ومن ضمنها إجبار النساء -الكثيرات منهن كوريات-على العمل في تجارة الجنس لجنودها. وتزعم النساء أن الحكومة الكورية الجنوبية دربتهن وعملت مع القوادين على إدارة تجارة الجنس خلال الستينات والسبعينات للجنود الأمريكيين كما شجعت النساء على الدعارة وانتهكت حقوقهن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/تشرين الثاني/2014 - 3/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م