الاكتفاء الذاتي

من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

شبكة النبأ: بلغة الارقام يمثل اقتصاد دول العالم الإسلامي التي تزيد عن 58 دولة جزءا كبيرا من الاقتصاد العالمي. و تمتلك هذه الدول جميع مقومات الوحدة الاقتصادية من أراضي زراعية خصبة، وأيدي عاملة، ورؤوس أموال يضاف إلى ذلك العديد من الإمكانيات والمقومات الموجود في العالم العربي والإسلامي، والتي إذا استغلت بشكل إيجابي لتحقق الاكتفاء الذاتي دون الحاجة إلى الغير، وفي مقدمتها الأيدي العاملة، فسكان العالم الإسلامي يصلون إلى مليار و300 مليون نسمة، بتوزيع سكاني متفاوت الدرجات، فهناك دول لديها فائض في العمالة، وبالتالى معدل البطالة مرتفع، وهناك دول تعانى من نقص العمالة ..

وثاني هذه المقومات الأرض الزراعية، فالعالم الإسلامي يشغل حوالي 20 % من مساحة العالم، وهذا التنوع الجغرافي يصحبه تنوع مناخي يسمح بإنتاج وزراعة كافة السلع الزراعية وما تحتاجه الصناعات المختلفة، ولكن لا يستغل من مساحة الأراضي الزراعية بالعالم الإسلامي سوى 14% فقط، وقد يكون السبب نقص الاستثمارات أو نقص الأيدي العاملة.. فدولة السودان جميع أراضيها ذات خصوبة عالية، ولكنها لا يزرع منها سوى 10% فقط مع وفرة المياه، ولا أكون مبالغا إذا قلت أن هذه الأرض لو زرعت فإنها تحقق للعالم الإسلامي اكتفاءه الذاتي في الغذاء، بحيث نستطيع معالجة الفجوة الغذائية التي يعانى منها عالمنا الإسلامي، والتي تزيد عن 70% لأن ما ينتجه العالم الإسلامي يمثل فقط 30% من احتياجاته الغذائية.

وكذلك لدينا من المقومات 40% من احتياطي البترول العالمي موجود في الدول العربية والإسلامية، ثم تأتى رؤوس الأموال والتي تعد من أهم المقومات التي يملكها العالم الإسلامي، فلدينا أكثر من تريليون و 400 مليار دولار تستخدم في الخارج، بينما ما نتبادله داخليا لا يمثل سوى 10% بمعدل 100مليار دولار، والباقي موجود في دول الغرب يساعد اقتصادهم ويقوى أركانه، ويوفر لهم حياة الرفاهية، بينما يعانى عالمنا الإسلامي من حالة فقر حادة تكاد أن تهلكه، فلدينا إذن الإمكانيات والمقومات ولكن ينقصنا منفعتها لنا.

وفقا لهذه الارقام تصنف دول العالم الاسلامي حسب التصنيف العالمي إلى دول ذات دخل أدنى وهم 27 دولة، ودول ذات دخل متوسط وهم 27 دولة، و 4 دول فقط ذات دخل مرتفع، مما يعكس حقيقة عدم التكامل الاقتصادي بين هذه الدول والذي يعود بالدرجة الاساس الى عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي في جميع المجالات من زراعة وصناعة، مما يؤدي الى خروج اموال ضخمة الى دول اخرى لاتريد للعالم الاسلامي ان يحقق اكتفاءا ذاتيا ويستغني عن بضائعها وسلعها.

في كتابه (السبيل الى انهاض المسلمين) يؤكد الامام محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) على مسألة الاكتفاء الذاتي للمسلمين، ويجعله خامس اساس من الاسس التي تتوقف عليها حكومة المسلمين الواحدة، وكان يوم طرحه لهذه الاسس قد بلغ عدد المسلمين المليار نسمة، ولهذا السبب فقد سمى تلك الحكومة (حكومة ألف مليون مسلم)، والأسس الاربعة التي ذكرها الامام الراحل هي (التوعية، التنظيم، أصول الحركة العامة، والسلام)، أما الأساس الخامس لمثل هذه الحكومة وهو مدار هذه السطور فهو الاكتفاء الذاتي ويعني به الامام الراحل: (أن يهتم المسلمون بأن تكون حوائجهم من عند أنفسهم، فلا يطلبون من الشرق والغرب حاجة، سواء كانت صغيرة أم كبيرة). فالأساس الخامس وهو الاكتفاء الذاتي يعني الاستغناء عن الأجانب، في الدواء، في الغذاء، في الكساء، في السيارة، في الباخرة، وفي كل شيء.

ولا يكون ذلك ممكنا الا من خلال وحدة البلدان الاسلامية وتكاملها، وذلك ممكن بحسب رأي الامام الراحل، فالبلد الإسلامي (إذا صار يداً واحدة من غير فرق بين السودان وليبيا والمغرب ومصر والأردن وسوريا والعراق وإيران والخليج والباكستان وأندونيسيا وبنغلادش وأفغانستان وغيرها من الأجزاء المقطعة من الجسم الإسلامي الواحد.. إذا عدت هذه البلاد بلداً واحداً أمكن أن يعطي كل بلد حوائج البلاد الأخرى)..

اكتفاء المسلمين بحوائج انفسهم فيما بينهم، وعدم استيرادهم لتلك الحوائج من الشرق او الغرب، (يبتدئ من الصفر)، حيث تقوم الحركة الاسلامية والتي تدعو الى هذه الحكومة الواحدة، (بتطبيق هذا المبدأ على نفسها وأعضائها أولاً، ثم تقوم بالدعايات الكافية وتوفير الشروط اللازمة لأجل الاستغناء)، ويعتبر الامام الراحل حاجة المسلمين الى هذه الدول في لباسهم وفي أدواتهم الكمالية وفي المأكل والمشرب والمركب وغير ذلك بمثابة الاسر لهم، فالمسلمون (هم أسراء في أيديهم وبالفعل نحن أسراء) على حد تعبير الامام الراحل..

هذا الاسر لتلبية الاحتياجات، هو مايجعل (لا استقلال لنا ولا حرية، ولا تسمع آراؤنا، وليس لنا كلمة يصغى إليها.) فطالما نحن أسراؤهم (لا يمكن أن تقام الدولة الإسلامية الواحدة، كما لا يمكن أن تقوم حركة حقيقية تتقدم حتى تصل بالمسلمين إلى حكومة ألف مليون مسلم).

والاكتفاء الذاتي والرجوع إلى الإسلام وتأسيس الدولة الإسلامية العالمية ذات الألف مليون مسلم هو الطريق الى استقلالنا اذا اردنا ذلك، حيث نكتفي ببضائعنا، ونكتفي بمنتجاتنا، ونكتفي بعلومنا، ونكتفي بخيراتنا التي تظهر من الأرض من المعادن أو الثمار أو غير ذلك.

 ويركز الامام الراحل في الحديث عن الاكتفاء الذاتي، على امرين: 

السلبي: وهو عبارة عن تجنب الإنسان البضائع والأفكار الأجنبية مطلقاً، وإنما يجب أن تكون الأفكار نابعة من نفس الإسلام وبلاد الإسلام، فالأفكار الدخيلة يجب أن تنبذ ، ويجب أن تقاطع كل البضائع الأجنبية.

الإيجابي:

ويقصد به قيام الحركة الاسلامية التي تنشد الحكومة الواحدة، بدعوة المسلمين الى التخلي عن البضائع الاجنبية، واحدة تلو الأخرى، وشيئاً فشيئاً، وأن يحولوا البضائع المستوردة إلى البضائع المصنوعة في بلاد الإسلام، كما ويلزم أن يقطعوا حاجاتهم عن المواد الغذائية المستوردة من الخارج وينقلوا ذلك إلى المواد المنتجة في داخل بلاد الإسلام من لحوم وحنطة وأرز وحليب ومربيات وحلويات وغير ذلك تدريجياً..

ثم يتطرق الامام الراحل الى مقومات الاكتفاء الذاتي والتي هي عبارة عن الأمور التالية:

الأول: تشجيع البضائع الداخلية في البلاد الإسلامية.

الثاني: التشجيع للمستهلك على البضائع الداخلية.

الثالث: جعل التعاونيات لمختلف البضائع الداخلية.

الرابع: صناديق الإقراض والاقتراض، لأجل تشجيع البضائع الداخلية وترك البضائع الأجنبية.

الخامس: التنسيق: ويعني: أن تكون مكاتب للتنسيق بين المنتج والمستهلك وصناديق الاقتراض والتعاونيات، فإن التنسيق يوجب أن تسير الأمور بسرعة مطلوبة وبنوعية حسنة.

السادس: الدعاية الكافية لأجل هذا الشيء في الكتب والمجلات والجرائد والإذاعة والتلفزيون والملصقات واللافتات وغير ذلك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/تشرين الثاني/2014 - 3/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م