سوريا... الدمار والعنف يعيد الاقتصاد عقودا الى الوراء

 

شبكة النبأ: يبدو ان قدر سوريا ان لا تقتصر معاناتها على مشاكل الحرب الاهلية (بعد احداث عام 2011)، وتمكن المجاميع المسلحة والتنظيمات المتطرفة من السيطرة على مساحات واسعة من اراضيها، والظروف الانسانية الصعبة التي يعاني منها المواطنين السوريين بعد ان قتل اكثر من 100 الف انسان، وشرد اكثر من 5 مليون انسان في الداخل والخارج، وانما يضاف الى حجم هذه المعاناة، الاقتصاد السوري، الذي بات على المحك، بعد ان كان من الاقتصادات التي تبشر بخط بياني متصاعد في معدلات النمو والانتعاش الاقتصادي، حتى وصل الامر، بحسب خبراء اقتصاديون، الى عودة سوريا اقتصاديا الى عقد الثمانينات من حيث حجم الخسائر والدمار الذي لحق بأغلب القطاعات (الزراعية، الصناعية، السياحية، الاستثمارية) التي كانت، فيما مضى، من عوامل قوة الاقتصاد السوري، ويكفي ملاحظة حجم الدمار الذي لحق بالمنطقة الصناعية في حلب (والتي بدأت تتحول الى واحدة من اكبر المناطق الصناعية في الشرق الاوسط)، لمعرفة حجم الخسائر التي لحقت بالقطاعات الاخرى.

وانهكت الحرب الحكومة السورية والنظام الاقتصادي الذي اعتمدته، واجبرتها العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ عام 2011، الى اتخاذ حزمة من الاجراءات التقشفية التي اثقلت كاهل المواطن، فيما حاول النظام السوري الاعتماد على الدعم الذي قدمه حلفائها (ايران وروسيا)، والذي تجاوز 5 مليار دولار، من اجل مواجهة الانكماش الكبير في حجم الاقتصاد، سيما وان النزاع المسلح دار ايضا حول الحقول النفطية، التي حاول المسلحون، وبالأخص تنظيم داعش، الاستفادة منها في الحصول على الاموال، واشارت تقارير اقتصادية ان النظام السوري، لا يصدر اي كمية من النفط الى الخارج، بعد ان كان يعتمد عليها بشكل كبير، مما زاد من تفاقم الازمة الاقتصادية السورية.  

ورفعت السلطات السورية سعر ربطة الخبز بنحو 70 بالمئة، في خطوة غير مسبوقة منذ اندلاع النزاع في البلاد قبل ثلاثة اعوام، تهدف للحد من كلفة الدعم الذي يثقل كاهل الدولة في ظل الازمة الاقتصادية القائمة، واعلنت وكالة الانباء الرسمية السورية (سانا) ان وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أصدرت "قرارات حددت بموجبها سعر ربطة الخبز لدى الشركة العامة للمخابز ولجنة المخابز الاحتياطية ومخابز القطاع الخاص ب25 ليرة سورية" (14 سنتا من الدولار)، ما يمثل ارتفاعا بنسبة الثلثين عن سعرها السابق (15 ليرة)، ودخل القرار حيز التنفيذ، بحسب سانا، ويمثل الدعم الحكومي لمواد استهلاكية اساسية مثل المازوت والكهرباء والارز والخبز والسكر، ما يقارب 45 بالمئة من موازنة الدولة السورية لسنة 2014 التي اصدرها الرئيس بشار الاسد في نهاية 2013.

ويعتبر الخبز المدعوم من الدولة "خبز الفقير"، لا سيما ان انواع الخبز الاخرى التي يطلق عليها اسم "الخبز السياحي" او التي لا يستخدم فيها الطحين المدعوم كانت ارتفعت اسعارها بشكل جنوني خلال السنوات الماضية بموازاة ارتفاع اسعار كل المواد الغذائية الاخرى، وسبق لمنظمة الاغاثة الدولية غير الحكومية ان اعلنت في نهاية كانون الاول/ديسمبر ان سعر الخبز تضاعف خمس مرات في سوريا منذ اندلاع النزاع في منتصف آذار/مارس 2011، لكنها المرة الاولى التي تعمد فيها الحكومة بشكل رسمي الى رفع اسعار هذه المادة الحيوية، واعلن وزير التجارة الداخلية سمير قاضي امين في تصريحات لصحيفة "الوطن"، ان هذه الخطوة ستسمح للحكومة بتوفير نحو 70 مليون دولار سنويا، وقال قاضي امين "قيمة الوفر المالي في المبالغ المخصصة لدعم رغيف الخبز جراء رفع سعر الربطة بلغ 12,09 مليار ليرة بعد احتساب استهلاك كمية 4200 طن دقيق يومياً على مدار العام".

وبرر الوزير الخطوة بارتفاع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الاميركي خلال الاعوام الماضية، ففي حين كان سعر صرف الدولار يبلغ 50 ليرة قبل آذار/مارس 2011، ارتفع حاليا الى 150 ليرة للدولار (السعر الرسمي)، واكثر من 170 ليرة للدولار (في السوق السوداء)، وباتت رؤية طوابير طويلة امام المخابز في مناطق عدة في سوريا امرا عاديا بسبب النزاع الذي تسبب بازمات منتظمة في الدقيق والوقود، كما ان الخبز بات عملة نادرة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وتحاصرها القوات النظامية، ويباع باسعار مرتفعة جدا في حال توافره، وبسبب النزاع، تراجعت ايرادات الحكومة بشكل حاد، لا سيما في مجالي النفط والسياحة، وباتت المداخيل تقتصر حاليا على الضرائب المحصلة من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. بحسب فرانس برس.

وكشف المكتب السوري المركزي للإحصاء عن وصول نسبة التضخم في البلاد التي تمزقها الحرب 173 في المئة منذ تفجر الأزمة 2011، وتجاوزت الأضرار المالية لسوريا عتبة 31 مليار دولار بحسب أرقام رسمية، وبلغت نسبة التضخم في سوريا منذ بدء الأزمة قبل ثلاثة أعوام، 173 في المئة، مدفوعة بارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، بحسب ما أفاد المكتب المركزي للإحصاء، وأظهرت الأرقام التي نشرها المكتب على موقعه الإلكتروني، أن مؤشر أسعار المستهلك للعام 2013 بلغ 387,94، في مقابل 142,1 للعام 2010، ما يعني ارتفاعا قدره 173 في المئة، والمؤشر هو مقدار التبدل في أسعار سلة محددة من المواد الاستهلاكية الأساسية، ويساهم في تحديد نسب التضخم بين عام وآخر، وبحسب الإحصاءات الرسمية أن نسبة التضخم بين العامين 2012 و2013، بلغت نحو 90 في المئة، في مقابل 37 في المئة بين العامين 2011 و2012، وأدى تضاعف أسعار العديد من المواد الغذائية، إلى رفع نسبة التضخم خلال العام الماضي.

وبلغت نسبة التضخم في أسعار الأغذية نحو 107 في المئة، والخبز والحبوب 115 في المئة، ونحو مئة في المئة في أسعار اللحوم والفواكه والبقول والخضار، كما ارتفعت أسعار "الكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى" بنحو 118 في المئة خلال العام الماضي، في حين ارتفعت كلفة النقل بنحو 105 في المئة، بحسب أرقام المكتب، وكان رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي أعلن في آذار/مارس أن أضرار الأزمة السورية المستمرة منذ ثلاثة أعوام، تجاوزت عتبة 31 مليار دولار، ويفيد خبراء اقتصاديون أن الاقتصاد السوري تحول إلى اقتصاد حرب، وباتت الأولوية فيه لتأمين المواد الأساسية كالوقود والغذاء، وسط تراجع في نشاط العديد من القطاعات الإنتاجية، إلا أن هذا الاقتصاد تفادى الانهيار رغم العقوبات الغربية على تصدير النفط الذي كان يشكل مصدر الدخل الأساسي للحكومة، وذلك بفضل عوامل عدة أبرزها دعم حليفتيه روسيا وإيران، واستقرار سعر صرف الليرة السورية رغم فقدانها ثلاثة أرباع قيمتها، وشهدت البلاد منذ منتصف آذار/مارس 2011 احتجاجات مناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد، تحولت بعد أشهر إلى نزاع دام أودى بأكثر من 150 ألف شخص، وأدى إلى تهجير الملايين إلى خارج البلاد وفي داخلها.

عقود الى الوراء

الى ذلك اعادت الحرب التي تشهدها سوريا منذ نحو اربع سنوات عجلة الاقتصاد عقودا الى الوراء بعدما كان يصنف اقتصادها في السابق على انه واعد، بحسب ما يرى خبراء باتوا يشككون في قدرة هذا القطاع على التعافي، وفي ظل العقوبات المفروضة عليها وتبعات النزاع المستمر منذ منتصف اذار/مارس 2011، اصبحت الحكومة السورية تواجه تراجعا في الايرادات وتعتمد بشكل اكبر على مساعدات حليفيها الرئيسيين ايران وروسيا، ويقول مدير برنامج "الاجندة الوطنية لمستقبل سوريا" باسل كغدو "خسرنا عقدا من الزمن من حيث مؤشرات النمو البشري، والاقتصاد اليوم تقلص ليعود الى الحجم الذي كان عليه في الثمانينات"، ويضيف هذا المسؤول المكلف من الامم المتحدة ملف اعادة بناء المجتمع والاقتصاد السوريين "سوريا الامس لن تعود ابدا، الاقتصاد سيكون اصغر حجما، وعدد السكان سيكون اقل".

وتجاوزت معدلات الناتج المحلي الاجمالي في سوريا قبل بدء النزاع، معدلاته في دول عربية اخرى مثل الاردن وتونس، واحتلت سوريا موقعا جيدا على سلم مؤشرات النمو، وبينها تلك الخاصة بالصحة والتعليم، غير ان العنف الدامي الذي شهدته البلاد بعد تحول الحركة الاحتجاجية ضد نظام الرئيس بشار الاسد الى نزاع مسلح، دفع المستثمرين الى المغادرة وقضى على البنية التحتية واصاب الاقتصاد في الصميم، وتقول المسؤولة في قسم الشرق الاوسط واسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي ماي خميس ان "الناتج المحلي الاجمالي تقلص بنحو 40 في المئة"، مضيفة ان "انتاج النفط يكاد يتوقف ومعدلات التضخم بلغت نحو 120 في المئة في اب/اغسطس 2013، بينما كانت اربعة في المئة في 2011، قبل ان تبلغ في ايار/مايو الى 50 بالمئة".

وتشير ارقام الامم المتحدة الى ان صادرات وواردات البلاد تراجعت باكثر من 90 في المئة، فيما تجاوزت نسبة البطالة الخمسين في المئة، والى جانب الدمار الذي تخلفه المعارك اليومية والشلل الذي تتسبب به في معظم القطاعات، فان العقوبات الغربية على سوريا تلعب دورا رئيسيا في جر الاقتصاد الى الوراء، وبين اكثر العقوبات تاثيرا تلك التي تطال قطاعي النفط والمصارف، اذ تراجعت صادرات النفط حاليا الى نحو صفر في المئة بينما وضعت المصارف المملوكة من الحكومة على لوائح سوداء في دول عدة، ويقول مدير موقع "سيريا ريبورت" الالكتروني الاقتصادي جهاد يازجي ان "العديد من الاعمال تابى الاستمرار في سوريا بسبب العواقب المحتملة التي يمكن ان تترتب عليها وتؤثر على حضورها في الولايات المتحدة واماكن اخرى". بحسب فرانس برس.

ويضيف "الحكومة لم تعد تملك مصادر دخل مهمة"، مشيرا في موازاة ذلك الى ان الاستثمار الحكومي في البنية التحتية توقف بشكل شبه كامل، بينما بقيت الرواتب على ما كانت عليه، وفي مواجهة تراجع الايرادات، اتخذت الحكومة السورية مجموعة اجراءات تقوم على التقشف وبينها الغاء الدعم عن بعض المواد، فارتفعت اسعار الخبز بنسبة 70 في المئة، وتضاعفت اسعار السكر والارز، وكذلك فواتير الكهرباء والماء، بحسب يازجي، ويقول خبير في الاقتصاد السوري رفض الكشف عن اسمه ان "الحكومة قامت باقتطاع الكثير من المصاريف، واليوم، لا تستورد هذه الحكومة سوى ما تعتبره ضرورة قصوى: الغذاء والسلاح"، ويشير الى ان النظام يعتمد ايضا على رجال اعمال اغنياء لدفع رواتب الميليشيات الموالية له ولاستيراد النفط وبيعه الى القطاعات الخاصة.

وفي خضم هذا التدهور الاقتصادي، اصبحت المساعدات التي يقدمها حليفا سوريا الرئيسيان، ايران وروسيا، بمثابة حبل الانقاذ الوحيد، وقدمت طهران العام الماضي الى دمشق نحو 4,6 مليارات دولار لتسدد ثمن الواردات السورية من الطاقة والقمح، فيما قدمت موسكو هذا العام بحسب تقارير بين 300 و327 مليون دولار، ويستبعد خبراء ان تتخلى كل من روسيا وايران عن الحكومة السورية التي انخفضت نفقاتها مع فرار اكثر من ثلاثة ملايين سوري من البلاد وتدفق المساعدات الدولية لمساعدة هؤلاء اللاجئين، ويتوقع يازجي ان يشهد الاقتصاد السوري "تراجعا مستمرا وتدريجيا" على المدى القصير لكن الحكومة السورية ستبقى رغم ذلك قادرة على دفع الرواتب، بمساعدة حلفائها، ويقدر كغدو من جهته ان سوريا ستحتاج الى عقد من اعادة الاعمار بعد انتهاء الحرب، علما ان نهاية النزاع لا تبدو قريبة، ويقول "الفرصة تضيع مع كل يوم جديد".

جذب الاستثمارات

بدوره قال وزير السياحة السوري إن حكومة بلاده تأمل في جذب استثمارات أجنبية في القطاع السياحي وذلك رغم الحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات والتي أودت بحياة أكثر من 150 ألف شخص وألحقت الدمار بمواقع أثرية كثيرة، وقال الوزير بشر يازجي "الوضع في سوريا ليس كما يتصوره العالم، هناك مناطق آمنة مئة بالمئة، وهجر السياح سوريا بشكل كامل تقريبا في ضربة موجعة للقطاع الذي قال يازجي إنه كان يسهم بنسبة 14 بالمئة من الاقتصاد قبل الحرب، وبعد أن كانت مقصدا سياحيا مهما أصبحت مدينة حلب التاريخية مقسمة بين قوات الحكومة والمعارضة المسلحة، ومن الصعب بل من المستحيل زيارة مواقع مثل قلعة الحصن والآثار الرومانية في تدمر.

ودمر القصف والنهب مواقع أثرية عديدة ومتاحف كانت تضم كنوزا ترجع لآلاف السنين من حقب إمبراطوريات أشور وبيزنطة والأمويين والعثمانيين، لكن يازجي يقول إنه يمكن المضي قدما في بعض المشاريع بالقطاع، وأشار إلى الساحل السوري على المتوسط (الذي تسيطر عليه حكومة الرئيس بشار الأسد) ومواقع مثل مدينة السويداء في الجنوب حيث قال إن أعمال البناء مستمرة، وقال إن هناك مشاريع يمكن إطلاقها في وقت وجيز حتى ببعض المناطق المضطربة، وأجبرت الحرب ملايين الأشخاص على النزوح عن ديارهم، وتتسبب الغارات الجوية والقصف والإعدامات والهجمات الانتحارية والمعارك في مقتل أكثر من 200 شخص يوميا، وفقدت حكومة الأسد السيطرة على مساحات واسعة ولاسيما في الشمال والشرق لكنها تبذل جهودا مضنية لكي تبدو الأوضاع طبيعية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

وقال يازجي إن التقدم الذي أحرزه الجيش السوري في الفترة الأخيرة (حققت الحكومة عدة انتصارات على المعارضة المسلحة حول دمشق وبطول الحدود اللبنانية على مدى شهر ونصف) يبعث على مزيد من التفاؤل، وقال إن هناك خططا لترميم الكنائس والمساجد في بلدة معلولا شمالي دمشق التي استعادتها القوات الحكومية بعد تبادل السيطرة عليها عدة مرات، وقال "هناك العديد من الشركات من حول العالم بدأت تدرك أهمية إعادة الإعمار والفرص المتاحة في سوريا". بحسب رويترز.

احلام المصدرين السوريين

الى ذلك وبعد مرور ثلاث سنوات على بدء الصراع في سوريا يريد بعض المصدرين الذين انتقلوا إلى البلدان المجاورة هربا من العنف العودة إلى بلدهم الآن، ولا يتجاوز حجم الانتاج في سوريا الآن جزءا يسيرا مما كان عليه قبل الصراع لكن التقدم الذي حققته قوات الرئيس بشار الأسد في قتال المعارضة المسلحة على مدى العام الأخير حسن الوضع الأمني في بعض المناطق لأصحاب المشروعات الذين يميل أغلبهم الى جانب الحكومة، وفضلا عن ذلك وجد بعض المستثمرين مثل انطون بتنجانة الذي يعمل في تصدير زيت الزيتون أن نقل عملية الانتاج عبر الحدود إلى لبنان ليس مجديا من الناحية المالية، وقال بتنجانة الذي عين أخيرا عضوا في اتحاد المصدرين السوريين ان الدولة تعرض برغم حالة الاضطراب مرافق واراضي بأسعار أرخص وشروط مغرية.

وقال بتنجانة على هامش معرض للصناعات الغذائية في دبي حيث كان يعمل على تسويق المنتجات السورية إن المرء لا يعرف قيمة ما عنده إلى أن يضيع من يديه، وأضاف أن تشغيل أعماله من الخارج أكثر كلفة بكثير وفي لبنان الذي انتقل إليه تكلفة الكهرباء والماء أكثر كثيرا مما كان يدفعه في سوريا، وقال على سبيل المثال إن سعر المتر المربع من الأرض في المجمعات الصناعية في سوريا 16 دولارا فقط ويمكن دفعها على فترة عشر سنوات مع إتاحة استعمال كل المرافق وتوفير الطاقة الرخيصة، وأودى الصراع بحياة ما يزيد على 130 الف شخص منذ عام 2011 وتقول الامم المتحدة ان 9.3 مليون شخص اي قرابة نصف السكان يحتاجون الى المساعدة، وأصبح سوء التغذية خطرا متزايدا على المدنيين في سوريا حيث يمنع القتال وحصار بعض المناطق السكان في المحافظات الشرقية والبلدات الواقعة في محيط دمشق من الحصول على الغذاء لأسابيع بل ولأشهر في بعض الحالات.

ويبدو تسويق الصادرات الغذائية في وقت تجد فيه سوريا صعوبة بالغة في اطعام سكانها حلما اكثر منه واقعا لكنه يعبر عن رغبة شديدة من جانب الأسر التي استثمرت كل حياتها في نشاطها التجاري في الحفاظ على استمراره، ونقل بتنجانة (الذي يشارك في عدد من انشطة تجارة المواد الغذائية إلى جانب تصدير زيت الزيتون) مكتبه إلى لبنان لكنه قرر عدم إقامة مصنع هناك بعد ان درس امكانية ذلك، وقد تنقل بين بيروت ودمشق ما يزيد على عشر مرات ويخطط الان للعودة بشكل دائم لإدارة أعماله في مجال زراعة الزيتون في منطقة دمشق وعصره وتكرير الزيت في مصنع في طرطوس على ساحل البحر المتوسط قرب الحدود اللبنانية، وأفلتت طرطوس نسبيا من اضرار القتال بينما تسير الحياة بشكل يسمح بالعمل في دمشق وبعض الضواحي التي تسيطر عليها الحكومة برغم عدم استقرار امدادات الكهرباء. بحسب رويترز.

وكانت صناعة الملابس والصناعات الغذائية تولد قبل الصراع الجانب الاكبر من نشاط التصدير السوري، وكانت سوريا رابع اكبر مصدر في العالم لزيت الزيتون حيث كانت تنتج 250 الف طن سنويا وتصدر زهاء 50 في المئة من تلك الكمية، وقال بتنجانة إن كثيرا من زيت الزيتون كان يصدر في صورته الخام الى إيطاليا حيث يعبأ ويعاد تصديره، وتضاءلت الصادرات الان الى كميات لا تذكر، وأدى الصراع إلى تدمير 80 في المئة من المصانع وقضى تماما على المنطقة الصناعية في حلب، ويعد النهب ايضا مشكلة مألوفة تستنزف المحزونات في مواقع التخزين، ويقوم الباحثون عن ربح سريع بشحن زيت الزيتون وغيره من السلع الغذائية الى الخارج، وقال بتنجانة إن كثيرا من السلع ومن بينها الزيتون تهرب الآن عبر الحدود الى بلدان مثل تركيا، ويقع جناح الشركة السورية لزيت الزيتون في المعرض السنوي للصناعات الغذائية في دبي (جلفود) بجوار عدة شركات سورية اخرى تسعى لتسويق منتجاتها من الحلويات والمكسرات والعدس وغيرها من السلع.

ولا تنطبق العقوبات التي يفرضها الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وبلدان اخرى على حكومة الاسد على الغذاء لكن تجميد المعاملات المالية الدولية عوق إلى حد بعيد قدرة سوريا على عقد صفقات استيراد لسلع حيوية مثل دقيق القمح والأرز والسكر، وعانى القطاع الزراعي الكثير أيضا وكان محصول القمع في سوريا هذا الموسم أضعف محصول منذ ثلاث سنوات، وتشير التقديرات التي جمعت مما يزيد على عشرة من مسؤولي الحبوب والتجار المحليين في أواخر يوليو تموز إلى أن المحصول أقل من نصف مستواه المعتاد قبل الحرب، لكن برغم استمرار هيمنة المشاكل المالية ومشاكل النقل والتخزين يقول رئيس اتحاد المصدرين محمد السواح إنه لا بديل بالنسبة للبعض غير محاولة تشغيل أعمالهم في سوريا، وقال السواح إن هؤلاء الناس لهم مصانع ولا يمكن لأحد أن يحمل مصنعه على كتفه ويرحل مضيفا أنها ثقافة مختلفة عن ثقافة التجارة، ويقول أصحاب المصانع إن بعض المناطق في سوريا لم تتأثر بالحرب والعمل فيها آمن ومن بينها مناطق حتى في حمص التي خرب القتال أحياءها القديمة التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة.

وقال السواح إن دمشق وبعض ضواحيها صالحة للعمل التجاري وحمص وطرطوس لم تلحق بهما أضرار بالمرة لكنهما تعانيان من مشاكل بسبب صعوبة النقل، وأضاف أن الطرق باتت الآن أكثر أمنا والطرق السريعة مفتوحة ومن ثم تحسنت مشاكل النقل كثيرا، واضطرت بعض المصانع التي عادت للعمل في الأشهر الأخيرة للتركيز على إمداد السوق المحلية لا التصدير بسبب نقص السلع في تلك السوق، وأفاد السواح يأن قطاع الصناعات الغذائية ينتج الآن نحو 15 في المئة مما كان ينتجه قبل الحرب، ومن يتمكنون من التصدير يتغلبون على مشاكل التمويل وصعوبات النقل التي قد تنشأ اعتمادا على علاقات تجارية راسخة منذ أمد بعيد، وقال السواح إنه على سبيل المثال يزاول النشاط التجاري الآن مع شخص كان جده يتعامل معه مضيفا أن مثل هذه العلاقات لا تقام بين يوم وليلة، وقال إن بعض المصنعين يتعاملون تجاريا مع أقاربهم في بلدان مجاورة مثل العراق، ومع ذلك فبغض النظر عن مدى قوة الرغبة في العودة إلى العمل كالمعتاد فما زال الأمن هو الشغل الشاغل، وقال بتنجانة "لا نطلب شيئا من الحكومة كل ما نريده هو أن تظل المناطق الصناعية في دمشق وحمص وحلب آمنة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/تشرين الثاني/2014 - 2/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م