الشيعة.. الخوف من الحاضر والخوف على المستقبل

في ملتقى النبأ الاسبوعي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في ملتقى النبأ الاسبوعي، كانت مشاركة مركز الامام الشيرازي عبر ورقة قدمها حيدر الجراح مدير المركز، حول الخوف الشيعي الذي ولدته الكثير من الاحداث السابقة، ليس في بلدانهم فقط بل حتى في البلدان الاوربية التي لجأوا اليها، وعلاقة ذلك بالثقافة والتاريخ.. ومما جاء في الورقة:

التاريخ يكتبه المنتصرون، لكنها كتابة بعيدة عن الحقيقة، يمكن اكتشافها عند اول زيارة لاروقته الصفراء..

لماذا هي صفراء؟

التشبيه المادي يحيل الى لون الورق القديم، والى صحافة الفضائح (التابلويد)، ومعنويا يحيل الى الخبث والمكر (ابتسامة صفراء).

التاريخ الاسلامي في معظمه، تاريخ المنتصرين، وهو تاريخ الفضيحة والخبث والمكر، واللامنتصرون والمهمشون لهم ايضا تاريخهم، وهو تاريخ ينضح بالصدق، لانه يريد ان يسمع صوته المذبوح للاخرين، وفيه الكثير من الالم والمعاناة التي تجعله اكثر صدقا، من التواريخ الرسمية للمنتصرين..

التواريخ الرسمية تشكل مأزقا اخلاقيا للمنتمين الى ثقافاتها والى احداثها، ومنبع هذا المأزق، وخاصة لدى مجتمعاتنا قام على السياسة كفاعلية وحضور، تجلت اكثر ماتجلت فيه من خلال مبدأ (الحكم لمن غلب) والغلبة هنا للسيف الذي يحز الرقاب.

واي قراءة لمثل هذه التواريخ، اذا اصطحب القاريء فيها ضميره وحسه الاخلاقي الانساني، سيكفر بذلك التاريخ وشخوصه، وتتجسد امامه كل فضائح الماضين والسابقين، فضائح لايمكن طمس روائحها تحت اطنان التبريرات والتفسيرات االتلفيقية.

التاريخ الاسلامي في معظمه تاريخ سنّي، تحكّم في مجرياته السيف الغالب للخليفة، وقام وعاظ السلاطين بتبرير هذه الغلبة، واصبحت امرا واقعا على الاخرين القبول به..

لكن كثيرا من هؤلاء الاخرين لايقبلون بمثل تلك التواريخ، وبالتالي هم يقدمون تواريخ اخرى وقراءات مختلفة لنفس الاحداث، تستبيح كل اسوار التبريرات والمخارج التلفيقية.

الشيعة لديهم هذا التاريخ الموازي، والذي يفضح سياسة الغالب وحكم من غلب بحد السيف، ويضعون ماجرى تحت انظار الحس والضمير الاخلاقي، لتتكشف بالتالي تلك العورات المستديمة في وجه تلك التواريخ الرسمية.

في حاضرنا والذي يمتد عميقا الى الماضي والى تلك التواريخ، وبعد ان استتب الامر لولاة وحكام الغلبة، توريثا ملكيا او جمهوريا، يلجأ هؤلاء الى ما وفرته التقنيات الحديثة، لكتابة تاريخ المستقبل من خلال هذا الحاضر.

يمكن اللجوء الى التحريف والتزوير، طالما ان المحرف والمزور، يعتقد ان الهدف النهائي هو الوصول لغاية معينة، وهو يرفع نبلها كما يعتقد امام الاخرين.

لكن هل يبقى النبل نبيلا اذا تجرد من فضائله؟ هنا ايضا مازق اخلاقي جديد يضاف الى المأزق السابق.

مناسبة تلك الكلمات السابقة، خبران نشرا مؤخرا، احدهما يتحدث عن (تلفيق – تزوير – اصطناع) لحادثة قد تقع في اي مكان من العالم، لكنها مجسدة عبر ادوات تمثيلية (اشخاص – مواقع) ومحاولة اسقاطها على واقع متجسد يوميا في سوريا..

الحدث السوري كما هو على الارض، حدث حقيقي يمكن التواصل معه، ورؤيته، وسماع اصواته، وشم روائحه، ويمكن ان يكون صادقا دون اضافات تلفيقية عليه، لكن الحدث الملفق والمزور والمصطنع، لايمكن باي حال من الاحوال ان يكون هو الحقيقة حتى لو مارس الاعلام دور التلفيق له وترويجه، ونجح في ذلك الى حين.

الخبر الاول هو مايساوي التواريخ الرسمية الماضية، لكنه بدلا من السيف كاداة غالبة استعاض عنه بالكاميرا وادوات التسجيل، ليكون الخبر تحت عنوان فضائحي هو (مخرج خدع العرب ووسائل الإعلام بطفل “سوري” خرافي انقذ اخته من الرصاص).

حيث تمكن مخرج نرويجي من خداع ملايين العرب والأجانب، كما وسائلهم الإعلامية أيضاً، بقصة مأساوية في الفيديو، مدتها دقيقة واحدة فقط، وبطلها طفل “سوري” اتضح أنه خرافي، وباعتراف المخرج لارس كليفبرغ نفسه.

انطوت حكاية الفيديو على أكثر من 6 ملايين شاهدوه في “يوتيوب” وغيره، كما على جميع وسائل الإعلام العالمية التي روت قصته، حيث ظهر الطفل في مشهد بطولي وهو ملقى على الأرض بعد أن أصابه قناص بالرصاص.

الفضيحة هي ان الطفل لم يكن بطلاً ولا من سوريا، بل هو ممثل محترف من مالطا، كالطفلة تماماً.

الهدف من هذا التلفيق والتزوير والاصطناع على لسان مخرج الفيلم هو: ( معرفة ردات فعل وسائل الإعلام والنقاشات عن مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة وسقوطهم فيها كضحايا)،

ورأى ان (الفيلم حقق هدفه، وأثار جدلا فعلا).

الخبر الثاني حمل عنوان (الشيعة يعيشون في خوف مع تصاعد موجة الكراهية ضدهم في العالم)، يرد فيه ان (الشيعة من استراليا الى نيجيريا ومن بريطانيا الى اندونيسيا بشكل متزايد ضحايا مضايقات وتهديدات وحتى هجمات عنيفة من المسلمين من المذاهب الاخرى مع تزايد انتشار الايديولوجيات السنية المتشددة في العالم).

الخبر يسمي مايحدث (رسائل الكراهية) ساعد على تزايد انتشارها، الانترنت واليوتيوب وتويتر وفيسبوك.

ما هي الحقائق التي يمكن اكتشافها من هذين الخبرين؟.

من خلال عمل واحد في العام 2001 وهو تفجيرات الحادي عشر من ايلول في امريكا، تسلطت الاضواء على الوهابية ووجهها القبيح، واصبحت مكروهة بجميع ماتمثله على مستوى العالم اجمع، وضاعت مليارات الدولارات التي انفقتها السعودية على نشر هذا المذهب وثقافته هباءا منثورا، وبعد تلك التفجيرات، تعممت صورة الارهاب الوهابي لتنسحب على الوجود الاسلامي السني في بلدان اوربا وفي امريكا، وجودا يرتبط بكل ماتعنيه مفردة الارهاب والتطرف، ترافق ذلك مع صعود الشيعة سياسيا بعد العام 2003 ، وليعيد البحث الاكاديمي الغربي الاهتمام بالشيعة والوجود الشيعي في البلدان العربية او الاسلامية وفي البلدان الاوربية، ليقدم ذلك الجهد الجديد صورا اخرى مغايرة للاسلام المتطرف والعنيف.

النتيجة التي نخلص اليها انه لا بأس من العيش مؤقتا مع الخوف الذي يفرضه التطرف السني على الشيعة، لانه خوف سينقلب على الاخر الى تضييق وتشديد ومحاصرة وربما طرد واخراج من تلك الدول ولو بعد حين، وسبب ذلك ان تلك المجتمعات كثيرا ماتقف مع الخائفين ضد المخيفين، ومع المسالمين ضد العنيفين، وبالتالي ستكون مرحلة الخوف التي يعيشها الشيعة حاليا، ستاتي بمردود ايجابي في المستقبل قرب او بعد هذا المستقبل، خاصة مع هذه المراجعة الحثيثة لاروقة التاريخ الصفراء من قبل الاخرين الاوربيين،  مراكز ابحاث وجامعات ونخب ثقافية، مصطحبين معهم حسهم الاخلاقي والانساني.

بعد الانتهاء من الورقة، فتح الباب امام المداخلات والنقاشات التي اثرت الموضوع وقدمت بعض التصورات والرؤى لمقاربته.

كانت اولى المداخلات على الافكار التي حملتها الورقة من قبل الشيخ مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، حيث رأى ان المؤسسات الاوربية قائمة على اسس استعمارية، وان الاهتمام الذي تبديه من خلال الدراسات الاستشراقية على سبيل المثال هو لتحقيق مصالح سياسية معينة.

من جانب اخر، سلط معاش الضوء على ماتقوم به احيانا بعض الجماعات الشيعية المحسوبة على توجهات سياسية معينة ، من توجيه الاتهامات بالعمالة لامريكا او بريطانيا ضد جماعات اخرى، وخاصة مايتعلق بفضائياتها ووسائلها الاعلامية، ويسأل معاش تلك الجهات التي تتهم دائما، هل اعطيتم الحرية لتلك الفضائيات في ايران او في الدول العربية؟ ويبدي معاش استغرابه من المواقف الملتبسة والمتناقضة لتلك الجهات، فهي في الوقت الذي تعادي فيه الجماعات الشيعية التي تشترك معها في الهم الشيعي الواحد، نراها تنفتح على الجهات التي تعادي الشيعة والتشيع وتمد يد الصداقة اليها. ويعتقد معاش، ان الشيعة كجماعة قد اضطهدوا على طول التاريخ اضطهادا كبيرا، وان هذا الاضطهاد قد جعلهم يعيشون في عزلة وهذه العزلة تجعلهم يخافون من الاخر. ورأى معاش ان الخوف الشيعي اما هو خوف يذهب باتجاه التحدي او هو خوف يذهب باتجاه الاستسلام والياس.

اما الدكتور قحطان اللاوندي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بابل فقد طرح تساؤلا هو: هل استطاع الشيعة تصحيح التاريخ الاسلامي من خلال كتاباتهم التاريخية، وهل استطاعوا التاثير على الغرب؟

ورأى ان تغيير قناعات الغرب لايتم عن طريق الخطابات الحالية، من قبيل الموت لامريكا او معاداتها ومعاداة الدول الغربية، بل يتم ذلك عن  طريق تقبل الرأي الاخر، وهو الراي الغربي وعدم انتهاج خطابات التهديد والوعيد، وتخليص العقلية الشيعية من تهم العمالة للغرب.

في مداخلة عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث، ارجع سبب ما يمر به الشيعة الى عاملين:

الاول هو العامل الخارجي، ويراه متمثلا بالعقدة من الاخر وموقف هذا الاخر منهم، وكيف ان الشيعة حتى بعد ان اصبحوا يحكمون فانهم في رسمهم لسياساتهم الخارجية يرسموها على اساس تصور الاخرين.

اما العامل الثاني فهو، معاناة الشيعة من عدم الاستمرارية في مشاريعهم واعمالهم، او حتى في احتجاجهم واعتراضاتهم ضد مايتعرضون اليه، مثل احتجاجات شيعة البحرين، مذبحة سبايكر، وغير ذلك.

ان عدم الاستمرارية برأي الصالحي، هي كاننا نقول للاخرين ان ذبحنا وقتلنا شيء بسيط جدا، وان عدم الاستمرارية ولد ثقة لدى الاخرين المقابلين باستمرار جرائمهم ضد الشيعة وزيدة شدتها وحدتها.

يطرح حيدر المسعودي مسؤول قسم التنمية البشرية في مؤسسة النبا عددا من التساؤلات في مداخلته: هل تم استشعار هذا الخوف من قبل الشيعة؟ وهل الخوف يوجد عند القيادات ام القواعد؟ وهل استشعار الخوف ينصب على الهوية الشيعية ام الوجود الشيعي ككيان وجودي وهوياتي؟

ويرى المسعودي، ان الخوف ينقسم الى قسمين هما الخوف من تراكمات الماضي، والخوف من المستقبل وعليه.

اما الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية احمد المسعودي، فقد قسم منابع الخوف الشيعية الى خمسة اقسام هي:

الخوف السياسي: وهو ما يمارسه السياسيون مع المقابل.

الخوف العقائدي: وهي الانهزامية الموجودة لدى الكثيرين من الشيعة.

الخوف الفكري: وهو الاستحواذ الفكري الذي تمارسه بعض الجماعات الشيعية على جماعات اخرى، ومحاولة اقصائها او تحجيمها.

الخوف التاريخي: فشل الثورات الكثيرة التي قام بها الشيعة طوال تاريخهم.

الخوف الاجتماعي: وهو الخلاصة لجميع المخاوف السابقة او البوتقة النهائية التي تنصهر فيها المخاوف الشيعية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/تشرين الثاني/2014 - 1/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م