مع استمرار المد الذي أحدثته موجة التغيرات والتحولات العابرة
للقارات وعلى مختلف مستوياتها السياسية كقضايا الإرهاب والتدخل
الإنساني، والاقتصادية كالأزمات المالية والاقتصادية وارتفاع او انخفاض
أسعار المحروقات، والاجتماعية، مثال: قضايا ارتفاع نسبة الباحثين عن
العمل وتدني دخل الفرد، والأمنية مثال: كل القضايا التي تتداخل وأهداف
الاستقرار الداخلي للدول كالانقلابات والتمرد وما يلامسها من صراعات
حيال قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان والعنف الناتج عن التدخلات
الأمنية.
والعسكرية كالحروب العابرة للقارات ومواجهة المنظمات الإرهابية
والمتطرفة، والإعلامية كالتحديات التي أفرزتها مواقع التواصل الاجتماعي
سلبا او إيجابا، وغير ذلك، على النظام السياسي العالمي والبيئة الدولية
والأنظمة السياسية في مختلف أرجاء العالم وعلى مختلف مستوياتها
وأشكالها وأنواعها، وانعكاس كل ذلك على ثقافة ووعي الشعوب والمجتمعات،
ومدى ما ترتب على ذلك الوعي وتلك الثقافة من ضغط جماهيري وشعبي في
مختلف الاتجاهات الإنسانية على الحكومات لتحقيق متطلبات الشعوب
ورغباتها.
فقد تنبه بعض من هذه الأخيرة على تباين أنظمتها السياسية
واتجاهاتها الفكرية نتيجة كل ذلك الى أنها قد أصبحت بحاجة الى دعم
ومساندة شعوبها لما تتخذه من قرارات وتوجهات وسياسات تنموية قائمة او
قادمة، سواء كانت تلك القرارات قرارات تعالج او تحتوي او تسعى لتحقيق
مصالح وقضايا راهنة، او قرارات وخطط وتوجهات ذات بعد إستراتيجي مستقبلي.
وسواء كان ذلك على مستوى سياساتها الداخلية او الخارجية، وما تقوم
به من أعمال متنوعة في جميع الظروف والأوقات، لأنها وبدون ذلك الدعم
الجماهيري من قبل مواطنيها ستبقى مهددة ومعرضة لخطر السخط والامتعاض
والريبة والشك في أفكارها وتوجهاتها الراهنة او المستقبلية، ما يمكن ان
يؤدي ذلك الوضع على المستوى المتوسط او البعيد الى فقدانها الشرعية
القائمة على الثقة، وبدون تلك الثقة تفقد الأنظمة السياسية والحكومات
شرعية هي في غاية الأهمية في القرن 21، ونقصد بتلك الشرعية، الشرعية
الجماهيرية او الشعبية.
وحتى يتحقق لها ذلك فأنها أخذت تسعى جاهدة الى حل مشاكلهم
والاستجابة لمطالبهم ورغباتهم وطموحاتهم المتنوعة من خلال مجموعة من
الخطط والبرامج، وهو ما يطلق عليه بمفهوم السياسات العامة، والتي تهدف
الى تحقيق جملة من المنافع وتخفيف المعاناة عن الغالبية منهم، وبالتالي
يمكن تعريف مفهوم السياسات العامة بأنها: مجموعة البرامج والخطط التي
تقوم بها الحكومة بهدف حل مشاكل او للاستجابة لمطالب معينة لمواطنيها.
وما (يميز السياسات العامة هو شمولية نتائجها لشرائح واسعة من
أبناء المجتمع ان لم يكن المجتمع كله، مما يحتم الاهتمام بصياغتها أو
رسمها بشكل يؤدي الى زيادة فرص نجاحها وتحقيق المنافع المتوقعة عند
تنفيذها، وتقليل احتمالات فشلها الى أقل نسبة ممكنة، فالسياسات العامة
التي تصاغ بشكل دقيق بالاعتماد على معلومات ومعطيات صادقة وصحيحة، ومن
خلال شخوص مناسبين ومتخصصين ولديهم ملكات الإبداع والتفكير المستقبلي،
- وبمشاركة من قبل المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني وجل طوائف المجتمع
- تجنب المجتمع الكثير من التضحيات والآلام والإحباط والسخط الذي يمكن
ان يصاحب تنفيذ السياسات العامة الفاشلة أو المرسومة بشكل غير صحيح).
وتعد مراكز استطلاع الرأي واحدة من أهم الوسائل الحديثة لتحقيق
أهداف وتوجهات السياسات العامة بشكل سليم وطريقة تزيد من فرص نجاحها
وتحقيق المنافع المتوقعة عند تنفيذها، وتقليل احتمالات فشلها الى أقل
نسبة ممكنة على مختلف المستويات من خلال المشاركة الجماهيرية او
المشاركة السياسية، و(يعتبر قياس الرأي العام المجتمعي أحد أهم القنوات
المهمة في المجتمعات التي تحاول كشف توجهات ورؤى المواطنين حيال
القضايا المختلفة، والتي تكون بحاجة إلى التطوير أو إلى إصدار نظام
يقنن توجهها أو يعالج القصور الذي أصاب وظائفها بهدف تصحيحها) كما تمثل
(استطلاعات الرأي العام ابتكاراً اجتماعياً لا يمكن فصله عن النسيج
المؤسساتي، ويعد وسيلة للتأكد من عادات وأولويات وميول الأفراد
والجماعات الاجتماعية المختلفة، وأصبح هذا الابتكار يحتل مكانة مهمة في
الدول الصناعية والمتقدمة، بل يعتبره البعض مؤشرا أساسيا على اتجاهات
السياسات العامة في الدولة والمجتمع).
وقد تعرضنا في مقال سابق تحت عنوان: فكرة موقع الكتروني كمرصد وطني
لاستطلاع الرأي لأهمية هذا النوع من التوجهات الخاصة بتحقيق أقصى قدر
ممكن من مستويات السياسات العامة والمشاركة السياسية الهادفة لتوزيع
حملة القرارات الحكومية، وذلك من منطلق إيماننا بأهمية وتأثير ومنفعة
هذا النوع من الأفكار في تعزيز هياكل البناء الديمقراطي للدولة
والشراكة في بناء الوطن كمسؤولية عامة ومتبادلة بين مختلف شرائح
المجتمع ومؤسساته المدنية من جهة، والحكومة من جهة أخرى في أي دولة
مدنية حديثة، هذا بالإضافة إلى ما يمكن أن يتركه من اثر ايجابي يعزز من
قوة الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي والثقافي في البلد.
والهدف من هذا الموقع الالكتروني الوطني هو مشاركة المواطن للحكومة
في إبداء الرأي حيال بعض القضايا والقرارات التي تنوي مؤسسات الدولة
اتخاذها في مختلف القطاعات والتوجهات والمرئيات، وخصوصا تلك التي تلامس
حياة ومعيشة ومستقبل أبناء هذا الوطن العزيز، كذلك فان هذا الموقع
سيسهل كثيرا على المسئولين وأصحاب القرار في الدولة استشراف ردود الفعل
الجماهيرية حيال قراراتهم وأفكارهم وخططهم الراهنة والمستقبلية قبل
وأثناء وبعد اتخاذها، ونظرة المجتمع إلى الخدمات الحكومية ومدى الرضا
الجماهيري عليها، مما سيسهل إصلاح تلك السلبيات وزيادة جودة الإنتاج
والعمل، وهو أمر غاية في الأهمية الوطنية والمستقبلية، ما سيدعم قوة
تلك القرارات والخطط في حال توافق ورأي المواطنين معها بالقوتين
القانونية والشعبية من جهة.
كما سيكون بمثابة جرس الإنذار لقرارات ربما تكون متسرعة في بعض
الأوقات أو لا تجد قبول مجتمعي عليها، وغيرها الكثير من الايجابيات
التي يمكن إن تتحقق من وراء مثل هذا النوع من المواقع الالكترونية
بالغة الأهمية لأي دولة مدنية حديثة.– أرجو الاطلاع في هذا الجانب -
إلى مقالنا: سيكولوجيا الجماهير ومعايير تقييم الأداء الإداري للمؤسسات
الرسمية.
وفي هذا السياق يقول الباحث الأميركي هربرت شيللر: (أن استطلاع
الرأي يعد واحداً من أهم الاختراعات الأكثر حداثة في المجتمع الأمريكي،
شأنه في ذلك شأن الاكتشافات التكنولوجية التي ابتكرها الإنسان في القرن
الماضي، مثل: أجهزة الكمبيوتر، ومذياع الترانزستور، أو الطائرة الأسرع
من الصوت) وتؤدي استطلاعات الرأي في العادة وبحسب أكثر المشتغلين
والمتخصصين بها إلى وظيفتين هامتين هما: (تدعيم الديمقراطية من خلال
تسهيل انسياب المعلومات في الاتجاهين بين صانعي القرار وبين الجماهير،
وتوفر المعلومات الموضوعية المبنية على منهجية علمية لأي شخص يرغب
استخدامها) هذا بالإضافة إلى أنها تساعد كثيرا على اتخاذ القرارات
وتغيرها أو إعادة صياغتها، مما يوفر مساحة اكبر من الحرية السياسية
والشفافية الحكومية وتأكيدا لا يمكن إنكاره للديمقراطية من خلال إرساء
قواعد الدولة المدنية الحديثة كما سبق واشرنا.
* باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
azzammohd@hotmail.com
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |