في التغيير الذاتي.. عنف السلطة والرد الأمثل

 

شبكة النبأ: شهدت شعوب في العالم عمليات إبادة جماعية وجرائم مريعة راح ضحيتها الملايين من البشر على يد اصحاب المصالح والنفوذ والهيمنة، فكانت القوى الاستعمارية الرائدة في هذه الجرائم بحق الانسانية، مثال ذلك الصين والهند على يد الاستعمار البريطاني وغيرها كثير من الامثلة، بيد أن العبرة في الشعوب (النتائج)، فهي خسرت ابنائها وثرواتها وقدراتها، لكنها حافظت في النهاية على هويتها وحضارتها. وعندما خرجت من ركام الحروب ومن وطأة الاستعمار، كانت تحمل في جعبتها الهوية والتاريخ، وعموم المنظومة الثقافية، وعلى هذه القاعدة تمكنت من إعادة البناء وطي مراحل التقدم في المجالات كافة، حتى باتت تنافس اليوم تلكم القوى العظمى التي شاخت اليوم؛ فها هي الهند والصين اليوم. بغلت ما بلغت من التقدم العلمي والتطور الاقتصادي والسياسي.

عملية الردّ هذه، ليست بالهيّن، ربما يكون رد العنف بالعنف، أسهل وأهون، لانها لا تكلف جهداً ذهنياً وتفكيراً بعيداً المدى وتجلّد وتصبّر وتطلع نحو الأفق البعيد، وعدم استعجال الامور، إنما تمت بسلسلة من التغييرات النفسية والذاتية لدى الشعوب، استوعبت من خلالها كل اشكال الصدمات والكدمات، مهما كانت بليغة وأليمة. وهل يتم التغيير الكبير والبناء الحضاري لأي شعب وأمة، بليلة وضحاها، أو بمجرد التمني والترجّي؟

الى ذلك يشير سماحة المرجع الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره- في كتابه "نحو التغيير"، وهو يبعث في الأمل في الشعوب الناهضة والطامحة نحو التغيير والتطور والتقدم، بالتخلّي عن اليأس والإحباط من الواقع الذي تحدثه السياسات القمعية والتعسفية، وما تتركه من آثار نفسية ومعنوية ومادية. فهو يستشهد بما لاقاه الشعب الصيني والشعب الهندي وايضاً الشعب الجزائري من ويلات ومجازر، بيد ان السؤال في كيفية التعامل مع هذا الواقع الجديد بروح متوثبة وثقة عالية، حيث "يمكن الوقوف أمامهم بقوة الإيمان، والاعتقاد الراسخوبتغيير واقعنا اليوم إلى ما أمر به رسول الله، صلى الله عليه وآله، والعترة الطاهرة، عليها السلام".

إن التغيير الذي يقدم البديل عن واقع التخلف والحرمان، هو الذي يتصف بالشمولية والعمق ليشكل القاعدة الصلبة التي تنطلق منها الشعوب والأمة بأجمعها نحو الافضل والأحسن، وهذا يتم من خلال نشر الفكر والثقافة المستندة الى جذور عميقة. ليس من شأنها التسطيح والتضليل، إنما الارتقاء بالوعي ونشر المعارف والعلوم وهذا يتم من خلال مشاريع عدة منها:

1-  التشجيع على المطالعة الممنهجة والمفيدة، وليس فقط للترف الفكري والتسلية، إنما لاكتساب العلوم والمعارف والتجارب، ما من شأنه توسيع المدارك وصياغة رؤى وبصائر لاكتشاف حقائق الدين والحياة والانسان.

2-  التكثيف من مجالس الذكر والفكر، سواء على شكل محاضرات او ندوات او حتى مجالس حسينية، فكلها تقوم بدور واحد وهو ترسيخ العقيدة والوعي الديني، وهذا تحديداً ما يدعونا اليه سماحة االامام الراحل، لأن "تحقيق التغيير نحو الأفضل، يلزم أن نبدأ بنشر العقيدة الإسلامية في قلوب الناس، ابتداءً من التوحيد والنبوة، وانتهاءً ببقية أصول ومعتقدات الإسلام، وبعد ذلك نعمل على ترويج الأعمال الصالحة التي ترضي الله ورسوله...".

3-  الالتزام الشديد بالآية القرآنية؛ {يا أيها الذين لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لاتفعلون}. وهذا خارج إطار التنظير، إنما هو يقع في صميم الواقع والتعامل المباشر بين افراد المجتمع. إن القيم والمفاهيم المحببة الى النفوس، التي يدّعي معظمنا الانتساب اليها، لايمكن ان نجدها متجسدة بالكامل في انسان مهما كان، لذا نجد الاحاديث والدعوات الملحّة من المعصومين، عليهم السلام، على بذل المزيد من الجهد لتجسيد تلكم القيم والمفاهيم ما أستطعنا الى ذلك سبيلا. وهذا يتم من خلال نمط خاص في الحياة، يحكمه التعامل الاخلاقي والانساني، في مجالات عدة، سواء مع الجيران وزملاء الدراسة او اصدقاء العمل، وايضاً، في العلاقات الاجتماعية والأسرية.

إن تجسيد قيم التسامح والتكافل والتعاون والقبول بالآخر، بأي نسبة كانت، من شأنه ان يؤسس لقاعدة رصينة في المجتمع تمكنه من التغيير الحقيقي الذي ينتشله من الواقع المرير الذي يعيشه بسبب السياسات الظالمة، وإلا لن يكون ذو فائدة وتأثير تشغيل "اسطوانة"الشكوى والتبرّم أو احياناً الدعاء والتوسل لرفع المحنة والظلم، فحتى الظواهر الاجتماعية والنفسية الشادة، المتمخضة من سياسات التمييز والقمع والاضطهاد – ومثالنا العراق- بما لم يكن الشعب له دخل مباشر في نشوئها، فان بامكانه ايضاً من تغييرها والتغلب عليها، وتحويلها الى بصيص أمل للتفاؤل بالمتسقبل، و فرصة للتقدم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/تشرين الثاني/2014 - 28/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م