عن الخوف الشيعي وتطمينات المستقبل

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: التاريخ يكتبه المنتصرون، لكنها كتابة بعيدة عن الحقيقة، يمكن اكتشافها عند اول زيارة لاروقته الصفراء.. لماذا هي صفراء؟ التشبيه المادي يحيل الى لون الورق القديم، والى صحافة الفضائح (التابلويد)، ومعنويا يحيل الى الخبث والمكر (ابتسامة صفراء).

التاريخ الاسلامي في معظمه، تاريخ المنتصرين، وهو تاريخ الفضيحة والخبث والمكر، واللامنتصرون والمهمشون لهم ايضا تاريخهم، وهو تاريخ ينضح بالصدق، لانه يريد ان يسمع صوته المذبوح للاخرين، وفيه الكثير من الالم والمعاناة التي تجعله اكثر صدقا، من التواريخ الرسمية للمنتصرين..

التواريخ الرسمية تشكل مأزقا اخلاقيا للمنتمين الى ثقافاتها والى احداثها، ومنبع هذا المأزق، وخاصة لدى مجتمعاتنا قام على السياسة كفاعلية وحضور، تجلت اكثر ما تجلت فيه من خلال مبدأ (الحكم لمن غلب) والغلبة هنا للسيف الذي يحز الرقاب.

واي قراءة لمثل هذه التواريخ، اذا اصطحب القارئ فيها ضميره وحسه الاخلاقي الانساني، سيكفر بذلك التاريخ وشخوصه، وتتجسد أمامه كل فضائح الماضين والسابقين، فضائح لا يمكن طمس روائحها تحت اطنان التبريرات والتفسيرات االتلفيقية.

التاريخ الاسلامي في معظمه تاريخ سنّي، تحكّم في مجرياته السيف الغالب للخليفة، وقام وعاظ السلاطين بتبرير هذه الغلبة، واصبحت امرا واقعا على الاخرين القبول به..

لكن كثيرا من هؤلاء الاخرين لا يقبلون بمثل تلك التواريخ، وبالتالي هم يقدمون تواريخ اخرى وقراءات مختلفة للأحداث نفسها، تستبيح كل اسوار التبريرات والمخارج التلفيقية.

الشيعة لديهم هذا التاريخ الموازي، والذي يفضح سياسة الغالب وحكم من غلب بحد السيف، ويضعون ما جرى تحت انظار الحس والضمير الاخلاقي، لتتكشف بالتالي تلك العورات المستديمة في وجه تلك التواريخ الرسمية.

في حاضرنا والذي يمتد عميقا الى الماضي والى تلك التواريخ، وبعد ان استتب الامر لولاة وحكام الغلبة، توريثا ملكيا او جمهوريا، يلجأ هؤلاء الى ما وفرته التقنيات الحديثة، لكتابة تاريخ المستقبل من خلال هذا الحاضر.

يمكن اللجوء الى التحريف والتزوير، طالما ان المحرف والمزور، يعتقد ان الهدف النهائي هو الوصول لغاية معينة، وهو يرفع نبلها كما يعتقد امام الاخرين.

لكن هل يبقى النبل نبيلا اذا تجرد من فضائله؟ هنا ايضا مأزق اخلاقي جديد يضاف الى المأزق السابق.

مناسبة تلك الكلمات السابقة، خبران نشرا مؤخرا، احدهما يتحدث عن (تلفيق – تزوير – اصطناع) لحادثة قد تقع في اي مكان من العالم، لكنها مجسدة عبر ادوات تمثيلية (اشخاص – مواقع) ومحاولة اسقاطها على واقع متجسد يوميا في سوريا..

الحدث السوري كما هو على الارض، حدث حقيقي يمكن التواصل معه، ورؤيته، وسماع اصواته، وشم روائحه، ويمكن ان يكون صادقا دون اضافات تلفيقية عليه، لكن الحدث الملفق والمزور والمصطنع، لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يكون هو الحقيقة حتى لو مارس الاعلام دور التلفيق له وترويجه، ونجح في ذلك الى حين.

الخبر الاول هو ما يساوي التواريخ الرسمية الماضية، لكنه بدلا من السيف كأداة غالبة استعاض عنه بالكاميرا وادوات التسجيل، ليكون الخبر تحت عنوان فضائحي هو (مخرج خدع العرب ووسائل الإعلام بطفل “سوري” خرافي انقذ اخته من الرصاص).

حيث تمكن مخرج نرويجي من خداع ملايين العرب والأجانب، كما وسائلهم الإعلامية أيضاً، بقصة مأساوية في الفيديو، مدتها دقيقة واحدة فقط، وبطلها طفل “سوري” اتضح أنه خرافي، وباعتراف المخرج لارس كليفبرغ نفسه.

انطلت حكاية الفيديو على أكثر من 6 ملايين شاهدوه في “يوتيوب” وغيره، كما على جميع وسائل الإعلام العالمية التي روت قصته، حيث ظهر الطفل في مشهد بطولي وهو ملقى على الأرض بعد أن أصابه قناص بالرصاص. الفضيحة هي ان الطفل لم يكن بطلاً ولا من سوريا، بل هو ممثل محترف من مالطا، كالطفلة تماماً. الهدف من هذا التلفيق والتزوير والاصطناع على لسان مخرج الفيلم هو: ( معرفة ردات فعل وسائل الإعلام والنقاشات عن مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة وسقوطهم فيها كضحايا) ورأى ان (الفيلم حقق هدفه، وأثار جدلا فعلا).

الخبر الثاني حمل عنوان (الشيعة يعيشون في خوف مع تصاعد موجة الكراهية ضدهم في العالم)، يرد فيه ان (الشيعة من استراليا الى نيجيريا ومن بريطانيا الى اندونيسيا بشكل متزايد ضحايا مضايقات وتهديدات وحتى هجمات عنيفة من المسلمين من المذاهب الاخرى مع تزايد انتشار الايديولوجيات السنية المتشددة في العالم).

الخبر يسمي ما يحدث (رسائل الكراهية) ساعد على تزايد انتشارها، الانترنت واليوتيوب وتويتر وفيسبوك.

ما هي الحقائق التي يمكن اكتشافها من هذين الخبرين؟.

من خلال عمل واحد في العام 2001 وهو تفجيرات الحادي عشر من ايلول في امريكا، تسلطت الاضواء على الوهابية ووجهها القبيح، واصبحت مكروهة بجميع ماتمثله على مستوى العالم اجمع، وضاعت مليارات الدولارات التي انفقتها السعودية على نشر هذا المذهب وثقافته هباءا منثورا، وبعد تلك التفجيرات، تعممت صورة الارهاب الوهابي لتنسحب على الوجود الاسلامي السني في بلدان اوربا وفي امريكا، وجودا يرتبط بكل ماتعنيه مفردة الارهاب والتطرف، ترافق ذلك مع صعود الشيعة سياسيا بعد العام 2003 ، وليعيد البحث الاكاديمي الغربي الاهتمام بالشيعة والوجود الشيعي في البلدان العربية او الاسلامية وفي البلدان الاوربية، ليقدم ذلك الجهد الجديد صورا اخرى مغايرة للاسلام المتطرف والعنيف.

النتيجة التي نخلص اليها انه لا بأس من العيش مؤقتا مع الخوف الذي يفرضه التطرف السني على الشيعة، لانه خوف سينقلب على الاخر الى تضييق وتشديد ومحاصرة وربما طرد واخراج من تلك الدول ولو بعد حين، وسبب ذلك ان تلك المجتمعات كثيرا ما تقف مع الخائفين ضد المخيفين، ومع المسالمين ضد العنيفين، وبالتالي ستأتي مرحلة الخوف التي يعيشها الشيعة حاليا، بمردود ايجابي في المستقبل قرب او بعد هذا المستقبل، خاصة مع هذه المراجعة الحثيثة لاروقة التاريخ الصفراء من قبل الاخرين الوربيين،  مراكز ابحاث وجامعات ونخب ثقافية، مصطحبين معهم حسهم الاخلاقي والانساني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/تشرين الثاني/2014 - 26/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م