الحزن العراقي

حيدر الجراح

شبكة النبأ: رأيته على وجه أبي في العام 1981 حين اخبروه بفقدان اخيه في هجوم المحمرة في الحرب العراقية الايرانية. ورأيته على وجه خالتي حين جاؤوا بنعش ابنها الوحيد على تسع بنات في السنة نفسها. ورأيته على وجه امي عند وفاة اخي الاصغر باعوامه الثلاثين في غربتي القسرية الاولى، ورايته على وجوه الكثيرين غيرهم.

الحزن العراقي الذي غناه الكثيرون مواويل موجعة ومؤلمة، تستجلب الدمع في العيون، وكتب عنه بغصة الكثيرون من الشعراء، فصحى وعامية، حتى اشتهرت لدى العراقيين الابوذيات والدارمي، والتي تشيع طابعا من الحزن في اغلب مقطوعاتها.. وحتى لو وجدت شيئا مفرحا فيها، فهو فرح لاتفارقه الغصة والخوف من رحيله السريع والمفاجئ.

وهو الحزن العراقي الذي نجده ساكنا ومسكونا لا يبارح كل جيل من الاجيال، وكأنها في هذا السكن المتلازم،  لا يمكن لها يوما ان تبارح قلب العراقي،  منذ سومر وبابل واكد والاشوري، وهو يعيش الام الحروب، والام صراعاتها وفقدانها لاحبته على ارضه ومازال يعيشها، وكأن تلك المدونات قد قرأت احاسيس هذا الانسان وهو ينفعل ويتفاعل مع اصوات الضحايا والمقهورين لتلك الحروب والالام.

وهو الحزن العراقي الذي اصبح ديوان شعر للشاعر ابراهيم المصري والذي قال عنه:

الحزن العراقي ليس مناحة ولا تشييع حياة تنهض كل صباح،

الى حظها من الخلق.

الحزن العراقي،

نبيل ضلله القتلة عن حاجته الى طلاء الحياة بالضوء..

وعبر عن حامل هذا الحزن بالقول:

داخل كل عراقي حياة كاملة، لهذا يبدو انسانا غير آيل للسقوط، والمقبرة الجماعية ليست اكثر من حفرة يعبرها العراقي بالكثير من الحزن، لكنه... يعبر.

وهو الحزن الذي لا يفارق سواده اتشاح اجساد النساء العراقيات والذي تحدثت عنه احدى المدونات على شبكة الانترنت، وهي تكتب عن تجربتها الشخصية مع امها، التي تلبس السواد من رأسها لقدميها منذ ثمانية وعشرين عاما.

 تقول تلك المدونة:

منذ عام 1980 وحتى اليوم وانا ارى امي تلبس ثيابا سود  من قمة راسها الى اخمص قدميها.. بدأت بارتداء السواد بعد وفاة والدي منذ 28 عاما، ولم تغيره منذ ذلك الوقت ولا حتى مرة واحدة، ولا لاي مناسبة سعيدة حصلت لعائلتنا.

امي هي كملايين النساء العراقيات اللواتي فقدن ازواجهن او اشقاءهن او ابناءهن او احباءهن..

مرة طلبت من امي على الاقل ان ترتدي حجابا ابيض بدلا من الاسود، فجاوبتني: من المعيب ان ترتدي ثيابا ملونة بعد فقدانك احد احبائك.

امي كانت مقتنعة ان المرأة التي تفقد احد احبائها عليها ان لاترتدي اي لون غير الاسود.

وهو الحزن الذي تحدث عنه احد الكتاب العراقيين بالقول:

فعاشوراء ديموزي التي كان يحييها العراقيون حزنا على نزول ديموزي الى العالم السفلي، تكررت في عاشوراء كربلاء، وفي احزان قتلى ومشردي الاهوار الذين ساندوا القرامطة في ثورتهم على العباسيين، وفي نواح فلاحي العراق الابدي تحت سياط (سراكيل) الاقطاعيين الذين كانوا يعدونهم عبيدا لا ارواح لهم، حتى الغناء العراقي، ويفترض في الغناء ان يعبر عن الفرح، ليس الا جذوة حزن.

وهو الحزن الذي تجسد شواخص الام ابدية من خلال المقابر الجماعية، والمعتقلات والسجون، وهذه الايام يتجسد من خلال شواخص اخرى جديدة، مثل تلعفر وسبايكر وغيرها.

الحزن العراقي ورغم تبدل الاحوال والازمان لازال يعيش امجاده.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/تشرين الثاني/2014 - 23/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م