شبكة النبأ: السموّ يمثل رفعة
الإنسان، ولن تتحقق هذه المكانة الرفيعة للانسان، إلا إذا تخلص من
الجهل بكل أشكاله وأنواعه، فالجاهل هو الذي يجهل كيف يعيش، وكيف يتفوق،
وكيف يحقق نجاحا في المجالات التي ينشط فيها، ذلك أن الجهل هو العدو
الأول للمواهب وهو المثبط الأول للعزائم والطاقات، فأينما يحلّ الجهل
يستشري التخلف والمرض والخداع والمراءاة وما شابه من صفات لا تليق
بالانسان، هذا الكائن الذي كرّمه الخالق فجعل منه سيدا وقائدا لكل
الكائنات.
من هنا دعا الامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني
الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (ممارسة التغيير)،
جميع القادة والنخب الى اعتماد خطة محكمة لمكافحة الجهل، لأن القضاء
على الجهل هو السبيل الأقصر لتحقيق هذا الهدف، لذا نقرأ قول الامام في
هذا المجال بكتابه المذكور أعلاه: (ما نحتاجه من أجل التغيير، محاربة
الجهل الذي خيم على المسلمين أكثر من قرن، مما سبب تأخرهم).
ولم يكن الجهل محصورا بعامة الناس أو جموع الأمة، إنما كان للحكام
ومن يقف الى جانبهم ويدعمهم الحصة الاكبر من الجهل، لهذا تأخر
المسلمون، وبدلا من أن يبقوا قادة للعالم ويمضون به الى مراتب أعلى،
أصبحوا بسبب حكامهم في اسفل قائمة الجهلاء، وأخذ منهم التخلف مأخذا،
حتى باتوا في حالة ظلام يخيم عليهم منذ قرون، ولعل السبب الأوضح في هذا
المجال، هو انشغال الحكام المسلمين، بملذاتهم ومصالحهم، وهذا دليل على
أنهم مكبّلون بسلاسل الجهل، وغير قادرين على ردع غرائزهم، بل هم بسبب
جهلهم منصاعون الى رغباتهم وغرائزهم، تحت ضغط الجهل وضعف العقل، وعندما
يكون العقل مهزوزا، يهمين عليه الجهل، فإن الغرائز الحيوانية هي التي
تتحكم بالحاكم، وفي هذه الحالة، ينسحب جهل الحاكم على الامة والمجتمع
كله!
لذلك يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه:
(كان الحكام لا يرون إلا شهواتهم العابرة، بسبب توغلهم في الجهل
بالأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما كانت الجهالة مخيمة على
الأمة حيث انقسموا على أنفسهم على الرغم من كثرتهم، ولم يعد الأمر
يهمهم). وأمر طبيعي عندما يكون الحاكم جاهلا، فإن جهله هذا سوف ينعكس
على الامة، بصورة مباشرة وغير مباشرة، كون الحاكم غالبا ما يكون نموذجا
لمن يقودهم.
نغطّ في سبات عميق
عندما تسمح الأمة أن يقودها حاكم جاهل، أناني، لا يهتم إلا بنزواته
وملذاته ومنافعه المادية، فإن النتائج سوف تكون وبالا على على الجميع،
وسوف يتواجد المتملقون والمتزلفون دائما، يكيلون المدح المجاني للحاكم
الجاهل وحكومته الفاشلة، من اجل الحصول على غاياتهم الخاصة وجلها مادية
تتمثل بالعطايا والاموال المسروقة من قوت الناس الفقراء، وهولاء
المتملقون لا يرون عيبا في الحاكم ولا في نظلمه، حتى لو أبصروا الفساد
ولمسوه بأيديهم، فالمراءاة ومسايرة الحاك وظلمه هدف المتملقين دائما
حتى يحصلوا على جوائزهم المادية الزائلة، وهم يعرفون أن هذه الاموال
ليست حقا من حقوقهم وهم لا يستحقونها، لأن الحاكم الجاهل اغتصبها من
الناس بالقوة الغاشمة، أما الناس الذين يعرفون فساد الحاكم ويعونه،
فإنهم لا يستطيعون فعل أي شيء لأنهم قلة ضعيفة لا تملك قدرة على
التغيير.
يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه حول هذا الموضوع: (هناك قلة
تتملق وتتزلف إلى الحكام مهما لاحظوا عليهم من الفساد، وأقل من قلة تعي
هذا الامر، لكنها لا تتمكن أن تفعل شيئاً بسبب قلتها). ولذلك دفع
المسلمون ثمنا كبيرا لا يقدر بالاموال، كونه يتعلق بالإبقاء على حالة
الجهل تخيّم على عقول المسلمين، فتشل ارادتهم وتجعلهم عاجزين عن
التغيير نحو الأفضل.
وعندما كان الجهل يطوقنا ويمسك بنا بمخالبه، ولا يمح لنا بمجرد
التفكير بواقع أنسب، كانت اوربا تعيش بطريقة افضل، وكانت تمضي قُدُما
نحو العلم، ذلك انها استطاعت ان تقضي على الجهل من خلال محاصرة الحكام
الفاشلين وطردهم خارج ساحات العمل القيادي السياسي او سواه، لذلك كان
ولا يزال طرد الحكام الفاسدين الجهلاء من سدة الحكم يساعد الامة على
مكافحة الجهل بصورة عامة، وهذا الهدف يعد من أسمى الاهداف التي ينبغي
ان يسعى إليها قادة التغيير، كونها تشكل طريقا مضمونا لرفاه الامة
وارتقاء ورفعتها. وقد مر المسامون في تجربة جهل مريرة عبر تأريخ طويل،
وكان قادة المسلمين هم السبب الأول الذي يقف وراء الجهل وما يتبعه من
أمراض وانواع متعددة من التخلف.
لذلك يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه نفسه: (لقد دفعنا
نحن المسلمين ثمناً باهظاً من جراء الجهل والتجهيل، فبينما كانت أوروبا
وأمريكا تسير بشكل حثيث نحو الصناعة والنظام والديمقراطية وما إلى ذلك،
كنا نحن نغط في سبات عميق وجهل شائن). نعم كانت اوربا تتقدم نحو عالم
أفضل، فيما كان المسلمون يغطون في سبات عميق، والسبب دائما كان الجهل
وصنّاعه من الحكام الجهلاء الفاشلين، لذلك يرى المعنيون في هذا الامر،
أن مكافحة الجهل طريق المسلمين الأول نحو التغيير.
ندرة الأحزاب البنّاءة
إن غياب استراتيجية مكافحة الجهل في المجتمعات الاسلامية، اسهم بشكل
كبير في استشراء هذه الظاهرة، حتى المؤسسات التعليمية أسهمت في تكريس
التخلف بدلا من نشر العلم والنور، من خلال انتاج كوادر تعليمية متنورة
مفكرة، والسبب هو اسلوب التلقين في التدريس والتعليم في المراحل
الدراسية كافة، بما في ذلك مراحل الدراسات العليا، فالطالب لا يتعب
نفسه في التفكير والتحليل والاستقراء وما شابه، بل يتم تلقينه بصورة
آلية، ليقوم هو بعد تخرجه بالعملية نفسها، فيلقّن طلابه الذين لا
يبحثون عن العلم بقدر بحثهم وسعيهم لتحصيل الشهادة التي تؤهلهم للحصول
على وظيفة يرتزق منها بصورة آلية تلقينية لا علم فيها.
لذا يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: (في المدارس الزمنية -
الحكومية- كان هدف الجميع الوصول إلى الوظيفة والمنصب - عبر القراءة
والكتابة ومعرفة الأوليات- وتحصيل الشهادة وكان هذا هو الهدف المنشود
لأكثر طلاب المدارس). نعم ان الهدف المنشود لغالبية الطلاب، ليس تحصيل
العلوم المختلفة ونشرها وتطبيقها على الواقع العملي الاقتصادي وسواه،
إنما الهدف كما ذكرنا سابقا، هو الفوز بوثيقة او شهادة تسمح له بالحصول
على وظيفة روتينية، لا تساعد على نشر التحليل والتفكير والابتكار
الجديد.
ولذلك كان الجهل ولا يزال سببا في تأخر المسلمين، وفي نشر التخلف
بين اوساطهم المختلفة، كذلك هناك غياب للخطط التعليمية العلمية بعيدة
المدى، من اجل النهوض بالأمة، وعودة العلم وتوابعه إليها، واستثمار
العلم في ميادين العمل، من اجل إحداث التغيير المنشود، لكن الجهل كان
ولا يزال عائقا امام التغيير، ولهذا يعد الهدف الاول لقادة التغيير
مكافحة الجهل، لأنه السبب الاول الذي يقف وراء جميع المشاكل والصعوبات
والاضطرابات التي يعاني منها المسلمون في دولهم التي تعتمد الاسلام
دينا لها من دون أن تأخذ بما يريده هذا الدين، وهذا هو السبب الاول
الذي يقف وراء تخلف المسلمين، بل هذا هو السبب الاول الذي يقف وراء
تحطم الامة وتمزقها وافتقارها الى قادة واحزاب سياسية بنّاءة.
كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي، بقول: (لقد أدى الجهل إلى تحطم الأمة
وتمزيقها إلى قوميات وأحزاب متحاربة، لا أحزاب بناءة كما في الغرب،
وأخذ كل جانب يتجسس على الجانب الآخر، ويحاربه إلى أن وصلنا إلى ما
نشاهده الآن من تأخّر). |