عرفات.. الميت الحي في القضية الفلسطينية

 

شبكة النبأ: على الرغم من مضي عشر سنوات على رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، لكنه لا يزال حاضرًا في المشهد الفلسطيني، حيث لا تزال صور وذكريات ياسر عرفات تعلق على جدران البيوت والمدارس وفي الشوارع والساحات العامة، وقد شكلت وفاة عرفات يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2004 والتي اثيرت حولها الكثير من الشكوك والاسئلة التي لاتزال مستمرة، وكما يقول بعض المراقبين أن رحيل عرفات شكل منعطفاً خطيراً في تاريخ القضية الفلسطينية، حيث يرى الكثير من المحللين ان عرفات قد اسهم وبشكل فاعل بنقل قضية فلسطين ومعاناة الشعب إلى قضية عالمية وذلك من خلال منصات الأمم المتحدة.

وقد انتخاب عرفات وكما تشير بعض المصادر في 3 من شباط 1969 رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واستمر بتولي هذا المنصب حتى وفاته عام 2004، وأصبح بذلك القائد الأعلى لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت تضم العديد من التنظيمات الفلسطينية المسلحة، والتي اختلفت فيما بعد بسبب اختلاف التوجهات والآراء السياسية وهو ما اثر وبشكل سلبي على مسار القضية الفلسطينية، واعطى اسرائيل قوة اضافية في تحقيق اهدافها وتوسعاتها الاستعمارية.

من جانب اخر يرى بعض المراقبين ان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، قد عمد الى تقديم تنازلات مهمة الى الجانب الاسرائيلي، ولعل من اهمها ما اسفرت عنه المفاوضات السرية التي جرت عام 1993 والإعلان عن (اتفاقيات أوسلو) حيث قام ياسر عرفات، بوصفه رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بالاعتراف رسميا بإسرائيل، في رسالة رسمية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، وفي المقابل اعترفت إسرائيل، بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.

وفي عام 1994 عاد ياسر عرفات مع أفراد القيادة الفلسطينية، إلى الأراضي التي أعلنت عليها السلطة، وهي (أجزاء من الضفة وقطاع غزة) وقد التزم عرفات خلال ذلك، بإيقاف الاعمال المسلحة ضد إسرائيل ونبذ الإرهاب. وفاز عرفات وإسحق رابين وشمعون بيرس بجائزة نوبل للسلام، في ذلك العام. وقد اصطدم عرفات بعد هذه الاتفاقيات والتنازلات بحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، اللتين عارضتا اتفاقيات السلام مع إسرائيل، حيث اعتقلت الأجهزة الأمنية التابعة له المئات من أفرادهما.

وتوفي عرفات عام 2004 في مستشفى كلامار العسكري في باريس، بعد صراع مع المرض، بعد أن حاصره الجيش الإسرائيلي في مقره برام الله بالضفة الغربية على مدى أكثر من عامين. ويعتقد الفلسطينيون أن عرفات قتل مسوماً، وارتفعت احتمالات الاشتباه بوفاته مسموماً بعد إعلان علماء سويسريين، عن وجود مادة البلوتونيوم المشع السامة في رفاته وملابسه التي تم تحليلها في 2012. ودفن الزعيم عرفات في مبنى المقاطعة (مقر الرئاسة)، في مدينة رام الله بعد أن تم تشيع جثمانه في القاهرة، وذلك بعد الرفض الشديد من قبل اسرائيل المتهم الوحيد والأساسي في عملية الاغتيال لدفنه في مدينة القدس كما كانت رغبته وأمنيّته قبل وفاته.

في البيوت والساحات

وفي هذا الشأن وبالقرب من مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة في مخيم الجلزون يبدو الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات حاضرا بصورة كبيرة له على نصب تذكاري رخامي في زيه العسكري وكوفيته بينما علقت صوره في بيوت الفلسطينيين الذين يريدون الاحتفاظ بذكرى رجل يجسد معركتهم. وقد اطلق اهالي المخيم على الساحة الصغيرة اسم ميدان عرفات. وعند النصب وضعت صور صغيرة للقيادي الراحل خليل الوزير (ابو جهاد) واخرى للقيادي الراحل صلاح خلف (ابو اياد) اللذين اغتالتهما اسرائيل في 1988 و1991 على التوالي.

كما وضعت صور وملصقات "لشهداء" المخيم عند النصب في الميدان الذي يعتبر المركز التجاري للمخيم الواقع في قضاء رام الله ويعيش فيه نحو 13 الف لاجئ فلسطيني من حوالى 35 بلدة وقرية فلسطينية. وقد رسم على احد جدرانه سهم يشير الى القدس التي تبعد 19 كيلومترا. وفي مكان غير بعيد عن "ميدان عرفات"، يقع بيت الحاج احمد مسعود صافي (90 عاما) واصله من بلدة بيت نبالا قضاء اللد. وقد علق صورة له مع عرفات في صدر بيته. وقال هذا اللاجئ الفلسطيني التسعيني باعتزاز وهو يمسك بصورته مع الزعيم الفلسطيني الراحل ان "عرفات هو ابو القضية الفلسطينية. هو الذي رفع اسم فلسطين واراد اعادة حقوق اللاجئين انا احب ابو عمار وتاريخه ووطنيته".

واضاف "نشعر انه دائما في قلوبنا وعقولنا هو والمبادئ التي حملها". وتابع الرجل "عندي صور كثيرة مع الرئيس وهذه واحدة منها. عندما وصل الرئيس عام 1994 الى الضفة الغربية ذهبنا انا وممثلو مخيمات اللاجئين في الاراضي الفلسطينية وحملنا له مفتاح العودة الرمزي على طبق وقدمته له حتى يتذكر دائما قضية اللاجئين". وروى ذكريات له مع عرفات. وقال "بعد الاحتلال الاسرائيلي عام 1967 كنت مدير المخيم. كان عرفات يأتي الى المخيم ليلا هو ومصطفى عيسى محافظ رام الله السابق وندور في ارجاء المخيم في سيارة الاونروا (وكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) لترتيب وتنظيم الحركة الوطنية".

واحمد مسعود صافي اعتقل تسع مرات لعلاقته بحركة فتح بين الاعوام 1970 و1993. وقد هدم بيته. وقال "جاءني الحاكم العسكري وقال لي ساهدم بيتك اجبته سيبنيه ابو عمار فقال لي الا تخاف ان اعيدك الى السجن فأجبت لا..." اما احد احفاده جمال (16 عاما) وهو طالب في الصف العاشر، فقال ان "عرفات رمز فلسطين ولولاه لما سمعنا عن القضية الفلسطينية". واضاف "هو حاول ان يحررنا ويبني دولتنا الفلسطينية". واضاف "انا اعرف عنه من عائلتي. كان جدي وابناؤه الاربعة بمن فيهم والدي وابنته جميعهم في السجن في وقت واحد تقريبا وكانت جدتي وحدها في البيت. كما استشهد لي عم".

من جهته، اكد كمال دويك (38 عاما) ان صورة عرفات تشكل استفزازا للجنود الاسرائيليين على الرغم من مرور عشر سنوات على موته. وقال دويك الذي لجأت عائلته من بلدة صرفند بالقرب من مدينة الرملة "عندما يقتحم الجيش الاسرائيلي المخيم ويداهم الجنود البيوت، فاول شىء يقومون به اذا وقع نظرهم على صور لإصحاب البيت مع عرفات هو تحطيم الصورة". واضاف هذا الموظف الحكومي في احدى الوزارات الذي اختار وضع صورة لعرفات ببزته العسكرية بدلا من صورته مع الزعيم الفلسطيني، ان الجنود الاسرائيليين "يبدأون بضرب الشاب صاحب الصورة وكأن الناس تقول لهم عرفات يعيش معنا رغما عنكم".

وبعدما حمل صورته مع عرفات، قال دويك "التقطت هذه الصورة لي معه عام 2000 وهو يمثل لي الكثير. هو لا يزال حي في وجداننا نحن نفتقده بشدة خصوصا في السنوات الاخيرة التي مرت"، مشددا على ان "موته افقد القضية الفلسطينية الكثير". واضاف "لدي صور كثيرة خبأتها اثناء اقتحامات الجيش. صور عرفات موجودة في معظم بيوت الفلسطينيين. فابو عمار شعبي ولم يكن هناك اي صعوبة للقاء الناس به".

ومصور المخيم جهاد نخله هو صديق لكمال. وهو ايضا علق صورته مع عرفات في دكانه الصغير. وقال "كنت اول مصور للمخيم. عملت مصورا لوكالة (الانباء الفلسطينية) وفا في المقاطعة ولم يبق احد ممن زاره الا وتصور معه". واضاف ان "الناس كانوا يطلبون هذه الصور ويريدونها فورا"، مؤكدا ان الزعيم الفلسطيني الراحل "لم يبخل بالصور على زواره من المدن والمخيمات والقرى واهالي الشهداء والاسرى وكل اطياف التنظيمات الفلسطينية والمعارضة". وتابع المصور "انا متاكد انه لا يوجد رئيس في العالم له صور مع ابناء شعبه مثلما كان للرئيس عرفات".

وكان عرفات يستقبل زواره الفلسطينيين ويلتقط الصور معهم سواء كانوا وفودا او افرادا عاديين مع اطفالهم ونسائهم في المناسبات. واكد مدير مؤسسة عرفات ناصر القدوة "نحن متفقون على ان الرئيس عرفات اراد ان يكون حيا في بيوت الناس بعد وفاته من خلال تخليده في هذه الصور وهذه فكرة جميلة". واضاف "نقوم في الوقت الحالي بتصنيف الصور التي لها علاقة بالتاريخ وما ان نفرغ منها حتى ننتقل الى تصنيف الصور الاخرى". بحسب فرانس برس.

وتوفي عرفات في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2004 عن 75 عاما في مستشفى بيرسي دو كلامار العسكري الفرنسي قرب باريس بعد تدهور مفاجئ في صحته، اثر معاناة من الام في الامعاء من دون حمى بينما كان في مقره برام الله حيث حاصره الجيش الاسرائيلي منذ كانون الاول/ديسمبر 2001. ولم تعرف اسباب وفاته حتى الآن.

فتح وحماس

من جانب اخر اعلنت حركة فتح انها ستلغي مهرجان تأبين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في قطاع غزة بعد اعتذار حركة حماس عن "تأمين" الاحتفال. وقال المتحدث باسم حركة فتح في غزة فايز ابو عيطة لوكالة "تم الغاء مهرجان احياء الذكرى العاشرة للرمز ياسر عرفات بشكل رسمي". واوضح ان ذلك جاء بعد ان "ابلغنا رسميا من قبل المستويين الامني والسياسي في حماس على عدم قدرتهم على توفير الحماية الامنية للمهرجان وبالتالي هذا اشعرنا بخطورة كبيرة على المشاركين فيه مما دفعنا بكل الالم على الاعلان عن الغائه حرصا على المصلحة العامة وعلى سلامة اهلنا ومواطنينا".

وبحسب ابو عيطة فان اجهزة حماس الامنية "طردت العاملين في ساحة الكتيبة (المكان المقرر لاقامة المهرجان) وابلغت شركات النقل بعدم التعامل مع حركة فتح". واعتبر المتحدث ان هذا الموقف يمس "بسير المصالحة الوطنية". وقبيل هذا الاعلان، اكد اياد البزم المتحدث باسم وزارة الداخلية في غزة في بيان "ابلغنا حركة فتح رسميا عن تامين حفل احياء ذكرى الراحل ابو عمار ولن نسمح لاي فصيل او جهات او مجموعات مسلحة بالعبث بالامن تحت مبررات حماية المهرجان".

واوضح البزم ان ذلك جاء "خوفا من انفلات الأمور وخروجها عن السياق في ظل حالة الاحتقان الداخلي، ولا سيما في ظل الصعوبات اللوجستية والإدارية الناجمة عن عدم تواصل رئيس الوزراء ووزير الداخلية مع الأجهزة الأمنية منذ تشكيل حكومة الوفاق الوطني" في حزيران/يونيو الماضي. وتابع "الاهم من ذلك ان منتسبي الاجهزة الامنية لم يتلقوا رواتبهم منذ تشكيل حكومة التوافق".

وتطالب حماس حكومة التوافق الفلسطينية بدفع رواتب موظفيها، وفي حين تلقى 24 الف موظفا مدنيا في حكومة حماس مطلع الشهر الجاري دفعة من رواتبهم، الا ان الموظفين العسكرين في الحكومة نفسها لم يتلقوا اي دفعات. وتوترت العلاقة بين حماس وفتح بعد ان فجر مجهولون عبوات ناسفة امام اكثر من عشرة منازل لقادة في فتح في قطاع غزة ما الحق بها اضرارا مادية بدون وقوع اصابات، في واقعة هي الاولى من نوعها. كما وقع انفجار اخر في منصة اقامتها حركة فتح في ساحة "الكتيبة" غرب مدينة غزة لمراسم احياء الذكرى العاشرة لوفاة عرفات. وحملت فتح حماس المسؤولية عن هذه التفجيرات. بحسب رويترز.

وعلى اثر هذه التفجيرات الغى رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمدلله زيارة مقررة الى قطاع غزة بحسب ما اعلن المتحدث باسم حكومته. ووقعت حركتا فتح وحماس اتفاق مصالحة وطنية في نيسان/ابريل بهدف اصلاح العلاقات بينهما والتي تدهورت عندما طردت حركة حماس فتح من غزة اثر اشتباكات دامية في 2007. وادت حكومة التوافق الوطني اليمين الدستورية في الثاني من حزيران/يونيو، الا ان حماس بقيت القوة التي تحكم غزة فعليا.

السلام البعيد

في السياق ذاته جعلت الولايات المتحدة من ياسر عرفات عائقا امام السلام مع اسرائيل لكن بعد عشر سنوات على رحيل الزعيم الفلسطيني لا يزال التوصل الى اتفاق تاريخي بين الطرفين بعيد المنال. واعتبر آرون ديفيد ميلر الخبير في مركز الدراسات وودرو ويلسون في واشنطن والمستشار السابق لستة وزراء خارجية اميركيين حول هذا الملف الذي يشغل المجموعة الدولة منذ حوالى سبعة عقود "الحقيقة هي انه مع عرفات لم يكن من الممكن التوصل الى اتفاق سلام، لكن لم ننجح بدونه ايضا".

ومع فشل اخر محاولة وساطة اميركية قام بها وزير الخارجية الاميركي جون كيري لم تتغير القاعدة السارية منذ فترة طويلة: فمنذ اتفاقات اوسلو في 1993 لم تتمكن كل الادارات الاميركية المتعاقبة من تحقيق تقدم في عملية السلام الاسرائيلية-الفلسطينية. بالواقع، لم تكن آفاق الوصول الى تسوية للنزاع ابدا "بعيدة المنال كما هي اليوم، منذ 1993" حين اطلق عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين مفاوضات كما يقول حسين ايبش الباحث في مركز فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين.

ولا يزال العالم باسره يذكر المصافحة التاريخية بين عرفات ورابين امام انظار الرئيس الاميركي الاسبق بيل كلينتون في حديقة البيت الابيض في 13 ايلول/سبتمبر 1993. وفي السنة التالية نال الزعيمان جائزة نوبل للسلام وتقاسمها ايضا معهما وزير الخارجية الاسرائيلي انذاك شيمون بيريز. لكن الحوار الاسرائيلي-الفلسطيني برعاية الولايات المتحدة يراوح مكانه منذ نهاية التسعينيات، الى حين فشل قمة كامب ديفيد بين عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي انذاك ايهود باراك في صيف 2000.

واعتبارا من الانتفاضة الثانية في ايلول/سبتمبر 2000 استبعدت الولايات المتحدة عرفات من اي حوار، ووصلت ادارة الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش الذي تولى مهامه في كانون الثاني/يناير 2001 الى حد اعتباره عقبة امام السلام مع اسرائيل. لكن مع مر الزمن اصبح الخبراء يشككون في صحة هذه القراءة للتاريخ. وقال ايبش "ان عرفات خلق الظروف المؤاتية للتوصل الى اتفاق. لقد كان اول من وافق على حل الدولتين، وقام بتغيير الدينامية الفلسطينية".

ويرى خالد الجندي من معهد بروكينغز لسياسة الشرق الاوسط ان "عرفات لم يكن بوضوح المشكلة" مشيرا في المقابل الى ان "المؤسسة في واشنطن وادارة بوش عملا على تركيز النزاع بشخص عرفات من اجل اخفاء الاسباب الجوهرية" للخلاف بين اسرائيل والفلسطينيين. واقر ميلر ايضا بان الرئيس عرفات "كان لديه المصداقية والسلطة والشرعية للازمة للحفاظ على السيطرة على الحركة الفلسطينية وللتوصل، اذا اراد ذلك، الى اتفاق" مع اسرائيل. واضاف ان هذا لا ينطبق على الرئيس محمود عباس الذي خلفه، معتبرا ان عباس "لا يملك لا السلطة ولا شرعية الشارع". كما ان حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة تعترض عليه.

لكن الرئيس عباس يبقى شريكا مميزا للولايات المتحدة بهدف التوصل الى اتفاق مع اسرائيل لان واشنطن تعتبر حماس "منظمة ارهابية". لكن حتى باعتراف الاميركيين فان عملية السلام وصلت الى جمود كامل. فقد عمل جون كيري على مدى تسعة اشهر بين تموز/يوليو 2013 ونيسان/ابريل الماضي على اعادة اطلاق حوار مباشر بين الطرفين. وكثف رحلاته الى الشرق الاوسط وادار مشاورات مغلقة استمرت مئات الساعات. وفشل هذه المبادرة في الربيع القى بثقله على العلاقات بين الولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل. ويحمل دبلوماسيون اميركيون في مجالسهم الخاصة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو خصوصا مسؤولية مواصلة الاستيطان في الاراضي الفلسطينية. بحسب فرانس برس.

وردا على سؤال حول فرضية استئناف الحوار، قالت الناطقة باسم الخارجية الاميركية جين بساكي بشكل واضح "ليس هناك حاليا اي مشروع لعرض خطة سلام". واعلن وزير الخارجية جون كيري ايضا انه يفضل في الوقت الراهن عدم التطرق الى هذا الموضوع. لكن ايبش عبر عن اعتقاده بان كيري "لم يعدل بالكامل عن فكرة استئناف المفاوضات. وانه سيقوم على الاقل بجهد كبير اخير من اجل اعادة اطلاق المفاوضات المباشرة".

فرضيات وتقارير

على صعيد متصل استبعد الخبراء الروس المكلفين تحليل عينات اخذت من جثمان الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، تعرضه لتسمم بمادة البولونيوم مؤيدين بذلك نتائج تقرير فرنسي كان موضع انتقاد سهى ارملة ياسر عرفات. وقال رئيس فريق الخبراء الروسي فلاديمير اويبا مدير الوكالة الفدرالية للتحاليل البيولوجية الذي نقلت وكالات الانباء تصريحاته ان ياسر عرفات "مات ميتة طبيعية وليس بسبب اشعاع".

وهذه النتائج مطابقة لتلك التي توصل اليها خبراء مكلفون من قبل القضاء الفرنسي، والتي اعترضت عليها ارملة عرفات الذي توفي في 2004 عن 75 عاما غي مستشفى بيرسي قرب باريس. لكن السفير الفلسطيني في موسكو قال لوكالة الانباء الروسية "نوفوستي" ان التحقيق في وفاة الزعيم الفلسطيني متواصل على الرغم من تقرير فريق الخبراء الروس. وقال فايد مصطفى في تصريحات نقلتها الوكالة "استطيع ان اقول فقط بانه كان قد تقرر سابقا مواصلة التحقيق. ونحن نحترم موقفهم ونقدر عاليا عملهم (الخبراء الروس). ولكن تقرر مواصلة التحقيق".

ويتهم القادة الفلسطينيون اسرائيل بانها كانت وراء وفاته ويطالبون بتشكيل لجنة تحقيق دولية في الوفاة. وكان الخبراء المكلفون من القضاء الفرنسي التحقيق في وفاة ياسر عرفات في استبعدوا في تقريرهم فرضية وفاة الزعيم الفلسطيني مسموما مرجحين الموت الطبيعي بحسب مصدر قريب من الملف، مما يثير الجدل مجددا حول هذه القضية البالغة الحساسية.

وقالت النيابة العامة في نانتير قرب باريس في بيان "مع التحاليل التي اجريت والمستندات التي يتضمنها الملف، خلص الخبراء الى غياب تسميم لعرفات بالبولونيوم-210" وهي مادة مشعة على درجة عالية من السمية. واشار تقرير طبي فرنسي يعود تاريخه الى 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2004 الى التهاب بالامعاء وتخثر "شديد" للدم لكنه لم يوضح اسباب الوفاة. واعلنت سهى عرفات ارملة الرئيس الفلسطيني الراحل في انها ستطعن امام القضاء الفرنسي في نتائج التقرير الطبي الفرنسي الخاص بظروف وفاة زوجها.

وقالت سهى عرفات "بعد التشاور مع عدد من الخبراء القانونيين وخبراء المعهد السويسري الذي اجرى فحوصا على عينات من رفات الشهيد عرفات وبعد مقارنة التقرير الفرنسي مع التقرير السويسري قررنا التوجه الى القضاء الفرنسي للطعن بنتائج التقرير الطبي الفرنسي". واضافت "سنطعن بالتقرير والية عمله والنتائج التي توصل اليها وسنبين الدليل على صحة طعننا" من خلال المحامين الموكلين بالقضية امام القضاء الفرنسي. واكدت سهى عرفات انها "مقتنعة تماما" بانه "لم يمت بطريقة طبيعية".

وكانت سهى عرفات رفعت في تموز/يوليو 2012 دعوى ضد مجهول بتهمة القتل في نانتير بعد اكتشاف مادة البولونيوم المشعة والعالية السمية على اغراض شخصية لزوجها. وهذه المادة اعطيت له كما قالت من احد المحيطين به. ولم تعرف حتى الان اسباب وفاة عرفات الذي توفي عن 75 عاما في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2004 في مستشفى بيرسي دو كلامار العسكري الفرنسي قرب باريس بعد تدهور مفاجىء لصحيته، اثر معاناته من الام في الامعاء من دون حمى، من مقره برام الله حيث كان يعيش محاصرا من الجيش الاسرائيلي منذ كانون الاول/ديسمبر 2001. ولكن ما زال كثير من الفلسطينيين يشتبهون باقدام اسرائيل على تسميمه بتواطؤ افراد من محيطه. ولطالما نفت اسرائيل اي ضلوع لها في القضية. وبحسب استطلاع اجراه مركز ابحاث فلسطيني فان غالبية الفلسطينيين (59 بالمئة) يعتقدون ان عرفات تم تسميمه من قبل اسرائيل.

من جانب اخر قال العالم السويسري الذي فحص عينات من رفات الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إن الخبراء الفرنسيين الذين خلصوا إلى أن عرفات لم يمت مسموما قدموا حججا واهية . وقال فرانسوا بوشو مدير معهد الفيزياء الإشعاعية في مستشفى لوزان الجامعي الذي ساعد في أخذ عينات من رفات عرفات قبل عام إن النهج الذي اعتمده الخبراء السويسريون شبيه بالتحقيق الفرنسي لكنه غاص إلى مستوى أعمق لكشف سر وفاة الزعيم الفلسطيني.

وقال بوشو "المقياس الأساسي هو ذات المقياس الفرنسي. عندما حاولنا شرح تفسير أصل ما لاحظناه توصلنا إلى استنتاجات مختلفة لأننا ذهبنا إلى مستوى أبعد. "نحن متفقون باستثناء ما يقوله الفرنسيون من أن البولونيوم ترسب نتيجة لوجود غاز الرادون في المقبرة التي دفن فيها عرفات .. هذه حجة واهية للغاية."

ولم ينشر بعد تقرير الخبراء الروس الذين شاركوا أيضا في أخذ عينات من رفات عرفات لكن محققا فلسطينيا نقل عن التقرير ما يفيد بأنه لا توجد أدلة كافية تدعم نظرية التسمم. والسبب الرسمي للوفاة هو سكتة دماغية لكن أطباء فرنسيين قالوا وقتها إنهم غير قادرين على تحديد أصل مرضه. ولم يجر تشريح للجثمان. ووجد الفريقان السويسري والفرنسي مستويات متشابهة من البولونيوم 210 والرصاص 210 في عظام عرفات أعلى 20 مرة من المستويات العادية.

وقدمت ثلاثة تفسيرات محتملة: تدخينه واستخدامه أسلحة أو معدات بطلاء مضيء تحتوي على الراديوم ووجود غاز الرادون في مقبرته. لكن بوشو قال إن التدخين لا يؤدي الى هذه المستويات المرتفعة من البولونيوم 210 والرصاص 210 وإنه لا يوجد أي أثر للراديوم وإن مستويات غاز الرادون - وهو غاز موجود بشكل طبيعي في الهواء والتربة - لا تختلف عن مستوياته في أي قبر آخر.

وتابع قائلا "لكننا أجرينا الكثير من التحقيقات الأخرى لاستبعاد الرادون... قمنا بتنظيف العظام بطريقة كيميائية وفيزيائية لاستبعاد التلوث من المقبرة. وفعل الفرنسيون هذا." وأضاف "توصلنا إلى استنتاج مفاده أنه لا يمكن تفسير المستويات المرتفعة من البولونيوم 210 والرصاص 210 بسبب وجود غاز الرادون. استبعدنا أن يكون الرادون هو مصدر الكميات المرتفعة التي قمنا برصدها حيث يقول الفرنسيون إن وجود الرادون في المقبرة يفسر المستوى المرتفع."

وقال إن التحقيقين السويسري والفرنسي توصلا أيضا إلى أن مستويات البولونيوم 210 والرصاص 210 في التربة تحت رفات عرفات "والتي تلوثت بوجود سوائله البيولوجية" أعلى 17 مرة من مستوياتها. وعلاوة على ذلك قارن الفريق السويسري نتائج تحليل كفن عرفات بنتائج تحليل فروة رأسه التي كانت أعلى 13 مرة. بحسب رويترز.

وتساءل بوشو "مرة أخرى إذا كان يمكن تفسير الأمر بوجود الرادون فلماذا وجدنا مستويات في فروة الرأس أعلى من المستويات في الكفن؟" وأضاف أن مقارنة الرفات بالتحلل الإشعاعي الذي وجد في عينة تجارية من البولونيوم يعطي "تفسيرا معقول لما وجدناه." وتوجد حالات قليلة معروفة من التسمم بالبولونيوم اشهرها الجاسوس الروسي المنشق الكسندر ليتفينينكو الذي تناول كوبا مسموما من الشاي في فندق بلندن عام 2006.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/تشرين الثاني/2014 - 21/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م