شبكة النبأ: هناك بديهية (علمية)
مفروغ منها، يؤكدها الخبراء المعنيون، مفادها أن الأمة أو الدولة أو
البلد الذي لا يمتلك رأس مال فكري تخطيطي عملي، لا تقوم له قائمة، ولا
يمكن أن ينهض ويواكب الحاضر ويطمئن للمستقبل، هذه القاعدة البديهية،
نبّهت الكثير من الدول وقادتها الى الاهتمام التام بالانسان وبقدراته
الفكرية، ومواهبه في التخطيط للحاضر والمستقبل، فضلا عن تهيئة الكادر
التنفيذي الذي يتمكن من تحويل الافكار والبنود والخطوات النظرية، الى
منتج واقعي ملموس، وبهذه الطريقة العلمية العملية المزدوجة، ارتقت
وتطورت بعض البلدان التي كانت متأخرة، لدرجة أصبح بعضها من الدول التي
تتربع عرش التقدم الاقتصادي والثقافي وما شابه، كما نلاحظ ذلك في الهند
والصين وغيرهما.
لنأتِ الآن الى دولة العراق، ولنتحدث بوضوح تام عن الحاضر والمستقبل،
وعن دور رأس المال الفكري في طرح الخطط والرؤى العلمية في الاقتصاد
وسواه من المجالات الاخرى، ولنسأل بوضوح ايضا، هل هناك افكار
استراتيجية وخطط علمية متخصصة، يطرحها القائمون على هذا البلد، تهدف
الى بناء حاضر العراق في مجالات الحياة كافة؟ وتدخل ضمنها مجالات
التعليم والصحة والثقافة والاقتصاد وغيرها من المجالات؟، وهل يبذل قادة
هذا البلد الذين يتحكمون بصنع القرار، ما يكفي من جهد فكري عملي تخطيطي،
لبناء حاضر البلد بما ينسجم مع قدراته المالية - ثروات النفط والمعادن
والموارد الاخرى- والبشرية – كفاءات ومواهب ومهارات-؟ هل هناك ما يثبت
او يؤكد أو يؤشر على الأقل، سعي المسؤولين من اصحاب القرار بالتوجّه
نحو بناء حاضر متطور للعراق؟، واذا كان واقع الحال العراقي يغوص في
الفوضى والإرباك، نتيجة الصراعات السياسية خارجيا وداخليا، الامر الذي
يعرقل الخطط الآنية للنهوض بهذا البلد، كما يدّعي المسؤولون، فهل هناك
خطط مستقبلية علمية عملية متخصصة، تنم عن اهتما اصحاب القرار وأولي
الامر بمستقبل هذا البلد أرضا وشعباً؟.
في الحقيقة، استنادا الى الوقائع، وما يجري على الارض، كل الدلائل
والمؤشرات، تؤكد انتفاء مثل هذا الاهتمام، وغياب مثل هذه الخطط وغموض
تام يلف الحاضر والمستقبل العراقي، في ظل إهمال تام للقدرات الفكرية
والكفاءات العراقية، وقصر الاهتمام الحكومي بالامور والمصالح والمنافع
الشخصية او الفئوية او الحزبية، أما ما يتعلق ببناء الحاضر او المستقبل،
فهو أمر خارج نطاق تفكير او اهتمام اصحاب القرار.
ولهذا تحوّل العراق الى بلد مستهلك من الدرجة الاولى، يصدّر النفط
ويعتمد عليه كإيراد أوحد، ثم يستهلك كل ما يحصل عليه من مواد مستوردة
تشمل أصغر وأكبر شيء يحتاجه الانسان العراقي (من إبرة الخياطة الى
الطائرة، ومن رأس البصل الى الطماطم، ومن لحم العصفور الى العجل!!)،
ولذلك عندما هبطت اسعار النفط مؤخرا في (لعبة دولية محسوبة)، بدأ قادة
المال في العراق يتخبطون، يمينا وشمالا، معلَّقين كل أخطائهم الكبيرة،
على شماعة هبوط اسعار النفط، في حين لم يعترف احدهم بإهمالهم للرأس
المال الفكري، وعدم اهتمامهم بالتخطيط السليم، فضلا عن تقاعسهم في
التنفيذ العملي الدقيق.
فلا توجد لدينا صناعة حيث تم اغلاق مصانع الحكومة بشكل كلي، والجميع
يتحدث عن الخصخصة، ولكن أين الثمار لكي يقطفها الشعب حاضرا، وأين هي
حصة المستقبل والاجيال القادمة، ألم يفكر قادة الحاضر واصحاب القرار،
ماذا سيحدث لو جفّ ضرع النفط، وخلت ارض العراق من الذهب الاسود؟، أليس
من الواجب الانساني والوطني والشرعي أن يفكر قادة اليوم بالاطفال
القادمين من اصلابهم واصلاب الرجال الآخرين من العراقيين؟؟.
وهكذا لا يوجد اهتمام حكومي من اصحاب القرار في بناء حاضر
العراقيين، والاخطر من ذلك إهمال المستقبل كليّا، والانشغال بصراعاتهم
ومصالحهم الآنية الزائلة، والتي ستكون بدورها سببا بزوالهم، لذا على
جميع هؤلاء ممن له حصة ومشاركة في صنع القرار الرسمي الحكومي، أن
يعيدوا النظر بطريقة ادارتهم للبلد، وعليهم ان يتخلوا عن فرديتهم،
طالما انهم ارتضوا قيادة الشعب، فليس امامهم سوى الاهتمام العلمي في
بناء الانسان العراقي واعتماد الفكري والعملي لبناء حاضر العراقيين،
والقضاء الفوري على ظاهرة الاستهلاك والاعتماد على النفط كمصدر إيرادي
أوحد، والانطلاق من قاعدة الحاضر القوية نحو المستقبل، لضمان حقوق
الاجيال القادمة من ثرواتها، ولابد أن يتجّه الجميع، قادة ونخب وأولي
أمر، نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعة والزراعة ومجالات الحياة
الاخرى، ومغادرة حالة الاهمال المزمنة التي يعاني منها العراقيون، بسبب
انشغال المسؤول عن رعيته و واجباته!!. |