التوتر في القدس يعيد الصراعات الدينية الى الواجهة

 

شبكة النبأ: عادة مدينة القدس الى الواجهة من جديد، بكل ما تحمله من قيمة رمزية ودينية مقدسة لدى اتباع العديد من الديانات المختلفة، بعد ان زاد التوتر بين الفلسطينيين والاسرائيليين، اثر حوادث القتل المتبادلة بين الطرفين، واغلاق الشرطة الاسرائيلية للحرم المقدسي، والذي ادى الى توتر العلاقات بين الاردن واسرائيل، اضافة الى جملة من الاستفزازات التي قام بها مستوطنون ومسؤولون بارزون في الحكومة الاسرائيلية، والتي ادت الى تنامي الاحتقان والتوتر، الذي قد يولد انتفاضة فلسطينية جديدة تشعل المنطقة باسرها، وهو ما حذر منه مراقبون، سيما وان منطقة الشرق الاوسط، تعيش على تداعيات الصراع مع الجماعات المسلحة والمتطرفة، والتي انتشرت بشكل كبير بعد احداث الربيع العربي، وادت الى ظهور جماعات دينية متشددة في ليبيا ومصر والعراق وسوريا ولبنان وغيرها.

ويبدو ان فشل الولايات المتحدة الامريكية في ايقاف تمادي اسرائيل، وايجاد طريقة مناسبة لعودة مفاوضات السلام بين الجانب الفلسطيني والاسرائيلي بعد توقفها، اضافة الى الحرب التي شنتها اسرائيل ضد قطاع غزة مؤخرا، ومواصلتها في بناء المستوطنات، وسعي السلطة الفلسطينية الى كسب الاعتراف الدولي بدولة فلسطين من دون الرجوع الى مشاورة الولايات المتحدة الامريكية او اسرائيل، مع رغبتها في تقديم شكوى دولية في مجلس الامن ضد حكومة اسرائيل، كلها عوامل زادت من حدة الخلافات، واججت الموقف بين الطرفين الرسميين، وبالتالي لا بد من ان تكون هناك انعكاسات داخلية تفضي الى توتر الاوضاع في اكثر المناطق الدينية حساسية في العالم، الا وهي مدينة القدس التي تملك وضعا خاصا اقيم على اساس اتفاقات سابقة.

ونصت معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1994 المعروفة باسم وادي عربة على رعاية الأردن للحرم القدسي لكن جذور هذه الرعاية تعود إلى عام 1924 عندما منح وجهاء فلسطين في القدس حق الرعاية للشريف حسين جد جد الملك عبد الله، وتأكدت الرعاية من جديد في اتفاقية وقعتها السلطة الفلسطينية العام الماضي مع الملك عبد الله، وتعرف المنطقة التي تضم أيضا مسجد قبة الصخرة باسم الحرم القدسي الشريف عند المسلمين وجبل الهيكل عند اليهود، ويعتبر الحرم شرارة جاهزة للاشتعال في الصراع وهو ثالث الحرمين الشريفين عند المسلمين وأكثر الأماكن قدسية عند اليهود، ويدير عدة مئات من الموظفين الأردنيين الحرم ويسمحون لليهود بزيارته لكن دون الصلاة فيه، وكانت إسرائيل قد أغلقت الحرم ردا على اطلاق النار على ناشط اسرائيلي-أمريكي من أقصى اليمين بعد ان طالب بالسماح لليهود بالصلاة في ساحة المسجد الاقصى، وأعيد فتح الحرم القدسي في اليوم التالي بعد ما وصفه مسؤولون أردنيون بأنه تدخل شخصي من الملك عبد الله.

التوتر في القدس

في سياق متصل ومع انضمام الأردن إلى تحالف عسكري ضد متشددي تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا فإن التوترات في مدينة القدس تمثل ما قد يكون خطرا أكبر على بلد تفادى بالكاد اضطرابات تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، وثار قلق وغضب الأردن حليف الولايات المتحدة بسبب التصرفات الإسرائيلية الأخيرة في الحرم القدسي الشريف حيث يزيد التوتر من احتمالات اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة من شأنها أن تضيف إلى الأزمات على حدود المملكة الأردنية بل ربما تتسلل إلى أراضيها، وبالنسبة للملك الاردني عبد الله (وبالنظر إلى أن معظم الأردنيين البالغ عددهم سبعة ملايين شخص فلسطينيون) فإن اغلاق الحرم القدسي لمدة يوم وصل إلى حد الإهانة الشخصية، فالعائلة الهاشمية لديها وصاية على المقدسات الاسلامية في القدس بما فيها المسجد الأقصى.

وقال محمد المومني وهو وزير دولة في الأردن وناطق باسم الحكومة "من الأمور الأساسية التي تغضب الدولة الأردنية وشعبها السلوك الإسرائيلي في القدس، فمن ناحية نحاول مكافحة الارهاب والتشدد ومن ناحية أخرى نواجه بهذا التصرف المتهور"، وفي حين تقول إسرائيل إنها تشعر بحساسية إزاء آراء الأردن وتلقي باللوم على متشددين في اثارة التوتر بالحرم فإن عمان ترد بعبارات صارمة على نحو غير معتاد، بل أن المملكة أشارت إلى أن الأزمة قد تعرض معاهدة السلام التي وقعها الأردن مع إسرائيل عام 1994 للخطر وهي فكرة لم تطرحها عمان أثناء مواجهات أعنف بكثير بين إسرائيل والفلسطينيين مثل الحرب على غزة في يوليو تموز وأغسطس آب، ويسلط الأمر الضوء على الأهمية التي يوليها الملك عبد الله لأزمة تزيد من تعقيد سعيه لابقاء المملكة خالية من اضطرابات أطاحت بزعماء عرب آخرين وأسفرت عن حروب أهلية كثيرة في المنطقة منذ 2011.

وتوقيت ما حدث هو الأسوأ بالنسبة للأردن فبعد أقل من شهرين على انضمامه للغارات الجوية في سوريا يصور اسلاميون أصوليون (بعضهم في الأردن) الأمر على أنه هجوم على الاسلام وليس على تنظيم الدولة الاسلامية، وبعض الاردنيين غير مقتنعين بمنطق الانضمام إلى حرب تقودها الولايات المتحدة خشية أن يدفع هذا إسلاميين متشددين في الأردن إلى الانتقام، ويوجد في الأردن (مثل باقي الدول الاسلامية) متعاطفون مع التنظيم المتشدد، وسيقدم الموقف في القدس لخصوم الملك عبد الله الإسلاميين بدءا بالجهاديين وحتى جماعة الاخوان المسلمين مبررات جديدة لانتقاد الزعيم المدعوم من الغرب ما لم يعلن موقفا صارما، واستدعى الأردن سفيره في إسرائيل للاحتجاج في أول خطوة من نوعها منذ السلام بين البلدين لكن المنصب ظل شاغرا مرتين منذ ذلك الحين. بحسب رويترز.

والاغلاق هو الأول من نوعه منذ 2000 عندما أشعلت زيارة زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرييل شارون للحرم شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، واستخدم الملك عبد الله لغة صارمة غير معتادة في انتقاده الأخير لإسرائيل، وشبه في الآونة الأخيرة المتشددين الاسلاميين بالصهاينة المتشددين، وفي كلمة ألقاها قال إن القدس "روت دماء شهدائنا ترابها" في إشارة إلى الجنود الأردنيين الذين سقطوا قتلى في حرب عام 1948 والتي أدت إلى قيام دولة إسرائيل، وأضاف أن الأردن الذي ظل يحكم الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية من عام 1948 إلى 1967 سيتصدى "بشتى الوسائل للممارسات والسياسات الإسرائيلية الأحادية في القدس الشريف والحفاظ على مقدساتها الاسلامية والمسيحية"، وقال دبلوماسي في عمان "إنه (الملك عبد الله) منزعج وقلق للغاية، القدس هي كل شيء"، وتابع "لا يمكنك المبالغة في مدى أهميتها، إنها آخر شيء يريدونه، يكفي ما يحدث في سوريا والعراق ويتأثر الأردن بهما"، وأضاف "كلما تعرضنا لنوبة كبيرة من التشدد في المنطقة فإن الأردن يشعر بهبوب الرياح، وفي هذا مدعاة للقلق وليس للتفكير في أنه سيكون هناك انعدام للاستقرار على المدى القصير".

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الوضع الراهن في الحرم القدسي والذي تم الاتفاق بشأنه مع الأردن بعد حرب عام 1967 لن يتغير، لكنه يتعرض لضغوط حتى من داخل حزب ليكود الذي ينتمي إليه، وتحدى عضو من أقصى اليمين في ليكود دعوات نتنياهو إلى ضبط النفس وزار الحرم، وأفاد بيان إسرائيلي أن نتنياهو أكد من جديد للملك عبد الله في اتصال هاتفي أن إسرائيل لا تعتزم تغيير الوضع، ونسب الديوان الملكي للملك عبد الله قوله لنتنياهو في المحادثة إنه يرفض أي محاولة لتغيير قدسية المسجد الأقصى أو اتخاذ إجراءات من شأنها أن تهدد أو تغير الوضع القائم، وتقول إسرائيل إنها تنشد الاستقرار في الأردن وإنها تشعر بحساسية من موقف المملكة، وقال دانييل نيفو السفير الإسرائيلي في الأردن للإذاعة الإسرائيلية في مقابلة "خوفنا الأكبر هذه الأيام هو أن يحاول أحد خلق اضطرابات في جبل الهيكل لاشعال المنطقة وايذاء كل من الأردن وإسرائيل"، وبالنسبة للأردن فإن شبح تفجر الصراع مرة أخرى بين إسرائيل والفلسطينيين يجلب مخاطر تختلف عن تلك التي تثيرها سيطرة الدولة الاسلامية على مناطق واسعة في سوريا والعراق، واستقبل الأردن موجات من اللاجئين الفلسطينيين منذ حربي 1948 و1967 كما تمثل المشاعر القومية الفلسطينية مصدرا للقلق منذ عقود.

وإلى جانب ذلك توجد مشاكل اجتماعية واقتصادية في الأردن حيث يصل معدل البطالة إلى 11.4 في المئة لكن الأرقام غير الرسمية تفيد بأنه ضعف هذه النسبة، كما يشوب البطء وتيرة الاصلاح السياسي مما يجعل الأردن في مواجهة نفس الخليط القابل للاشتعال الذي أجج الانتفاضات العربية عام 2011، وفي ليلة صافية يمكن رؤية أنوار القدس من مشارف العاصمة الأردنية ويجعل هذا القرب الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين مختلفا عن الحروب في سوريا والعراق، وبعض الأحياء الأكثر فقرا في عمان هي في الواقع مخيمات للاجئين الفلسطينيين وأصبحت بمرور الوقت مناطق سكن دائم ويعيش فيها أبناء الفلسطينيين الذين اضطروا إلى الفرار في حربي 1948 و1967، وبالنسبة للفلسطينيين الأردنيين فإن القدس تعني ما هو أكثر بكثير مما تعنيه الحرب على الدولة الاسلامية.

وقال ثائر داود (46 عاما) وهو صاحب متجر في عمان وتنحدر عائلته من قرية قرب مدينة رام الله بالضفة الغربية "في سوريا الناس يتصدون للظلم ويريدون أن يتحرروا منه، لكن فلسطين والقدس أراض محتلة ومغتصبة"، وأضاف من متجر في منطقة يغلب على سكانها الفلسطينيون في عمان "لا تعلم تحديدا ماذا سيحدث لأن هناك الكثيرين من الضفة الغربية هنا، لن يرضى أحد بما يحدث في فلسطين"، وتمكن الأردن من اجتياز الانتفاضتين الفلسطينيتين السابقتين دون اضطرابات كبيرة، وقال المومني "نبلي بلاء حسنا في الحفاظ على السلام والأمن، يؤمن المزيد والمزيد من الأردنيين بفكرة أن الاستقرار والأمن هما نفط هذا البلد، ولهذا نحميه بشدة"، لكن وفي ضوء التحديات الداخلية في الأردن (كالبطالة والفقر وغياب التمثيل السياسي لجميع الأطياف) فإن الصراع في القدس سيجعل من الأسهل على جماعات مثل الدولة الإسلامية أن تجند متشددين، وقال طاهر المصري وهو رئيس وزراء سابق من عائلة فلسطينية كبيرة إن الاحتجاجات الشعبية بسبب القدس ستكون قوية لكن شعور الأفراد بالاحباط سيكون أقوى بكثير، وأضاف أن خطر الدولة الإسلامية لا يكمن في عبورها الحدود وانما في المشاعر أو الاحباطات بسبب تفاقم الأوضاع الاقتصادية.

الغضب الفلسطيني

فيما اشتعلت شوارع القدس الشرقية المظللة بالمدينة القديمة والتي نادرا ما يغامر السياح بالتجول فيها بالاشتباكات اليومية خلال الأشهر الماضية بين الشرطة الإسرائيلية والفلسطينيين الذي يرمون الحجارة وقنابل المولوتوف، وكثيرة هي جذور هذه الاضطرابات: بدءا بمقتل مراهق فلسطيني في يوليو تموز الماضي على يد متطرفين يهود كانوا ينتقمون على ما يبدو لمقتل ثلاثة مراهقين اسرائيليين على يد الفلسطينيين ووصولا إلى النشاط الاستيطاني المتزايد في القدس الشرقية (التي تسكنها أغلبية عربية) فضلا عن حرب غزة وحملة ضغط أطلقها اليهود المتطرفون لكي يسمح لهم بالصلاة في المسجد الأقصى وهو أحد أقدس المواقع لدى المسلمين، وعاد الغضب العارم ليحتل واجهة الأحداث من جديد عندما دهس فلسطيني عددا من المارة وأفراد الجيش الإسرائيلي على طريق بين شطري القدس الشرقي والغربي ما أسفر عن مقتل شخص وجرح العشرات، وقتلت الشرطة الإسرائيلية المهاجم بالرصاص، ونتج عن هذه السلسلة من الاحداث حالة من الاضطراب هي الأخطر منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي بدأت عام 2000 واستمرت خمس سنوات قتل خلالها نحو ثلاثة آلاف فلسطيني ونحو ألف اسرائيلي.

وفي الوقت الذي انحصرت فيه الاضطرابات في ستة أحياء في التلال والوديان الواقعة إلى الجنوب والشرق من البلدة القديمة يقول الفلسطينيون ان الغضب الذي يسود مجتمعاتهم ربما يفوق ذلك الذي كان قبل 14 عاما كما توجد مؤشرات واضحة على أن الاضطرابات آخذة في الامتداد، وأصيب ناشط أمريكي إسرائيلي يقود حملة للسماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى في هجوم عليه بالرصاص بينما كان يغادر مؤتمرا في القدس الغربية التي يسكنها غالبية يهودية، وأطلقت الشرطة الاسرائيلية النار على المشتبه به بتنفيذه العملية معتز حجازي في غضون ساعات على إثر تبادل لاطلاق النار في حي الثوري وهو حي فلسطيني يبعد عدة مئات من الأمتار عن الموقع الذي هوجم فيه الناشط يهودا جليك، ودهس فلسطيني من حي سلوان (وهي منطقة متاخمة للمدينة القديمة حيث يتزايد عدد المستوطنين اليهود) حشد من الاشخاص كانوا ينتظرون عند محطة الترامواي فقتل طفلة أمريكية إسرائيلية في الشهر الثالث من عمرها وامرأة من الإكوادور.

واشتعلت شوارع حي الثوري بسرعة بعد مقتل حجازي وقام الشباب والأولاد برمي الحجارة على الشرطة الاسرائيلية كما أشعلوا النار وقطعوا الطرقات وتعهدوا بالثأر، وردت الشرطة الاسرائيلية بالقنابل المسيلة للدموع وقنابل الصوت في حين كانت طائرات الهليكوبتر تحوم فوق المنطقة، واستمرت الاشتباكات خلال الليل، وقال حمادة أبو عمر (21 عاما) وهو أحد الشبان الذين شاركوا في القتال ويرتدي الكوفية البيضاء والسوداء التي كانت يرتديها الزعيم الراحل ياسر عرفات حول رقبته "ليعتقلونا ويقتلونا، لا يهم"، وأضاف "على الأقل نحن نستطيع أن نصيبهم بالاحباط ونبطئ تقدمهم ونظهر لهم أننا لن نستسلم أبدا"، أما سيد سامر (534 عاما) الذي ولد في المدينة القديمة ويملك متجرا هناك لبيع التذكارات ورثه عن والده وتوالت عليه الاضطرابات والتورات على مدى عقود فيقول إن القدس باتت على حافة الانزلاق إلى الهاوية وبشكل خطير، وقال "إن الوضع اليوم أكثر رعبا مما كان عليه عام 2000 وأسوأ بكثير" زاما شفتيه بقلق لدى مرور دورية من الشرطة الاسرائيلية باقرب من متجرة في المنطقة المسلمة، وأضاف "الوضع الحالي أشبه بالحرب". بحسب رويترز.

أما القوة الدافعة وراء الحرب المحدودة المفترض أنها جارية في القدس حاليا فهما المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين ومسجد قبة الصخرة الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن السابع الميلادي، ومنذ أن احتلت إسرائيل القدس الشرقية من الأردن خلال حرب عام 1967 وضمتها في خطوة لم تلق اعترافا دوليا سمح لليهود بزيارة الموقع ولكن منعوا من الصلاة فيه، ويثير هذا الأمر حالة إحباط عند الكثيرين لأنه موقع أقدس مكان عند الديانة اليهودية حيث يقول اليهود إنه موقع بناء هيكلين دمر آخرهما على يد الرومان في عام 70 الميلادي، وفي الاشهر الأخيرة اكتسبت حملة لالغاء قرار بحظر صلاة اليهود في المسجد الاقصى يقودها يهودا جليك وغيره من نشطاء المستوطنين زخما، وهو ما أثار القلق بين الفلسطينيين وتعداهم إلى المسلمين الذين يخشون خسارة إشراف الوقف الإسلامي على المسجد الاقصى الذي ترسخ بعد الحروب الصليبية.

وكتب عودي ديكل من مركز الدراسات الأمن القومي في تل أبيب في بحث يحمل عنوان "التوتر في القدس: منع ثوران البركان " قائلا "إن التطورات الدراماتيكية في جبل الهيكل تنذر بأن تتحول إلى عامل في تغيير قواعد اللعبة"، وأضاف "إن الحساسية الدينية حيال الموقع قد ينتج عنها تأثيرات واسعة على أشخاص يتماهون مع الموقع (الديني للأقصى) وربما أطلقت موجات دعم لأعمال العنف في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي"، وبينما قد يكون الغضب في الشارع أقرب الى آخر انتفاضة أو ربما الانتفاضة الاولى التي بدأت في عام 1987 واستمرت حتى اتفاقات أوسلو للسلام في عام 1993 فان قدرة الفلسطينيين على توجيه ضربات لاسرائيل أصبحت أشد بكثير.

ومن مناطيد المراقبة الجوية الى الجدران الخرسانية المرتفعة التي تفصل الضفة الغربية التي تحتلها اسرائيل عن القدس الشرقية أنفقت اسرائيل بشدة على التدابير الامنية وجمع معلومات المخابرات منذ اوائل 2000 مما يجعل من الصعب للغاية ظهور انتفاضة حاشدة، وفي حي الثوري يتذكر كبار السن من الفلسطينيين الانتفاضات السابقة وتنتابهم الشكوك بشأن احتمالات اندلاع انتفاضة اخرى تركز على القدس، وعبر ابراهيم حجازي (وهو أب لرجل يشتبه في انه اطلق الرصاص على جليك) عن غضبه ازاء الاحتلال الاسرائيلي والمعركة من أجل الاقصى عندما جاء زوار لتقديم العزاء له في موت ابنه وإن كان ذلك أيضا تعبيرا عن القبول بما حدث، وقال وقد اكتست عينه باللون الاحمر فيما كان وجهه غير حليق "نحن نعيش في عالم مجنون، يفترض ان هذه مدينة مقدسة لكن كل عام تحت الاحتلال نخسر مزيدا من الارض ونتعرض للاهانة والان مع المسجد الاقصى نحن على شفا حرب دينية"، وبينما لا يقلل أحد من خيبة الامل التي يشعر بها الفلسطينيون في القدس الشرقية فان قلة هم الذين يعتقدون في هذه المرحلة ان انتفاضة مثل تلك الانتفاضات التي اندلعت من قبل أمر ممكن، وقال سمير عوض وهو محلل فلسطيني بجامعة بير زيت في الضفة الغربية "ما يحدث في القدس أقل من انتفاضة، حركة احتجاج من جانب الشباب، بدون دعم الزعماء لن تستمر فيما يبدو، بينما الحملة الصارمة التي تلجأ اليها الشرطة الاسرائيلية مستمرة بقوة".

وفي نفس الوقت تعرف اسرائيل ان المشاعر تتغير، فقد طالب رئيس بلدية القدس نير بركات بأن يعزز نتنياهو الامن في محيط القدس الشرقية وفي داخلها بما يصل الى 1000 شرطي اضافي في الشارع، وأقرت الحكومة الاسرائيلية مشروع قانون يجعل رشق المركبات بالحجارة جريمة تصل عقوبتها إلى السجن 20 عاما وهو قرار ينظر اليه على انه محاولة لقمع الاضطرابات في القدس الشرقية وأجزاء من الضفة الغربية، ونددت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بهذه العقوبة إلا ان نتنياهو مضى قدما في البناء الاستيطاني في القدس الشرقية التي يقول خصومه انه يذكي التوتر وغير قانوني بموجب القانون الدولي ويجعل من الصعب التفاوض على حل الدولتين في هذا الصراع، ويرى الفلسطينيون ان أحياءهم تتغير نتيجة للنشاط الاستيطاني، ويوجد في سلوان الان التي يبلغ عدد سكانها نحو 40 ألف فلسطيني حوالي 500 مستوطن يهودي بالاضافة الى تسعة مبان جديدة اشترتها منظمات ثرية مؤيدة للاستيطان في الشهرين الماضيين بهدف جعل المنطقة تبدو يهودية أكثر.

وينظر السكان المحليون الى هذا الاجراء على انه استفزاز أصبح أكثر حدة نتيجة لحصول أحياء الفلسطينيين على خدمات أقل من المناطق اليهودية في القدس الغربية رغم ان الفلسطينيين يدفعون نصيبا مساويا في ضرائب البلدية، وقال ياسر عبد ربه نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ان ثمة خريطة استراتيجية رسمت لخلق حقائق جديدة على الارض تستهدف كل القدس والمسجد الاقصى في القلب، وأضاف ان هذه المعركة بدأت ولا يمكن ان تنتهي الى ان تحبط هذه الخطة، وكان رد نتنياهو هو التحدي، القدس على حد قوله هي العاصمة "الابدية غير المقسمة" لاسرائيل رافضا من الناحية الفعلية هدف الفلسطينيين في ان تكون لهم دولة مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها القدس الشرقية، وعلى الارض في سلوان والثوري وأحياء أخرى بالقدس الشرقية تذكي هذه التصريحات مشاعر الغضب والكراهية التي يكافح الفلسطينيون لاحتوائها، وقد لا تبدو أي انتفاضة جديدة تبدو مثل سابقاتها لكن احتمال امتداد العنف يزداد يوما بعد يوم، وقال عمار وهو فلسطيني شاب يتابع اشتباكات الشارع مع اثنين من اصدقائه "لا يوجد زعماء ولا أسلحة"، وأضاف أن "الفلسطينيين سيجعلون القمع الذي يلاقونه وبالا على رؤوس الاسرائيليين".

الاسرائيليون يتوسعون بهدوء

الى ذلك احتل حراس إسرائيليون بهدوء مبنيين سكنيين تم شراؤهما في حي فلسطيني بالقدس الشرقية في توسعة لمشروع استيطاني يهودي تحديا لانتقاد أمريكي، وتزامن انتقال سابق لمستوطنين يهود يوم 30 سبتمبر ايلول إلى منازل تم شراؤها في حي سلوان الذي يقع في منطقة احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967 مع زيارة للولايات المتحدة قام بها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وندد البيت الابيض بتلك الخطوة، وعلى أمل تعزيز مطلب إسرائيل بكل مدينة القدس يدفع اليمين اليهودي المتطرف مبالغ كبيرة في عقارات حي سلوان غالبا من خلال وسطاء عرب للالتفاف على محظورات فلسطينية بشأن مثل هذه المبيعات، ويقيم عدد يقدر بنحو 500 مستوطن يهودي إما مسلحون أو في حراسة قوات أمن مسلحة في حي سلوان بين 50 الف فلسطيني، ومطالبة إسرائيل بكل مدينة القدس عاصمة لها غير معترف به دوليا، وفي محاولة استهدفت فيما يبدو تجنب تدقيق جديد ومواجهات محتملة تسلل الإسرائيليون الجدد ليلا وتحصنوا في مبنيين قال فلسطينيون انهما كانا خاليين منذ عدة اشهر بعد بيعهما من خلال وسيط محلي اختفى منذ ذلك الحين.

وذعر السكان بعدما علموا ان اصحاب العقارات الجدد من اليهود، وقالت أم عادل قرق (في السبعينات من العمر) من شرفة منزلها المتاخم للعقارين الجديدين اللذين اشتراهما يهود "أحيانا أصعد إلى سطح المنزل بدون حجاب لكن كيف يمكن أن أفعل ذلك الان؟ سينظرون إلي! المسلمون يعلمون انه يجب عدم فعل ذلك"، وابتسم ثلاثة إسرائيليين شبان في صمت من نافذة عليها قضبان في مبنى مجاور، وأمكن مشاهدة أربعة يهود آخرين وجرابات مسدسات أسفل حواجز الرياح عبر باب العقار الثاني الذي يبعد مسافة خمس دقائق سيرا على الاقدام عبر المنطقة السكنية، وقال آفي سيجال وهو محام إسرائيلي يمثل شركة العقارات التي اشترت المنازل انه يتوقع انتقال ثماني أسر يهودية في نهاية الامر، ولم يقدم سيجال على الفور أي تفاصيل اخرى بشأن الشركة وتدعى كودرام. بحسب رويترز.

واصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس قرار شدد فيه العقوبة على من يبيع اراضي فلسطينية لإسرائيل، وينص التعديل الجديد الذي بثته الوكالة الفلسطينية الرسمية بفرض " عقوبة الاشغال الشاقة المؤبدة على كل من قام بتسريب أو تأجير أو بيع الاراضي لدولة معادية أو أحد رعاياها فيما كانت العقوبة السابقة هي الاشعال الشاقة المؤقتة لمن يقوم بتسريب الاراضي إلى دولة معادية"، وقالت حركة فتح التي يترأسها عباس في بيان إنها تجرم "بالخيانة العظمى كل من يسرب أي عقار من عقارات القدس كما حصل في سلوان بإعتبارها وقفا اسلاميا ووطنيا"، ودعت الحركة في بيانها " القضاء والسلطة واجهزتها بإتخاذ الاجراءات الحاسمة لردعها كما يدعو إلى نبذهم ومقاطعتهم وتحقيرهم في كل المستويات الشعبية".

وتجاهل نتنياهو الانتقاد الأمريكي لمستوطني سلوان وبناء إسرائيل في اراض احتلتها عام 1967 قائلا إن تقييد حق أي أحد في العيش في منازل اشتراها قانونا يتعارض مع "القيم الأمريكية"، ويسخر الفلسطينيون من هذا الجدل قائلين انه يلتف على جهودهم المدعومة دوليا لاقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة تكون القدس الشرقية عاصمة لها، وتوقفت محادثات السلام مع إسرائيل في ابريل نيسان، وقال سالم الشويشي (71 عاما) الذي يشترك مع اثنين من اولاده في غرفتين بعقار بسلوان "لا يمكنني العمل، حكومة ترعاهم والمستوطنون يدوسون علينا"، وقال وهو يشير عبر الوادي إلى المدينة القديمة "لقد جئت من هناك لكن الإسرائيليين طردوني اثناء الحرب، والان اعيش هنا، لن ابيع لهم على الاطلاق"، وقالت اسماء زوجة شقيق الشويشي بصوت قلق ان العنف سيتلو الوجود اليهودي المتزايد في سلوان، ويشير السكان الفلسطينيون إلى الشوارع المليئة بالقمامة والبناء العشوائي كدليل على الاهمال من جانب السلطات الإسرائيلية.

غير ان سيارت قوات الامن كانت تقف على مشارف المنطقة، وقالت اسماء الشويشي (50 عاما)"ستكون هناك مشاكل وخاصة مع الاطفال" مضيفة ان ثلاثة من اطفالها أمضوا وقتا رهن الاعتقال الإسرائيلي، وقالت "سلوان عربية ومسلمة وهي عربية ومسلمة فقط"، وقالت امراة أخرى من سلوان تدير متجر بقالة عبر الزقاق الضيق القريب من احد المبنيين اليهوديين انها لن تبيع منزلها أبدا لليهود لكنها ستقبلهم كزبائن لمتجرها، وقالت صاحبة المتجر التي امتنعت عن ذكر اسمها "انني ابيع بالفعل السلع للشرطة الإسرئيلية وبالتالي لماذا لا ابيعها للمستوطنين".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/تشرين الثاني/2014 - 17/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م