الحرس الوطني" أو "الحشد الشعبي" من يكون طوق النجاة؟

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: بعدُ لم تضع الحرب أوزارها ولم تنقشع الغمامة عن الشعب العراقي وهو يواجه خطر الارهاب الطائفي الداهم، ونسمع عن وجود تشكلين عسكريين في الساحة، أحدهما حاضر بالقوة والفعل، وهو "الحشد الشعبي"، والآخر ما يزال حاضراً بالقوة فقط، وهو "الحرس الوطني" لانه ما يزال في طيّات أوراق رئيس الحكومة الجديد حيدر العبادي الذي تبنى هذا المشروع ضمن برنامج حكومته.

ومن المتوقع والمؤمل من التشكيلين أن يكونا طوق النجاة للعراق وأهله في خضم الصراع المرير والدامي مع الارهاب الطائفي الذي بات دولياً ومنظماً، فكان الرد دولياً ايضاً، حيث بات العراق مسرحاً لحرب دولية بين تنظيم ارهابي يجند عناصره من مختلف بلاد العالم، وبين تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة تحت شرعية أممية، مما يعني هذا ان أي تفكير في الملف الامني والعسكري على اراضينا يجب أن يكون نحو أفق بعيد يستوعب التحديات التي تواجه العراق ارضاً وشعباً، وعلى المدى البعيد.

ففي الوقت الذي تتحدث فيه اوساط سياسية ودينية عن ضرورة رد الجميل للحشد الشعبي الذي تشكّل في هبّة واحدة وبكلمة واحدة من المرجعية الدينية، وبتفاعل جماهيري واسع مع فتوى "الجهاد الكفائي"، وذلك من خلال الاهتمام بالمصابين وذوي الشهداء ، وايضاً بتوفير الدعم المالي واللوجستي لهم، وهم يخوضون حالياً معارك على الارض في اكثر من محور ساخن، ليس أقله المعارك التي جرت في ناحية "جرف الصخر" وكان الدور واضح لهذا التشكّل في تحرير هذه الناحية من عصابات "داعش". ومن خلال منابر متعددة صدرت مطالبات بضرورة صرف رواتب المنتسبين الى هذا التشكّل والمتأخرة للأشهر الماضية. وحسب المعطيات الموجودة فان هذه المطالبة تتقاطع مع هموم الحكومة وهواجسها من تراجع الواردات النفطية واحتمال تعرض العراق لقلة في السيولة النقدية بسبب تراجع اسعار النفط في العالم، مما يجعلها تضع أولويات خاصة على الطاولة، ربما لا تكون ضمنها المنتسبين في الحشد الشعبي، وقد عبّر عن هذا الهمّ وزير المالية هوشيار زيباري، بأن خزينة العراق مثقلة بالمطالبات والاستحقاقات المتعلقة بالتطورات الجديدة على الصعيد الامني، في مقدمتها تغطية تكاليف التسليح واستقبال الخبراء الاجانب لتوفير المزيد من الخبرات والتجارب للقوات المسلحة او التدريب على بعض الاسلحة والمعدات المتطورة التي تتوافد على العراق هذه الايام، الى جانب تكاليف اخرى.

ومن اجل استيفاء هذه الحقوق يتقد البعض أن الطريقة الوحيدة او الافضل، إضفاء صفة رسمية على هذا التشكّل، ربما يكون ضمن خطة دمج مع قوات الحرس الوطني المفترض ان تكون أمام أنظار نواب البرلمان للتصويت عليه، ليكتسب صفة قانونية، ويكون الجميع مصانون ومدعومون من الناحية القانونية، أسوة بموظفي الدولة والمنتسبين في القوات المسلحة.

المراقبون والمتابعون يرن في هذه الفكرة جانباً ايجابياً و آخر سلبياً؛ فالجانب الايجابي، اضافة الى ما تقدم، فان من شأنه ان يوحد الصفوف تحت انتماء واحد، حيث من المفترض ان يكون الحرس الوطني، قوة عسكرية خاصة لكل محافظة في العراق، تقوم بتوفير الامن والاستقرار ومواجهة الارهاب وما يهدد المحافظة، كما هو دور "البيشمركة" في كردستان، ويقلل الى حدٍ كبير التدخلات الفئوية والتأثيرات والمحسوبيات في الامتيازات والدعم وغير ذلك، كون الحشد الشعبي بالاساس متشكل من فئات اجتماعية ومنبثق من مؤسسات وجماعات مدعومة من فئات وتيارات او اشخاص معينين، فيكون الانتماء والولاء للوطن بالدرجة الاولى ولتوفير الامن والاستقرار للناس.

أما الجانب السلبي الذي له اهمية ربما اكثر من الجانب الايجابي المحبب، ألا وهو "العقيدة العسكرية". المتطوعين الذين توافدوا زرافات على مكاتب التطوع في عديد المحافظات العراقية، بل جاء بعضهم من خارج العراق، لينضم الى الحشد الشعبي، إنما حمله على المخاطرة بنفسه، حسّه الديني والتزامه بفتوى المرجعية الدينية. وقد أجمع الساسة والخبراء في داخل العراق وخارجه، أن التعبئة الجماهيرية الهائلة وتسيير الآلاف من الشباب نحو سوح المعارك، لم يكن ليتحقق إلا بكلمة من مرجع دين، وليس بكلمة من مسؤول في الدولة مهما كان، ومهما كانت شعاراته وحوافزه واهدافه.

هنا يبدو مهمة الحكومة العراقية صعبة ومعقدة بعض الشيء، إذ عليها ان تراعي التوجه العام لدى الشارع العراقي وولائه الى المرجعية الدينية بالدرجة الاولى، وفي نفس الوقت عليها أن تلاحظ وتراقب عن كثب تحركات الاميركيين والغربيين في الساحة، فربما ترفض الادارة الاميركية تقديم المساعدات العسكرية من تسليح وتدريب، الى تشكل عسكري غير منضمّ من الناحية المهنية والادارية بالحكومة وبالقوات المسلحة، فهي غير معتادة على التعامل مع تنظيمات مسلحة، مهما كانت اهدافها وتوجهاتها نبيلة. فضلاً عن انها تشعر بتنامي القلق على مصالحها في العراق يوماً بعد آخر، بسبب هشاشة الوضع السياسي وعدم تجاوز التجربة الديمقراطية مرحلة النجاح الاولى في تشكيل حكومة تكتسب ثقة جميع العراقيين، وتكرار اخطاء سياسية و أمنية فاحشة.

  لذا يعتقد الكثير إن طرح العبادي لفكرة "الحرس الوطني" جاءت بشكل متسرّع وغير مدروس من الجوانب كافة، وقد عدّها البعض انها خطوة وتمهيد نحو الانفصال وتضعيف قوة الجيش العراقي والمؤسسة الامنية، فبدلاً من تعزيز المؤسستين، كما هو معروف في كل دول العالم، فان العراق بصدد خسارة هذه القوتين الاساس في ضمان سلامة وأمن الدولة والشعب. والخيار الوسط، إضفاء صفة قانونية على الحشد الشعبي في الوقت الحاضر، وإخراجه من الانتماءات المتعددة، وتسييره ضمن خطة ومنهج واحد، حتى يكون رافد التسليح والتدريب واحد ايضاً، ويبدو ان هذا ما ترجوه حكومة العبادي في مناشداتها واشنطن بالتسليح والتدريب، وأن تكون الدولة هي اليد التي توزع السلاح لافراد الحشد الشعبي، سواءً كانوا من المواطنين العاديين او من ابناء العشائر، لاسيما في المناطق التي ينتشر فيها الارهاب الداعشي.

وبهذه الخطوة تكون الدولة والحكومة قد ضمنت التفاعل الكبير والحماس الجماهيري والتفاني للمشاركة في قتال "داعش"، ما دامت الحكومة غير قادرة على وضع إطار كبير وناجح للتحشيد والتعبئة الجماهيرية العامة، فان لها القدرة – على الاقل- على الادارة والتمويل والتسليح لتحقيق القدر المستطاع من الامن والاستقرار في العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/تشرين الثاني/2014 - 17/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م